الحديث القرآني الرمضاني – 19 رمضان 1435هـ / 17 يوليو 2014م
سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
في إضاءات قرآنية في رحاب (سورة لقمان)
الحلقة الثالثة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
قوله تعالى: “وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ”[1].
ذاك الذي كان يشتري لهو الحديث ليقابل به كلام الله ويعارض به ويصد عن الكتاب بهذا الحديث وبهذه البضاعة الرخيصة الدونية الأرضية، ذاك وهو يحاول أن يصد عن سبيل الله وآيات الله من لا يعلم ومن منطلق عدم علمه الحقيقي “أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ”[2] يهينهم بدل محاولتهم إهانة القرآن الكريم، تقابل الآية الكريمة بين محاولتهم اهانتهم للقرآن وبين إهانة الله عز وجل لهم، وأين حيلة العبد ومكر العبد ومحاولة العيد من قدر الله عز وجل؟ قدر الله نافذ وإرادته نافذة وللبشر محاولاتهم الحسنة أو السيئة والتي لا تحقق لشيء من هدفها إلا بأن يأذن الله تبارك وتعالى، والعبد لا يملك من أمر كل محاولاته شيئا إلا بأن يعطى لاقدرة من الله عز وجل والفاعلية.
هذا نفسه الذي يشتري لهو الحديث ويعارض دين الله “وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا”[3]، أكثر من إعراض ولى وكأنه هروب استعلائي وكأنه سمع كلاما لا قيمة له وكلاما يثير في النفس الاشمئزاز وكلام يخالف الحقيقة وكلام يهدم انسانية الإنسان وكلام يشط بالإنسان من الطريق والغاية الصحيحة وهذا كلام الله، وأين السقم والنقص؟ السقم والنقص في كلام الله أم في هذه الفكرية المنحطة وفي هذا الفكر الزائف والمنحدر وفي هذه الإنسانية التي خسرها صاحبها والإنسانية المغيبة، فالصحيح هو الثاني.
الطيب تنفر منه بعض الحشرات وكأنه أبو جعل تميته الرائحة الزكية، ولحد الآن إذا كان هناك مجلس حقائق ومجلس حق وكلام في تذكير بالآخرة خاصة أمام الجبابرة وتذكير بعظمة الله فهذا كلام ينفرون منه ويؤذيهم ويجعلهم ينهون الحديث حول هذه المواضيع، والنفسية غير ذات ذوق جمالي والروحي مظلَمّه ولا تتقبل مثل هذا الفكر وهذا الطرح ولذلك تنفر منه، وذاك الذي لثوته الأساطيير والخرافات وهبطت بعقليته وتردت بنفسيته أين هو من القرآن وحقائق القرآن وأفق القرآن؟
“وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا”[4] والعجيب أنه في حالة استكبار وكأنه أرفع مما يسمع قابلياته فوق ما يقرائه رسول الله ويقراء في كتاب الله وكأنه العقلية الجبارة والمطروح خرافات والنفسية المستقيمة والمطروح أشياء ذات عوج وسخافة فهو في غيبوبة.
“وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا”[5]، جاءت “كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا”[6] فهو لو سمعها السماع الحقيقي وعلى مستوى سمع الإنسان المحتفظ بإنسانيته والمتوفر على عقله وفطرته والمتمتع بذائقته الإنسانية الجمالية ولو قراءه الإنسان إنسانا بروحه التي فطر عليها وشفافية روحه وليس على مستوى الحيوان لما كان يستكبر على آيات الله، فلقد قرائها بسمع هو أشبه بالسمع الأصم وبسمع حيواني يتلقى أصواتا لا يستطيع أن يترجمها إلى معاني ولا يفقه منها شيئا ولا يرى فيها مادة ولا يرى فيها قيمة، ولو سمعها السماع الإنساني الصحيح وفهم منها مستوى ووصل إلى أفق من آفاق معانيها البعيدة الرفيعة لخضع واستكان أمامه وذل وخشع اهتزت روحه لها.
“وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا”[7] آيات العظيم، “آيَاتُنَا” نون العظمة وضمير العظمة وهي آيات أنظر إلى هذه الاستكبار وإلى هذا التولي أمام آيات ودلائل وبراهين وحجج ساطعات، وليس أمام قضايا تافهة أو أفكار صادرة من إنسان وإنما هي آيات من العظيم الأعظم “آيَاتُنَا”، وتنزلت من موقع العظمة والعلم العظمة والحكمة العظمة والقدرة العظمة والخبرة العظمة التي لا حدود لها وهذه الآيات التي تُقابلُ بالإستعلاء والاستكبار والتولي، وهذا يعكس المستوى السحيق الذي انحدرت له تلك العقلية والنفسية المتعاملة مع آيات الله هذا النوع من التعامل.
“وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا”[8] ولو سمعها للان واستكان، “كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا”[9] هذا الأذن المفتوحة ليس على ظاهرها وأنها مفتوح وإنما فيها ثقل يمنع منها السمع “كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا”[10] وهذا الوقر ليس ماديا وإنما معنوي لا نراه وهو وقر ضلالاتع وثقافته الزائغة والساقطة ووقر سلوكاته المنحرفة ووقر نفسيته المستكبرة ووقر جهله وسخفه “كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا”[11].
“فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”[12] التبشير يكون بما يسر ويشرف وبما فيه رفعة الدرجة ويما هو خير وهو تكريم، ولكن حين يأتي التبشير بالعذاب الأليم يكون هذا التبشير فيه سخرية، بشراك التي تستحقها وأنت لست أهل البشرى بمعنها المعهود والذي يفيد التكريم وإدخال السرور على الطرف الآخر، أنت ذلك البعيد محل بشرى من هذا النوع وكل ما تستحقه وما تتوقعه من سلوكك هذا هو العذاب الأليم بالسخرية والحط من القدر وكما يستعلي المشتري له الحديث على القرآن ويستكبر ويولي وكأنه لم يسمع شيئا يواجه من قبل الله عز وجل بالسخرية “فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”[13].
كان هناك مرة “أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ”[14]، وأؤلئك أسم إشارة للبعيد البعيدون في رفعتهم وفي أفق سموهم ومن جهة ثانية “أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ”[15] وهم الذين يتخذون القرآن هزوا أؤلئك بعيدون بعد السخط والبعد عن الرحمة والبعد في السقوط والبعد عن ساحة العقل والساحة الإنسانية، بعد غير بعد فأحدهم بعيد في المزابل وأحدهم بعيد في السماء “أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ”[16].
“كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”[17] فله العذاب المهين وله العذاب الأليم والمخزي وله العذاب الذي تمر عليه كل الأزمان الذي يعاني منه ويعيش مقاساته ذلك هو المفسد.
ترجع الآيات إلى الفريق الآخر الذي تقدم ذكره “الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”[18] يرجع لهذا الفريق مرة ثانية ويؤكد على قيمته وعلى سعادة مصيرة وعلى جزاءه الكبير من عند الله عز وجل.
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ”[19] واختبار الإيمان وصدق الإيمان هو عمل الصالحات، حين نرى دعوى إيمان وحين يترائى لنا من أنفسنا حالة الإيمان ولا نجد لها دفعا لطاعة ولا ردعا عن معصية في حياتنا فلنكتشف أنه ليس لنا إيمان، ولنطلب عور صادقا غير هذا الشعور الكاذب الواهم بأننا مؤمنون ولذهب ونبني إيماننا بناء صحيحا ونسلك طرق الإيمان ونتأمل ونتفكر لنمتلي إيمانا وكل حالة إيمان وأن ضعف ستعطي مردودا إيجايبا في حياتنا وتردع عن سوء ومعصية وتدفع للطاعة.
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ”[20] لهم لا لغيرهم، جنات النعيم لأنه تجنه من كل سوء وكل نقص وكل خوف وكل محذور تقيه وتحفظه وتقنه وتحرسه وتحيطه وتجعله في مأمن من كل ما يصيبه ومن كل ما يحذره وهي نعيم، نعم ناعمة رغيدة وشاملة وحياة لينة مليئة بالمسرات وتستجيب لكل مطلب تتطلبه سعادة هذا الإنسان.
“وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ”[21] ليست نعيما لسنتين وبعده جحيم أم بعده فوات يولد حسره، إنه تشتد الحسرة أيما اشتداد حينما أن أكون في رغد العيش فيختطفني الموت، وحينما أكون في أعز العز فأنقل إلى حياة من أذل الذل فتضيع كل اللذات وتنسى وتتحول إلى مرارة صعبة جدا لكن هذا في الآخرة غير موجود “جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا”[22] ليست مليون سنة ولا مليونين ولا بلايين السنوات فكلها مدد محدودة وقصيرة في عمر الأبد وهناك حياة الأبد ولذة الأبد وأنس الأبد، فهل تسوى الستين السنة أو مائة السنة وهل تسوى القصور وهل يسوى الملك والثروات والصحة والزوجات وهل يسوى شيء من الدنيا؟
“جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا”[23] هذا الوعد من الله ويقول حق عليّ وهذا الحق لا يفرضه أي أحد ولا أي قوة أنه الحق الذي جعله الله على نفسه بنفسه جودا وكرما.
يعدك أحد الفقهاء الطيبون الأطهار بعطيه من أي نوع فهل تحتمل أنه لا يملك ولا يقدر ويعدك؟ أو أن أحد الشرفاء يعدك وهو لا يملك؟ فهل يضع نفسه في هذا المأزق؟ وهل يكذب أو يتراجع ؟ فتصدق، والنبي يعدك بالشفاعة فهل يدعيها وهل يتقول على الله وهل يريد أن يرفع مستواه أمامك، فأنت لا تحتمل شيئا من ذلك بمقتضى إيمانك برسول الله صلى الله عليه وآله، وفي هذه الآية من يعدك في هذه الآية هو رب الأرباب القادر العليم الخبير والكامل تبارك وتعالى، فوعد من الله تبارك وتعالى جعله حقا عليه أنك أن عملت الصالحات “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا”[24].
“وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”[25] وعد وهو قادر وعزيز بمعنى قادر ولا يمنعه مانع ولا يد فوق يده ولا حائل بينه وبين ما يريد، فهل تقف كل الدنيا دون أن يفي بوعده؟ لا تملك أن تثنيه عن الوفاء بوعده، عزيز حكيم لا يساوي بين من يهزاء بالقرآن ومن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ويجند الجنود ويجمع الثروات ويشن الحرب ضد دين الله ويفسد في الأرض ويستورد القصص الساقطة والخرافات ويستورد الشعر الماجن ويستورد المغنايات من أجل هدم دين الله عز وجل وإفساد دين الله والقلوب فهذا لا يستوي في حكمة الله عز وجل مع من يسعى في الأرض بالصلاح والإصلاح ويبحث عن الكلمة التي تحيي النفوس وهو ورائها ويبثها ويغامر بحياته من أجل أنقاذ قلوب الناس وعقولهم من براثن الشرك الكفر والفساد والضلال “وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “[26] ويحقق ما وعد وبرغم كل أحد وهو الحكيم الذي لا يساوي بين حق وباطل وبين مستحق لعذاب ومستعق لنعيم ويضع الشيء في موضعه.
والحمد لله رب العالمين
[1] سورة لقمان، الآيتين 7 و 8.
[2] سورة لقمان، الآية 6.
[3] سورة لقمان، الآية 7.
[4] سورة لقمان، الآية 7.
[5] سورة لقمان، الآية 7.
[6] سورة لقمان، الآية 7.
[7] سورة لقمان، الآية 7.
[8] سورة لقمان، الآية 7.
[9] سورة لقمان، الآية 7.
[10] سورة لقمان، الآية 7.
[11] سورة لقمان، الآية 7.
[12] سورة لقمان، الآية 7.
[13] سورة لقمان، الآية 7.
[14] سورة لقمان، الآية 5.
[15] سورة لقمان 6.
[16] سورة لقمان 6.
[17] سورة لقمان، الآية 7.
[18] سورة لقمان، الآية 5.
[19] سورة لقمان الآية 8.
[20] سورة لقمان الآية 8.
[21] سورة لقمان الآية 8.
[22] سورة لقمان الآية 8.
[23] سورة لقمان الآية 8.
[24] سورة لقمان الآية 8.
[25] سورة لقمان الآية 8.
[26] سورة لقمان الآية 8.