الحديث القرآني الرمضاني – 08 رمضان 1435هـ / 25 يونيو 2015م
سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
في
إضاءات قرآنية (الحلقة السادسة) العصمة
8 شهر رمضان 1436هـ، 25-06-2015م
للإستماع :
اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :
للمشاهدة:
وفيما يلي نص الحديث:
الحلقة السادسة :
(العصمة)
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
الإفساد في الأرض يتناول سطحها وعمقها ويتناول ما عليها ومن عليها وكل تصرف في جانب من هذه الجوانب بما لم يأذن به الله عز وجل فهو إفساد له، خالق الأرض وخالق ما عليها ومن عليها وما فيها وخلق كل ذلك بعلم وتصميم دقيق وهندسة لا يبلغ مستواها عقل فأنا الجاهل لما أتصرف في شيء من ذلك على خلاف ما اقتضاه علم وما تعلقت به إرادة الله وعلى خلاف الوضع الذي جاء هو في علم الله الوضع الناجح والمؤدي بالإنسان إلى سعادته فذلك إفساد مني.
تصورُ أن عمارة قد صممها أكبر مهندس من أهل الامكانات الهندسية في الأرض من أهل الخبرة والعلم في هذا الجانب فيأتي إنسان لا حصيلة علمية على الإطلاق فيتصرف في خارطة هذه العمارة ويتصرف حتى في وظائفها فهذا تصرف فيأتي فسادا من عقلية صغيرة محدودة جاهلة تعبث في مخطط وضعه خبير عالم في هذا الفن.
الإنسان العالم هو جاهل بالنسبة لله سبحانه وتعالى وأي إنسان يتصرف على خلاف ما أذن الله عز وجل ولو كان هذا الإنسان بعقلية نبي أو بعقلية عبقرية في أي فن من الفنون ويتصرف في تركيب على خلاف ما أرد الله و أن يعطي لشيء وظيفة غير التي أعطاها الله عز وجل لهذا الشيء إنه عبث وفساد وسيؤدي إلى هذا المركب الدقيق إلى خلاف ما هو عليه من دقة تصميم وما يمكن أن يؤدي إليه من دور في هذه الحياة ويفضي إليه من وظيفة تتكامل مع وظائف الأشياء التي خلقها الله تبارك وتعالى.
والإفساد له صور يذكر القرآن الكريم عدد من صور الإفساد ومنها:
- “الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِمِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ “[1]، لله عهد في ذمة هذا الإنسان وهذا العهد موثق ومؤكد يجده الإنسان تنطق به فطرته وتلح عليه به وتذكر به وكلما عاد إلى فطرته وكلما أصغى إليها سمع منها أن عليه أن يقر بالعبودية لله تبارك وتعالى وأن يخضع لطاعة الله عز وجل وأن يأتمر بأمره وينتهي بنهيه وأن يقيم كل حياته على ضوء منهج الله عز وجل وإرادته والاعترف بوحدانية وترتيب هذه الاعتراف في كل مجال حياته، وهذا العهد موجود ونسمعه من داخل فطرتنا وهو عهد مؤكد وموثق ويبقى مع الإنسان ولا يفارقه حتى آخر لحظة من حياته، ولله عهود أضرمها هذا الإنسان مع الرسول الذين بايع منهم من بايع وهناك من بايع عيسى عليه السلام وبيعة لعيسى بيعة لله ومن بايع موسى عليه السلام وهي بيعة لله أو بايع رسول الله صلى الله عليه وآله الخاتم وهي بيعة لله.
وأكبر الفساد ورأس الفساد هو نقض العهد مع الله سبحانه وتعالى وقد ينقضه أحدنا عهده مع الله نقضا كليا أو وقد ينقضه نقضا جزئيا وأي مخالفة عن عمد وأي استخفاف بأي جزئية من جزئيات دين الله تعني نقضا للعهد مع الله، والعهد مع الله ليس أن أطيعه في مساحة من حياتي ولي الخيار في أن أعصيه في المساحة الأخرى، والعهد معه سبحانه وتعالى يلزمني أن أطيعه في كل مساحة الحياة وفي كل علاقة من العلاقات التي أقيمها فيها.
عهد الله أن أتصل وأن أرتبط بعلاقات وممارسات وفكر معين ومشاعر معينة ومنهج معين وهذه الأمور أمر الله عز وجل بها أن يصلها الإنسان بحيث يرتبط بها وينشد إليها ويحترمها ويراعي حقها والدين الحق أمر الله به أن يوصل والعلاقات الرحمية النظيفة أمر الله بها أن توصل، والإنسان أمر الله عز وجل الإنسان الآخر أن يصله الصلة التي يرضاها الله عز وجل.
هناك محرمات من قتل وزنى وسرقات وقتل مؤمن فلابد أن يحصل بينها وبين المؤمن الإنفكاك والهجر والقطع والبتر وهو خلاف الوصل[2]، فهناك أمور يجب أن تهجر قد بينها دين الله والأمور التي يجب أن توصل بينها دين الله عز وجل، وعهد الله معنا وفي ذمتنا ليس أن نعرفه المعرفة النظرية فقط وإنما نرتب على معرفتنا له وصل ما أمر به أن يوصل وقطع ما أمر الله به أن يُقْطع، فكم في اليوم الواحد يواجهنا ما يجب أن يوصل ومما يجب أن يقطع وعليّ أن استحضر ذهني ووجداني وفطرتي وما آتني الله عز وجل من نصيب من علم قل أو كثر وأن أنظر إلى ما هو المصلحة أمام كل أمر من الأمور بعد أن أتعرف مما أمر الله عز وجل أبه أن يوصل أو يقطع فأتخذ الموقف المناسب.
الإفساد “الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ”، وكأن هذه الصورة المقدمة صورة بشعة رئيسة من النقض من النقض ومن الإفساد ثم جاء التعميم “وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ“[3]، وأصدق مصداق من الإفساد في الأرض هو نقض العهد مع الله عز وجل.
- “الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًافَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ“[4]، صورة فاعلة ومؤثرة هي إفساد وتسبب الفساد الواسع وتقف بالمرصاد في طريق الإنسان إلى ربه سبحانه وتعالى وتقطع عليه غايته الكبرى وهي غاية معرفة الله وطاعة لله وغاية بناء الذات في ضوء طاعة الله عز وجل فهؤلاء صدوا عن سبيل الله والصدود عن سبيل الله يكون مرة بالإعراض يكون بالوقوف في طريق الآخرين دون أن يهتدون إلى الله عز وجل فيزين لهم الكفر ويبغض لهم الإيمان وتشوه صورة الدين أما ناظريهم من أجل أن يحدث منهم الإعراض والفرار والهروب من الدين.
مرة أصد بنفسي عن دين الله بمعنى أعرض وأولي وجهي عن دين الله وأدير ظهري عن دين الله ومرة أكثر من ذلك فأحمل الآخرين وأحاول مع الأخرين وأبذل جهود ضخمة مع الآخرين بالمال وبالفكر والأعوان والسياسة للصد عن دين الله عز وجل.
الصورة الأبشع هي الصورة الثانية بأن يقف على طريق الدين ليقبحه ويشوهه ويسقط قيمته في نفوس الدين ويحارب الكتاب النير ويحارب الكلمة الإيجابية المؤثرة ويحاول أن يقضي في حياة المجتمع على كل ما يذكر بالله عز وجل وعلى ما يعطي الإنسان التسليم لدين الله عز وجل لأن هناك أناس يرون أن عظمتهم لا تكون إلا في طول إسقاط عظمة الله عز وجل في النفوس، فإذا عُبِدَ الله فهو لا يعبدون.
إذا كان تعظيم مجتمع لله عز وجل ومجتمع يعرف الله عز وجل ويقدره[5]، ويعرف قيمته طاعته وله في صدره هيبه من هيبة الله عز وجل وإدراك ما لعظمة الله عز وجل فهذا المجتمع لا يأخذ فرعون ربا، ففرعون لابد أن يعمل على صد الناس عن ذكر الله عز وجل ودينه من أن أجل أن يكون الرب وأن يكون المطاع.
“الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ“[6]، هنا إشارة للصد بمعنى الوقوف في وجه الآخر دون أن يهتدي إلى الله عز وجل لأن مرتكب هذا الفعل الشنيع هو الذي يكون موضوع لزيادة العذاب فوق العذاب ولأن ينال عذابين وهما عذاب صدوده بنفسه وإعراضه عن ذكر عن الله عز وجل وعبادته والذنب الثاني والعذاب الثاني من أجل صده للآخرين عن ذكر الله سبحانه وتعالى “زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ“[7]، انحرافا ذاتيا وحرف للآخرين وحمل للاستكبار على الله عز وجل.
- وهناك مفسدون وهذه صورة ثانية من الإفساد في الأرض “وَإِذَا تَوَلَّى سَعَىفِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ“[8]، إهلاك الحرث والتعدي على النفوس والتعدي على البيئة وعلى خصوبة الأرض وعلى الناحية الإنتاجية في الأرض وعلى أسباب الفراغ في الأرض وأسباب الإعمار وهذا إفساد يرتكبه الإنسان، فرعون كانت طريقه في إهلاك النسل بمنع من حمل أي مخلوق من نساء بني إسرئيل فكان يقتل من يولد وقد يكون هلاك النسل بهذه الطريقة المباشرة وقد يكون بغير مباشرة وقد يكون بالحروب الباغية الطاغية التي تحصد عشرات الآف ومئات الآف والملايين من أجل مطمع مادي شخصي ومن أجل ظهور شيطاني على مستوى السيطرة وامتلاك السلطة.
وهناك صور مباشرة وغير مباشرة للفساد في الأرض مثل الفساد البيئي وتلويث الجو فيه قضاء على الحرث والنسل وإفساد البيئة بالغازات السامة المكثفة وما تحدثه من خلل وما تحدثه من خلل في بيئة الإنسان وهذا كله يسبب هلاك أنفس وانتشار أمراض ويقلل من انتاج البيئة وهذا إهلاك للحدث والنسل.
“وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا”[9]، تولى تأتي بمعنى ذهب وتأتي من كانت له الولاية فيعطي وجها لأهل الإيمان ويعطي وجها للرسول صلى الله عليه وآله وإذا تولى وابتعد يفسد، وإذا تولى كان له حكم على الناس وسيطرة وهذا يمكنه كثيرا من إهلاك الحرث والنسل بإمكانات الأمة وكلما أتيح ليد بأن تمتلك من أمكانات الأمة الكثير كلما كان لها أن تستعمل هذه القوة من الناحية الإرادية في الاصلاح أو في الإفساد.
وقد تبني أمم قوىً على خلاف مصلحتها حين تُمكن الظالم من رقبتها وتوظف الأرض وجهد الإنسان وتوظف كل الامكانات من أجل تملعق الظالمين وفرض سيطرتهم، علينا أن نحترس فأنا اليوم عندي ولاية ولا أنت عندك ولاية ونحن بحجم معين من الإيمان ومن القدرة على ضبط النفس ومن المستوى العقلي وعندنا درجة من الوعي وهذه تكفي بعض الشيء لموقعنا اليوم فأنت لو صرت غذا موقع أكبر فهل تملك الرصيد أو لا تملكه؟ فالأمر يختلف فرصيدك اليو موالذي يحميك من الانزلاق ومن الوقوع في فخ الشيطان فهذا الرصيد حين يكبر موقعك الدنيوي وتعظم بيدك الإمكانات قد لا يساوي شيئا ولا يعطيك أي حماية ويذوب وتنتهي فاعليته أمام المنصب الكبير الجديد والإمكانات الضخمة التي اتيحت لك.
علينا أن لا نقتصر في تربية أنفسنا على تربيتها للظرف الحاضر وإنما علينا لأي ظرف محتمل محسوب أو غير محسوب وكما يطغي الإنسان الغنى والمنصب ويستزله ويعصف به ويثور بوجهه في قوته كالبركان بحيث لا تحمله كذلك تأتي على الإنسان مصائب لا يحتملها بما هو عليه في لحظته من الرصيد الإيمان والعقلي والعلمي والخبروي وأثر المواعظ والآيات فكل ذلك في النفس وما هو قائم في النفس الآن لو جاءت مصيبة من المصائب الشدائد قد أجد من كل هذا الرصيد ما لا يحمني للصبر ومواجهة المشكل. فعليا دائما أن نطلب المزيد من درجة الإيمان ومن درجة العلم ومن درجة الوعي لكي نحتمي بعد الاتكال على الله عز وجل بما جعله الله سببا للاحتماء.
واليوم يجهاد في سبيل الله فعلا ويبذل ويضحي وغدا لا أدري هل يبقى على هذا أم لا يبقى عليه وحين تتغير الظروف هل يبقى على هذا أو ينقلب الموقف فهذا يحتاج من الإنسان إلى الاستعداد الدائم للتوقي من الإنقلاب في الموقف.
“وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا”[10]، هذا وظيفته كبرى يتخذ ذلك وظيفة عاقبة ففي البداية ربما لم يتولى من أجل أن يفسد وما كان غايته أن يفسد ولكن بحكم الظرف الجديد الذي يكبر نفسيته ألف مرة والذي تجاوز مستواه وعقليته ينتهي أمره ليفسد فيها فتصبح لام العاقبة وإن لم تكن لام الغاية، فمرة تكون اللام للغاية حيث تحرك ما ورائها وهنا الإفساد الذي يحرك للتولي، ومرة لا يكون التحرك للتولي هو الإفساد وإنما الإصلاح ولكن في بدايات الطريق وحين يحاط الإنسان بمظاهر العظمة والتقدير الزائد فحينها يتغير وتكون فرصته للإفساد في الأرض.
“وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ”[11]، وما يترتب على أنواع كثيرة من الفساد هو إهلاك الحرث والنسل وهذا نتيجة تأتي للإفساد والتخلي عن منهج الله عز وجل، فإن أراد أن يهلك الحرث والنسل أم لم يرد فإذا خالف منهج الله أهلك الحرث والنسل فالاستقرار والتقدم والأمن والترابط الاجتماعي والثقة المتبادلة بن الإنسان كل ذلك إنما يتم في ظل منهج الله عز وجل وحين نهجر منهج الله فقد هجرنا البيئة الصالحة والمناخ الطيب إلى صحراء محرقة أو إلى لجج مظلمة “وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ“[12].
- “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ“[13]، صور الإفساد كثيرة ولكن ليس في كل صورة من صور الإفساد وفي كل مخالفة من مخالفات الشريعة ياتي حكم التقتيل والتصليب وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف والنفي من الأرض وإنما هذه عقوابات مرتبطة بمورد خاص وبصورة خاصة من صور الإفساد وهي المتمثلة عندهم في نشر الرعب وتقويض أمن المجتمع بعضهم يخصها بخارج المدن والبعض الآخر وهو ما عليه الدليل سواء داخل المدن والقرى والترصد لحركة الناس والنهب والقتل والاعتداء على العرض من دون الفرق بين النفس البرئية وونفس غير برئية وبين كافر ومسلم، فهذا مجتمع مدينة مثلا فيها من النصف من اليهود والنصارى والنصف الآخر من المسلمين وهي محكومة لحكومة إسلامية فيخرج عدد من المسلمين في الطرق من غري وجود أي ظروف وحتى ومع وجود خلاف أو ما شابه فيترصدون لحكركة اليهودي والنصارني فيقتلون هذا اليهودي ويعتدون على تلك النصارنية وينهبون مال فلان من النصارى واليهود فهذا إفساد في الأرض وزعزعة أمن مجتمع وهؤلاء في ذمة الحكومة الإسلامية ما دامو ماعهدين وموافق على إقامتهم فهم ذمة المسلمين والحكومة الإسلامية هذا فضلا عن أن تمتد يد الأثم بقطع الطرق والنهب وبالترصد لحركة الناس واستباحة القتل والنهب والسلب والاعتداء على الأعراض بالنسبة للمسلمين فهذه هي الحالة الوحيدة التي يطبق فيها هذا الحكم وهو هو حكم التقتيل والتصليب وقطع الأيدي والأرجل من خلاف والنفي على نحو التخير أو الترتيب بصورة معينة، فبعضهم يرى الترتيب ولكل عقوبة موردها المعين من موارد هذه الإخافة فمرة معها قتل ومرة معها تهديد فقط فكل حكم من هذه الأحكام له موضوعه الخاص في إطار الإخافة العامة ، وبعضهم يقول أن الأمر متروك للإمام أن يتخير بن الصور الأربع.
تقول الآية الكريمة “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا [14]، وهذا ربما يشير إلى أن هذه حرب على الله ورسوله وهذا السعي في الأرض فسادا بالصورة المذكورة هو حرب على الله ورسوله، أليس الله عز وجل وأليس رسول صلى الله عليه وآله يريدان أمن الإنسان؟ ويريدان له الأمن الاجتماعي والبيئة التي تمكنه من الخيار الصحيح فحين ينتشر الرعب وتسفك الدماء من غير حساب ولشهوة جنونية ولهوى مجنون فهذا حرب لله عز وجل وخلاف ما أراد عز وجل وهذا يرينا اجترام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله للإنسان وأن هذا التعدي على الأمن الاجتماعي هو حرب على الله وكيف لا يكون حربا على اله وهو حرب على مخلوقات الله وعباد الله وعلى عيال الله تبارك وتعالى.
- “وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا“[15] صورة أخرى.
- “ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَااللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ “[16]، من سعي اليهود للفساد في الأرض أنهم يتهيون في الأرض فيشعلون الحرب هنا وهناك دخلو طرفا مباشرا فيها أو لم يدخلوا طرفا مباشرا فيها وإقلاق وضع المجتمعات في الأرض وتمزيق المجتمعات وتسبيب الحروب والكيد بإنشاء حرب هنا وحرب هناك والقيام بالتصفيات الجسدية وتصفية الثروات وإضعاف الآخرين صورة من صور الفساد في الأرض والتي يمتهنا اليهود بالخصوص وهذا نوع من المهنة عندهم وهو إشعال الحروب في الارض ويلعنون من أجله .
- “وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًاقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ “[17]، اعبدوا الله معللة لأنه الله وهو أسم علم لذات ذي الجلال والإكرم وهي الذات المستجمعة لكل صفات الجمال والجلال وهذا معبود، فإذا كان هناك ذات مستكملة لكل صفات الجلال والجمال وليست إلا ذاتا واحده فلابد أن يعبد.
“وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ “[18]، توجد شفقه يا قوم مني بالإضافة إلى النفس فأنتم أحبتي وأنا منكم وأنتم مني فلا يحمل كلامي إلا على النصحة والشفقة ولاستهداف المصلحة لكم.
“وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ“[19]، هم مطمئنين بالله والوفاء بالكيل والميزان فلك أن تتبين أهمية الناحية الاقتصادية من هذه الآية. “قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ” إن كنتم تحبون الله وتعبدونه وتخضعون له “فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ” فأوفيه في كيلو القمح ولا أوفي له في قسمة النفط هذا ليس عدلا فالمطلوب منك أن توفي الكيل والميزان فيما هو مثقال وفيما قيمته خمسة فلوس، الثروة العامة بصورتها الأولية الخام وبصورتها بعد جهد الإنسان وعرقه وتعبه وإنتاجيته فآخذوها بالكامل لي واعطيك الفتات فهل ليس وفاء بالكيل والميزان.
“وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”
“فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ” أشياء الناس منها المادي ومنها المعنوي فقدرهم العلمي لا تبخسوه أياه وقرده من الإيمان لا تبخسه إياه ومن الأمانة لا تبخسه إياه ومن الدور الاجتماعي لا تبخس إياه ومن الدور السياسي “ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ” هذا بخس أشياء وأخذ حق فلان في القسمة بخس له وأخذي منه دينار وأعطيه ما قيمته ثمانمائة فلس بوزن الكيل بخس لشيء من اشياءه وتنكري لمستواه العلمي بخس لشيء من أشياءه وهذا فساد في الأرض إذا لم يعطى الناس حقوقهم وإذا لم يعترف لهم بأقدارهم ونجعل المجتمع المهندس عامل واليد التي لا تجيد شيئا غير حمل الأشياء مهنسا فهذا بخس وفساد وإفساد، وأنت تأتي بعقلية ذات قابلية فلسفية عالية ولديك قابلية أخرى ذات قابلية عملية عالية في التكنولوجيا وتجعل كل منها في مكان الأخر فهذا بخس للناس وهذا فساد وإفساد.
ويأتيك ذلك الغبي وتجعله في المنصب ويأتي ذلك الخبير فتطرده فهذا فساد وبخس للناس أشياءهم وهذا الغبي حينما وضعته في المكان الذي يتطلب الذكاء والكثير والخبرة العالية فقد ظلمته وأرته من نفسه غيره فتوهم واغتر وبطر وقتل نفسه وأفسد حياة الناس بغباءه وعطلت على الناس الخبرة التي تنقذ والتي يتقدم بها وضع البلد فعطلتها وجعلتها مقهورة مكبوته.
ونريد أن يكون الرجل امرأة ونجعل المرأة رجلا وفيما يجب أن يكون الموقع فيه امرأه جعلنا رجل وفيما يجب ملئ موقعه بالرجل جعلنا أمراة فهذا ظلم وخطأ.
“وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ” فهذا صورة من صور الإفساد بعد الإصلاح فحين أبخس بالكيل والميزان ولما أزن لنفسي أزيد ولما أزن لك أنقص فهذا فساد في الأرض.
“ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” وهذه الخيرية في الانضباط أظهر ما تظهر مع الإيمان وخيرية التعامل ولا أبخس في الكيل ولا أبخس في الميزان ولكن ليس عن إيمان فهذا يمكن أن ينقلب ويمكن أن يكون توصلا لشيء سيء حتى يكون نظيفا تماما ونقيا تماما وصلاحا محضا حين ينطلق من الإيمان فيأتي نقيا نظيفا مأمونا.
“وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ”[20]، كل الأعمال السيئة لها عاقبتها في الدنيا سقوط ملك أو سقوط جمهوريات أو سقوط حكومات وهذا في الدنيا وفي الآخرة الداهية الكبرى.
“وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ” توعدون من الوعيد والتهديد وهو قطع الطريق والإخافة والتهديد بالسلاح واغتصاب الأعراض وسلب الأموال وتلف الأنفس “وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ” كان قوم شعيب يرتكبون هذا للصد عن سبيل الله وتبعيد الناس عن الإيمان لمن يريد أن يقبل على الإيمان يحصل له هذا الأمر ويصيبه التوعد “وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا” سبيل الله هو صراط الله المستقيم وكلنا بمقدار وآخر عندنا نوع من التوجه إلى أن نجعلها عوجا وندخل في الدين ما يخرج به عن صراطه المستقيم، أريد أشياء من الدين ولا أريد أشياء أخرى وأتمنى أن هذه الأشياء لسيت في الدين، وهناك حكومات ودول أجنبية تحاول أن تنحرف بمنهج الله عز وجل عن صراطه المستقيم وتأقلم الناس بما تريد هذه الجهات من أجل التخلص من مطالبتها بالاستقامة على دين الله عز وجل.
وهناك دول كبرى وحكومات كثيرة لا ترى أنها تستقر واستقرارا لوضعها إلا في أن يدخل الدين التحريف وأن يعوج بمقدار بعد استقامته فما ما دام مستقيم فلا يقر قرار ولا يكون هذا الوضع المرير مرضي، فلو أن أمريكا تقدر أن الدين الإسلامي إذا عم في الأرض فأطروحتها لا تقبل في ظل وعي إسلامي يتنشر في الأرض ومعرفة للإنسان بقيمة الإسلام تسقط الأطروحة المادية غربا وشرقا، فهذا لا يسعه وهو يريد بقاء سلطنه وملكه أن يهادن الدين وأن يبقي الدين على استقامته ويبقي منهجه على نقاوته بل وظيفته الأساس وأول مرتكزات الحفاظ على السيطرة والهينة هو أن يحرف هذا الدين وخاصة وقد بداء يطلع برأسه لمواجهة الكفر فلابد أن يعوج في نفوس المسلمين أنفسهم وفي قعر دارهم فيحرف فكره التحريف الكافل بإسقاط قيمته وهذا إفساد من أكبر الإفساد.
والحمد لله رب العالمين
[1] سورة البقرة، الآية 27.
[2] تقطع الحبل وتصله، وتهجر النسب وتصله.
[3] سورة البقرة، الآية 27.
[4] سورة النحل، الآية 88.
[5] بقدرالإنسان وما يطيقه فقدر الله لا يقدره مقدر إلا هو سبحانه وتعالى
[6] سورة النحل، الآية 88.
[7] سورة النحل، الآية 88.
[8] سورة البقرة، الآية 205.
[9] سورة البقرة، الآية 205.
[10] سورة البقرة، الآية 205.
[11] سورة البقرة، الآية 205.
[12] سورة البقرة، الآية 205.
[13] سورة المائدة، الآية 33.
[14] سورة المائدة، الآية 33.
[15] سورة المائدة، الآية 5.
[16] سورة المائدة، الآية 64.
[17] سورة هود، الآية 84.
[18] سورة هود، الآية 84.
[19] سورة هود، الآية 84.
[20] سورة هود، الآية 85.