ستةٌ وأربعون عاماً على طريق أمير المؤمنين (عليه السلام)
عادَ آية الله قاسم للنّجفِ الأشرَفِ مُحمّلاً بالأجوبةِ لكلّ جدرانها التي رُسِم عليها شتّى الأسئلةِ عن الشّاب النّابِه الذي كانَ يخطو على سُلّم عُلومِ الشّهيد السيّدمحمد باقر الصّدر تلميذا..
عادَ بعد ٤٦ عامًا بَكت فيها الجُدران التي شَهِدَت ذلك العهد في طريقِ ذات الشّوكة .. الصَّدْر الذي راحَ شهيدًا على يّد البعث الصدّامي، والآصفي الذي مَضى في طريق الجهاد قبل سنوات، والشاهروديّ الذي ترجّل بالأمسِ بعدَ أن ترك وصايا السير في الجادّة.
بقيّة الرساليّة الباقية مِن الأصحاب، عادَ قاسمٌ اليوم ليقفَ دقيقةَ “طأطأةٍ” قبالَ قبّة عَليٍّ البيضاء بَعد أن أمضى “نصف قَرْنٍ” مِن العُمرِ شامخَ الهامِ في وجهِ كلّ قوّةٍ استكباريّة طاغِيَةٍ، ومعه أشواق السنين، واعتذارات الغياب الطويل.
أينَ غِبت؟ تُعاتب جدران النجف الباهتة، لكن الشيخ الذي تعاهد على الدرب هناك، صار يحدّث بأعباء امتداد المسيرة العلوية الحافلة، أقصينا كما أقصي علي، وأُنكرنا في الغدير، وشهدنا صفين والنهروان وأُخر متشابهات، ولمّا أصبح معاوية سيداً، لم يكن بأدهى منا ولكنه يمكر ويفجر، حتى وصل سيفه لنا، وكعلي في ميادين قتاله، فالسيف إذا وصل فإنه لا يزلزل أقدامنا، ولا يحيد بنا عن الطريق.
يقف ابن النجف اليوم في مواضع “أمين الله”، مجلبباً بهيبة علي، تَتَنزّل عليه فيوضات القبة النوراء.. يقف ببطنه الأخمص، ووجهه الأصفر، عليه غبرة الخاشعين، يتمتم بشفاه ذابلة: اللهم اغْفِرْ لاَِوْلِيآئِنا وَكُفَّ عَنّا اَعْدآئَنا واشْغَلْهُمْ عَنْ اَذانا وَاَظْهِرْ كَلِمَةَ الْحَقِّ وَاجْعَلْهَا الْعُلْيا وَاَدْحِضْ كَلِمَةَ الْباطِلَ وَاجْعَلْهَا السُّفْلى اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَىءْ قَدير.