الحديث القرآني الرمضاني – 05 رمضان 1435هـ / 22 يونيو 2015م
سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
في
إضاءات قرآنية (الحلقة الثالثة)
5 شهر رمضان 1436هـ، 22-06-2015م
للإستماع :
اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :
للمشاهدة :
وفيما يلي نص الحديث:
الحلقة الثالثة :
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
“الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ“[1]، مرت في “ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ“[2]، وتأتي الآن بعد “الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ“[3]، ولا سؤال هنا إلا عن هذا التكرار فهذا التكرار قال بعضهم أنه للتأكيد على وصف الرحمة بما تتمثل فيه رحمانية ومن رحيمية وهاتان صفاتان دخالتهما كبيرة جدا في الإبتداء بالعمل والاستعانة فيه بالله تبارك وتعالى فيركز في ذلك على جانب الرحمة، وهناك رأي آخر بأن “الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ“[4]، لهذا التكرار ما قد يعني بأن نلجأ إلى هاتين الصفتين أو نذكر الله عز وجل ونكرر ذكره ونرغب في ذكره ولا نمل ذكره.
تأتي الآية “ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ”[5] ففي البسملة جاء وصف الرحمن ووصف الرحيم بلحاظ استعانة وأن الاستعانة بجهة معينة أو بشخص معين مما يسمع فيها أن يتصف بالرحمة وبشيء من سعة الرحمة وكثافة الرحمة فإذا كان قويا ولكن لا رحمة له فهذه الاستعانة ليس لها من دافع كبير بمعنى ليس القادر المتصف بالرحمة بمغر وضعه للاستعانة به، فهناك يأتي التركيز على “الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ“[6]، بلحاظ أن هذا يدفع ويشجع ويغري بالاستعانة بمن هو الرحمن الرحيم.
أما هنا حيث يأتي وصف الرحمن ووصف الرحيم بعد “الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ“[7]، لادخالة هذين الوصفين في تحميد الحامد لله تبارك وتعالى، فرحمة الله وسعة رحمته وغزارة رحمته تجعل عباده يحمدونه بهذين الوصفين اللذين لهما مساس كبير بما يصلهم من آثار رحمة الله تبارك وتعالى، فالوصفان هناك جاءا بمناسبة الاستعانة وهنا يأتيان بمناسبة استحقاق الحمد فلا استعانة بمن لا رحمة له ولمن لا تتسع رحمة لي ولا استعانة بمن ليست له رحمة ذات بال كبيرة غزيرة ووفيرة وسعة هذه الرحمة يحملان المرء على الاستعانة بالمتصف بهما حملا كبيرا.
والحمد له ارتباط بالرحمانية والرحيمية، مثلا: رب العالمين ولكن قاسي فالحمد لا يكون له كالحمد لله وهو الرحمن الرحيم فوصف الرحمن والرحيم دخالة التوجه بالحمد لله تبارك وتعالى ومن رحمة الله عز وجل أن لم يجعل في الدين من حرج وأن جعل الدين “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ”[8]، وأن يقبل التوبة من عباده وأن يمهل العصاة وأن يزيد في ثواب المطيعين فيضاعف الحسنة إلى عشر أمثالها وأكثر فكل ذلك من رحمته تبارك وتعالى.
“مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[9]، عرفنا أن الحمد على بلحاظ الذات الحُسن الذاتي للذات وأما الحمد بالأفعال يكون بلحاظ الذات وبلحاظ حُسن الأفعال والحمد بلحاظ الأفعال محتاج إلى ذكر ومتناسب مع ذكر الربوبية لرب العالمين وهناك توحيد، “مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[10]، هو يوم الحساب ويوم الجزاء والذي يحاسب على السيئة والذي يجازي على الحسنة ولا يساوي بين المسيء والمحسن والذي يضع العقوبة في موضعها والثواب في موضعه ففعله حسن وهذا الذي يُتَطلعُ إلى جزاءه ويخاف من عقابه فيرتدع عن المعصية ويطمع في ثوابه فيندفع الطامع إلى الحسنة وإلى الخير وإلى استكمال ذاته وإلى البعد عما يسيء إلى إنسانيته والبعد عما يتردى به ويسقط بمستواه فهذه المالكية والجزاء بشقيه حسن ويحمد عليه.
ثم يأتينا ربط في السورة بين آياتها السابقة “ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[11]، وبينما سيأتي من “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[12]، هناك ربط وتعليل فآية “مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[13]، تتصل بما قبلها وتدخل في تعلل الحمد وكذلك تتصل بما بعدها في التعليل لـ “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[14].
هنا قراءتان مالك وملك والله عز وجل مالك الدنيا والآخرة والكون كله ملك الله عز وجل بكبيرة وصغيرة فلما التنصيص على أنه “مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[15]؟ وهو ملك كل العباد وحتى ملوكهم في الدنيا والآخرة فلما التنصيص على القراءتين على ملوكية يوم الدين أو مالكية يوم الدين؟
في الدين ملك حقيقي يقوم على الخلق وعلى الإفاضة فهذا الذي يفيض عليك وجودك ولا تصلك لحظة من الوجود وذرة من الوجود إلا من فيضه فهذا يملكك ملكا حقيقيا وهذا الذي لا يملك أحد منع عطائه ولا يعطي مكان عطائه عطاء ولا يقوم لك وجود ولا حياة ويكون لك أثر إلا به وبقدرته وإرادته ومشيئته فهذا مالكك الحق، أنا أملك دينار في جيبي وأملك أصبعي وهو ليس ملك حقيقيا ولكنه هو أقوى من ملكي لديناري وطرفة عيني أملكها أكثر وتصرفي فيها أكثر وهي تقوم على إرادتي وعلى قوتي وعلى وجودي وحياة إصبعي تقوم بحياتي وأما وجود الدينار في جيبي لا يقوم على حياتي وملكيتي له ملكية اعتبارية صرفه ملكية قانونية قائم على التواضع بأن يتواضع الناس ويتفقوا على أن هذا الدنيار الذي أعطاه فلان لك أواشتغلت قباله يعتبر ملكك ولك التصرف فيه، وأما ملكية أصبعي فيه جانب تكويني وهذه تبقى ملكية مجازية.
الملكية الحقيقية هي ما اعتمد المملوك فيها على وجود المالك وإرادته وليس قبله أحد، وأما إذا كان قلبي معتمد على أن يبقى الطبيب السلك الكهربي مثلا موصل بطاقة معينة ليعمل قلبي فالطبيب هنا يملك نبضات قلبي ولكن ليس الملك الحقيقي لأن هذا الإبقاء من الإتصال وذهنية الطبيب وإلتفات الطيب وذاكرته ومهارته كله راجع إلى المعطي الحق الأصل وهو الله تبارك وتعالى فنبضات قلبي مملوكة لله تبارك وتعالى الملكية الحقيقة وهذا ملكيته بالتبع.
الله عز وجل مالك الكون كله دنيا وآخرة وهنا ملكية حقيقة تكوينة ويوجود ملكية اعتبارية فأنت تملك وأخوك يملك والكل يملك بعض الشيء من السيارة والثياب ويملك رصيده في البنك وهذه الملكية الاعتبارية تشوش في شعور الإنسان وفي خضوعه لله عز وجل وفي استسلامه الكامل له على ما للملكية الواقعية الحقيقة الأصلية لله عز وجل لذاتي وآثاري فيشوش على شعوري على قيمة تلك الملكية فكثيرا ما ننسى ملكية الله وننسى قوة الله أمام قوة أمريكا وغنى الله أمام غنى أمريكا وعطاء الله بعطاء فلان وعطاء فلان من عطاء الله عز وجل ولكني أنسى وأقف عند عطاء فلان وقوة فلان وغنى فلان وعند جمال فلان وعند إخافت فهذه ملكيات ناشئة من ملكية اعتبارية لكنها تزاحم في شعوري الملكية الحقيقة لله تبارك وتعالى ولا تجعل تلك الملكية محتفظة بقيمتها الكلية العالية في شعوري وهذا ينتهي يوم القيامة فلا ملكية حقيقة ولا اعتبارية لأحد ولا تقدر أن تبيع من جنتك قصرا ولا تفاحة ولا يستطيع أحد أن يشتري إنقاذه من النار بمال أو غيره ولا يقدر أحدا أن يترقى من درجة إلى ثانية بثمن يسعه فالملكية انتهت.
ففي الجنة الشعور بالعبودية وبالمملوكية لله وبمالكيته الله لا يزاحمه أي مزاحم ولا يغيب عن البال لحظة لذلك جاء التنصيص على “مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[16]، وملوكية يوم الدين أنه الملك الحق ولكن “لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ”[17] كلام الله وكلام ملائكته وكلام العباد والعباد كلهم مضطرون أن يقولوا كلهم للواحد القهار ويوم القيامة كلنا مضطرون عن علم وكلنا عن يقين وعلى مستوى الإنكشاف التام بأن الملك لله عز وجل.
كم أذكر ملك الله أمام ستار ملك الآخرين حين تقوم في ذهني صورة ملك فلان وفلان وغنى فلان؟ وكم يكون لي أن أخترق هذه الستر كلها لأشهد مالكية الله الحق وليس شهودا فكريا فقط بل الشهود الوجداني اليقظ الحي إلا قليل وإلا أنا ما خفت من أحد ولا طمعت في أحد ولا جاملت أحدا على حساب ديني ولا ترددت في أمر من أوامر اله عز وجل ولا في نهي من نواهيه فلو لم أر إلا مالكية الله وتصرف الله وإرادته وأن كل ما عداه سبحانه وتعالى ليس بشيء في حد ذاته فلو كنت على هذا اليقين وهو يقين حي ووجدان بارز لا يغيب فسأكون إبراهيم أو محمد صلى الله عليه وآله.
هنا في الدنيا ملوك وسمي رئيس جمهورية أو ملك وله سيطرة والسلطنة على الناس كم ينسينا خوف الملوك خوف الله؟ وأنت واقف أمام جيش عرمرم موجه مدافعه لك هل أذكر وهل يكون عندي خوف الله أو هذا الجيش؟ فهنات تبرز لكل النفوس حقيقة هي ثابتة في الدنيا والآخرة حقيقة أن لا مالكية إلا لله ولا ملوكية إلا لله وهذه الحقيقة تغيب كثيرا هنا ولكن هناك لا تغيب لحظة من اللحظات على أي نفس من النفوس ولذا جاء التنصيص -والله العالم-.
“مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[18]، يوم لا يعني ساعات ولا يعني أربعا وعشرين ساعة ولا ثمانون ساعة وليس حد الحساب فقط بل هو مالك يوم الدين الممتد الذي لا إنقضاء له وهنا يأتنا التنصيص عليه بلحاظ عدم انقضاءه، فلو كان ملك الله عز وجل ملك دنيا كبير وعظيم ولكنه ليست بعظمة أن يكون ملكا لا يزول وملوكيته لا تزول ولا تمحى ومالكية لا تنقضي.
“مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[19]، يشير يوم الدين إلى يوم الامتداد الأبدي ولا نقيده بساعة معينة بل هل بزمن الحساب والدين من معانيه الطاعة والمنهج الإلهي والحساب والجزاء وهنا الدين بمعنى مالك يوم الجزاء بالمثوبة أو الجزاء بالعقوبة وإذا كان الدين قد حملوه وقد أعطوه معنى الحساب فهو يوم الحساب للجزاء والحساب يكون مقدمة للجزاء والله عالم- ويمكن أن يكون هو يوم ظهور الدين ونتيجة الدين ونتيجة الطاعة متى تظهر في الدنيا؟
من أخذ بالطاعة ظهر جزاء عمله وأثر طاعته يوم القيامة ويوم الدين ويوم الجزاء ومن تخلى عن هذه الطاعة وعاند الله عز وجل فيلقى الجزاء المكافأ لهذه المعاصي يوم القيامة ويوم الدين بهذا اللحاظ بلحاظ يوم أن تظهر آثار الطاعة والمعصية وتتجلى قيمة اتباع الدين والتخلي عنه وعناده -والله العالم-. يوم القيام سيظهر عيانا للناس ألا فاعلية غير فاعلية الله عز وجل ولا منقذ ولا منجي ولا من يرقيك ولا من يعينك فكله يكون النفس شعورا دفاقا حيا ثابتا يوم القيامة وهذه الأمور التي مرت تكون وجها للتنصيص على مالكية الله ليوم الدين.
قال تعالى “ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[20]، هذا سياق للعبد وهو يتحدث عن الغائب وينتقل السياق هنا في قوله “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[21]، إلى الخطاب فقد كان الكلام عن ذات هي الله وأن لها الحمد وهو رحمن ورحيم ومالك يوم الدين وأما الآن توجه للمخاطب العزيز القدير الحكيم القادر الحيّ الذي وصفه قبل وتوجه بعبوديته وضعفه وبحاجته وافتقاره وبانقطاعه وبتسليمه وكامل خضوعه “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[22]، وهذا يرجع لخلفيه فلم يقل مباشرة إياك نعبد وإنما عرفه بأنه الله والله هو ذات الكامل المستجمع لكل صفات الجلال والكمال فهذه نقطة سجلها وسجل أنه رحمن رحيم وسجل أنه رب العالمين وأنه مالك يوم الدين وكرر الرحمن الرحيم ولم يبق شيئا بعد هذا إلا أن يركع ويسج ويخضع ويستسلم تمام فيأتي قول العبد “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[23]، يعلمه الله أنك بعد هذا الوعي وهذا اليقين وبعد هذا العلم ليس لك إلا أن تقول “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[24].
بحثت عن رب آخر لم تجد وعن كامل آخر لم تجد وعن سند آخر لم تجد وعن رحمة من عند غير الله لم تجد وعن فاعلية وعن إرادة لم تجد فلم يبقى عليك إلا أن تستسلم فيأتي قول العبد “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[25]، وهذه المواجهة تحملني مسؤولية وهذا الخطاب يحملني مسؤولية وجهاً لوجه أقول “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[26]، وكم أخون وكم أكذب وكم أتخلف فحين أقول إياك نعبد فأنا أحصر العبادة في الله فعبادتي لك لا لغيرك يسمى أسلوب حصر وقصر وتقديم إياك وتأخير الفعل والفاعل، إياك أنت لا غيرك معبودي ولا عبادة مني لغيرك وكل عبادتي لك ولا استعانة مني بسواك وكل استعانتي بك.
“إِيَّاكَ نَعْبُدُ”[27]، لما ليس “أعبدُ” ولماذا “نعبدُ”؟؟ القرآن الكريم دقيق جدا ولابد أن نحاسبه محاسبة دقيقة جدا والعلماء الأتقياء يحاسبون القرآن محاسبة دقيقة جدا وبعقلية علميه وهذا ليس بكلام بشر والقرآن جاء يتحدى بكله إن كان به خطأ فاستخرجه ، فالآية قالت نعبد كما قال بعضهم هنا العبد يدمج نفسه بسائر المؤمنين علَّ الله يقبل استعانته فيضيع نفسه في المجموع بأني ليس ليس شيء ولكن أقبلني في المؤمنين، وهناك أمر آخر حين أقول “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[28]، أنا أعبد وغيري يعبد فهل يبقي لي مبرر أن أعطي خضوعي لغيرك وكل من عداك يعبدوك؟ فإذا كان كل الآخرين هم يعبدونك أن لم تكن عبادة إرادية فهي عبادة تكوينة وفي لحظات مرة ضاغطة تجعله يرجع لله عز وجل ثم يعود لكفره، مرة أتكلم عن عبوديتي والآخرين لا أعلم عنهم ولا أستحضر إن كانوا يعبدون أم لا وهذا الذي لا يعبد ينظر فيه يمكن يُعبد ولكن إذا سجلت على كل الآخرين ما أسجله على نفسي أنهم يعبدون الله فهل يبقى لي توقا لعبادة الآخرين؟ وأعطي الآخرين وزنا أمام المعبود الحق الذي يشترك الكل في عبادته ويخضعون له؟
صاحب الأمثل: يستشف بأن الآية تعطي انطباعا أن الإسلام دين الجماعة وهو دين مجتمعي وأن أصل العبادات في الإسلام اجتماعي وليس فردي وخصوصا الصلاة أن الجماعة هي الأصلها فيها، فانت تقول مع أخوانك المؤمنين “إِيَّاكَ نَعْبُدُ”[29]، لأنكم جماعة.
“إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[30]، هنا حصر كذلك، ووقفوا أما شيء وهو كيف تقدم العبادة على الاستعانة؟
أولا وقبل ذلك عندما قال الآية “إِيَّاكَ نَعْبُدُ”[31]، يأتي توهم أن هذه العبادة بإرادة أقوم بها وأمارسها بإرادة مستقلا وبجهدي الخاص وليس بتوفيق الله ومدده وعونه فننسب الفعل لأنفسنا “إِيَّاكَ نَعْبُدُ”[32]، وكأن هذا فعلنا ونحن متمحضون في هذا الفعل وكأنه مستند لنا على نحو الاستقلال بلا استعانة وبلا معونة من الله عز وجل، وهذا دفعه الشطر الثانية من الآية “وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[33]، فنحن في عبادتنا نعترف أننا في عبادتنا لسنا مستقلين وإنما بعونك وونحتاج إلى عونك ومددك في هذه العبادة.
يأتي في الخاطر أمر وهو أن العبادة ليس فيها اعتداد العبادة خضوع وضعفي -من الله عز وجل- يجعلني خاضع وهذه طبيعتي وأنا ذاتي كإنسان وممكن هي ذات الضعف ضعيفة ولست خالقاً ولست مالك أنا مفتقر في ذاتي ومحتاج في ذاتي فأخضع وليس فيه إبراز عامل قوة، والاعتراض يأتي في العبادة التي تكون في الجانب التشريعي وفيها مطاوعة للتشريع وكأن عندي إرادة المطاوعة.
ولذى يرى بعضهم إنما تتوقف عليه العبادة على المعونة وليست الاستعانة، لكن تبقى ملاحظة: وهو أن جانب الأدب مع الله عز وجل يفرض أن أقدم الاستعانة على العبادة التي يشم منها أنها تقوم على إرادتي الخاصة المستقلة، على أنه أننا نعبد الله فنقول “إِيَّاكَ نَعْبُدُ”[34]، ونعبد برصيد من الله عز وجل رصيد إرادة ورصيد توفيق ورصيد قوة تمكنني من النطق والركوع والسجود فالمعونة موجودة وهذا الذي وفقت إليه من طاعة الله بعطائه وأريده أن يستمر ويزيد وأريد أن أثبت عليه وهذا لا يكون إلا بالاستعانة، على أن توهم الاستقلالية في العبادة وحين نقول نعبدك وتوهي إدعاء ودخول وهم في نفس الإنسان باستقلالية وممارسة في العبادة مفصولا عن عطاء الله وتوفيق الله ومدده فهذا بالتأكيد مدفوع بـ “وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”[35]، لا نستعين فيما يأتي فقط بل كل حياتنا استعانة بك.
فهنا يتهيئ أننا أمام كامل لا يعتريه نقص بحقيقة الكمال المطلق وهو الله عز وجل الرحمن الرحيم رب العالمين ومالك يوم الدين هذا يجعلنا نعبده سبحانه وتعالى، العبادة والطاعة لها ثلاثة منطقات وكل سلوكنا له هذه المنطلقات:
اولا: حب الشيء الذي أسلك إليه وأسعى أليه وأطيعك حباً لك والأم تطيع والأب يطيع على الفرق بينها وبينه وبين صبيه من باب الحب، فهناك سلوك قائم على الحب وسلوك قائم على الرجاء بدافع الحصول على الخير وكذلك الخوف.
الله هو محبوب القلوب الحية لأنه الكامل ومتعلق الأرواح اليقظة وكل التواقين للكمال لا بد أن يحبو الله عز وجل، وأنت عندما تعجب بأي صفة من صفات المخلوقين وتجتذب لها وتمدحها وتثني عليها كصفة فأنت تثني على الله وتنجذب إليه،. كرم حاتم الطائي ممدوح ومثنى عليه فهذا الكرم هو شيء وقبسة محدودة جدا وضيقة جدا من صفة الكرم الإلهي الذي يحمد عليه الله سبحانه وتعالى، فأنت حمدت هذا العبد بما له من صفة اقتبسها من صفة لله عز وجل فأنت تحمد في هذا العبد نصيباً ضئيلا جدا محدودا من جمال إلهي وهذا في القوة والغنى وفي الرحمة وفي كل ما للعباد من صفات تجتذب النفوس.
الفقيه الكبير الطاعن في السن تحب فيه الصدق والورع فأنت تحب فيه صلته بالله وجمال روحه شيء بسيط جدا جدا هيئه الله سبحانه وتعالى من جمال لا يحد من جمال الله عز وجل، نحن نحب الجمال والجمال المحدود يجننا فلو كان دواء قلب الإمام الخميني بقلوب أناس فكثير منهم سيعطيه قلبه ويتنازلون عن حياتهم فلقد كانوا موجودين وهم لا يطمعون أن يعطيهم الإمام الخميني مال أو مناصب أو لخوف منه وإنما من الحب وهو حب جماله الروحي وجماله المعنوي وهذا مخلوق دون رسول الله صلى الله عليه وآله ودون الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ودون الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلذك تجد ذاك الصحابي يقول: “أجنني حب الحسين عليه السلام” فالذي جعله يجن في حب الحسين عليه السلام هو الجمال الروحي المتقبس من جمال الله تبارك وتعالى.
فهذا الحب دافع سلوك “إِيَّاكَ نَعْبُدُ”[36]، جاءت وراء ما يعطي هذا الحب من كون الله كاملا ورحيما وإذا كان رب العالمين ومالك يوم الدين فلا أرجو أحدا غيره في حياتي وبعد موتي ولا أرجو معه وإنما ينقطع الرجاء إليه سبحانه وتعالى ويخلص وهذا هو السبب الثاني للعبادة.
“مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ”[37]، خوف، فرب العالمين في الدنيا إذا لم يربني ويزكيني وينميني وإذا لم يعطني مأكلي ومشربي ولم يربني فكريا ونفسيا وروحيا فأنا أخاف أن ألا لا يعطيني وهو رب العالمين فلا يوجد مصدر ثان ألجأ إليه ولا غني ثاني فأذهب إليه فلابد أن أخافه، وإذا كان هو مالك يوم اليوم ذلك اليوم العظيم فلابد أن أخافه فكل متقدم يؤسس لعبادة العبد ربه وإخلاص العبادة لله وهذا هو السبب الثالث للعبادة.
والحمد لله رب العالمين
[1] سورة الفاتحة، الآية 3.
[2] سورة الفاتحة، الآية 1.
[3] سورة الفاتحة، الآية 2.
[4] سورة الفاتحة، الآية 3.
[5] سورة الفاتحة،الآيات من 1 إلى 3.
[6] سورة الفاتحة، الآية 2.
[7] سورة الفاتحة، الآية 2.
[8] سورة البقرة، الآية 185.
[9] سورة الفاتحة، الآية 4.
[10] سورة الفاتحة، الآية 4.
[11] سورة الفاتحة، الآيات من1 إلى 4.
[12] سورة الفاتحة، الآية 5.
[13] سورة الفاتحة، الآية 4.
[14] سورة الفاتحة، الآية 5.
[15] سورة الفاتحة، الآية 4.
[16] سورة الفاتحة، الآية 4.
[17] سورة غافر، الآية 40.
[18] سورة الفاتحة، الآية 4.
[19] سورة الفاتحة، الآية 4.
[20] سورة الفاتحة، الآيات من1 إلى 4.
[21] سورة الفاتحة، الآية 5.
[22] سورة الفاتحة، الآية 5.
[23] سورة الفاتحة، الآية 5.
[24] سورة الفاتحة، الآية 5.
[25] سورة الفاتحة، الآية 5.
[26] سورة الفاتحة، الآية 5.
[27] سورة الفاتحة، الآية 5.
[28] سورة الفاتحة، الآية 5.
[29] سورة الفاتحة، الآية 5.
[30] سورة الفاتحة، الآية 5.
[31] سورة الفاتحة، الآية 5.
[32] سورة الفاتحة، الآية 5.
[33] سورة الفاتحة، الآية 5.
[34] سورة الفاتحة، الآية 5.
[35] سورة الفاتحة، الآية 5.
[36] سورة الفاتحة، الآية 5.
[37] سورة الفاتحة، الآية 4