كلمة آية الله قاسم للعاملين في مشاريع التعليم الديني – 27 فبراير 2016

آية الله قاسم في لقاءٍ جمعهُ بالعاملينَ في مشاريع التعليم الديني : “نحن أمام واجبٍ من أوجبِ الواجبات، واجبُ بقاءِ الدين”

أقام مركز الشيخ المفيد لرعاية مشاريع التعليم الديني لقاءً أبويًا بين العاملين في مشاريع التعليم الديني وسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله) وذلك مساء السبت ليلة الأحد الموافق السابع والعشرين من فبراير 2016م .

افتُتح اللقاء بآيات من الذكر الحكيم للمقرئ السيد حسن السيد درويش ثم تفضل سماحة الشيخ محمد جواد الشهابي بعرض توضيحي بيّن فيه خدمات وأنشطة وبرامج مركز الشيخ المفيد التي يقدمِّها المركز لمشاريع التعليم الديني.

بعدها استمع الحضور للكلمة الأبوية لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله) الذي وضح فيها أهميّة وظيفة التبليغ والتعليم الديني من حيث أنها ترتبط بحياة الدين الذي فيه حياة الناس، مشيرًا إلى أن هذه الوظيفة من أوجب الواجبات وليست على وجه التخيير.

ودعا سماحته في ختام كلمته إلى الإعداد الجيد لأداء الوظيفة التبليغية وإلى الجد والمثابرة في أدائها وأشار إلى أن الأجر على قدر الجد، مشدِّدًا على أن الإسلام يتعرض إلى أشد الحملات شراسة لنسفه، فهو بحاجة إلى عدد كبير من المختصين في الشأن الإسلامي والمتوفرين على الهمِّ الإسلامي من أجل النهوض بهذه المسؤولية.

للإستماع :

اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :

2P3B4755

للمشاهد :

https://www.youtube.com/watch?v=fdq54fPJqoU

وفيما يلي نص الكلمة كاملة :

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآل الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعداهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

المطلوب حياة الدين لأن حياة الإنسانية إنما هي بحياة الدين وحياة الدين حياة له في نفسه وحياة له في الناس وحياته في الناس حياتان حياة نظرية وحياة عملية، والدين في نفسه حي وسيبقى حيا والإسلام هو الدين الكامل الذي لا ينثلم كماله في وجوده النفسي وحياته النفسية ذاك شيء بيد الله عز وجل والدين المتنزل من الله عزوجل لابد أن يكون دينا كاملا ولا أكمل من هذا الدين دين الإسلام.

أما حياة الدين في الناس فهي نظرية بمعنى أن تبقى النظرية الإسلامية غير محرفة سالمة من التدخل لا يُقضى عليها ولا تشوه البشري وينهى وجودها في الأرض وتبقى النظرية المغمورة ولا تبقى نظرية معروفة في صورة مشوّهة، أما الحياة العملية للدين في الناس فأن يحكم حياتهم وأن تقام أوضاعهم كلها على ضوء أسسه وفي ضوء أحكامه وهي حياة للناس ولا حياة للناس بدونها.

وهذه الحياة للدين على المستوى النظري وعلى المستوي العملي والله تبارك وتعالى قادر على أن يعطي الحياة لدينه على المستوى النظري وعلى المستوى العملي فقدرته لا يفوتها شيء ولا يعجزها شيء ولكن هذا إنما يكون بعد أن أعطى الله الإنسان الإرادة وهناك طريقان لتنفيذ إرادة الله الطريق الجبري القهري الذي يبقى الإنسان أمامه مكتوفا وإرادته ملغية ويسير بلا إرادة وهذا ليس هو من سُنَّةِ الله عز وجل في حياة الأديان على مستوى النظري وعلى المستوى العملي في حياة الدين في الناس، وإن كانت إرادة الله عز وجل لا تتخلى عن حفظ دينه على المستوى النظري وكذلك على المستوى العملي بحيث يتعرض الدين للغياب الكامل أو للتشويه الذي لا طريق معه للوصول إلى الصورة الوضيئة الصحيحة لدين الله تبارك وتعالى يبقى الطريق مفتوحا للوصول إلى الطريقة الصحيحة القويمة للدين وهذا ما نعرفه من قوله تبارك وتعالى “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[1]، والذكر هو القرآن والإسلام لكن تبقى مسؤولية الإنسان قائمة وتكليفه دائما في إعطاء الدين الحياة على المستوى النظري والعلمي في حياة الإنسان في الأرض.

من المطالب بهذا الجهد الكبير في حفظ الدين على المستويين فإذا كانت الإنسانية كلها مسؤولية عن ذلك فالجماعة المؤمنة وحملة الدين الخاصون بالأخص يتحملون المسؤولية الكبرى في ذلك والعارف بقيمة الدين والمؤمن به لا يسعه التفريط في حفظ الدين بقاء وصورة مضيئة مشعة كما هو ولا يسعه أن يبقى الدين نظرية معقلة مفصولة عن الحياة وتعطي الحلول العملية للمشاكل من دون أن يصغي لها مصغٍ أو يأخد بها جاد في أمر الدين والمطلوب الأخير هو التجسيد والتفعيل للدين في حياة المجتمعات وفي حياة الإنسان الفرد وفي حياة الخلية الأولى من المجتمع وفي أكبر إطر من أطر المجتمع الإنساني.

لأي شيء يحتاج صناع الوعي الإسلامي والأوضاع الإسلامية؟

أول ما يحتاجونه هو الإعداد لأنفسهم لأن أي معط لا يمكن أن يعطي بأكبر من حجمه والعطاء من نفس لا تفقه الدبن إنما يكون عطاء لدين غير فاقه والعطاء المنطلق من نفسية غير ناضجة دينا لا يمكن أن يكون عطاء ناضجا وأي نقص في فهم وأي نقص في إرادة وأي نقص في حماسة للدين وفي إيمان به سنعكس على نوع العطاء ودرجة العطاء المنتج.

أم صناع الأوضاع الإسلامية فيحتاجون مع الوعي إلى إرادة صلبة صبورة وإلى تحمل وتضحية ووعي عملي ينضاف إلى الوعي النظري للإسلام، وعي عملي للأوضاع ولتشابكات الأوضاع ولملابساتها ويحتاجون إلى إخلاص وإيمان شديد يجعلهم مخلصين لدين الله عز وجل وأن يعتبروا أن مهمتهم الأولى في هذه الحياة هي خدمة الدين والتمكين للدين.

هناك مسارات لرفع مستوى المبلغ والمعلم وهناك تربيتان لصياغة الشخصية المتحملة بحقٍ لهم الدين والمتجه إلى تفعيله الناس في مجتمع الناس على المستوى النظري لابد من رفع مستوى كل من أشترك في التبليغ للدين وكل من أراد أن يساهم في التفقيه في الدين وهذا المسار يقوم على الدراسة الشخصية الصبورة المتأملة المطالعة بإمعان بما يكتب عن الإسلام وللمصادر الإسلامية ولما يجد من كتبات عن الإسلام وطريق البناء منه هذا الطريق وهو طريق الارتباط بالكتاب ليس في صورة قراءة تسلية وتمضية الفراغ وإنما هي القراءة الجدية المتأملة ولابد من التتلمذ والدراسة على الغير لمسألة الإعداد، مطلوب لأي مبلغ وأي معلم للدين أن يعد نفسه الإعداد الكفوء على مستوى المسار النظري وفهم الإسلام.

لابد من إعداد نفسه إعدادا عمليا لبناء شخصية إسلامية متكاملة تنهض بمسؤولية ما تعلم وتكون بإعدادها العملي قادرة على أن تنهض بمسؤوليتها التكليفية في التعليم والتبليغ ويجب أن يكون الإعداد بدرجة أكبر وأركز لمن أراد أن يقوّم الأوضاع الحياتية العملية للمجتمعات وأن يربطها بالمسار الإسلامي الصحيح.

دين الله صناعة منه وبناء هذا الدين جاء منه والتدخل البشري في صوغ الدين ضرر عليه وتشويه له وإسقاط لقيمته وخلط للجهل بالعلم وخلط للظلم بالعدل وللسفه بالحكمة وخلط للظلمة بالنور وإدخال ظلمة على النور وماذا سيكون مستوى هذا البشر هل سيكون أعظم من رسول الله صلى الله عليه وآله  مستوى؟ لم يترك لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول كلمة خارج ما يوحى إليه وما يدل عليه الوحي الواصل إليه ويلتقي به يقينا، رسول الله صلى الله وآله وإنقطع الكلام وبعده لا حق لأحد أن يتقدم ليقول لي أن أدخل رأيي في دين الله وأن أقول هذا هو من دينه فهذا شأن الحريصين على الدين والمهتمين بنقائه والمريدين بقائه وسلامته فكيف إذا كان المتدخل لا يكاد يفقه هذا الدين ولا يكاد يفقه أسسه وله حياة عملية تشهد بأنها مقامة في كثير من جنباتها على خلاف دين الله عز وجل، إذا كان تدخل الأول غير مسموح به فكيف بتدخل الثاني؟! مسؤولية البشر ووظيفتهم أن يفقهموا الدين وأن يحاولوا الاقتراب من فهمه لا أن يضيفوا أو ينقصوا منه.

أما مسالة فصل الدين عن السياسة ورأي الأديان مثل المسيحية في ما آلت إليه وليس في أصلها أنها تقول بأنه لا تدخل لها في السياسة وليس لها من شان فيه وأنها لا تعطي كلمة في مجرياتها والظاهر من عدد من المسيحيين الكبار الآن وممن ضاقت بهم التعديات على الدين والمخالفات السياسية الكبرى له صاروا يتدخلون في السياسة بمقدار ويقولون كلمتهم المضادة لهذا التوجه من السياسة دافعا عن الدين الذي يرون ويؤمنون به.

الدين لا يرى لنفسه حسب فهم أصحاب وما آل إليه فهمه المحرف إلى الآن كيف يتعامل مع السياسة المضطهدة للدين والمستهدفة لوجودة ولهويته فالظاهر أن الموقف هنا يختلف ويعتبر الموقف موقف دفاع ولابد منه عنده فالمسيحية لا تقبل من السياسة أن تلغي المسيحية وجودا في الأرض أو هوية بالكامل أو سلطانا في مساحة المعتادة فلا تقبل، فالمسيحية في هذا الجانب مقاومة وكذلك اليهودية.

ففرق في الدين الذي يذهب للفصل بين السياسة والدين -حسب فهم أتباعه- بين تسليم المؤمنين بهذا الدين بهذا الفصل وبين أن يقبلوا ويسكتوا على اضطهادة وطيّ صفحته أو إخارجه بلون جديد يختلف عنه، المسيحية لا ترضى أن تقدمها السياسية مأخوذة لها من الإسلام كثيرا ولا تقبل أن تتحول أن يهودية على يد السياسة أو إلى إسلام فما موقف الإسلام هنا؟

موقف الإسلام هنا أشد فلا يرى لنفسه في مصادره الخالدة فصلا بينه وبين السياسة وفي مسيرة رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة من المسلمين من بعده صلى الله عليه وآله فهل ترى من بعد ذلك أن يرضى الإسلام لنفسه أن يضطهد والمؤمن به وحملته يسكتون على اضطهادة؟ وأن يشهدوا عملية تشوية له وتحريف وتقليص وتغييب وتهميش فيسرهم ذلك ويباركوا ذلك أو على الأقل يسكتوا على ذلك؟ للمسلمين وللمؤمنين به أن يقفوا موقفهم الممتثل لأمر الدين أو المخالف لأمر الدين لكن السؤال عن الإسلام نفسه هل يقبل؟ وهل أن يمكن لهؤلاء المؤمنين بالإسلام كل المؤمنين به وحملة الإسلام هل يقبل الدين لهم أن يقولوا نحن مسلمون مؤمنون ولكن ليس علينا شيء مما يفعل الآخرون بالإسلام؟ ليس لهم ذلك وهذا تزوير على الإسلام وليس لي أن أقول أني مسلم مقبول في الإسلام وقائم بوظيفتي الإسلام مع التخلي عن كل اعتراض على اضطهاد الإسلام وأن يكون ذلك الإعتراض من المقدور أو مما أجد له سبيلا وواضح كل الوضوح أن الإسلام لا يوافق على ذلك.

التعليم والتبليغ الذي لا بقاء للدين من ناحية عملية -البقاء الكافي- ولا انتشار للدين ولا تمكين للدين في الأرض بدونه وبدون ما يكمله من محاولات تصحيح الأوضاع الأرضية بما يرجعها إلى خط الله عز وجل وإذا كان شان التبليغ والتعليم للدين عقيدا وفقها وأخلاقا وقرآنا وسنة بهذا المستوى من الضرورة فهل يمكن أن نعده ترفا وأن يكون لي اختيار تشريعي -أنا مختار تكوينا- فهل الشريعة تخيرني أن أبلغ وأعلم أو لا أفعل؟ مستحيل.

نحن أمام واجب من أوجب الواجبات واجب بقاء الدين وسلامة الوعي الديني وسلامة الطرح الإسلامي وإعطاء الدين حياة في أوضاع الناس ونحن أمام هذه الضرورة نكون مخيرين من الشريعة أن بلغوا أو لا تبلغوا؟ أو أفعلوا أو لا تفعلوا؟ مستحيل.

فمن فكر أنه متبرع أو أنه ياتي بعمل نافلة في تعليمه وتبليغه فهو لا يفهم إسلامه الفهم الكافي وهذا أقل ما يقال فيه، والذين يمنون على الله عز وجل عليهم أن يتذكروا منَّ الله عليهم وأن المنة على من عمل صالحا وأصلح في الأرض لله عليه وعليه الشكر وليس له المنَّ. لا شك أن التفريط في هذه الضرورة -ضرورة التبليغ والتعليم- تفريط في الدين في الصميم ولا يسلم دين أمراء قصر في هذه الوظيفة وهو على نقص واضح من الدين.

في إعدادك لمستواك إعدادا نظريا وعمليا أجر عظيم ومستوى أجرك في العمل في التبليغ والتعليم وأي مجال ينهض بالمسؤولية الإسلامية هذا الأجر لعملك التطبيقي مستواه من مستوى إعدادك لنفسك فمن أعد نفسه الإعداد الجيد كان أجره في تبليغه أكبر وأكبر وإن قصر في الإعداد قصر أجره -وربما أثم- بما يرتكبه من أخطاء وزلات ويدخل فيه من شبهات تسيئ للإسلام، وأجر تبليغك وتعليمك من جدك في أداء الوظيفة فمن جد وثابر وداوم له درجته من الأجر ومن كان من دون هذا المستوى لابد أن يقل أجره ويضْعُفَ ثوابه.

العنصر الآخر هو الإخلاص الذي يرفع من مستوى العمل فلا يرتفع عمل إلا به، والعمل في صورته الدينيه من أجل أغراض أرضية عمل خاسر تماما في نظر الله عز وجل لأن من أنكب هما على الدينا فإن مآل الدينا الضياع.

لم يمر يوم محنة على الإسلام باستهدافه في صميمه وفي محاربته أشد من هذا اليوم وأمتكم أمة ملايين ومليارات فكم يكون في هذه الأمة من مبلغين للدين وكم يكون فيها من معلمين للدين وكم يكون فيها من حمات للدين ومن عاملين على تركيز قيم الدين وربط الناس بفهم الدين وأحكامه وقيمه، ولتضع في حسابك أنك أمام حملة شرسة عالمية منظمة وقدرات هائلة تستهدف نسف الإسلام وأنت لست في أجواء مريحة للإسلام، الأجواء العادية تحتاج إلى عدد كبير من المبلغين والمعلمين ولكن في الأجواء الشديدة على الإسلام وفي حال وجود جبهة عريضة قوية تمتلك كل وسائل التدمير والتشويه وصناعة الرأي العام والفكر والنفسية فأنت أمام حاجة كبيرة جدا لمبلغين ومعليمن ليس من النوع العادي وإنما تحتاج إلى مربين وإلى علماء نفس وإلى اجتماعيين وتحتاج إلى جيس عريض وطويل من المختصين في الشأن الإسلام والمتوفرين على الهم الإسلام من أجل النهوض بهذه المسؤولية.

فالعدد الموجود من المبلغين على اختلاف مستوياتهم والمبلغين والعاملين في مختلف الحقول الإسلامية أمامهم مسؤوليتان: مسؤولية النهوض بمستواهم وطلب المزيد من المستوى العلمي والنفسي والخبروي  والأمر الآخر هو التوسع في عدد المعلمين والمبلغين والدعات ومختلف قطاعات العمل الإسلامي.

ولو حفظ الله عز وجل للدين وصدق ما تعهد به من حفظه لوجدت تلاشيا كبيرا جدا جدا لهذا الدين وحين تقايس بينما عليه الهجمة على الدين من إمكانا ت وقدرات وطاقات وبشر وأموال وخطط  ومختصين وبينما ما عليه مواجهة هذه الهجمة من إمكانات وحالة جد واهتمام بالنسبة لكل الجوانب، والله ليس محتاجا لنا في حفظ دينه وإذا لم يرد أن يحفظ دينه بالشكل الكامل على المستوى العملي بصورة قهرية وإنما على الطريق العادي يحفظه بدرجة معينة قهرا ويمكن له بدرجة معينة قهرا لو أراد ويهزم الأسباب المقاومة لوجود الدين وحياته ويوجد بديلا صالحا عنا نحن المقصرين فيكون على كل التقادير الخاسر الإنسان وليس الخاسر الدين وليكفروا الناس كل الناس وماذا يغير ذلك على الله عز وجل.

اغبط نفسك وأحمد ربك وأشكر لله عز وجل أن هداك لأن تشارك في تعليم للدين أو تبليغه وراجع نفسك وتقصيرك في إعداداك لنفسك في هذا الجانب وفي الوفاء وما تعلمت وعرفت من تكليف.

والحمد لله رب العالمين

[1] سورة الحجر، الآية 9.

زر الذهاب إلى الأعلى