الحديث القرآني الرمضاني – 10 رمضان 1435هـ / 27 يونيو 2015م
سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
في
إضاءات قرآنية (الحلقة السابعة)
10 شهر رمضان 1436هـ ، 27-06-2015م
للإستماع :
اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :
للمشاهدة:
وفيما يلي نص الحديث:
الحلقة السابعة :
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
كان الحديث استعراضا لصور من صور الإفساد في الأرض والذي نهى الله تبارك وتعالى عنه، الأرض التي أوجدها بارئها مهيئة صالحة لأن يتعامل معها الإنسان التعامل الذي ينقذه من مشكلات الحياة ويسعده فيها بأكبر ما يمكن لها أن يسعد فيها الإنسان ثم لينتقل من هذه الدنيا وقد تنضجت له إنسانيته وبلغ ما يمكن له من درجة كمال في الفكر والروح والإرادة وأن يخرج من هذه الدنيا طاهر الذات، هيئت لتكون كذلك فحين يأتي من عليها بفساد يحدث فيها الخلل وينصرف بها عن وظيفتها فيوظفها توظيفا جاهليلا لأطماع شيطانية من أجل أهواء ضالة فحينئذ تكون قد فقدت وظيفتها الكبرى على يد هذا الإنسان الذي لا يشقي إلا نفسه بالإنحراف بأوضاع الأرض وخطها القويم.
“ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ“[1]، وهنا السر فيما يحدث من فساد في الأرض وهو أن يظلم بآيات الله وذلك بالتنكر لها والبينة فيما يدل عليه لفظها أنها تمتلك وضوحا تاما وكاملا في أداءها وفيما تريد أن تبرهن عليه وتثبته، والآية بمعنى أمر واضح جلي لا يمكن إنكاره ورده في عقل وذوق سليم ووجدان طاهر.
فليس نقص في الوضوح والدلالة والبرهنة فحين يأتيك البرهان ساطعا كاملا ةيواجه من ذاك البعيد نفس منكرة ونفس تتنكر لهذا البرهان وتجحد وتقف في وجهه فهذا إفساد وهذا هو الطريق الأوضح الأجلى الأكيد البقيني لتحصيل المعرفة والعلم ولا يمكن أن تتحرك هذه الحياة على الخط الصحيح وأن ينتج الإنسان شيئا من سعادته عبر طريق غير طريق العلم والمعرفة الصحيحة فحين نقف في وجه الآيات فنحن نسد طريق العلم والمعرفة وبذلك نحرم هذه الذات من طريق التكامل وأول ما فيه هو العلم والمعرفة الصحيحة وهذا فساد.
قطع الإنسان على نفسه طريق المعرفة والعلم معناه قطع منه على نفسه لطريق التكامل والمنفعة والمصلحة والكمال ولا يبقى طريق ثاني غير طريق الجهل، فإذا أنكرت أكبر أداة للعلم وأكبر طريق للعلم وهو ما كان بمستوى الآية فلم يبقى أمامي شيء من طرق العلم، فبعد إنكار الشمس الساطعة لا يبقى لي مجال لأتعرف على شيء وأن تقبل نفسي شيئا من المعرفة وحين يبقى الإنسان بلا يقين وحين يبقى بلا علم بلا معرفة فهنا ينسد الطريق عليه في اتجاه التكامل، فإن أكبر الفساد أن نغلق أبواب المعرفة على أنفسنا وأن نقول للعلم لست علما وأن نأخذ بالجهل بدل العلم ونتمسك بالشك مكان اليقين وهناك للمفسدين عاقبة وعاقبتهم من جنس الإفساد ولا تكون إلا عاقبة سيئة وفاسدة ووخيمة ومؤلمة ولئيمة.
“وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ“[2]، الآية قبلها تبين أن المؤمنين أولياء المؤمنين وهناك ولاية بين المؤمن وأخيه المؤمن والولاية المقابلة لولاية المؤمن لأخيه المؤمن هي ولاية الكافر لأخيه للكافر، فإذا لم يمز المؤمن بين نوعيّ الولاية ويدرك أن هناك ولاية بين الكافر والكافر متباينة تماما عن الولاية بين المؤمن والمؤمن، ما لم يحترم المؤمن الولاية بينه وبينه أخيه المؤمن ويحسب ألف حساب ويتوجس ألف توجس ويتجافي كل التجافي عن أن يرتبط بولاية الكافر ولاية الود والمحبة والخضوع والنصرة وولاية الثقة في المسلك وفي الذات والفكر فهذه الولاية تعني خروجا عن الإيمان وليس معناه أن لا نتعامل التعامل الحسن مع الكافر وأن نعترف له بما له من حق إنساني وأن نحسن جواره وأن نحسن إليه في بعض الوجوه فهذا ليس منهيا عنه وإنما المنهي عنه أذوب وأن أتلقى من الكافر وأن تكون نصرتي للكافر وكل ذلك من الولاية التي تفسد الإيمان وتخرج بالمؤمنين عن حقيقة إيمانه فما لم نفرز بين هذين النوعين من الولاية فذلك فساد كبير.
اختلاط الأمور إلى الحد الذي تنتهي فيه الحدود بين الإيمان والكفر ولا يبقى فرق بين تعاملك مع أخيك المؤمن وتعاملك مع ذلك الكافر فلا فرق في الثقة ولا فرق في الولاء فحينئذ ينشأ في الأرض فساد كبير وتصير الأمور إلى ضلال وإلى ضياع. “وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ“[3]، فتبنوا مواقفكم على ذلك وتحسبوا لذلك حسبا -والله العالم-“ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ“[4].
“فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ“[5]، هناك علم ومعرفة والحقيقة لا تنال إلا بالعلم ولا يوصل إليها إلا بالعلم والحياة الصحيحة لا تبنى إلا على الحقائق فلا تبنى على الأوهام ولا على الأباطيل والسحر باطل وإذا كان منه ما له مقدمات واقعية يستعان بها عندهم إلا أنه بطابعه العام أمر باطل ويستخدم لأغراض فاسدة.
“مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ“[6]، لن تصلوا بالسحر لما تريدون ولن يحقق في الأرض غلبة ولن يقوم واقع كبير وواقع غلاب وواقع مهتد وواقع فيه سعادة للإنسان على أساس من باطل السحر “إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ “[7]، سيفشله وسيكبته.
“إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ“[8]، فلا يمكن أن يعطي العمل الفاسد نتيجة العلم الصالح فللعمل الفاسد المفسد نتيجته وللعمل الصالح المصلخ نتيجته ونتيجة كل منهما من جنسه.
هذا نوع من الفساد أن يروج السحر في المجتمع والشعوذة وجر عقول الناس إلى الأوهام والأخيلة الباطلة ومع الآسف الشديد في مجتمعنا ينشأ فيها هذا الشيء وعلى مسمع ومنظر وهناك من يتعامل معه التعامل المغري لأصحاب هذا الاتجاه والذي يصطادون أموال الناس وحتى أعراضهم عن هذا الطريق القذر.
“قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ“[9]، أخذُ أموال الناس بالبطل فكل ذلك هذا فساد في الأرض ولا تصلح الأرض بأوضاع مثل هذا واقتصاد ينشيء على النهب والسلب والاستئثار والربا فهذا اقتصاد لا يمكن أن يأتي عامل بناء لمجتمع من المجتمعات ولا يمكن إلا يكون أخيرا سببا من أسباب الشقاء وفساد أي وضع اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي فله انعكاساته على الحياة لأن الحياة مترابطة ولها ارتباط عضوي وهذه الأوضاع كأنها جسد فإذا ساء وضع من هذه الأوضاع انعكسبالسوء على بقية أوضاع الحياة، فيصل الحد إلى الأمن على الأعراض والدماء وبيع أوطان أو عمالة للأجنبي من الكبير والصغير فكل هذا يحدث في ظل وضع اقتصادي غير سليم.
يقسمون بالله عز وجل “قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ”[10]، هم قبلوا تماما أن هذا فساد في الأرض “وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ” ولو كنا سارقين لجئنا نفسد في الأرض هذه صورة من صور الإفساد في الأرض.
” وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ“[11]، أعلم واتيقن إلا أن نفسي مستكبرة على الحق ومستعلية وتتبأ وتعتز بعزة الجاهلية أن تعترف لك بما قلته من علم وهذا ما نبتلي به في نقاشاتنا الصغيرة والكبيرة فقد أعاند ففي نقاشي مع زوجتي ومع ولدي وفي نقاشي مع زميلي في أي قضية من القضايا الصغيرة أو الكبير فقد اكتشقف الحق في كلمته وفيما يطرحه ولكن يبقى بين وبين معرفة للحق الذي جاء على لسانه وبالتسليم له حاجة من نفس مستكبرة مستعلية جاهلية، وليختبر أحدنا إيمانه وتواضعه في التسليم للحجة القاطعة من الأخر أو الاستكبار عليها، وفساد في الأرض إذا لم أسلم لك بالحق وفساد في الأرض إذا لم تسلم لي بالحق، وإذا ردت كلمة الحق على قائلها أختلت الموازين وسفه الرأي وأنقطع باب العلم وساءت العلاقات وقامت الأوضاع على غير حق، “وَجَحَدُوا بِهَا” مع استيقان أنفسهم بها ويجحد بالقضة ونفسه مستيقنة بها وقاطعة بصحتها وهذا الجحد مع الاستيقان جاء من الظلم والعدوان وليس من نقص الدليل، “فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ“”هناك تهديد أن هذا عاقبته عاقبة سوء وعاقبة محق وخسار.
“قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوك إِذَا دَخَلُوا قَرْيَة أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّة أَهْلهَا أَذِلَّة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ“[12]، إن الملك ليس اسما فقط فكلام موضوع الفساد والإفساد ليس عنوان الملك، لو قلنا عن سليمان بأنه ملك فهل يكون ممن يجعل أعزة أهلها أذلة أو أن يعمل على عزتهم الحقيقة فهل سيفسد عند ما يدخل سبأ أم سيصلح؟ سيصلح ويعمرها بالإيمان ولخير الدين والدنيا وبالعدل والترابط الاجتماعي والمحبة ويقيم مجتمعا إنسانيا راقيا فليس العبرة بالإسم وإنما العبرة بالواقع.
فنبي الله سليمان عليه السلام لو سمي ملكا إلا إنه يعرف من نفسه ويسلم تسليما كاملا بأنه ليس ملكا وإنما هو عبد لله وأن ليس له من أمر ولا نهي إلا بعد أن يتعرف ما هو أمر الله فيأخذ به ونهية فينتهي عنه فهذا سليمان عليه السلام أسمه ملك ولكن كل واقعه هو واقع العبودية لله عزوجل وكل بنائه النفسي والفكري والإرادي والشعوري على إنه عبد قن محضا مملوك لله سبحانه وتعالى وليس له من الأمر شيء فهو ليس ممن “ أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّة أَهْلهَا أَذِلَّة”[13].
ولكن حين أخذ عنوان ملك معتقدا في نفسي الاستقلالية عن الله عز وجل فآمر بما نهى الله عز وجل وأنهى بما أمرالله به فمعنى هذا أن عندي استقلالية وعندي ألوهية في قبال ألوهية الله عز وجل كان با ألوهيتي أغلبها على ألوهية الله عز وجل فحين أرد أمر الله لأمري وأرد نهي الله لنهيي وأعطي الغلبة لنهيي لأمري على أمر الله ونهية فأكون أنا الإله في نفسي وليس الله عز وكيف يكون هو المعبود وأنا العبد فأتقدم عليه فلابد أن أكون أنا المعبود على الأقل لنفسي وأريد أن يعبدني الآخرون فهنا يأتي مصداق الآية الكريمة “قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوك إِذَا دَخَلُوا قَرْيَة أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّة أَهْلهَا أَذِلَّة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ“[14]، فطبيعة هذه النفسية وهذه العقلية يلازمها القيام بالإفساد في الأرض وممارسته.
“قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوك إِذَا دَخَلُوا قَرْيَة أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّة أَهْلهَا أَذِلَّة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ“[15]، وأقرها الله سبحانه وتعالى على هذا القول ولم يردها القرآن الكريم، وهذا النوع من الملكية يخلق حالة من الذل العام والفساد العام فتتدهور الأوضاع وفسادها وخرابها.
وهذه بعض صور من الإفساد يذكرها القرآن الكريم وقد سبق أن في كل مخالفة لتشريع من تشريعات الله وحكم من أحكام وكل تغيير لمفهوم من مفاهيم الإسلام عن صورته الإسلامية وكل خروج على خلق إسلامي وكل إخلال بعقيدة اسلامية يعني إفساد، والإصلاح هو ارتباط بشرع الله والإفساد عو الإنفصال عن شرع الله ودينه.
هناك إنحراف لوظيفة النعم والنعم كلها جاءت لتبني وتعمر وتصلح ولتصل بي وبك إلى أقصى درجة من سعادة الدنيا والآخرة يطيقها وجودي ووجودك وتتسع لها هذه الحياة وتتسع لها الآخرة.
والآية الكريمة تقول “وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ”[16]، هذه آلاء من الله وإنكانات معطى لكم وقدرات فتبنون وترزعون وتصنعون وكل ذلك بقدرة الله عز وجل ومن عطاءه لتعمر النفوس وتعمر العقول وتصح الأديان وترتقي الإنسان وتشف المشاعر ولتتحروا من شهوات الأرض ومن عبودية الإنسان للإنسان ومن عبودية الإنسان لما تملك يده أن يكون مملكوا لقصره ولسيارته ومن أجل أن تتجرروا ومن أن أجل تجدوا أنفسكم على طريق السعادة وإذا لم تكن نعما وكم هي من نعم كبار عظيمة نحولها لأنفسنا وعلى أيدنيا إلى نقم صعبة وأسباب شقاء بدل أسباب سعادة بتحريف وظيفتها.
“وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ “[17]، لا تستعملوا هذه النعم في الإفساد الكبير في الأرض، ودول تمتلك امكانات ضخمة من أجل السطو ومن أجل غزو الشعوب الأخرى ومن أجل تدمير الآخرين ومن أجل إذلال الآخرين واستعمار الآخرين والعدون على الأخرين هذا انحراف بوظيفة آلاء الله من كونها آلاء تعطي الصلاح إلى كونها أدوات فعالة على طريق الفساد وعلى طريق الإضرار وطريق نشر الرعب وطريق إسقاط الأخلاق وحرف الإنسان عن خطه الصحيح.
السيطرة موقع خطير يُحترس منها وهي ميلنا وهي من الداوفع والغرائز المعدودة عندهم وهما حب التملك وحب السيطرة، فالبعض يريد أن يرى نفسه سيدا في أي موقع وهذا الموقع خطير وكلما كبر أشتد خطره ويحتاج إلى نفسية غير النفسيه المعتادة وإلى عقلية من وزن كبير وإلى نفسية من وزن كبير وإلى حالة انضبط وتوازن ورازنه وإتزان وحالة احترام الإنسان لذاته الإنسانية ويحتاج إلى تأدب من الله وإلى خوف من الله عز وجل وإلى خشية من الله عز وجل وإلى تعلق بالقيم الكبرى وإلى أن يجد ذاته في القيم الرفيه وليس في اللذات الوضيعة، هذه مواقع تحتاج إلى هذا الرصيد وحين يخف هذا الرصيد في النفس فما أخطر هذا المنصب على النفس وعلى الآخرين.
الآية الكريمة تقول “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ“[18] التولي هنا على أحد معنين: أن توليتم: أعرضتم عن دين والأخذ به والسيق فيه الخطاب للمنافقين ومرضى القلوب وكانوا معتذرين عن الحرب وهناك كلام أنهم اعتذروا عن الحرب بأنهم إذا شاركوا في الحرب هذه التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله فقد سفكوا دماء أرحامهم وقطعوا أراحمهم فلا يريدون المشاركة في قطيعة الأرحام وفي سفك دمائهم، لهذه الخلفية جاء الآية الكريمة كما يرى بعض المفسرين “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ“[19]، أنتم سبق لكم في جاهليتكم أن حكمتم فكم فعلتم من سفك الدماء ومن قطع الأرحام ومن الوأد لبناتكم.
هذه حرب إسلامية ليس من قصدها الإفساد وإنما تنقل الناس من حالة الفساد إلى حالة الصلاح والدماء التي تسيل هي مقدمة ليس مرفوبا فيها في الإسلام وإنما مقدمة مبغوضة أن تسيل دماء في الأرض والإسلام حريض على دم الإنسان ولكن هو أهون الضررين فإمام أن يفسك الدم أو يترك أهل هذا الدم أن يزدوا الفساد في الأرض ولتباح كل نفس محترمة وليُقطع السبيل على الحق ويأخذ بالناس بعيدا عن إنسانيتهم وعن عبادة الله عز وجل ويعم الشقاء الأرض كل الأرض، فإما ها وإما ذاك وحين تتوقف سلامة الملايين وسلامة القوافل البشرية المتدفقة سلامة دمائها وسلامة أموالها وسلامة نفسيتها وسلامة دينها على أن تضبط أوضاع الأرض في زمن حرب الإسلام على أن يقطع دابر من لا يسمع للحق ويعانده ويقف في وجهه ويصر على أن يكون هو المعبود دون الله عز وجل ويغطي الفساد كل شبر في الأرض ويغمر كل نفس وهذه بوابة للاستباحة الدم واستباحة المال واستباحة العرض وضياع الإنسانية فأيهما يقدم؟ مقدمة مبغضوبة ولكهنا ضرورية.
“فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ“[20] فأنتم لو عدتم لنفاقكم وبعدكم عن الإسلام لهذا الموقع ستكون نفس الحالة، وماذا تتوقعون لأنفسكم وعسيتم بمعنى: ماذا تتوقعون وتترقبون وما المرتقب منكم، وثانيا الإعراض عن الدين الإسلامي سواء مع تولي الحكم أو مع عدم تولي حكم لا يعني إلا الفساد في الأرض وتطيع الأرحام وهذا نتيجة حتمية للإعراض عن دين، وهناك دين الله لا تقابهله إلا الجاهلية وأي طرح من الأطروحات يقابل دين الله ويعتبر نفسه في قبال دين الله ويقدم نفسه بديلا لدين الله عز وجل أعطيه من الأسماء ما تعطيه فهو جاهلية، دين الله واحد ومتنزل من الرب الواحد والمعبود الواحد وكل ما عدا ذلك هو جاهلية، وحين تتخلون عن الإسلام تقطعون في الجاهلية وهي لا تعطي إلا الفساد في الأرض وتقطيع الأرحام.
والآية الكريمة تقول “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ“[21]، قد يكون في شعوره الطافح السطحي أنه مصلح على أساس أن في قتل الآخر وفي استعباد الآخر وفي إرعاب الآخر أمنه هو ورفاهه وتضخم رصيده المادي هو واتساع سيطرته ولا يرى الصلاح والاصلاح إلا في هذا وأخذ القيم وأخذ الدين هذا كلام لا يُشترى وإنما الصلاح في أن تسيطر وأن يسجد لك وفي أن تمتلك نواصي الآخرين بما عندك من ثروة ومال وهو يشعر بالشعور السطحي الساذج بأنه مصلح ولكنه في حقيقة ولو عاد للشعور الصادق الفطرني الوجداني الذي يتفق مع الوجدان وخط العقل لوجدوه مفسده.
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ“[22]، أو إنها الدعوة الإعلامية من أجل تغرير الآخرين، لا يوجد ظالم يقول بأنه ظالم فروسيا تعير أمريكا بأنها ظالمة وخارجه عن العدل وروسيا تمارس الظلم وأمريكا تندد بظلم روسيا لتسقط قيمتها وروسيا تسقط قيمة أمريكا في نظر الشعوب والعالم الآخر لاتهامها بممارسة الظلم وبأنها زعيمة سياسة الظالمين في العالم وأمريكا تعكس الأمر كذلك، وهذا دليل أن هناك حجة على الإنسان في داخله فهو يمارس الظلم ولكنه ينكره ويحتج عليه أمام الضمير العالمي لو قال بأني ظالم لاحتج عليه كل هذا الضمير العالمي فهو يوقل بأنه عادل وأنته ظالم لكي يسقطه فهؤلاء يتكؤن على رصيد فطري يعرفونه عند الإنسان وفي أنفسهم بإنكار الظلم وإقرار العدل والضمير الإنساني مع العدل وليس مع الظلم ولذلك يخاطبون العالم ويتقربون من العالم بأن الطرف المعادي لهم هو الظالم “أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ“[23].
“وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ”[24]، فمن يعتبر نفسه متولي وأن الولاية له على الناس فلا يقول بأنه مأذون من الله ومأمور من الله أن امارس هذا الدور الخاضع لله والمأتمر بأمر الله والمنتهي بنهي الله وأنا منفذ لجنبة من جنابات ولاية الله التشريعية على الناس والإمام علي عليه السلام يعتبر نفسه منفذ لأمر الله وليس هو الآمر الحقيقي وأمره أمر مأتمر ونهيه نهي منتهي وأمره راجع إلى أمر الله ونهيه راجع لنهي الله سبحانه وتعالى فيعتبر نفسه مطبقا لما أمر الله به ولما ينهى الله عنه ولا يعتبر أن له ولاية ذاتية على الناس وإنما ولاية جعلية من الله عز وجل لا تخرج عن إطار ولايته وتخضع لولايته وأما إذا اعتبرت نفسي ولي على الناس واعتبر نفسه ولي على ولده بمعنى مالك له، الولد يحسن منه أن لا يتأخر عن الاستجابه لطلب والده ولا ينتظر طلبه ويجعل نفسه دائما هو وماله في خدمة والده ولكن من ناحية تشريعية فالأب لا يملك الولد ولا يملك آثاره ولا يملك إنتاجيته وعلى الأب والأبن أن يخضع لشريعة من يعتقد بأنه ربه ومالكه ومدبره، فمن اعتبر نفسه ولي على الناس وهذه الولاية أخذها بسلطانه وقوته وبيده ويرى نفسه يملك “وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ”[25].
اللهم أجلعنا من لا يحب الفساد ولا يحدث على يده شيء من الفساد واجعلنا غير متفرجين على حالة الفساد والصلاح وإنما الساعين دائما للصلاح والإصلاح.
والحمد لله رب العالمين
[1] سورة الأعراف، الآية 103.
[2] سورة الأنفال، الآية 73.
[3] سورة الأنفال، الآية 73.
[4] سورة الأنفال، الآية 73.
[5] سورة يونس، الآية 81.
[6] سورة يونس، الآية 81.
[7] سورة يونس، الآية 81.
[8] سورة يونس، الآية 81.
[9] سورة يوسف، الآية 73.
[10] سورة يوسف، الآية 73.
[11] سورة النمل، الآية 14.
[12] سورة النمل، الآية 34.
[13] سورة النمل، الآية 34.
[14] سورة النمل، الآية 34.
[15] سورة النمل، الآية 34.
[16] سورة الأعراف، الآية 74.
[17] سورة الأعراف، الآية 74.
[18] سورة محمد، والآية 22.
[19] سورة محمد، والآية 22.
[20] سورة محمد، والآية 22.
[21] سورة البقرة، الآية 11.
[22] سورة البقرة، الآية 11.
[23] سورة البقرة، الآية 11.
[24] سورة البقرة، الآية 205.
[25] سورة البقرة، الآية 205.