مقال آية الله قاسم: هل قتل الإمام الحسين عليه السلام ؟
هل قتل الإمام الحسين عليه السلام ؟
بِسْم الله الرحّمان الرّحيم
الحمد لله رّب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
هل قتل الإمام الحسين عليه السلام ؟
نعم قتل جسدياً ولمرة واحدة . نعم وفارقت بقتله روحه الطاهرة بدنه الشريف ، والوفاة قضاء جار على كل ذى الروح .
وبقي الحسين عليه السلام ثورة لا تملك أي قوّة من قوي الأرض أن تطفئ شمسها ، أو أن تقيم بينها وبين الناس أيَّ حجاب ، أو أن تحد من شعاعها لتخفى على صاحب بصيرة من قريب أو بعيد .
بقي ثورة ملهمة تفجّر الثورات ، وتتعلم منها الثورات الصالحة ، وتستقيم بهداها على الطريق .
بقي الثورة التى تحتاجها الهمم الكبيرة ، والعَزائم الصّلبة في طلب المزيد من التطلع ، والمزيد من المكابرة والصمود .
بقي الثورة التى لا تهادن الظلم ولا تتراجع أمام الظلم وغطرسته وهيجانه وجنونه .
الثورة المغيّرة ولو لم يكن للتغيير من الباطل إلى الحق ، ومن الضلال إلى الهدى ، ومن الفساد إلى الصلاح من طريق إلاَّ أن تُراق أغلى الدماء في الأمة على يد الباطشين من عبيد السلطة الذين يرون فيها المقدس الأول لو كان عندهم مقدس آخر ، ويضحون بكل مقّدس من أجل أتفه مناصبها .
وبقيَتْ هذه الثورة منبعاً دفَّاقاً لا يعرف الجفاف ، ولا يستنزف ليَمُدَّ الأمة بروح التغيير وما يحتاجه من مخزون فكرى وروحي ونفسي في الظلم والاستكبار والطاغوتية في الأرض .
بقيت ثورة كربلاء الحسين عليه السلام الثورة التى لا تنساها ثورةُ حقٍّ ولا تُنسيها ثورة .
هذا بقاءٌ من بقاء الحسين عليه السلام . وبقاءٌ آخر للإمام عليه السلام حيث استمر ويستمر عملاً صالحاً في الأرض يعلّم ويربّي ويهدى إلى الله ، ويخرّج الأجيال تلو الأجيال غنيَّةً بوعي الإسلام ، والمشاعر الإسلاميّة النبيلة ، و روح التوحيد ، منشدّةً إلى الدّين مؤمنةً بمنهجه الحقّ والإمامة الرشيدة ، لا ترى شيئا أغلى في نفسها من أن يُبذلَ في سبيلِ الله ونصرةِ الحقّ ، ولا شيئا “يَعدِل” ذلك أو يدانيه وزناً ، ولا ترى أمنية ذات قيمة تساوي قيمة الشهادة في هذا الطريق.
استمر ويستمر الحسين عليه السلام ، وبقي ويبقي مصلحاً في الناس يُصلح إسلامهم ، ويرسّخ ويفعّل إيمانهم ، ويبني نفسيتهم ، ويدفع بإرادتهم على طريق الخير ، ويربطهم بكلمة الله والوحي الذي أنزله على المصطفين من رسله وأنبيائه .
وهو من خلال هذا العمل الصّالح البنَّاء الأساس الواسع الدائم يكتسب أشرف وأهم وأزكى رزق وهو رزق الحسنات و الحسين عليه السلام كان قد ثار ، واستشهد من أجل الدَّور الحيّ المتواصل دائماً في بناء الأجيال وتربيتها ، واستقائها على طريق الله ، طريق العّزة والكرامة ، والشموخ والسعادة والذي لا تنقطع عطاءاته عند حدّ معّين من ليل أو نهار وفي أيّ يوم من أيام الحياة . ومن تحقق له هذا الدور لا تنقطع حسناته وتنزّل بركات الله عليه .
وما عسى أن يكسب إنسان من الأحياء أغلى وأنفع وأكرم وأبقى من هذا الرزق الذي لا ينقطع في حق الحسين عليه السلام بما كان له من ثورة تعطي دائماً عطاءها لحياة الدّين والإنسان وينقذ صدق الدّين وإنسانية الإنسان مما يكيد به الظالمون ؟!!
وللإمام الحسين عليه السلام وثورته المباركة حقُّ على الأمة ألاَّ تحارب ثورته ، وعلى المؤمنين بقداسة هذه الثورة ، وبما عليه مقام الإمام عليه السلام في الاسلام ، وما يعنيه كلُّ ما يُنسب إليه وإلى ثورته من أثر إيجابي أو سلبي ضخم على دين الله أن يتقوا الله ولا يفتروا على الحسين ، ولا يظلموا ثورته فيلصقوا بها ما لا ينسجم مع الحكم الشرعي تحت أي عنوان من العناوين ، ولأي غرض من الأغراض وإن شَرُف ، فإن هذا من العبث بالدين باسم الحسين عليه السلام وثورته الطاهرة وهو القتل الأخطر لها .
عيسى أحمد قاسم
16 صفر 1437 هـ
29 نوفمبر 2015 م