كلمة آية الله قاسم في ذكرى مولد الزهراء بقم المقدسة – 25 فبراير 2019
وصيتي للشباب التمسك بالعلماء الصالحين الشجعان الغيورين على دين الله
ستكونون قوة لا تقاوم حين تتمسكون بالإسلام.. ولا نهضة من دون انبعاثة جديدة
كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في مولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) بحسينية الإمام الرضا (ع) / البحرانية في قم المقدسة – 25 فبراير 2019
للمشاهدة :
نص الكلمة :
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
السلام على هذه الوجوه الطيبة المشعة بالإيمان، المليئة بالعزم، الناطقة بالصمود، العشّاقة لله تبارك وتعالى ولأوليائه الصالحين الصادقين.
أمة أصيلة، عريقة، قوية، رسالية، مسئولة، كريمة، صنعتها السماء، صنعتها كلمة الله، صنعها قرآن الله العظيم، صنعها أكرم إنسان على وجه الأرض محمد بن عبدالله “صلى الله عليه وآله” بهدى الله وهدى كتابه.
أمة أيقظت الدنيا بكاملها، بعثت في الإنسانية روح الإنسان العظيم، أدارت وجه التاريخ، وتوجهت على يدها الإنسانية إلى قبلة جديدة، وكانت قبلة الدنيا يوم ذاك هي الأرض، فصارت قبلتها على يد الإسلام وكتابه ورسوله وأوصياء رسوله هي السماء، ولن يفلح الإنسان يوما وقبلته الأرض، إنه لا يفلح إلا أنْ تكون قبلته السماء.
هذه الأمة الكريمة العملاقة الحيّة الوثابة الصنَّاعة، نسيت نفسها، وبعدت عن خطها، وهجرت كتاب الله العظيم، نسيت الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم” وسنته الطاهرة، نسيته بمقدار وفي قطاعات كبيرة من أبنائها وبناتها فبلدت وخمد نورها وتبدّلت عزتها إلى ذلٍ وهوان.
هذه الأمة، والإنسانية من ورائها، لم يرضَ لها إلاهها الكريم العظيم الحق إلا أن تكون قيادتها السماوية، أن تكون قيادتها صنعت على عينه، وكتابها ودستورها من عنده، وخسئت حين استبدلت ما عند الله بما هو من عند الشيطان.
أمتنا اليوم استيقظت بدرجةٍ ما، أسفت لما فرطت في جنب الله، انبعث في وسطها قادة كبار على مستوى الفكر وعلى مستوى المواجهة للجاهلية.
كثيرون هم قادة الفكر في أرض الإسلام، وكثيرٌ هم الذين برزوا في سوح الجهاد وعلى مستوى القيادة لهذه الأمة على طريق الهدى، والثورة الكبرى في عصرنا الحاضر وكما يعرف العالم جميعاً، وباسم الإسلام، مع الصدق مع الإسلام، والذوبان في الإسلام، كانت ثورة الإمام الخميني -أعلى الله مقامه-.
الأمة اليوم تنهض، والأمة لها مقومات، الأمة العظيمة، الإنسانية، التي تأخذ أعلى درجات السمو المعنوي، وأعلى درجات القوة المادية، هي أمة لها مقوّمات، نهضة هذه الأمة لها مقومات، كيف انخلقت الأمة الإسلامية العملاقة التي كانت قبلة العالم في الصدر الأول للرسالة؟
البداية هي معرفة المبدأ الحق، المثل الأعلى والكمال المطلق ومن له الكمال المطلق، معرفة الله والإنشداد إليه، والإئتمار بأمره والإنتهاء بنهيه، وأن يكون هو الهدف وهو القائد وكلمته هي القائدة والمربية، وكلمته هي الآمرة والناهية، وهذا أول الأمر.
*الإنسان..
المقوم والشرط الثاني هو العلم بالإنسان، ما الإنسان؟ ما قيمته؟ ما دوره؟ ما رسالته؟ ما هو حاضره؟ ما هو مستقبله؟
حين يعرف الإنسان نفسه أنه موجودٌ كريم، وموجودٌ عظيم، أوجدته القدرة الإلهية اللامتناهية، حين يعرف الإنسان نفسه عبداً للرب الحق، حراً أمام كل شيء آخر، عبداً أمام الخالق الحق، حراً أمام كل شيءٍ آخر، حين يعرف نفسه أنه يعيش أياماً أو سنيناً قصرت أو طالت فهو إلى رحيل إلى عالم آخر، وليس إلى نهاية عدمية، حين يعرف الإنسان نفسه عقلاً كبيراً، وفطرة هادية وضّاءة، وروحاً من روح الله تبارك وتعالى، وأنه ليس قبضة طينٍ فقط، وإنما هو إشعاعةُ روحٍ من روح الله تبارك وتعالى، وشرفه هنا في هذه الإشعاعة، في هذه النفخة الكريمة، المنحة الكبيرة الإلهية التي لم يشارك الإنسان فيها مخلوق آخر على وجه الأرض، حين يعرف نفسه أنه خليفة الله في الأرض، عليه أن يعمر نفسه، أن يعمر وجود أخيه الإنسان، أن يعمر الأرض، أن يحمل رسالة السماء، أن يصنع نفسه على ضوء أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، هنا يكبر الإنسان في نفسه، في حين يعرف من نفسه أنه ذليل، ذليلٌ أمام قدرة الله وصانعه ومالك كل ذرة من وجوده، مالك مبدأه ومصيره، عظيم بهذا العطاء من الله، بهذه المواهب الكريمة، بهذا الدور الخلاّق، الذي أعدّه الله عز وجلّ له، أنا لستُ غنمة، ولستُ بقرة، كإنسان لي كرامتي الخاصة، لي دوري الخاص، تميزي عن الغنمة بماذا؟ عن البقرة بماذا؟ تميزي بأن أعي صلتي بالله الوعي الكبير، أن أعرف عبوديتي وربوبية الله تبارك وتعالى، وأن أصنع هذه الذات الصناعة التي ترضي الله عز وجل.
والإنسان أيها الأخوة، وكما نعرف جميعاً، رجلٌ وامرأة، ولن تقوم أمة القيام الصحيح، لن تنبني، لن تنهض، لن تستوي على ساق، لن تسمق، لن تخلد، لن تربح هذه الحياة، إلا برجل صالحٍ قوي، وامرأةٍ صالحةٍ قوية، نهضتنا تحتاج إلى مثلٍ أعلى، إلى مبدأ هو الإسلام، إلى كتاب هو القرآن، إلى رجل صالح قوي، وامرأة صالحة قوية، يصنعان حاضراً كبيراً عملاقاً متقدماً هادياً مهتدياً لهذه الأمة ومستقبلاً أكبر وأشعّ وأكثر عطاءً وأكثر تقدماً وسمواً، نحتاج إلى الرجل الصالح والمرأة الصالحة.
ومشروع هذا الرجل الصالح، والمرأة الصالحة، الذي يُرتقب له أن يكون صالحاً فعلاً، واعياً فعلاً، متقدماً فعلاً، شجاعاً فعلاً، مقداماً فعلاً، فعالاً فعلاً، في المرأة وفي الرجل، هو هذا الإنسان، ليس عليه إلا يتربى التربية الإسلامية وأن يهتدي بهدى القرآن ومحمد صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين.
فلننبعث من داخلنا، ولنصنع أولادنا الصناعة الجديدة والتربية الجديدة، التي تعطي القوة في كل أبعادها، في بعد الروح وفي بعد الفكر، الأخلاق والإرداة، والنفسية والبدن والوضع الخارجي، علينا أن نقوى ونعطي القوة لأوضاعنا الحياتية الخارجية لتكون لنا كلمة مسموعة في الأرض.
تعالوا ننتقل من الإرتباط نفسياً، روحياً، عقلياً بالأرض، إلى الإرتباط بالسماء. السماء لن تفصلنا عن الأرض كلياً، ولن تُنسينا أننا في جزء من كياننا ووجودنا شيئاً من تربة الأرض، السماء تعلم أننا جزء من الأرض، في جزء من كياننا قبضة طين، ولكن فعل السماء أن تسمو بهذه القبضة، وأن تجعل منها وسيلة بيد الروح والعقل والفكر المتقدم والرؤية الكونية الفسيحة الحقيقية، فعلُ السماء أن تعطي هذه القبضة من الروح الإلهية في الإنسان حياةً وخصباً وفاعليةً وقوةً وتجعلها على طريق الهدى والإستقامة والتقدم.
تبقى قبضة الطين جموداً، وعدم حراك، وغفلة، وجهلاً ووضاعة، ولا ترتفع بهذه القبضة شئناً، ولا تكون لها فاعلية ولا هادفية ولا تقدماً ولا قدرة على الصنع والإعمار، إلا الروح الإلهية في جنب الإنسان، إلا تلك الإشعاعة التي كان بها الإنسان من أكرم المخلوقات.
حتى نعمر الأرض لابد من أن نعمر أنفسنا بفكرة السماء.
كان الإسلام رجالاً، محمد “صلى الله عليه وآله وسلم” -الإسلام في جانبه البشري الإنساني-، محمد “صلى الله عليه وآله”، عليٌ، والأئمة عليهم السلام، والصحب الكرام الهادون المهديون الميامين، ممن عرفوا الحق وألتزموه وداروا فيه وأخلصوا له.
وكان امرأةً، فاطمة بضعة رسول الله “صلى الله عليه وآله” صنع تربية القرآن، وتربية رسول الله “صلى الله عليه وآله”، كلمة من كلمات الله الهادية، فاطمة كلمة من كلمات الله الهادية.
إنْ أردتَ المرأة الواعية، الشجاعة، الباسلة، الرشيدة، الطهر، الزكية، إنْ أردت كل معاني الكرامة والعظمة والتقدم الإيجابي والهدى والصلاح، إنظر إليها في فاطمة عليها السلام، خُذها من فاطمة عليها السلام.
محمد “صلى الله عليه وآله” الرجل القوي، خديجة، فاطمة، زينب، أم كلثوم، نساء أخريات فاضلات كريمات مدافعات عن الإسلام أبيّات، هنّ المرأة القوية.
فكما كان الإسلام بالمثل الأعلى، كما كانت الأمة القوية الخالدة بالارتباط بالمثل الأعلى، بدين هو الإسلام الحق، بكتاب هو القرآن الكريم، كان الإسلام من بناء محمد “صلى الله عليه وآله” وأهل بيته، والصحابة الكرام الذين ابتدأوا الإسلام فأمسكوا به وتعلقوا بعروته الوثقى، ومن صناعة خديجة وفاطمة والنساء المؤمنات الخالدات الطاهرات.
ما انبنت به الأمة أول يوم هو ما تعود به بنيتها قوية شامخة هذا اليوم وبعد اليوم، إن أردنا عودة للمجد، للعظمة، لقيادة العالم، لهداية العالم، لترشيد العالم، لبناء دنيا عريضة كبيرة قوية للعالم، مع بقاء الإنسان على إنسانيته والأخذ بهذه الإنسانية إلى علو وسمو وخلود، فلنصنع رجالاً على ضوء شخصية رسول الله “صلى الله عليه وآله”، وأهل بيته والصحابة الكرام، ولنصنع أمراة على ضوء خديجة وفاطمة وزينب عليهن السلام.
فاطمةُ نحتاجكِ في نهضتنا، بشهادة القرآن، بشهادة رسول الله “صلى الله عليه وآله” بشهادة الأئمة المعصومين، بشهادة كلمتكِ، بشهادة موقفك، الموقف السلبي والموقف الإيجابي، بشهادة شخصيتك في كل أبعادها الإنسانية العملاقة، حتى نعود أمة عزيزة كريمة تعطي للعالم قوةً ورشداً، وتعدل ولا تجور، وتعز الإنسان في شرق الأرض وغربها ولا تذله، ليس من قصد أي مسلم واعٍ أن يذل أحداً في الأرض، في الأصل يريد للناس كل الناس العزة، إلا أن يصر أحد على أن يكفر فيذل، على أن يفسق فيذل، على أن يجور ويظلم فيذل، أما هدفي وهدفك فأن يعز الجميع وأن يهتدي الجميع وأن يسعد الجميع في الدنيا ويسعد الجميع في الآخرة، هذا هو الهدف.
الله عز وجل يريد النجاة لكل عباده وأنا أريد الشقاء لبعض العباد؟ النبي “صلى الله عليه وآله” رحمة للعالمين ويريد الهداية والصلاح والسعادة لجميع العالم، وهكذا أئمة أهل البيت “عليهم السلام”، وأنا المدعي أني على طريقهم أريد الهلاك للناس، أريد أن يسعد نفر وأن يشقى نفر، لا، كما أراد الله لعباده أن يهتدوا جميعاً، وأن يرشدوا جميعاً، وأن يسعدوا جميعاً في الدنيا والآخرة، عليّ أن أريد، وكما أراد رسول الله والكتاب الكريم والأئمة الأطهار للناس كل الناس أن يهتدوا، أن يسعدوا، أن يقووا، أن يرشدوا، أن يتحابوا، أن يبقوا أخوة في الدنيا وفي الآخر، عليّ أن أكون مثل ما هم. وحب الله عز وجل لعباده أن يهتدوا ما منع أن يغوى بعض الناس بارادتهم، وأن يسعدوا ما منع أن يشقوا بارادتهم، وأن يعزوا ما منع أن يذلوا بإرادتهم، بانحرافهم عن طريق الله سبحانه وتعالى وطريق رسوله.
فاطمة عليها السلام حجةٌ على جميع المسلمين، قدوة لجميع المسلمين، حبها فرضٌ بإجماع المسلمين على كل المسلمين.
أين تذهب بفاطمة أنت؟ في أي درجة تضع فاطمة عليها السلام، هل تقدّر لها قدرا؟ هل تملك أن تقدّر لفاطمة قدرا ورسول الله “صلى الله عليه وآله” يقول عنها أن الله ليغضب لغضبها ويرضى لرضاها، من تلك؟ ما هي تلك؟ ترضى عني أعرف أن الله راضٍ عني، تغضب عليّ أعرف أن الله غاضب عليّ، ماذا يعني هذا؟ هل يرضى الله عز وجل عن خطأ وانحراف؟ هل يغضب لإستقامة؟ اذن فاطمة لا ترضى إلا بما هو حق، لا يرضيها إلا ما هو حق، في حادثة، في شخص، في أمة، في حرب، في سلم، في سياسة، في اجتماع، وغير ذلك.
فاطمة عليها السلام، كيف لا تغضب إلا لغضب الله، حتى أن الله لا يغضب إلا لغضبها؟ ولا ترضى إلا برضا الله حتى أن الله عزوجل يرضى برضاها، لابد من فكر مطابق لما يصل بالله ولما يفصل عن الله، لما هو حق وما هو باطل، ما عرفته فاطمة باطلاً فهو باطل، ما عرفته حقاً فهو حق، الفكر لا يكفي، الإدراك لا يكفي، قلب فاطمة، شعور فاطمة، أحاسيس فاطمة، سرور فاطمة، كل ذلك وغضب فاطمة، وحزن فاطمة لا يكون إلا لباطل، في غير ما هو ضاغطٌ على الناحية البشرية مما يسبب حزن البشر بما هو بشر، وليس بما هو اشعاعةٌ من السماء، وبما هو رسول من رسل الله عز وجل.
فاطمة تغضب، فاطمة ترضى، لكن لا كرضا الآخرين، ولا كغضب الآخرين، مقياس رضاها رضا الله، وغضبها غضب الله، ولذلك يرضى الله لرضاها، ويغضب لغضبها، معناها معصومة، فكراً وشعوراً وعملاً، فإذا كانت معصومة كانت كلمتها حجة، حديثها لا يرد، كلمتها لا ترد، كيف تكون فاطمة سيدة نساء العالمين؟ لأنها بنت رسول الله “صلى الله عليه وآله”؟ لأنها بنت الملك؟ المقياس في الإسلام ما هو؟ المقياس المادي، مقياس المناصب الدنيوية؟ أم المقياس مقياس حجم الوجود الروحي، الوجود الفكري في الإنسان، حجم الحيوية، والفاعلية لإشعاعة السماء في كيان هذا الإنسان، هذا الكيان من الإنسان ملؤه فعلاً تلك الإشعاعة وعطاءاتها، تلك الإشعاعة وترشحاتها، وهذا الإنسان حيوانٌ لبهيمية الحيوان، وشهوة الحيوان، وأرضية الحيوان، ونظرة الحيوان، وانكباب الحيوان على ما في الأرض، وهذا هو الفارق بين إنسانٍ وإنسان، سيدة نساء العالمين بماذا؟ بالأول أم بالثاني؟ هل من مسلم يجرء أن يقول عن رسول الله “صلى الله عليه وآله” بأنه شهد لفاطمة “عليها السلام” بكونها سيدة نساء العالمين على أساس انكبابها على الأرض، وأنها تملك مالاً أكبر من مال الآخرين، لأن لها منصباً سياسياً؟ إدارياً وما إلى ذلك؟ هل هذه مقاييس رسول الله؟ فسيدة نساء العالمين لابد أن تكون أعظم نساء العالمين في الجانب الروحي، في النفخة الإلهية من ناحية فعلية حية فعالة تقود فاطمة عليها السلام على طريق الله سبحانه وتعالى ولا تعدل خطوة واحدة من خطواتها عن خط الله عزّ وجل.
*المصادر سنية:
فاطمة “عليها السلام” المبدأ فيها يحكم الدوافع المادية، “يوفون بالنذرويخافون يوماً كان شره مستطيرا”، الحضور لأي شيء هنا؟ للبطن؟ لشهوة البطن؟ للضرورة البدنية؟.. “ولو كان بهم خصاصة” تقول الآية، جاء على جوع، على صوم، الحضور كما تشهد الآية لأي شيء في وجود فاطمة عليها السلام، لنفخة الروح؟ أو لقبضة الطين؟ نفخة الروح ومقتضياتها؟ أو لقبضة الطين ومقتضياتها، واضح جداً، “يوفون بالنذرويخافون يوماً كان شره مستطيرا”، الخوف من ذلك اليوم هو الخوف من مالك اليوم، من عدل مالك ذلك اليوم، فهنا مبدأ يحكم الدوافع المادية، فاطمة عليها السلام بشر، لكن هذه الدوافع المادية لا تفلت قيد أنملة عن حاكمية المبدأ والرسالة والهدف الإسلامي الكبير.
“ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا”، على حبه، وحبه يرجع إلى أمرين، إلى الدافع وتأجهه في الداخل، وإلى جاذبية الطعام الخارجي، وهذا من حكمة الله عز وجل، أن خلق لنا دافعاً يأخذ بنا إلى ما يحافظ على حياتنا من طلب الطعام، وخلق للطعام جاذبية بلونه وبطعمه وريحه وما إلى ذلك، فعلى حبه في لحظة حب لذلك الطعام (مو برياني، ولا مجبوس، قرص)، لكن ذلك القرص في ذلك اليوم هو أشهى طعام، والجوع أمهر الطبّاخين.
نسأل عن فاطمة عليها السلام في جانبها الروحي، كم طولها؟ كم عرضها؟ كم وزنها الجسمي؟ هذا ليس عملنا، وليس بمهم، حتى إشراقة الوجه المادية ليست عملنا، هذا لا يعطينا قدوة، ولا يمثل قدوة، فاطمة الجمال العظيم، أين أكبر جمالها؟ أكبر جمالها فيما تحدثنا عنه الآية الكريمة آية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، مناسبة نزول الآية الكريمة، والدراسات التي انصبت حول هذه الآية، والاستفادة من قرائن داخلها، وابعاد أم سلمة عن الدخول تحت الكساء، مع أنها إن شاء الله على خير، أنتِ على خير، ولكن خيرك لا يوصلك للدخول تحت الكساء.
هذه الطهارة الروحية، طهارة العصمة، طهارة الفكر، طهارة المشاعر، طهارة السلوك، هذه الطهارة هي ما صنعت فاطمة قوية في الموقف السياسي، وفي الموقف الإجتماعي، وفي موقف المعارك التي خاضها رسول الله “صلى الله عليه وآله” وعاشت آلامها وعاشت دمويتها وشهدت مصارع الأحبة من رجال المسلمين.
فاطمة عليها السلام مثلٌ أعلى للمرأة، يعطينا ذلك آية المباهلة، “تعالوا ندعو نسائنا ونسائكم”، المرأة الفريدة التي اختيرت للمباهلة هي فاطمة في صف علي والإمامين الطاهرين الحسن والحسين، يقول لهم نموذجنا الأعلى في المرأة هو هذا، أخرجوا نموذجكم أنتم في ما ترون، ونتباهل، آية المباهلة تقدم لنا فاطمة عليها السلام مثلاً أعلى للمرأة المسلمة والمرأة في العالم.
أختى وأخي، ابني وأبنتي، شبابنا، شاباتنا..
تستنصحني أو تنستنصح من هو أكبر مني، تقول أنا في المنطقة الفلانية، بمن أقتدي؟ بمن أسترشد؟ برأي من آخذ؟ أنا الصغير الذي أجهل، الذي قد أغش، الذي قد أغفل، الذي قد يغلبني الهوى، أقول لك فلان، وأنت بسبب آخر شيئاً من حسن الظن فيّ، تأخذ بهذا الرأي أو لا تأخذ؟ الذي يدلّك بسلوك النبي “صلى الله عليه وآله” وسلوك علي “عليه السلام”، برأي النبي، برأي علي، من؟ برأي فاطمة؟ بسلوك فاطمة؟ بعفاف فاطمة؟ من يدلّك على ذلك؟ من الذي نصحك بذلك؟ أليس الله؟ أليس كتاب الله؟ أليس رسول الله “صلى الله عليه وآله”، بعد ذلك، أختي، حبيبتي، شخصٌ يفتح مقهى، يفتح للشباب والشابات، يقدم للشابات عطاءً ومنحاً وتكريماً اجتذاباً لهنّ، ويطلب منهنّ أن لا يجتمعن على طاولة واحدة، وإنما يتفرقن على عدد من الطاولات ليجتمع معهن في كل طاولة شباب من الذكور، تتحولين إلى سلعة رخيصة؟ دونية؟ رآكِ ديناً وإنسانية ونسباً ومستوى علمياً وبدناً، رآك سلعة رخيصة يتاجر بكِ وتبذخ مالياً على حساب كل ذلك منكِ، تقبلين؟ تنسين فاطمة وتقديم الإسلام والقرآن لها قدوة لكل نساء العالمين، سيدة نساء العالمين فلابد أن يقتدين بها، وتغلبين لمكر هذا الماكر، وخداع هذا الخادع، اربئي بنفسكِ عن هذا المستوى، وأنت الشاب اربأ بنفسك عن هذا المستوى.
ستكونون قوة لا تقاوم، حين تتمسكون بالإسلام، بالقرآن، تصنعون أنفسكم على هدى محمد “صلى الله عليه وآله”.
ووصيتي للشباب أخيراً، في كل بلد من بلدان المسلمين، وكل بلدان المسلمين عزيزة، وفي البحرين وهي عزيزة، أن يلتفوّا كل الإلتفاف بالعلماء الصالحين الشجعان الغيورين على دين الله تبارك وتعالى من أصحاب الحكمة ورجاحة العقل والتدبير.
غفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..