لا حلّ للأزمة والشعب في السجون
بسم الله الرّحمن الرّحيم
في البحرين أزمة أشدّ من أنْ توصف بأنها ضاغطة على الشعب والحكومة، وأنّ المسافة في تباعد مستمرّ بسببها. إنّها حارقة لقوّة وطن، لحاضره، لمستقبله، لثروته، لأمنه، لكرامة إنسانه، لاستقرار مظلومه وظالمه. ولا يمكن لأحد أن يدّعي بأن الآثار الموجعة للأزمة ستقف عند حدّ، وتنتهي إلى سقف معيّن معروف. واعترف هذا الطرف أو ذاك الطرف بهذا الأمر أو لم يعترف فهذا هو الواقع الذي لا يغيّره الإنكار.
والأزمة في أساسها سياسيّة بمعرفة كلّ الداخل والخارج، وما هو بالأمر الخفيّ، أو القابل للإخفاء. وبذا لا تكون معالجةٌ إلّا بالحلّ الذي يخلّص من هذا الأساس ويعالج خلله. وكلّ حال لا يراد له أن يقف الوقفة العلاجيّة الجادَّة مع هذا الأساس، وأنْ يتجاوز النظر إليه وكأنه لا وجود له فهو حلٌّ شكليٌّ زائف لا يعوّل عليه. ولو صدق لا يصدق كثيراً، ولو مكث لا يمكث طويلاً، ولا يُعالِج إلّا معالجة سطحيّة، ولو أسكت لا يطول به السكوت.
وأيّ حلٍّ للمشكلة السياسيَّة، ولأيّ مشكلة أخرى مترتّبة عليها وهي مشاكل جمّة ومعقّدة لا يمكن أن يتمّ بالصورة الحقيقيّة وجموع غفيرة من أبناء الشعب وحتّى بناته، ومن علمائه القدوة، ورموزه السياسيّين الذين ينالون إعجابه، ويمتلكون الموقع العزيز والمكانة الرفيعة في ضميره تقبرهم السجون، وتصادر حريّتهم قضبان الحديد، وما دام العديد من شبابه وحتى صبيته يطاردون ليل نهار، وينتزعون من بيوتهم انتزاعاً يمزّق قلوب أسرهم. وحلّ ليست له مصداقيّة عمليّة، ويبقى حبراً على الورق مفصولاً عن الواقع العمليّ هو والعدم سواء.
ولا حلّ يجد له فرصة التوافق بين الحكم والشعب من ممثّلٍ غير حقيقيّ للشعب أو الحكم. والشعب يعرف من يختار لتمثيله أو يوافق عليه لو تقدّم لذلك ممّن إرادته من إرادته، ورأيه من رأيه، وتوجّهه من توجّهه. إمّا أن يُفرض أحدٌ ممثّلاً للشعب، أو يحاول أحدٌ أن يَفرض نفسه على الشعب ممثّلاً له فإنّه يستحيل أن يعدّه الشعب ممثّلاً له، وأن ينال ما ينتهي إليه مع الطرف الآخر ممّا يخالف رأيَه موافقتُه.
مِن أوضح من يمثّل الشعب بحقّ، ويراهم الشعب ممثّلين له هم عدد معروف ممّن يقبعون في ظلمة السجون من علماء ورموز سياسيّة. والمطالبة بالحقوق وفي مقدّمتها الحقّ السياسيّ إمّا أن تتوقّف بلا حلٍّ عادل، والشعب مؤمن كلّ الإيمان بأنّ في ذلك استمرار عذابه وتعاظمه، وخسارة الوطن كلّه، ويعلم من نفسه أنّه لا يقدم على مثل هذه الجريمة في حقّ نفسه وأجياله وأرضه.
وفي ظلّ هذا الموقف الثابت من الشعب يكون توقّف الحراك المُطالِبِ بالحقوق مرهوناً بموقف الحكم من قضية الحلّ للمأزق السياسيّ وما يتبعه حلّاً عادلاً يوافق عليه الطرفان لتنتهي به الأزمة ويستريح الجميع ويأمن هذا الوطن المعذّب الذي يجب أن يعزّ على كلّ من يعيش على أرضه فضلاً عن مواطنيه.
وممّا يؤسَف له بالغ الأسف أنْ تكون مجريات الواقع العمليّ التي تواجه هذا الشعب وباستمرار ممّا يبعّد عن الحلّ، ويزيد في اتّساع المسافة بين طرفي النّزاع من الشعب والحكم، ويصير بالوطن إلى النفق المسدود. وهل يرى أحدٌ في تشديد الحكم على رمز السلميّة والعقلانيّة والمحبّة لجميع المواطنين سماحة الشيخ علي سلمان غير هذه الدلالة ؟!
هذا هو الواقع المؤلم والمرير، حين أنّ هذا الوطن، وكلّ الأوطان من أرض هذه الأمة أحوج ما تكون للتعقّل وسلوك الطريق الذي تأمن به من هذا الزلزال الشامل الذي يتهدّد وجود أمّتنا بكاملها، وكلّ بقعة من بقاع أرضها المباركة.
العزّة والكرامة والتوفيق لهذا الشعب ولأمّة الإسلام، والأمن والرخاء والاستقامة على طريق الحقّ لهذا الوطن العزيز، وكلّ أوطان المسلمين. والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيدّنا محمّد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
عيسى أحمد قاسم
1 رمضان 1437هـ
الثلاثاء 7 يونيو 2016م