الحديث القرآني لسماحة آية الله قاسم – 17 أغسطس 2015م
18 أغسطس 2015
سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
في
“الميثاق العقدي مع بني إسرائيل”
الموافق 17 أغسطس 2015م
للإستماع :
اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :
للمشاهد :
وفيما يلي نص الحديث:
الحلقة الثانية :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
وصل الحديث الى نقطة تفاصيل الميثاق مع بني إسرائيل، حيث ورد عدة آيات في أخذ الميثاق على أولاك القوم.
سبق الكلام في الميثاق الإجمالي، وأن الميثاق مع بني إسرائيل ومع الناس جميعًا على نوعين رئيسين، ميثاق تكويني وميثاق عقدي، والكلام في الميثاق العقدي مع بني إسرائيل، مرة يذكر في الكتاب الكريم على نحو الإجمال، ومرة تذكر الآيات الكريمة تفاصيل عن الميثاق الذي مع بني إسرائيل، سواء كان شخص الميثاق الكلي الإجمالي أو المواثيق.
سبق قراءة الآية 171 من الأعراف وتناولت الميثاق مع بني إسرائيل في مسألة التوحيد وهذه الآية 83 و 84 من البقرة تتحدث عن التوحيد وقضايا أخرى وهناك تفسير آخر أيضا يأتي في سورة المائدة 12 من السورة صفحة 130 وفي الآية 154 من النساء صفحة 102 من المصحف الشريف.
القضايا المأخوذة في هذا الميثاق والمذكورة في الآية الكريمة هي قضايا مأخوذة في كل الديانات الإلهية على الآخذين بتلك الديانات، ليس منها ما يخص اليهود وحدهم وإنما هي تشمل كل إنسان متدينً بدين الله تبارك وتعالى {لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ} وهي القضية المركزية في الرسالات السماوية والتي تتمحور حولها كل العقائد الدينية الصحيحة والرؤى والمفاهيم والأهداف والمشاعر والسلوك والقيم، كل ذلك يتمحور حول هذه القضية المركزية قضية التوحيد، والتي لو لم يكن الإيمان بها تامًا لضعف الإسلام في نفس المرء وفي سلوكه وفي فكره كثيراً من جوانب متعددة وأتى الإسلام غير مستقيم على مستوى السلوك.
فلكي يستقيم إسلام المرء وإسلام الفرد والإنسان المجتمع فلا بد من التركيز على قضية التوحيد ووضوح مسألة التوحيد بالقدر الذي يمكن للإنسان، وأخذ حمل النفس على التمحور حول هذه القضية في كل شؤنها وكل ما تواجه في هذه الحياة.
والناس على اختلاف في مستويات فهم هذه القضية والجد في الأخذ بها، {لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ} والعبادة بالمعنى الموسع تشمل كل حركة وسكون في حياة الإنسان، فأيما حركةٌ أخذة اتجاه غير اتجاه التوحيد فهي حركة متمردة على الله أو غافلة عن الله متساهلة في حق الله تبارك وتعالى وتحمل خلل في مسألة توحيد هذا الإنسان لربه تبارك وتعالى، وما منا إلا وله الكثير من ذلك ونستغفر الله تبارك وتعالى ونتوب اليه.
لا تعبدون الا الله في كل المواقف في كل الخواطر، كل الأفكار، كل المشاعر، كل العلاقات، كل القيم، كل الأهداف، كل السلوك، في كل اللحظات، في كل الظروف، سهلت صعبت ارتخت اشتدت هذا هو محور الأنسان المسلم الكامل في كل حياته كالمعصومين عليهم السلام وليس مثلهم أحد.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ} مأخوذ الميثاق على هذا الانسان والميثاق كما تقدم ليس عهدا عاديا، كلمة الميثاق تعني العهد المشدد، العهد المغلظ، وأتى الميثاق المأخوذ على الانسان ميثاق غليظا، والنبيين أخذ عليهم ميثاق غليظ وصف بالغلظة.
الميثاق في حد نفسه كمفهوم مأخوذ فيه الشدة والغلظة والقوة، وإذا اضيف كلمة مغلظً جاءت للتأكيد الأشد، وكم منا أن نتخذ دينه هزوا..
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} وهكذا تكون معاملة الإنسان واحد والتي تنطلق من قضية توحيده، إحسان.. وذكرت هنا الفئات الأشد حاجة إلى الإحسان والأحق بالإحسان كالوالدين هم أحق من سائر الناس بإحسان الولد، ثم يأتي ذو القربى بالعلاقة الرحمية واليتامى والمساكين شدة الحاجة بالعطف والرأفة والإحسان.
{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} والحسنى هل هي كلمة فقط مع تعبيس وجه ومع سوء معاملة، أن القول الحسن يستتبع معه حسن النية وطلاقة مُحيا، وموقف مناسبا، والحسن ليس دائما كلمة مرتخية وكلمة جذابة، للحسن ما هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، أنت لا تحسن لي ولا تقول لي حسنا اذا رأيتني على منكر ولاينتني الملاينة التي لا تجذبني بمعروف ولا تقلعني عن المنكر ملاينة تشعر بالرضا وأنا امارس ما لا يرضى الله عز وجل، هذا ليس قول الحسن.
{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} الأمر ليس بأدوا الصلاة، الأمر أقيموا الصلاة، كيف تقيم جسم ما، تجعله مستقيما مكتمل القامة ليس فيه عوج، ليس فيه ميل، فالصلاة مقامة الصلاة متوفرة على كل اجزائها وشروطها، صلاة ليس فيها موانع من القبول من الصحة ولا موانع من القبول، وهذا طبعا أمر ليس بالسهل، وليس من السهل أن أستطيعه إلا بالمجاهدة وبحمل النفس وتبصيرها وتعلمها وإمعانها في الصلاة وقيمتها، والتفكر أن من؟ وأمام من؟ أن أي شيء وأمام من؟ أنا العبد الذليل الحقير المسكين الفقير المستكين، أمام رب عظيم، -على كل حال أن اطلب إقامة الصلاة ونحن نؤدي الصلاة بعشرات السنين وقد لا نكون قد وفقنا لإقامتها مرة واحدة-..
{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} الإحسان للوالدين لذي القربى لليتامى للمساكين، هذا فيه أخذ بالنفس على طريق السمو والكمال، أداء الحق معرفة حق الآخرين وأداء حق الآخرين معناه أخذ بالنفس على خط القوة وعلى خط التغلب على الهوى، وعلى الكسل على الشيطان، وعلى كل الضعف، وهو يبني النفس ويبني المجتمع الصالح في الدائرة المذكورة.
القول الحسن للناس -وقد يكون بمعنى الحسن وقد يختلف كما عندهم- هذا القول أيضا فيه ارتفاع بالنفس ومستواها وفيه بناء لعلاقات اجتماعية قوية متينة، خطوة كبيرة وجبارة على طريق بناء المجتمع الصالح والمجتمع الرسالي الملتزم بالدين الحق.
إقامة الصلاة فيها زكاة النفس وارتفاع كبير لمستواها لفكرها لمشاعرها لهدفها لقيمها، وهي بذلك تعد النفس لأن تكون عضوا صالحا في المجتمع الصالح، ومن هذه النفس تنطلق حركة المجتمع الصالح ومن دونها لا صلاح للمجتمع ولا بناء رصين للمجتمع، ولا ثقة ولا اخلاص ولا فاعلية إيجابية ولا صلاح.
{وَآتُواْ الزَّكَاةَ} واتيان الزكاة زكاة للنفس وزكاة للمال، والمال يربوا بالزكاة، والمجتمع الصالح لا ينبني إلا بالزكاة، فالإسلام هنا وهذا الميثاق يجمع بين غرض بناء الفرد والمجتمع في آن واحد، وكما أخذ علينا أن نبني نفوسنا السليمة ونعبد الله عز وجل في العلاقة الثنائية بيننا وبينهم من خلال إخلاص الصلاة والصيام والحج والزكاة والدعاة والتضرع والابتهال، فكذلك أخذ علينا في عرض واحد مع ذلك البعد للوفاء بحق المجتمع والسعي لبناء المجتمع الصالح.
{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} يأتي الكلام عن نقض المواثيق وهذا موضع من المواضع التي نقضت فيها بني اسرائيل الميثاق {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ}.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} والمقتول والقتل منهم لبعضهم، والإخراج منهم لبعضهم، يقتلون بعضهم ويخرجون من ديارهم بعضهم، ولكن الآية الكريمة تقول: {لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ} هذا القاتل لغيره من اهل دينه، والدين يجعل الجماعة بمثابة الشخص الواحد وكأن كل فرد فيه – في هذا المجتمع الديني- هو عضوا في جسدا واحد، ومصلحة الجسد الواحد ومضرته صلاحه وفساده لا يتبعض -لأن يكون صلاح اليد ليس صلاح للجسد وصلاح القلب ليس صلاح لسائر الاعظام – هناك ترابط وتكامل وشخصية واحدة، كما أن هناك شخص واحد هناك شخصية واحدة من حيث الأبعاد المعنوية للفرد الواحد، وهناك شخصية معنوية واسعة أكبر بحجم أكبر هي الشخصية الاجتماعية شخصية هذا المجتمع الديني شخصية ذاك المجتمع الآخر وما إلى ذلك.
فالقتل من البعض للبعض قتل لهذه الشخصية، وإخراج البعض للبعض اخراج لهذه الشخصية وأذى لكل هذه الشخصية لو كانوا يحسون بأنهم أمة واحدة ويحترمون محورية المحور الحق لهذه الأمة لكانوا يشعرون بأنهم كالجسد الواحد وأنه حين يخرج أخاه من وطنه فكأنما أخرج نفسه، هذا توجيه عندهم وتوجيه آخر من قتل أباح لغيره أن يقتله ومن أخرج أخاه من دياره أخرج لغيره أن يخرجه هو من تلك الديار فهذا أيضا يسمح بتعبير {لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ}، أنا أذا ما اقتل فلان ظلما أكون قد أسست لقتل الآخرين بما فيهم أحبتي وبما فيهم نفسي وحين أعتدي على حق المواطنة لآخر وأخرجه من دياره ومن وطنه فأكون قد أسست لهذا السلوك في كل دائرة من دوائر المجتمع وبالنسبة لكل فرد من أفراد المجتمعات حتى بالنسبة لنفسي، هذه آية من آيات الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل، وكل من مضامين هاتان الآيتان تتحدثان عن تفاصيل لما أخذ على بني إسرائيل من الميثاق من الله تبارك وتعالى وقبلوا بذلك.
{ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} وهذا ميثاق عقدي، كانت لحظته، لحظة دخولي في الدين، لحظة الإيمان بالدين، دين الإسلام، واعلاني للشهادتين، هذه اللحظة هي لحظة ميثاق بيني وبين الله تبارك وتعالى بأن التزم بما يريد وبما يفرض دينه.
هذه مفردات منها ما جاء في الآيتين السابقتين ومنها ما هو ذكره جديد، وإن كان مسألة التوحيد كما سبق تتناول كل ما يترتب على تلك المسألة العظمى من التسليم بأوامر الله وامتثال أوامره ونواهيه، فيكون ميثاق يشمل كل الجزئيات الداخلة في الإسلام، لكن هنا ذكر صريح لبعض المفردات الجديدة {وَآمَنتُم بِرُسُلِي}.. والايمان بالرسل الماضين وما يأتي من الرسل مثل عيسى(ع) ومحمد(ص) ومن أعقب موسى(ع) من نبيين في الفترة ما بين النبيين العظيمين النبيين موسى والنبي عيسى(ع).
الإيمان بالرسل السابقين معروف مؤداه، أنهم لا يخفضون من جناحهم وإنما يعظمونه ويسلمون بما جاء اليهم من شرائع موقته، ويأخذون بكل الركائز الدينية التي أجمع عليها الأنبياء والرسل السابقون واللاحقون منهم، يكون هناك أيضا إيمان بالرسل الآتين المبشرون بهم، والنبي محمد(ص) كان محل بشارة لأهل الكتاب، واليهود أنفسهم من اهل الكتاب فكان عليهم أن يؤمنوا برسول الله(ص) ويحملوا النفس على أن يسلموا بأمره لحظة بعثته، فقط كان عليهم أن يتعرفوا عليه وأنه المبشر به، وما أن يتعرفوا عليه فلا يكون لهم عذرا في التخلف عن الإيمان به والتسليم، ومن مقتضى هذا الإيمان المبكر برسول الله (ص) أن يربوا أولادهم واجيالهم على التهيؤ لاستقباله، وأن يبنوا النفس والأهل بالتربية الصالحة على الاستعداد ليومه وتكاليفه.
كل ذلك من مقتضى الايمان بالرسول الأعظم(ص) بالنسبة للأمم التي بُشرت به، وجاء التبشير لها به على ألسن رسلها وكتبها، النقيب بمنزلة الوالي هناك جاء بمعنى العارف الذي يحمل المعرفة المتميزة وقد يكون الأقرب أنه بمنزلة الوالي فيكون مرجعية فكرية ومرجعية عملية وإن لم يكن نبياً إلا أنه يكون مرجعية على مستوى الفكر وفكر الدين وعلى مستوى حركة المجتمع، الرجوع إليه في مسألة إدارة المجتمع والجماعة.
اثني عشر نقيباً على قدر اثنتي عشر فرقة وكل ولي(نقيب) يتولى شأن فرقة، ويأتي أحياناً النقيب بمعنى المعرِّف في مورد آخر، وعدد الأئمة (ع) بأنهم بعدد نقباء بني اسرائيل، التوصيف هنا في العدد وأن لهم شأن الولاية الفكرية والعملية.
وقال تعالى في سورة المائدة الآية “12”: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ}والتعزير هو النُصرة مع التعظيم وليست النصرة فقط، بأن أنصرك وأنا أشعر أني أمنّ عليك وأن لي الجميل في النصرة لك هذه ليست تعزيراً، الرسول يُنصَر ويُعترَف له بالجميل وأنه صاحب الفضل وليس أن الناصر له فضل عليه وإلا لم تكن هذه النصرة من {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ}
تَقَدَّم ذكر الزكاة في الآية فما مورد {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} هذا بذل مالي في سبيل الله خارج الواجب، غير داخل في إطار الزكاة الواجبة والتعبير بـ {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ومن يملك شيئاً حتى يُقرض الله، وماهي حاجة الله حتى يقرضه المقرضون؟ الله هو الغني وكل شيء بيد عباده من عنده، فأين موضع القرض؟ هذا إشارة الى وجوب الوفاء، أوجب الله على نفسه أن يُنزِّل هذا العطاء للفقير بمشروع إصلاحي إسلامي إلى تربية صالحة إلى نفع الناس، هذا العطاء يعدّه الله قرضا يُقدِم إليه وهو الذي يلتزم بوفائه، أنت تقرض، ومرة تَهَبْ، والهِبَة غير القرض فالهبة لا تنتظر من الطرف الآخر جزاء وعلى الأقل لا تلزمه بالجزاء أما القرض يقوم على رد ما اقتُرض منك فمن الكفيل هنا في هذا الإحسان والبذل في سبيل الله، لِفقير، ليتيم، لمسكين، الخ..
أنا ليس علي ّ زكاة واجبة ولكن هذا يتيم وهذا مسكين، هذا مشروع متعطل وفيه صلاح العباد فأبذل، هذا يُعدُّه الله قرضاً وهو الذي يلتزم ويتكفل بوفائِه، ووفاء الله فوق ما نتصور، والقرض الحسن من حُسنه أن تكون ورائه النية الخالصة لله عزّ وجلّ، مرة أقرضك أو تقرضني لأجل الشهرة أو لأي غرض آخر.. عندي هذه خطوة توصلية لشيء دنيوي، هذا قرض غير حسن قرض فيه مِنّة، فيه جميل، فيه تعيير، قرض غير حسن، قد يكون القرض بالدينار حَسَناً حيث يخلو من هذه العيوب النفسية، من عيوب النية وحيث لا يمكن أكثر منه، وقد يكون غير حسن، الرجل مليونير وجاء فقير بحاجة ماسة لـ عشرة آلاف دينار فيقرضه دينار هل هذا قرض حسن؟ غير حسن.
فالحَسن حُسنه يأخذ من أكثر من جهة ومن أهم جهات الحُسن هو خلوص النية لله تبارك وتعالى والخلو من المنّ.
وهذا الجزاء {لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}الآية الكريمة تجاوزت الوفاء في الدنيا بالشكل الصريح وإنْ كان {لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} تتناول أمر الدنيا لأنّ السيئات تحبس الدعاء، لأنّ السيئات تنزل البلاء، لأنّ السيئات لها آثارها الدنيوية النفسية الجسدية ..الخ، تكفير السيئات يعني سدّ أبواب خطر كثيرة عن الإنسان في حياته.
وذكراً للشكر الصريح الجزاء الأكبر الجزاء الأعظم {لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ذاتك قبل كل شيء هنا يدك هنا يدي وتلوّث ذاتي مصيبة، صحة بدني ومرض وسقم قلبي وروحي كارثة، سلامة البدن ربح ولكم ما هو أربح سلامة الروح ،هذا في مقياس الله في ميزان الله هكذا وإن لم نقبل نفسياً، اهتمامنا بصحة الجسد أكثر من اهتمامنا بالصحة الروحية، أضيق وأعيش مأساة وتنسدّ كل الآفاق النيّرة للحياة في أماني حين أُبتلى في جسدي أما أخطأ اليوم الخطيئة الكبيرة قد أأسف قليلا أو لساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات ليوم يومين وأنسى.. انغسل كل شيء، بينما ذهاب المرض حق لي أن أنسى مصيبته حق لي بعد هذا المرض أن أنسى تعبه أو مصيبته أما السيئة التي ارتكبتها فرقبتي مَدينة بها ومطوّقة بوزرها ولا أدري أن هذه الرقبة تتحرر من هذا الوزر بتوبة صادقة أُوفق إليها أو لا؟ فالسيئة وقد ارتكبتها في ريعان شبابي وأنا الآن في شيخوختي لابد أن يسيئني ذكرها ويؤلمني ذكرها لا أدري هل حُطّت عني أم لا ؟ من الضامن لي أنها حُطت عني، التوبة؟ التوبة الصادقة؟ ومن قال بأني تبت توبة صادقة ومكتملة الشروط؟
{وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} ودخول الجنة دخول جنة البدن ودخول جنة الفكر ودخول جنة الروح، خذ تقياً في الدنيا من أتقياء الله وضعه في أحسن بيئة في أكثر بيئة تقدماً حضارياً على المستوى المادي إلا أنها موبوءة معنويا متردية سافلة.. هل تكون له هذه جنة في الدنيا؟ هل تجده يجد طعم الراحة للذات التي تحيط به؟ أو أنه يجد نفسه في عذاب؟، فالمؤمن وقد وُجد وقد كان مؤمناً وقد عرف الله عز وجل، لو وضع في جنة مادية في شعور من غضب الله عز وجل لكان في شقاء، ولو حُرم هذا النعيم نعيم الشعور بالرضا الإلهي لما كان في نفسه انه على نعيم كبير..
{وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} ماذا سيحقق لنفسه في حياته بعد هذا الكفر؟ بهذا الكفر ماذا سيحقق له في حياته؟ ماذا ستحقق له حياته؟ سكناً مريحاً؟ أكلا لذيذاً؟ نكاحاً؟ زينة؟ أموالاً؟ شهرة؟ …الخ ، وكل شيء ينقضي من هذا ينتهي أثره في النفس، ما تبقى لذّات الدنيا، كل لذّة تمرّ بنا يتصرم الشعور بها بتصرمها، يتصرم الالتذاذ بها وينتهي بنهايتها، اللقمة ترتاح لها ما دامك تتذوقها مع عبورها منطقة معينة تنتهي لذّتها، أعظم اللذّات تعيش اللحظة التي تمارسها فيها بعدها لا تشعر بلذّة، والروح اليقظة النقية كما لو تذكَّرت سيئة من سيئات ماضيها البعيد أساءها ذلك اللحظة، كذلك لو تذكرت موقف حُسن منها يرضي الله عزّ وجلّ من مواقف الماضي البعيد لطفح شعور اللذّة بذلك الموقف، أنت لمّا تذكر أنك أحسنت إلى يتيم حيث لا يعلم إلا الله مثلاً وهذا قبل 25 سنة تشعر به الآن تشعر بنوع من الارتياح واللذّة أو لا؟ برضا ضمير تشعر بنوع من التفوّق في ذاك الموقف بعكس اللذّة المادية، قبل يوم أكلت لذة والآن جائع ماذا أفعل؟ لا أعيش لذّتها.
{فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} السبيل: الطريق، لنفرض شيئاً ذا طريق يقصد إليه، ينتهي إليه الطريق، هذا السبيل ما هو نهايته؟ والضلال سواء السبيل ماذا يعني؟ هناك سبيل واحد سبيل الدين سبيل التوحيد هذا له هدف له غاية تنتهي إليه حياة الإنسان المؤمن هذه الغاية هي رضا الله وجنّته، هذه هي الغاية التي يسلك بها السبيل الوحيد سبيل الله سبيل الدين، خط الكفر ينحدر بهذا السبيل فينحدر فينحرف عن هذه الغاية فتكون حياته فارغة بلا غاية قد فُرغت من غايتها.. لا يبقى لي شيء من حياتي ولا تبقى لي قيمة من حياتي إلا فيما أكلت وشربت وسكنت الخ… ومن لذّات الحياة المتصرمة المنقضية التي تذهب لذّاتها وتبقى تبعاتها هل هي هذه غاية الحياة؟ أن آكل أشرب أن أخرج من هذه الحياة محمّلاً بالأوزار وقبيح النفس وسيء القلب وأسود الذات لأكون في قعر جهنم هل هي هذه غاية الحياة؟
وخط الكفر يصل إلى هذه النتيجة {فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} من كفر بهذا الميثاق ولم يلتزم به فقد ضل سواء السبيل.
{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} المقصود بنو إسرائيل..، العَدْو أي لا تعتدوا لا تتجاوزوا حكم الله عليكم بعدم الصيد يوم السبت، ادخلوا الباب سجّداً والمسمى باب حِطّة كان عليهم أن يدخلوا باباً ويقال أنه باب من أبواب المسجد الاقصى يدخلوا خاضعين ذليلين خاشعين لله تبارك وتعالى، وأن يدخلوا مستغفرين الاستغفار الصادق النابع من صميم القلب ومن مسارب القلب ومن أعماق القلب وأن يكونوا منسجمين مع هذا الاستغفار في الموقف كما أن عليهم أن يستقيموا معه في الشعور مع هذا الاستغفار أن يكونوا مستقيمين مع هذا الاستغفار شعورا وسلوكاً.
{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ} حادثة رفع الطور ذاك الميثاق المغلّظ الذي يمتلك على القلب كل خلجاته ويستحضر القلب بحيث لا يستطيع هذا القلب لهول الموقف بأن يشرُد، ولا يملك أن ينسى إذا كان فيه بعض اليقظة لايمكن أن ينسى ذاك الموقف هذا مأخوذ عليهم في ذاك الميثاق {وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} عهد شديد شديد شديد ..