آية الله قاسم عن آية الله الآصفي: رجل كلما عرفته قربت منه
كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم التي ألقيت بالنيابة عنه في المؤتمر التكريمي لسماحة آية الله الشيخ المجاهد محمد مهدي الآصفي في 26 محرم 1436هـ الموافق 20 نوفمبر 2014م
لمشاهدة المقال مصور :
آية الله قاسم في وصف آية الله الآصفي
نصّ الكلمة :
رجل كلما عرفته قربت منه
الرجال رجلان؛ رجل كلما دنوت من حياته وسيرته تبحث فيه عن إنسان كريم واع مستقيم فعرفته قربت منه شوقًا وبانجذاب، وشدّك إليه بدرجة أكبر.
ورجل تكبره بعيدًا فتقترب منه عن عقل وتطلّع لفائدة فكر وروح فتنفِر لما تراه منه، وتدلُّك معرفته على خطأ تقديرك السابق عن بعد له.
وسماحة آية الله الشيخ الآصفي من النوع الأوَّل من الرجال لما عليه شخصيته من أبعاد كريمة فكريّة وروحيّة ونفسيّة وعمليّة ثرّة ذات جاذبيّة وجمال يستقبلك منه محيًّا يدلّك على الطهر والطيبة والنباهة والجديَّة والصدق والاستقامة والانفتاح، وتباكرك منه الابتسامة، وتصافحك روح الصفاء.
ومن صدق دينه كانت من هذا النوع شخصيته. ومن هو كذلك وجد مكانته في المؤمنين، واستحق التقدير، وكان له من الاعتزاز به في نفوسهم الموقعُ الكبير.
والشيخ الآصفي:
1. إيمانًا:
ومعلَمُ الإيمان معلم بارز بصورة واضحة وبقوة في شخصية هذا الرجل الكريم. ومن وراء الإيمان عنده فطرة نقيّة، وفكرٌ علمي، وروح باحثة عن الحق، واهتمام كبير بتزكية النفس مما ينتج إيمانًا صادقًا وراسخًأ وعن وعي لا يصاب بالاهتزاز، ولا تلامسه الخرافة، ولا تثقل تكاليفه على الإرادة.
2. فكرًأ:
لأخينا الكريم فكره العميق الدقيق الخصب، وله المنهجية العلمية التي تعطي إنتاجه الفكريّ العلميّة والانضباط وتجعله من الإنتاج المحترم الذي يعوَّل عليه، ويسترشد به.
فكره حرّ لا تحكمه إلّا ثوابت العقيدة القائمة على العلم، ويستقي موضوعية فكره وحياديّته التي لا يميل بها حبّ أو بغض ولا يحكمها الهوى من خشية الله وتقواه، ومن معرفته بأن الله عز وجل لا يرضى من عبده أن يحكمه الهوى فكرًا، أو شعورًا وعملًا، أو أن تضطرب موازينه، وأن على المؤمن أن يطلب الحق لا غير الحق، وأن ينتصر له بما هو منه لا بما يفسد الحق من باطل.
تجد الرجل هذا طابعه في كتاباته ونقاشاته، وما يدخله من حوار، والعصمةُ بقدر ما عصم الله.
3. جهادًا:
جهاد شيخنا في ميادين متعدّدة ومتنوعة، وحياة المؤمنين فيما ينبغي أن تكون كلّها جهاد… جهادٌ بهدف واحد لا غير، الاستقامة على طريق الله عزّ وجلّ والاقتراب من رضاه.
من جهاد الشيخ الآصفي الجهاد الفكريُّ والثقافيُّ، والجهاد الاجتماعيّ، والآخر السياسيّ.
وله جهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الدعوة والتبليغ، وهو في جهاده مثابرٌ صبور.
وما أشدّه في جهاد النفس لوضعها دائمًا الموضع الذي يرضي الله سبحانه مما أراد أن يرفع به مقام عبيده، وما أكبر نجاحه في هذا البعد من النجاح، وهو النجاح السِرُّ وراء كلّ نجاح.
4. الآصفي والوقت:
يوم الآصفي لا يعرف الخمول كما هي إرادته التي لا تعرف الفتور، وكثير من ليله يُمضيه على ما أمضى عليه نهاره جدًّا وحيوية ونشاطًا، ولا ينال من وقته ما استطاع وما وُفِّق الضياعُ.
حركته في ليله ونهاره حركة صالحة دؤوبة منتجة.
محافظ على قيمة الوقت حلًّا وترحالًا، في إقامة أو سفر، في السيّارة، في الطائرة، في استراحة المطار.
وأكثر ما يشغله في أثناء تنقّلاته بالسيارة أو الطائرة، والمطارات التي يمكث فيه بعض وقت انصرافه إلى الكتابة المنتجة والإعداد لمحاضراته ومشاريعه الكتابية. وقد يدخل معك في ما يقصد إليه من حوار مفيد بهدف نبيل حيث تجمعك معه صحبة في السيارة مثلا، أو يعطيك شيئًا من وقته في هذه الأثناء لو رغبت في حديث من هذا النوع معه، ولا يُسفّ.
وربما استثار فيك روح النقاش ليبلور فكرة بما ينفع أو يستكشف رأيك فيها ليقف منك على شيء مما يدخل في الغرض السليم الذي يلتقي مع إيمان المؤمن وهادفيته الكريمة.
5. شيخنا نزاهة وأمانة مال:
الشيخ مؤتمن على مشاريع ثقافية وخيرية ويدير حركة مال مرتبط بهذه المشاريع، ورقم المال الذي يتطلبه تأسيسها وتغذيتها لابد أن يكون من الرقم الثقيل.
وتعامل الشيخ مع هذه الأمانات فيه دقة بالغة واحتراس ديني شديد وخشية من الله، ومراقبة للنفس، ولا يدخله إسراف ولا تبذير.
أنت لا تحتاج إلى كثير عناء لتعرف من الشيخ نزاهته وتعففه عن أي مال حرام، وزهده واقتصاده في ما هو من ملكه الحلال. وهذا من طبيعة الرجل وسجيته يجري على يده بصورة عفوية بلا معاناة ولا تكلف.
6. الآصفي والهمة والأمل:
إرادته في الحق ماضية، وهمته على طريق الله عزّ وجلّ عالية، وتحمُّله شديد في سبيله، وأمله دائمًا في اخضِرار. وإرادته القوية، وعزيمته الصارمة تتناسب مع آماله الشريفة الكريمة العالية.
لا يفقده أملَ انتصار الإسلام، وتكلّلِ العمل على طريق النصر أن تواجه العمل الإسلامي العوارض الصعبة، ويقع القائمون به في الشدائد، ويواجهون بعض النكسات.
بعد الانتكاسة يواصل عمله الرسالي في تكيف موضوعي مناسب مع الظروف وبالأسلوب الملائم وبهمته المعهودة، وأمله الكبير، ولا تنهار له عزيمة، ولا يتوقف عنده النشاط، وانغلاقُ باب من أبواب العمل الإسلامي لا يعني عنده انغلاقَ كلِّ الأبواب، وانسدادُ أفق لا يعني انسدادَ كلِّ الآفاق، وضيقُ ساحة لا يصرفه عن سعة أكثر من ساحة وساحة، وهكذا لا يرى مبررًا لانقطاع العمل، وتسرّب اليأس شأن من تتعطّلُ حركته لصدمة نفسيَّة وأخرى.
وكما هو الصابر الواثق في المحن الشداد الاجتماعية تجده كذلك في محنه القاسية الشخصية لا يفقد الثقة بالله، والرضى بقضائه وقدره، والتوكل عليه. وذلك شأن أهل الإيمان الصدق الغزير.
7. أخونا ومجالسته:
مجالسته تؤنس وتثري، وتفتح الأمل، وتعلِّم النشاط… تعظ، وتذكّر، وتغذي الشعور بالقوّة.
لا تقف منه في معاشرتك ومجالستك له على اشتغال بغيبة ونيل من مؤمن، ولا أخذ بثرثرة، ولا شيء مما يثلم من شخصيته الكريمة، ويَمَسُّ الصورة المضيئة له في نفسك، ومكانته الإيمانية لديك بما يسيء.
7. هذا المؤمن والأوراد:
ولك أن تقول عنه أنه يصبح ذاكرًا، ويمسي ذاكرًا، ويأوي للفراش ذاكرًا، وأن لسانه مترطب بذكر الله العظيم.
وفيما تطمئن إليه منه أن ذكر قلبه قبل ذكر لسانه، وأدوم من ذكر اللسان، وأن الذكر عنده ليس لقلقة وإنما ينبع من قلب يعمره الإيمان.
والصلاة المستحبة محبوبة له حسب ما يشهد له واقع العمل.
8. لا متكلفٌ ولا متصنع:
قل عنه بأنه غير متكلِّف في مسلكه الشائق واستقامته، ولا يأتي ما يأتيه من جميل فعاله تصنّعًا، وشراء للسمعة والموقع في المؤمنين وإنما هو السلوك النابع مما تعمر به النفس المؤمنة من حب الخير وبغض الشر، وحمل النفس على ما به تزين به، وفيه كمال لها، والترفع بها عن القبيح من كل ما يُبغض الله سبحانه لعباده.
لا تبجح ولا اعتداد عنده في غير ما هو عليه من حق وما يرى فيه أنه الرأي الصائب الذي ينبغي أن يتّبع.
لا يطبع هذا الرجل الكريم شيء من كبر ولا غرور. وتقودك قسمات محيّاه، ومُوحيات سلوكه إلى أنه في تواضعه ينطلق من روح طاهرة، وخلق أصيل فيه، حبيب إلى نفسه بعيد عن التعمّل والتكلف، وصناعة التصنع البغيض. وهو تواضع بعيد كذلك عن أي لون من ألوان الضـِــعــَـــة والضعف في بناء النفس، ومركَّب الشخصية.
وبهذا لا يكون تكريم سماحته إلّا تكريمًا للإيمان والعلم والاستقامة والدور الجهادي المتواصل في سبيل الله وخدمة الإسلام وتوظيف الطاقات من أجله وفي نفع الناس ومصلحتهم بعيدًا عن النفعية الماديّة، والتسلل إلى قلوب الناس لأغراض شخصية ساقطة.
ومثل سماحته لا يتطلع إلى مظاهر الحفاوة، ولا يسرّهُ الإطراء والثناء من الناس. مثله إنما يكون تطلعه، وكل تطلعه لما عند الله.
عيسى أحمد قاسم