الحديث القرآني الرمضاني – 24 رمضان 1435هـ / 22 يوليو 2014م
سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
في إضاءات قرآنية في رحاب (سورة لقمان)
الحلقة السابعة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
قوله تعالى “وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ”[1].
تقدم نموذج إنساني قبل ذكر لمقام وهو الإنسان الذي “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا”[2] هو يضل نفسه بما يشتري وبما ينفق من وقت وجهد ويضل أحب الناس إليه من بعد نفسه ولده و زوجه أو عشيرته ثم كل مجتمعه، وهذا دور تخريب وإفساد وقطع الإنسان عن العلم وإقامة حواجز وحوائل دن التكفير الصحيح ودون تأمل الذي يقود به إلى الصواب وإلى الغاية ومن جهة ثانية إفساد أخلاق وفساد حياة، وفي مقابل هذا النموذج نموذج لقمان علم وتوحيد الله عز وجل وشد الإنسان إلى غايته يحاول بجهده وضع المسيرة الإنسانية إبتداء بولده على الخط الصحيح إلى الله عز وجل وإلى الغاية الكريمة النبيلة وأن تكون الإنسانية دور إعماري وتقوم بدور الخلافة عن الله عز وجل هذان دوران وهما قائمان وسيستمران في الأرض.
إنسان يشقي نفسه كل الشقاء وهي لقمة أو كسوة وقد تكون اللقمة والكسوة متوفرة عنده من ألف باب وبشكل بدخ ولكنه يشتهي بأن يضل ويشتهي أن ينحرف ويحرف الآخرين ولا ترتاح نفسه لمجتمع صالح فلابد أن يفسد -وأعاذنا الله من هذا النموذج- ولكل سائر طريق ولكل سائر غاية وكل طريق موصل إلى غايته، والطريق الذي يوصل إلى الصلاح والصالحين والغاية فهذا طريق يوصل إلى مصير غير مصير الثاني، فلنختر.
“وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا”[3]، هذان الحبيبان المشفقان الحدوبان عليك اللذان يزخر قلباهما بمحبتك ومودتك والعطف النبيلة عليك قد يضلان وقد يتيهان ويخطأن وسبق تأكيد حقهما عليك وأن هناك ربطا بين توحيدك وبين احترامك لوصية الله عز وجل فيهما وقرنت الآية الكريمة ” أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ”[4]، بفاصل يفيد الأصيلة في طاعة الله وشكره وأنه هو الأصل والتبيعية حيث تكون الوالدين وطاعة أي مخلوق آخر إنما هي من طاعة وشكر الله وبأمر الله تبارك وتعالى.
هذان الأبوان الشفقيان قد يجاهداك بمعنى أن يبذلان الجهد الكبير ويحاولان المحاولة المستمرة الجادة على أن تشرك بالواحد الأحد الذي لا يجوز عليه الشرك أبدا ولا يأتي في حقه الشرك بشريك، فهذان الأبوان قد يجاهداك هذه المجاهدة وقد يكون من منطلق جهل وقد يكون من منطلق عندا وقد يكون منطلق محبة عمياء وقد يكون من منطلق تحكم ويريد ولده أن يكون خاتم بيده، وحسنا أن يكون الولد خاتما في يده أبيه من أجل طاعة الله عز وجل وفيما فيه طاعة الله ويخدمه بعينه ووالدته وهي قبل، لكنّ هناك حدا فاصلا يسقط حق كل ذي حق حين يتجاوز صاحب الحق إلى بتقديم حقه على حق الله وطاعته على طاعة الله.
“وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا”[5]، وهذا ليس عدم تقدير للوالدين وإنما الأساس هو العلم والحياة الصالحة لا تقوم على الجهل ولا تنال آخرة بجهل ولا يبنى إنسان بجهل وأقل شيء نافع وصالح في هذه الحياة لا يبنيه الجهل وإنما أساس كل صلاح هو العلم وتمسك الإسلام بالمنهجية العلمية وبالعلم وطلب العلم وإقامة الأمور والمواقف كلها على العلم تمسك شديد شديد أساس وأبدا لا يأخذ بالجهل والإسلام علمي إلى أقصى حد وإلى أعلى درجة، ومسألة الشرك والتوحيد هي المسألة الأساس لصلاح أو فساد الدنيا ولصلاح أو فساد الآخرة.
هل عندك علم بشريك الله عز وجل؟ أنا يكفي لو كان أمر يغنى به الواقع وأنا أجهله تمام الجهل فلا أبني عليه في مواقفي، ومرة عندي احتمال به وهو أمر مهم ومصيري والتفريط فيه يوقع في مشكلة كبرى جدا، ولنفرض أن أحدهم ليس عنده علما بالآخرة ولكن يعرف أن تفريطه في الآخرة وكانت الجنة حقا والآخرة حقا والنار حقا لكان إهمال الآخرة فيه أكبر تفريط وفيه أكبر خسارة ومخاطرة وفيه احتمال خسارة الجنة وهي لا تفوّت وفيه احتمال الوقوع في النار والنار لا تحتمل أصلا وليست ليوم ولا لميلون سنة وهذا احتمال كبيرا جدا ويجعلني أحتاط عن دخول النار واحتاط لدخول الجنة.
توجد قضايا على العكس الشريك لا ينفع والشريك هو الله سبحانه وتعالى ثم أنه هنا ليس قضية احتمال وإنما علم بعدم الشريك فهنا في قوله تبارك وتعالى “وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ”[6] يحمل على مورد لا يمكن فيه العلم ليس للستر والحواجز وقصور العقل وإنما لاستحالة أن يكون لله شريك، فأنت تبحث عن شيء مستحيل فكيف تعلم به؟ وكيف لي أن اعلم بوجود التناقض والتناقض مستحيل؟ وكيف أن البارحة كانت نهارا وليلا من حيثية واحدة وفي لحظة واحدة؟ وكان الوقت ظلمة وكان ظهيرا؟ أريد أن أعلم بهذه القضية والبارحة فلا أستطيع أن أعلم ليس لعدم خروجي وليس لعدم وقوعه بالقرب مني وإنما لأن عقلي يقول لا يمكن حدوث ذلك، وإذا كان ليس ممكنا ومستحيل لا يمكن أن أعلم بوجوده.
الشريك مستحيل وجوده والعقل يمنع وجود الشريك للكامل الواحد، فالوجود الحق واحدا لا يتثنى، فالشريك مستحيل ولا يمكن العلم به، فأنت تقيم حياتك وكل قضاياك المصيرية وأكبر قضية مصيرة والمرتبطة بالآخرة علما يستحيل العلم به وهذا أمر يرده العقل وتردها الفطرة ويردها الواقع الصحيح، وليس نحن فقط من يبحث عن شريك فلا نجده وإنما مرة عدم وجدان فأبحث فلا أجد، وكما يقولون عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، ومرة أقطع بعدم وجود الشريك فالمسألة مسألة يقين بعدم وجود شريك. والإسلام كل بناءه على العلم من الألف إلى الياء ومن بداية العقيدة إلى آخر لا يخلى عن العلم.
فالقرآن منطقي منطقي فلا يأخذ بيدنا الأخذ بيد مكفوفي البصر وإنما يرشدنا ويجلي لنا الحق ويأمرنا بتباعه ولا يأمر بعدم السؤال عن الحق ولا تناقش في الحق ولا تتطلب دليلا عن الحق فحشاه أن ينهى عن ذلك وإنما هذا هو الحق وهذا دليله وبعد هذا التبيان تبداء مسؤولية التسليم والخضوع والذل للحق.
“وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ”[7]، هذان أبواي ومن تقدم شيئا من الوصف عنها فكيف بالصديق؟ إذا كان أبواي أرد دعوتهما هذه وهذان العزيزيان الحبيبان اللذان بذلا حياتهما من أجلي فليموتا ولا أشرك وكذلك لو كان لأجل زوجتي أو ولدي أو لأجل غني أو صديق أو جار أو طفلي أو حاكم، فالمسألة بداءت مع الوالدين وهما أقرب شيء مني فحتى لا تسأل بعد ذلك.
“وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا”[8]، نهي جازم ولكن الصلة لم تنقطع ولا أدوسهما ولا أتنكر لجميلهما ولا ألقي بهما في المزبلة ولا أعرض عنها كل الأعراض ولا أتخلى عن خدمتها “وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا”[9]، أي انضباط في الفكر الإسلام؟ فهذا من الله عز وجل، وكيف ضبط الأعصاب وكيف هي رعاية الحقوق والتمييز الدقيق قيما بين المواقف فيما ينبغي وما لا ينبغي، فمن جهة فليموتا ولا أشرك ومن جهة ثانية أمه الكافرة تريده أن يقوم بخدمتها وأن ينظفها وأن يقدم حاجتها على حاجته الدنيوية وهي كافر وهو مؤمن فيقدم حاجتها ويخدمها ويعمل على راحتك وكذلك الأب.
“وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا”[10]، ولا تستثقل فهذه الدنيا بسيطة وهي ليست إلا أيام فلا تستثقل هذا التعب والمفارقة بينما تقوم به عمليا وبين نفسيتك المتأذية من عرضهما الكفر عليك ومجاهدتهما بأن تكفر فتصبر على هذا الأمر والدنيا تحتمل مشاكلها.
“وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا”[11]، أنظر ماذا يقتضتي المعروف في العقل والدين ماذا يقتضي والعرف العقلائي النبيل الصحيح ماذا يقتضي عاملهما به.
“وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ”[12]، القضية ليست قضية والدين وإنما هي قضية من ينب إلى الله ويرجع إليه في كل أموره ومن يفارق الله ويخاصمه في كل أوامره نواهيه، في الآية “وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ”[13]، والآية لم تقل لا تتبع أبويك على الاطلاق، والداك هما من ينيبا إليّ أو من يستثقلهما قلبك لحادث أذى أصابك منهما في يوم من الآيام أو ذاك الذي أمن بالله وتاب ومتجه إلى الله ومؤمن به ومسلم أو أبوك؟ إن كان الأبوان منيبين لله فما أجمل أن تطيعهما وهذه نعمة وكان على أبن لقمان أن يطيعه وأن يأخذ برأيه وأن يطيعه لأنه من المنيبين لله تبارك وتعالى، واما إذا كان الأبوان يخاصمان الله ويجحدان ويشركان بالله وكان قريب آخر أو آخر بعيد كل البعد من المكان والزمان والنسب والعلاقة الدنيوية وكان منيبا لله فالأخذ والاتباع لمن أناب إلى الله عز وجل.
أتريدني أن أتبعك وأنت تهديني للشيطان وتقودني إلى النار يا فلان ولا فلان وقوة، فالقضية ليست أمريكا ولا روسيا ولا إيران ولا غيرهم وقريب أو بعيد بل القضية من أناب إلى الله ومن عادى الله، فيوم أن تكون أمريكا الأكثر هدى فلابد أن يكون متابعتنا لها في هداها ويوم أن تكون روسيا هي الأهدى فعلينا أن نكون متابعبن لها في هداها برغم المسافات والتاريخ المرير وبرغم كل شيء. “وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ”[14]، وهذا السبيل هو سبيل الله ودين الله ومنهجه بكل ما فيه.
“ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”[15]، هذا تعليل لاتباع من أناب إلى الله ومباينة من عادى الله تبارك وتعالى وإن كان المعادي هو الوالدين أقرب الناس إلى المرء وإن كان المنيب إلى الله هو أبعد الناس نسبا ومكانا وزمانا، وأما أنت فحسب حساب المرجع الذي ستنتهي إليه مصيرك وسيقضي في أمرك وسيدخلك الجنة أو النار، يحاسبك على كل ما عملك ويحضر أمامك كل سجل حياتك ويريك من أنت وما أنت وما وزنك وما حجمك وما عقلك وما روحيتك وما نفسيتك وما توجهك وما نيتك وما كل صغيرة وكبيرة في حياتك ويقود الإنسان المجرم ملائكته ذليلا خاسئا مسحقوا مسحوبا على وجهه إلى النار أو مزفوفا بكرامة وسلام إلى الجنة، والحساب إلى من إليه المرجع والمرجعية في الآية الكريمة -حسب الظاهر- مرجعية المصير والحشر والنشر والحساب والثواب والعقاب.
“ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”[16]، هناك مرجعية لله عز وجل ونحن نرجع لله عز وجل والحياة كلها ترجع لله عز وجل وكل إنسان وكل شيء يرجع لله عز وجل وجودا وأثرا وتأثيرا وكل حي يرجع إلى الله عز وجل في حياته وكل قوة هي من فيض الله عز وجل وفي قبضته، ففي الدنيا مرجعيتنا إلى الله عز وجل بمعنى أن وجودنا وحياتنا وأثرنا وتأثيرنا وقيامنا وقعودنا وعلمنا وكل شيء هو بيد الله سبحانه وتعالى وهذا ما يجب أ، أحسب إليه حساب وليست بقية الأسباب، ومن جهة ثانية في الآخرة ليكن وهمك فيها إما شقاء أبد أو سعادة الأبد، ومن بيده سعادة الأبد أو شقاء الأبد ليس الوالدان ولا الحاكم ولا الصديق والعزيز بل بيد الله سبحانه وتعالى، ومن لا يظلم ومن لا يجهل ومن لا يغيب عنه علم شيء ليس هو إلا الله سبحانه وتعالى.
“يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ”[17]، كلام وقضايا تطرح للبناء ومبرهن عليها فيرد لقمان بمخاطبة ولده بهذا الخطاب الناعم الرقيق العطوف ليذكر بالعلاقة المتينة وعلاقة المودة الصادقة النابعة من القلب “يَا بُنَيَّ” فالشفقة موجودة والإخلاص موجود والوفاء موجود ولا يكلمك من يقسو عليك ومن لا يكترث بمصيرك وإنما من يكلمك هو الأب والوالد الشفوق.
“يَا بُنَيَّ إِنَّهَا” إن للتأكيد وضمير الها عندهم شيء يسمى ضمير الشأن أو القصة أو القضية بمعنى لا يوجد معود للضمير والتعبير يتجه إلى هذا الاتجاه يا ولدي القضية هي هذه والشأن يا ولدي هو هذا والقصة يا ولدي هي هذه أن تتبع الحق وتأخذ الحق، وحملنا لها على أنه ضمير الشأن “إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ” إن مخففة من إنّ وإنّ عندها مبتدأ وعندها خبر حينما تدخل على الجملة الأسمية فإنّ أين أسمهما؟ أن تكون حسنة مثقال حبة فإذا توجد حسنة بقدار مثال حبة وإن تك خصلة أو حسنة أو ممارسة سواء كانت حسنة أو سيئة بمثقال حبة وخصلة خير أو خصلة شر بمقدار حبة خردل وقضية سوء أو حق أو باطل فإن كانت بهذا الوزن “فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ”[18]، أو نستغني عن ضمير الشأن فنقول أن هذه الها الضميرة عادة على الحسنة أو السيئة وعادة على خصلة الخير أو الشر بمعنى يا بني إذا وجدت قضية خير أو شر أو خصلة خير أو شر أو حسنة أو سيئة وإن كانت بمقدار خردل.
الخردل هو نبات له بذور سوداء صغيرة جدا وهذه الحبة السوداء الصغيرة جدا لو كانت الحسنة بمقدارها وتكون في صخرة بمعنى أنها مكنونه ومصونة بستار لا تقع عليه العيون ولا يصله علم بشر ولا علم الدنيا كلها ولا يصل لها إلا علم الله سبحانه وتعالى، ويوجد صورة ثانية من التضييع أن تكن الصورة هائلة وفيها حبة من حبات الخردل وعليك محاولة اخراجها من عموم هذه المساحة الكبيرة فهذا ليس ممكنا ومستحيل على علم كل أحد أن يصل إليها “فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ”[19]، ولكنه لا يستحيل على علم الله عز وجل لأن وجودها بفيض الله ومكان وجودها بفيض الله والفيض لا يكون بلا علم، فلابد أن تكون معلومة لله عز وجل، سواء حسنة صغيرة أو سيئة صغيرة تحضر يوم القيامة لأقف أمامها فرحا أو محزونا ومسرورا أو كيئبا مخزيا أو عزيزا.
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ”[20] لتكن هذه الصورة في ذهن من محاولة الإضاعة وإخفاء ” أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ”[21]، يحضرها الله، الحسنة والنية والخصلة والهجسة والخاطر وأما كيف يحضره هو هجة أو خاطر أو حسنة فهو يعلم كيف يحضره وكيف يمتنع إنكار أنه هذا الذي عملته وأنا الذي عملته.
” إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ”[22]، لطيف ذو علم نافذ في كل شيء ولا يوجد عمق لا يصله علم الله ولا توجد قدرة لا يصلها علم الله عز وجل ولا توجد دواخل أشياء لا يصلها علم الله فهي تكون بعلمه، فكل دواخل الأشياء تقوم بعلمه وتقوم بمدده، خبير نافذ العلم والبصيرة وخبير لا يفوته شيء ومحيط بكل شيء وما يحدث من شيء إلا وهو في علمه.
فالإحضار سهل على الطيف الخبير، وليس عندي ولا عندك عمل أختفي به وأخفيه عن الله عز وجل أشد م نأخفاء حبة سوداء صغير من حبات الخردل في صخرة أو تضييعها في السموات والأرض؟ نحن مكشفون لله عز وجل في كل آناتنا ولحظاتنا فلتنقي الله، ولن يقوم الفرد من بني الإنسان ولا الأسرة ولا المجتمع كالعلم والإحساس براقبة الله عز وجل وباطلاعه على كل صغيرة وكبيرة من أمر كل شيء، فلو أغنى بهذا الحس وبهذا الوجدان وأعيش الحضور في نفسي أن الله رقيبي في كل آن فأكون ممتازا جدا برغم كل الصعاب لا أميل لأنه ليس لشيء هيبة كما هي هيبة الله وليس لشيء قدرة كقدرة الله عز وجل ورادعية كرادعية الله عز وجل، فمن رأى الله ينسي كل قوة وينسى كل وعد وينسى كل وعيد أمام قدرة الله ووعد الله وأمام وعيده فينضبط على خط الله.
والحمد لله رب العالمين
[1] سورة لقمان، الآيتين 15 و 16.
[2] سورة لقمان، الآية 6.
[3] سورة لقمان، الآيتين 15.
[4] سورة لقمان، الآية 14.
[5] سورة لقمان، الآيتين 15.
[6] سورة لقمان، الآية 15.
[7] سورة لقمان، الآية 15.
[8] سورة لقمان، الآية 15.
[9] سورة لقمان، الآية 15.
[10] سورة لقمان، الآية 15.
[11] سورة لقمان، الآية 15.
[12] سورة لقمان، الآية 15.
[13] سورة لقمان، الآية 15.
[14] سورة لقمان، الآية 15.
[15] سورة لقمان، الآية 15.
[16] سورة لقمان، الآية 15.
[17] سورة لقمان، الآية 16.
[18] سورة لقمان، الآية 16.
[19] سورة لقمان، الآية 16.
[20] سورة لقمان، الآية 16.
[21] سورة لقمان، الآية 16.
[22] سورة لقمان، الآية 16.