الحديث القرآني لسماحة آية الله قاسم – 31 أغسطس 2015م
سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
في
“المواثيق والعهود….. نقضا ووفاء”[1]
الموافق 31 أغسطس 2015م
للإستماع :
اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :
للمشاهدة :
وفيما يلي نص الحديث:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
أولا. ناقضون:
الناقضون تقدم الحديث فيهم وهم يشملون كل أصحاب الأديان السماوية من البشر ففي كل دين من ينقض عهده مع الله سبحانه وتعالى.
ثانيا. موفون:
تقول الآية الكريمة “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا“[2]، نحن أمام رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه سواء من قضى منهم نحبه في سبيل الله أو من ينتظر الشهادة في سبيله تبارك وتعالى وهذا صادق الوعد وذاك صادق الوعد لما يعلم الله عز وجل من نيته الصادق التي لا تتبدل حيث يقول “وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا“.
“لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا“[3]، هؤلاء رضي الله عنهم فعلم ما في قلوبهم وهو رضا بالبعية حيث الصدق والإخلاص من المبايعين ومضمون البيعة مضمون مطروح من رسول الله صلى الله عليه وآله فلا غبار يعتليه ويبقى الرضا بعد صحة المضمون أن يكون عن حسن نية من المأخوذ عليه البيعة وصدق نية وإخلاص، وتأتي قرينة على الوفاء “فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ“، وإذا كان علم ما في قلوبهم من الصدق الوفاء فيأتي إنزال السكينة عليهم جزاء، وإذا كانت نيتهم صادقة مخلصة وعزمهم قائما جدا على الوفاء ولكن بما أنهم يعيشون الجنبة البشرية قد يعتريهم شيء من الخوف من عِظَمِ الكلفة فهنا يأتي إنزال السكينة للتهدئة وحتى يذهب هذا القلق ويذهب هذا الهمّ من الشيء المضطرب.
“وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ“[4]، كثيرون هم الذين قاتلوا مع الأنبياء سواء هذا النبي أم ذلك النبي من أصحاب الحركة الاجتماعية التي تتطلب المواجهة الساخنة وأؤلئك يطلق عليهم القرآن الكريم عنوان “ربيون” ومعنها عند المفسرين أحد معنيين إما إنهم كثيرون فيكون كثيرون تأكيد لهذا وإما أن يكون معنى “ربيون” ممن تعلق قلبه بالله عز وجل وصرف وجهه إليه وكان همه رضاه وهذا النوع كان وفيا وأمام التهديد بالموت كان له من الصبر الكافي برحمة الله وكان قولهم “رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ“، لا غرور وإنما تواضعا لله تبارك وتعالى واعتراف بنعمة الصبر على الموت في سبيل الله، وهذا القول “رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا”، كأن فيه توطئة لتثبيت الأقدام فما تكن مغفرة للذنوب وبقيت النفس ملوثة بها لا تثبت القدم في سبيل الله ما تكن مغفرة للذنوب والإسراف في أمر الدين الإهمال والتضييع والتهاون فما دام مردود هذه الذنوب والإسراف ماكثا في النفس فهي ضعيفة وهي غير قادة على الثابت في مواضع الصبر ولذلك يأتي قولهم “رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ“، وحيث تثبت القدم في سبيل الله ويكون الإخلاص للإنسان أن يتوقع النصر من الله تبارك وتعالى وأن يطلب النصر، وأما وأنا مقصر فليس لي في المنطق أن أطلب النصر وأنا متخاذل ومتخلف عن الأخذ بأمر الله ونهية وبالثبات وببذل الجهد الكافي المقدور من كل الجهات فحينئذ لا أكن أهلا لأن أطلب النصر من الله.
ثالثا. عهود الله شرط وجزاء:
“يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ“[5]، نجد هنا أن الآية الكريمة تتحدث عن شرط وجزاء فالذي تكون منه العهد الإلهي للإنسان هو شرط من الله على الإنسان وجزاء منه عند وفاء الإنسان بهذا الشرط، “أَوْفُوا بِعَهْدِي“، أخذت عليكم تكليفا وكلفتكم بتكاليف وحملتكم مهمات وحددت لكم المواقف على مستوى العقيدة وعلى مستوى الشعور وعلى مستوى الإرادة والعمل حيث تكونون أوفياء بما أخذ عليكم من ذلك تأتي نتيجة ذلك وهي الوفاء من الله تبارك وتعالى، فنحن حتى نضمن وفاء من الله بالعهد ونطالبه بوعده وبإلتزامه تبارك وتعالى بجنة أو بتوفيق أو أي مردود آخر فعلينا أن نفي بعهدنا مع الله تبارك وتعالى، حيث أرغب أن يكرمني الله عز وجل لابد عليَّ للاستجابة للأمره ونهيه وما أنزله.
رابعا: جزاء الوفاء:
“بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ“[6]، قل لي وأنت تحب شخصا الحب الصادق هل تتخلف عن نصرته وهل تتخلف عن إعطائه وهل تتخلف عن إكرامه وهل تتخلف عن حراسته؟ لا شيء من ذلك ممن يحب حبا صادقا الطرف الآخر، فإذا كان الله عز وجل يحب المتقين فهل سيشح عليهم وهل سيحرمهم جنته وهل سيخذلهم في الدنيا أو الآخرة؟ حاشاه.
نتكلم عن الوفاء بالعهد والآية الكريمة تقول “بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ“، قمة الإتقاء الوفاء بعهد الله وليس هناك صورة لتقوى الله وبحبه وبخشيته وبشكره وبرجاءه ولا يوجد صورة أصدق تعبيرا وأصدق عن هذا الأمر من الوفاء بعهد الله عز وجل والمتقون هو الأوفياء بالعهد الإلهي.
تفصيل الجزاء “لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا“[7]، أثباهم والجزاء واضح منكشف في علم الله وأن هؤلاء صادقون في بيعتهم وباقون علىيها ” فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا“، خصوص الإثابة مترتبة على الوفاء وهذا نوع من الجزاء الإلهي للوفاء بالعهد وهو الفتح القريب فمن طلب الفتح القريب فعليه أن يفي بعهد الله ومن أوفى بعهد الله فله أن يتوقع وله أن يضمن الفتح القريب، الإمام الحسين عليه السلام وقد غُلبَ عسكريا إلا أنه تحقق له الفتح وليس أكبر من فتح للإسلام على يديك عاجلا كان أو آجلا وكان دورك جزء من العلة فهذا من أكبر الشرف وأعظم الربح ومن أعظم الفتح أن يسهم امراء في تحقيق الفتح القريب الإسلام والمسلمين في القريب أو بعد حين.
ومن ثواب هذا الوفاء والصمود والثبات على العهد “وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا“[8]، أنت بايعت الله وأوفيت بالعهد مع الله وهو العزيز الذي لا يغلب ومع الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه.
“وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ“[9]، منع يد العدوان وضمان الحماية وهذا جزاء آخر “وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ“[10]، ويأتي جزاء من نوع آخر “وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا“[11]، وهذا هو الأعظم من النصر العسكري الظاهري والمغانم وليس من مغنم ولا ربح يساوي الهداية إلى الصراط المستقيم “وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا“، تأمن من الضلال ومن التيه ومن التذبذب والشك والحيرة ومن اضطراب الفكر واضطراب النفس “وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا“.
“وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا“[12]، هو جزاء منظور وجزاء غير منظور وقد يحسب عند البشر وقد لا يناله حساب بشر على الإطلاق، وهذا ليس لجماعة معينة فقط وإنما “سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا“[13]، جزاءات متكثرة ومتنوعة تقابل الوفاء بالعهد الإلهي من قِبَلِ هذا الإنسان الذي لا توفيق له بالوفاء بالعهد ولا بأي عمل خير إلا من عنده سبحانه وتعالى فهو الذي يمن ويعطي ويوفق وهو الذي يعتبر نفسه مدينا لهذا العبد ولابد ان يفي له بما وعده.
“الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ“[14]، يوم الفزع الأكبر يقول لهم الملائكة “سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ“[15]، وهذا السلام مشفوعا ومشفوعة التحية بالتهنئة “فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ“[16]، فلقد انتهت مشاكل النفس وكل قلقها وكل فقرها وفي جنبة أخرى كل ما يسيء حياتها وكل قلق واضطراب هي دار كرامة ودار نعيم والإطمئنان الكامل “فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ“، وهذا جزاء “الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ“، وكونهم “وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ“، وهذا وفاء بالعهد وقد أمر الله برعاية الصلة به صلة العبد بالرب تبارك وتعالى وصلة الإنسان بأخيه الإنسان وعهد صلة العدل والإحسان والصلة الرحيمة حتى بالحيوان وكل الصلات الكريمة الإيجابية المرضية له تبارك وتعالى وهؤلاء “وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ“، على كل المستويات وفي كل هذه الأبعاد، وهذا تعبير منهم وإلتزام عملي بالوفاء بعهد الله، وصفاتهم هي “وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ“، وهذا كله تعبير عن الوفاء بالعهد “أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ“، النتيجة الرابحة الخاتمة فيخرجون من دار الدنيا بالعقبى الحميدة والنتيجة الرابحة وبذات وكريمة نظيفة طاهرة عارفة بالله عز وجل ويخرجون ذوات مشدودة لحب الله تبارك وتعالى والشوق إليه ولا يسحبهم هم الدنيا ولا آثما منها ولا يآسفون على دنيا يفارقونها وتلك لحظة سعادة وليست لحظة شقاء.
“عُقْبَى الدَّارِ“، هي جنات الآخرة وهناك النتيجة النهائية لهذه الحياة وهي هنا في وصف الآيات “جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا“، وهي جنة ليست على مستوى الجسد فقط وإنما جنة على مستوى الجسد والروح بما تعنيه الروح من فكر ومن شعور ومن طموح وبما تحتاج الروح من اطمئنان وثقة ومن أنس طافح دائم وتلك هي الجنات وليس تمتعا ماديا جسديا فقط وعلى مستوى البهائم وروحا معذبة وإنما بدنا يعيش حياة سعيدة وبدنا يعيش حياة سعيدة.
“جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ“، واجتماع مع الأزواج والآباء والذريات في نعيم الأبد وبقلوب تتعطى الصفاء والوفاء والصدق والمحبة وخالية من كل شوب وكدر وهذا الاجتماع على المستوى هناك وعلى هذا المؤائد الإلهية الكريمة يختلف عن اجتماعات الدنيا بين الأب والأبن هنا تحصل غضاضات ويحصل شيء مكدر في الخاطر سواء خاطر أب أو خاطر إبن وكذا الأزواج.
“جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ“، المبشرون المحيون المُسلِمون المرحبون يدخلون من كل باب “سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ“، هذا تكريم ويذكرونهم بموقفهم الصحيح واستجابتهم لله عز وجل وبدورهم الإيجابي الكريم. “سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ“، وهل تطمح نفس لدار وسكن أكثر مما تحتويه تلك الدار من كرامات وسعادة ونعيم رافد؟! وهذا جزاء الوفاء بالعهد والإسلام يصر على الوفاء بالعهد.
خامسا: جزاء النقض:
“الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ“[17]، على عكس أؤلئك “وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ“[18]، وهذا الإفساد في الأرض نتيجة حتمية لنقض عهد الله تبارك وتعالى ولقطع ما أمر الله به أن يوصل فما أن يحصل النقض لعهد الله والقطيعة لما أمر به إلا وجاءت الأعمال مفسدة في الأرض ومخلة بأوضاعها ومزلزلة لأمنها ومنحرفة بها عن خط هدفها وهذه نتيجة حتمية والصلاح هو بالوفاء بالعهد الإلهي وحيث لا وفاء للعهد الإلهي لابد أن يكون فساد وإفساد.
“أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ“[19]، على الإطلاق وخاسرون في الدنيا وخاسرون في الآخرة، وهذا الذي يجد نفسه سعيدا بكفره ونقضه لعهد الله فتوفر على أمن بنقضه لعهد الله وتوفر على ربح مالي بنقضه لعهد الله وتفر على جاه اجتماعي بنقضه لعهد الله وهو يرى نفسه رابحا وهو في الحقيقة خاسر لنفسه فلوانقلب حاله وتمتع بالإيمان الصادق لوجد الفرق هائلا بينما يتصوره سعادة وهي كاذبة في ظرفه الأول وحاله الأول وبييمت صار إليه من سعادة حقيقة ودرجة تلك السعادة الحالية والثانية، وهناك سيتبين له أنه كان خاسر بنقضه لعهد الله تبارك وتعالى.
“الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ“[20]، العقبى ودار االعقبى ودار النهاية الخسارة فيها أوضح وأوضح وأعظم وأعظم، “أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ“، وهذا انسلخ من ذاته الإنسانية المؤهلة لجنات الله ورضوانه وصار ذاتا حيوانية أو أقل من الذات الحيوانية فيصير وقودا للنار، أخسارة اكبر؟! وهذا وقود للنار ليس ليوم ولا لشهر ولا للسنة وإنما إلى ما شاء الله تبارك وتعالى وهذا جزاء نقض العهد الإلهي.
“إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ“[21]، النتيجة صعبة وأي صعبة فلقد باعوا عهد الله بثمن وأن كَبُرَ في نظرهم و كَبُرَ في نفسيتهم السقيمة إلا إنه حقير وقليل وحيث تقبل نفس هذا الثمن وإن تراءا عظيما في قبال الوفاء بعهد الله فقد حطّ قدرها عند نفسها ولتجلب نفسها غضب الله.
“أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ”، لاحظ لهم في الآخرة ويذهب للآخرة بنتيجة صفر “وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ”، وهو مصدر الكرامة والعطاء والجود والإحسان والرأفة والرحمة والعناية والرأفة وإذا أعرض عنهم الله عز وجل يوم القيامة أعرض عنهم كل شيء من خلقه ونفس في الدنيا عندها من الحيوية ولديها درجة من الشعور الذي تشعر معه عند موقف السوء بتخلي الله عنها وبإعراضه عنها فهذا لا تسعد أبدا شعورا وإن إحطيت بمليون لون من الكرامة البشرية ومن التكريم والتعظيم فهنا لا يمكن أن يهنأ هذا الإنسان، القوي والحكيم والغني والقادر أشعر أنه غاضب عليّ ومعرض عني وهناك ماعز وبقرة أراهم يحيونني فلا يمكن أن أشعر بالكرامة أو السعادة وكل هذا يضيع ولكن نحتاج إلى شعور سليم.
“إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، بلا اكتراث ومهملون للحقارة والطرد وللدونية وللتلوث “وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ“، وبعد عدم تزكية الله لهم لا مزكي لهم وهو في نفسه يوم ذاك ليس زاكيا ويشعر بحقارته ودونيته فما أقساه من عذاب.
“لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ“[22]، نتيجة عدم الوفاء بالميثاق “لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا”، أخذ عليهم عهد وميثاق بأن يستجيبوا للرسل ويدؤا بأنفسهم عن الرسل -يقدموا أنفسهم فداء للرسل- هذا الذي أخذ عليهم في الميثاق ولكن جاء منهم نقض عملي شديد “كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ”، وفي الميثاق التكويني والمواثيق التشريعة ومواثيق الدين أو البيعة لأمر الدين ليس مشروط أن الدين يوافق هواي وإنما المأخوذ عليّ أن آخذ بالدين سواء وافق هواي أو خالفه، وهؤلاء كانوا يقتلون فريقا من الرسل وفريقا يكذبون.
ووراء هذا النقض “وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ“، ولا يكون عذاب ولا يكون عذاب بل يكون هناك بلاء وعذاب وتكون هناك فتنة ومن نتائج النقض “فَعَمُوا وَصَمُّوا“، وهذا جزاء داخلي وجزاء يمس البصيرة ومس أدوات تلقي المعرفة عند الإنسان “فَعَمُوا وَصَمُّوا”، عن أن يعرفوا الحق وصموا وهذا جزاء طبيعي مترتب على علته من النقض بالميثاق وحسب نظام العلية والمعلولية هذا النقض له نتيجته فأنقض أحصل على نتيجة وأفي أحصل على نتيجية ولكل منها نتيجته المسانخة له والمنسجمة مع طبيعته.
“وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا“، خرجوا على مقتضى التوبة وجاء الجزاء لهم مرة أخرى “ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ“، وليس كلهم “وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ“، جزاءات الوفاء متنوعة وجزاءات النقض متنوعة كما تنطق الآيات الكريمة.
“وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ“[23]، ثم يأتي دور النقض ممن أخذ عليهم الميثاق “ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ“[24]، خزي وذل وهوان في الدنيا وهذه النتيجة الحتمية للتخلف عن منهج الله والنقض لعهد لله عز وجل ومع ذلك أشد العذاب يوم القيامة وهل من عذاب يوم القيامة إلا وهو شديد لا تحتمله النفس فكيف بأشد العذاب؟!
وإذا كان أشد العذاب إما بالقياس إلى عذابات أخرى في النار وعذاب النار متفاوت ودركات أهل النار متفاوته كما هي درجات أهل الجنة نعيم فوق نعيم حسب النفوس والمراتب الصاعدة وكذلك ودرك تحت درك وهبوط تحت هبوط وعذاب تحت عذاب ولو كان أشد العذاب إذا قيس بعذاب الدنيا فهو أشد العذاب ولا يوجد عذاب في الدنيا يشبه ويأخذ قوة وغلظة عذاب الاخرة وكذلك الآية تتسع لتُحمَلُ على أشد العذاب يوم القيامة وهذا إذا كان لنقض عهد ع الله ونسف بعهد الله نسفا، وأشد العذاب لا يدّخر لأحد غير هذا الشخص.
“أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ“[25]، فلا يوجد من ينصرهم ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه وليس من ناصر له من ينصره من بطش الله عز وجل ومن يخفف عنه العذاب، عذاب شديد ومن المؤمل أن يخفف هذ صعب وإن كان مع أمل التخفيف ولكن كيف لا أمل حسب الإخبار في الآية هنا للتخفيف! “فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ“.
“وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ“[26]، طرد من رحمة الله والإفساد في الأرض وعدم وصل ما أمر الله به أن يوصل كل ذلك نتيجة وتعبير عن نقض العهد وفي أي إفساد في الأرض نقض بدرجة بالعهدمع الله تبارك وتعالى وفي قطع أي صلة نت الصلات التي أمر الله عز وجل بإحترامها وبإحترام الحكم الشرعي وبإحترام القرآن وإحترام المؤمن وأي مس بهذه الحرمات هو نقض بدرجة ما للعهد مع الله تبارك وتعالى.
“أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ“، أؤلئك مبعدون ويشار للبعيد البعيد عن رحمة الله وهؤلاء لهم اللعنة وهم مطرودون “وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ“، سواء دار يواجههم في الدنيا وسوء داريواجههم في الآخرة وسوء الدار يحتمل المعنيين وإن كان سوء الدار في الآخرة ولكن هي دار سيئة ودار مبؤوه ودار مضطرة وفزعة وغير مريحة للنفس الإنسانية ودار ينتشر فها الفساد.
“اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ“[27]، يفرح من يفرح بالدنيا بما أوتي منها إلا أنه متاع رخيص ويتمتع به أياما وتقضى به حاجات هذه الدنيا لتنتهي لذاته وتبقى تبعاته.
نتيجة قسوة القلب وخلق الخيانة والنفاق فهذه تترتب “فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ“، هذا جزاء وهذه ليست لعنة لفظية وإنما طرد بالمعنى الحقيقي وهو طرد للشعور عن رحمة الله فلا يشعر بشيء وطرد للجسد فلا نعيم وهذا ليس شيئا كتابيا وإنما أمر تكويني ومترتب حتما بقانون العلية والمعلولية على مقدمته وهي النقض فإن جاء بنقض يأخذ نتيجة النقض.
“فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً“[28]، وهذا الجزاء الثاني لا تتلقى وهي مثل الحجارة الصماء ولا ينفذ فيها ماء ولا هواء ولا نور وإنما مغقلة أمام النور والماء والنسيم وكل شيء وأمام أسباب الحياة والقلوب تتحول إلى هذا وهذا جزاء ينتجه النقض لعهد الله تبارك وتعالى وتكلمه وتوعظه ويبدو لك أنك تنجح معه ولكن لا تنجح ولا يوجد مُستقبِل سواء الولد أو الزوجة أو الزوج أو أجنبي أو فقير أو غني ومع نقضه عهد اله يأتي هذا البلاء.
“وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ“[29]، كثيروا الخيانة منهم وهذا خلق الخيانة نتيجة مترتبة على النقض بالعهد والخلق السيء كله وإن كان خلق الكفار قد أخذ مظهرا جميلا ولكن لو فتشت عنه في الكثير لوجدته خلقا سقيما.
“وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ“[30]، مع ذلك كلام الله عز وجل يأمر رسوله بالعفو عنهم والصفح “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” وهذا في الدنيا، وتأتي كذلك نتيجة ثالثة “وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ“[31]، والذي حث بعد ذلك “فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ“[32]، هذا أمر آخر وهو أن أمة وفئة وطائفة تنقض عهد الله عز وجل لا يمكن أن تعيش الانسجام الحقيقي والوئام الحقيقي والمسالمة الحقيقة.
بينما الذي يوفون بعهد الله “ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ“[33]، أطع منهج الله وكن وفيا بعهد الله والوفاء بعهد الله بالأخذ بدينه وطاعة رسله وأوليائه “يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ“[34]، في الدنيا والآخرة “وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ“[35]، الظلم الظاهرية وظلم الهموم والغموم والأسقام “وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ“[36].
سادسا. وفاء بلا انخداع:
“وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ“[37]، لا لخيانة للعهد وممنوع على المسلم أن يخون عهده ولكن يستغل العهد معي الاستغلال الذي يوسيئني وأنا ساذج وأنا أعيش البلاهة وأنخدع بالطرف الآخر وأنسى محاولات مكره وكيده وأنسى أخلاقيته اللئيمة في الإنقلاب على العهد والمواثيق، لا. تكون البصيرة مفتوحة على مواقفه وتكون عندي خبره وملاحظة ويقظة، فإذا خيف من قوم خيانة بأن يخرجوا على العهد وبدأت المقدمات وبرزت قرائن وبدأت التحرشات ومساعدة العدو أرمي لهم بعهدهم وصارهم ولا تخونهم كما فعلوا وإعلن لهم أن لا عهد معكم ووفاء وإلتزم حق بالوفاء وكما مر الكلام حول تشديد الإسلام على الوفاء بالعهد ولابد من يقظة وانتباه وحسن خبره وومارسة في العلاقات الاجتماعية والسياسية مع أطراف الصراع مع الإسلام.
سابعا. اتخاذ عهد عند الله سبحانه:
“يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا“[38]، اتخاذ عهد عند الله آتى عند المفسرين تفسيران، أن هذا العهد يعطي الله عز وجل من اختارمن عبادة فالذي يملك الشفاعة ليس كل أفراد البشر وليس كل المستويات منهم وإنما أفراد اصطفاهم الله تبارك وتعالى “لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا“.
التفسير الثاني يتجه إتجاه آخر أن هذا الإنسان لا يملك شفاعة لنفسه ولا شفاعة لغيره عند الله إلا بأن يتخذ عند الرحمن عهدا ونحن نرى أن المتخذ هو البشر المخلوق “لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا“، وليس من أعطاه الله عهدا فيستقرب التفسير الثاني، فالتفسير الأول الذي يذهب له صاحب الميزان -أعلى الله مقامه- ولكن فيما يستقرب -والله العالم- أن المعني هو المخلوق “لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا“، وكيف أتخذ عند الرحمن عهدا؟
الأمر محمول على دائرة مورد خاص ومورد خاص من الالتزام والوفاء بطاعة الله عز وجل ومحمول في بعض الكلمات على العام، فحيث يكون وفاء بعهد الله من هذا الإنسان وطاعة لله واستجابة له بهذا يكون قد أخذ عهدا من الله بأن تكون له عنده شفاعة، فآخذ عهدا بمن عند الله بأن تكون لي شفاعة بدور أقوم به في طاعة الله وفي الاستجابة له والخضوع له، وبهذا أخذ عهدا من عنده سبحانه وتعالى أُملَكُ به الشفاعة.
والحمد لله رب العالمين
[1] ألقيت المحاضرة في جمعية التوعية الإسلامية بتاريخ 31-8-2015.
[2] سورة الأحزاب، الآية 23.
[3] سورة الفتح، الآية 18.
[4] سورة آل عمران، الآيتين 146 و 147.
[5] سورة البقرة، الآية 40.
[6] سورةآل عمران، الآية 76.
[7] سورة الفتح، الآية 18.
[8] سورة الفتح، الآية 19.
[9] سورة الفتح، الآية 20.
[10] سورة الفتح، الآية 20.
[11] سورة الفتح، الآية 20.
[12] سورة الفتح الآية 21.
[13] سورة الفتح الآيتين 23 و 24.
[14] سورة الرعد، الآيات من 20 إلى 23 .
[15] سورة الرعد، الآية 24.
[16] سورة الرعد، الآية 24.
[17] سورة البقرة، الآية 27.
[18] سورة البقرة، الآية 27.
[19] سورة البقرة، الآية 27.
[20] سورة البقرة، الآية 27.
[21] سورة آل عمران، الآية 77.
[22] سورة المائدة، الآيتين 70 و 71.
[23] سورة البقرة، الآية 84.
[24] سورة البقرة، الآيتين 84 و 85.
[25] سورة البقرة، الآية 86.
[26] سورة الرعد، الآية 25.
[27] سورة الرعد، الآية 26.
[28] سورة المائدة، الآية 13.
[29] سورة المائدة، الآية 13.
[30] سورة المائدة، الآية 13.
[31] سورة الماائدة، الآية 14.
[32] سورة الماائدة، الآية 14.
[33] سورة المائدة، الآيتين 15 و 16.
[34] سورة المائدة، الآيتين 15 و 16.
[35] سورة المائدة، الآيتين 15 و 16.
[36] سورة المائدة، الآيتين 15 و 16.
[37] سورة الأنفال، الآية 58.
[38] سورة مريم، الآيات من 85 إلى 87..