حفل ختام برنامج شرف التكليف الشرعي التاسع – الدراز 26 مارس 2014م

كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم في حفل ختام برنامج شرف التكليف الشرعي التاسع ٢٠١٤م
مشروع تعليم الصلاة والقرآن – الدراز – البحرين

للمشاهدة :

https://www.youtube.com/watch?v=dR9YmJw9w7c

نص الكلمة :

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمدلله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

الإنسان والحيوان مخلوقان من خالقٍ واحد، والإنسان أكرم من الحيوان، والإنسان كرُمَ لروحه الأكثر انفتاحاً على ربه سبحانه وتعالى والساعيةُ للتقرب منه بإرادة. والإنسان بعقله المفكر المبدع قالوا عنه بأنه أكبر من الحيوان، والعقل حيث يعَطَّلُ لا قيمة له، والعقل حيث يُنتج ولا يترتب على انتاجه عمل لا قيمة له، والفكر ما أنتجه من فكرٍ سقيم فيه أذى البشرية وفيه انحطاطها يكون سوءاً، والعلم الذي يُنتجه الفكر إذا استُعمل فيما يفسد وفيما يهدمُ وفيما يُخيف ويُشقي هذا الإنسان فالفكر وما ترتب عليه من عمل يكون كارثة.

فأي فكرٍ ذلك الذي يكرُمُ به الإنسان؟ العقل في أصله كرامة ولا شك، والروح التي جاءت طاهرة، وأُعطيت هذا الإنسانَ كقبسة نورٍ من نورِ الله عز وجل؛ تعرفة وتنشدُّ إليه وتطلبه، لاشك أن فيها كرامة وأكبر كرامة. لكن تلك الروح وذلك العقل إنما يبقيان كرامة حيث يبقى لهما صفاءهما ودورهما وينموان على خط ما كانا عليه من وعيٍ وطهارةٍ وانفتاحٍ على الله سبحانه وتعالى.

أما حيث يتعطل العقل وينحرف الفكر ويعوجُّ السلوك يَفسُدُ العمل ويُستعمل العمل فيما يضر، هنا ينحط الإنسان ويصل إلى مستوى أدنى من مستوى الحيوان، كلنا نرى أنفسنا أكرم من الحيوان نبيعه ونشتريه ونذبحه ولا نجيز هذا في حق الإنسان، الإنسان يستخدم الحيوان ولا يعطي للحيوان أن يستخدمَه، وهذا التفوق مرجعه إلى دوركَ وإلى ما يتحقق لكَ من علمٍ قويمٍ وعمل وفكر صالح ودور إيجابي كريمٍ تعمُرُ به الأرض ويسعدُ به الإنسان، فهنا تثبت لنا الكرامة وهذا مربوط لنا بتكليف الله لنا واستقامتنا على خط التكليف الإلهي ووفائنا لاستحقاقاته وبمقتضاه وبما يأمر به وبما ينهى عنه.
معنى الانحراف عن خط التكليف وعدم القيام بوظائف التكليف من عبادة وغيرها معناه أنّ الدورَ فاسد والعملُ غير صالحٍ وأن الدور هدّام وأن الإنسان ليس على طريق عقلِه الذي وهبه الله عز وجل وروحِه المضيئة التي وهبها الله إياه، فهنا لابد أن يسقط ويخِسَّ الإنسان ولابد أن يحقر الإنسان.

فالكرامة في أنّ نُكلفَ من الله عز وجل بالصلاة والصوم والحج ومختلف التكاليف؛ وأن نفي بهذا التكليف، فنحن لو لم نُكَلَّف لظُلمنا من الله عز وجل، والله عز وجل لا يظلم، ولما ناسب من الله أن يهبنا هذه العقول وهذه الإرادة وأن يعطينا هذه الروح المشعة ثم يتركنا لأنفسنا نأكل ونشرب ووننكح ونبني لننتهي جثثاً نتنةً لا قيمة لها. هنا الله عز وجل لم يقَدِّر قيمة خلقِه، فلقد خَلَقَ عظيماً ولكنه تركه لدورٍ سافلٍ هابط محطِم. انظروا الأرض اليوم ما فيها من خسةٍ وسقوطٍ وضياع وتيه ومن خوف ومن حرب ومن فساد كاد يعم الأرض كلها، ذلك ببعد الإنسان عن التكليف الإلهي.

أعزائي الناشئة…
عندك اليوم وهو الوقت الذي أنته فيه، وعندك غداً وهو المستقبل في الدنيا، وعندك مستقبل في الآخرة، لنجعلهم ثلاث أيام: يوم تعيشه ويوم ستعيشه في الدنيا وهناك يوم تكون فيه الآخرة. فكِّر ماذا تريد أن تصبح بعد عشر سنوات وثمان سنوات؟ هل تريد أن تصبح رجلا محبوباً ومقدّرا وصاحب دور كبيرٍ في المجتمع؟ ولديك إمكانات عقلية وإرادة قوية ولديك قدرة على الإستقامة والانضباط وعلى الكفاح والجهاد في كل الميادين الصالحة؟ أم تريد أن تكون شيئا عاديا جداً ولا يهتم بك أحد وتكون عالةً على المجتمع حتى لقمة العيش لنفسك لا توفرها، وتحتار بك عائلتك؟ لا شك أنكم كلكم تتطلعون إلى غدٍ زاهرٍ ورابح وإلى مستوى كبير، وحتى يكون مستقبلك في الدنيا كبيراً وسعيداً وقوياً وعالِماً في أي تخصص من التخصصات الصالحة، فلكي تكون كذلك وحتى تكون متقدماً في المجتمع – المجتمعات مستويات – فعليك اليوم أن تبني نفسك، فتجتهد في العلم والعبادة، وتجتهد في تحسين علاقتك بالناس وتهتم بأوقاتك، فلكي تصنع من نفسك رجلا صالحاً لغدٍ – مستقبلك – فاليوم تصنع نفسك.

في الأمس ولحد التكليف كُنتَ تحت رعاية الأبوين ورعاية المجتمع، ولكن اليوم أنت مسؤول عن نفسك بشكل متنامٍ من يوم التكليف. من بعد يوم التكليف يجب أن تفكر أنك تتحمل مسؤوليتك، فلقد كان أبي سابقاً ملتفتاً إليَّ، وأما اليوم فأنا التفِتُ لسلوكي وإلى عملي وإلى علاقاتي، وبعد كم سنة ستكون صاحب مسؤولية؛ تتحمل مسؤولية أولادٍ وعائلةٍ وتتحمل مسؤوليةً اجتماعية، وكل يوم يمرُّ عليك تكبُرُ فيه نسبياً؛ فعليكَ أن تكبر في إرادتك وفي فكرك، وأن تحافظ على صحتك الجسمية وأن تحسِّنَ علاقاتك، لأن ما ينتظرك في الغدِ ليس كما مرَّ بالأمس، فما مرَّ بالأمس كان أكلُكَ وشربُكَ وتربيتك على غيرك، ولكن اليوم تعدُّ نفسكَ علمياً وتجتهدُ اجتهاداً كبيراً لتستطيع غدا أن تواجه الحياة، وتواجه مسؤوليات كبيرة تنتظرك – هذا بالنسبة لنفسك-.

وما تريد من المجتمع؟ وقريتك ماذا تريد لها؟ أن تتقدم أو تتأخر؟ ومجتمعك في البحرين ماذا تريد له؟ أن يتقدم أو يتأخر؟ وأمتك الإسلامية ما تريد لها؟ هل تتقدم أو تتأخر؟ تتقدم. فإذا كنتم هذا الجيل في المجتمع والقرية ثم الأمة إذا لم يتعلم وإذا لم يجتهد وإذا صار في انحراف -لا سمح الله- وإذا لم تكن لديهم إرادة قوية فهذا المجتمع هل سيتقدم أو يتأخر؟ فالمجتمع بلا علمٍ متأخر بلاشك، ومجتمع أفرادُه مرضى فهو متأخر، ومجتمع رئيس العائلة لا يستطيع بناء أي شيء فهو متأخر، فإذا لم تبنوا أنفسكم اليوم فغدا أنتم ساقطين -لا سمح الله- وقريتكم ساقطة وأمتكم ساقطة والعالم البشرية كله متضرر. فحتى تكونوا أقوياء وحتى تكونوا سعداء غداً وتكون قريتكم سعيدة وقوية ونشطة وظاهرة وكذلك مجتمعكم وأمتكم كذلك؛ فعليكم اليوم أن تبنوا أنفسكم، وبناء النفس بالعلم والعمل الصالح والعبادة وعلاقات صحيحة ونظافة خُلقية. وهذا بالنسبة لوقت الشباب والمستقبل في الدنيا.

وهنا شيء أكبر وهي الحياة الآخرة والتي فيها حياة طويلة لا تنقضي وتحتاج إلى إعداد واستعداد قوي جداً، فلن تحصل على دنيا سعيدة إلا من خلال إعدادك اليوم، ولن تحصل على آخرة سعيدة إلا أن تبدأ الاستقامة وتبدأ الجد وتبدأ طلب العلم الكثير من اليوم، وعلى جهودكم اليوم، وعلى تحصيلكم العلمي اليوم، وعلى تصحيح السلوك اليوم يبتني مستقبلكم اليوم في الدنيا وغدا في الآخرة، وفي الآخرة ليس لنا أحد وليس لك أبوك إن كان صالحاً والابن غير صالح، فلو وصل الأمر إلى أن أحدهما يدخل الجنة والآخر يدخل النار، لقال الأب أدخلوني الجنة وأدخلوا ولدي النار، واليوم الأب قد يفدي الولد بنفسه ولكن في الآخرة لا أحد يفدي الثاني، إلا إذا كان الأب صالحا قد يقبل الله شفاعته فيك، وإذا كان الأمر إما أنت أم هو؛ فالأب سيقول أدخلوا الدنيا بما فيها النار وأدخلوني الجنة، فالآخرة تحتاج إلى استعداد كبير جدا.

حبيبي…
أنت اليوم مسئول عن غدك في الدنيا وغدك في الآخرة، واليوم ترسم مستقبلك القريب وترسم مستقبلك البعيد، أنت تضع مستواك في المستقبل اليوم، هذا أنت ومجتمعك، فإذا كثر الفاسدون في المجتمع فالمجتمع يفسد، وإذا كثر الصالحون استطاعوا أن يأثروا على البقية.

ولدي فلترسم الطريق…
أنت تحتاج إلى بيئة نظيفة، فمن ناحية جسدية هل تستطيع أن تعيش في بيئة موبؤة بالجراثيم؟ لا تستطيع العيش. وهل تستطيع العيش في منطقة مظلمة جداً جداً والظلام فيها دائماً؟ لا تستطيع العيش. وهل تستطيع العيش في بيئة كل أكلها وشربها ملوث؟ لا تستطيع العيش. فلكي تصلح صحتك الجسمية، وإذا تشبعت هذه البيئة بالميكروبات والجراثيم والأوبئة – أي الأمراض السارية التي تنتقل من واحد إلى واحد – فالجسم انتهى، فكيف بالعقل والناحية الروحية؟ الأمر هو كذلك. لابد أن تبحث عن بيئة نظيفة حتى تستطيع أن تحتفظ بطهارة روحك وطهارة نفسك وبصحتك عقلك وصحتك النفسية، وهذه البيئة النظيفة من أهمها الأصدقاء والأصحاب والرفقاء. فإذا كنت تصاحب خمسة أشخاص كلهم سيئيين وكلهم فسده ومجرمون فستكون مثلهم، فلتبحث عن الصديق السليم.

فهل ترضى أن تعاشر وتصاحب وتقترب وتأكل مع واحد مبتلى بمرض السل بالدرجة الخطيرة فهذا معناه أنك تعرض نفسك للموت، فأي مرض ساري فالأخ عليه أن يتوقى من أخيه والأبن عليه أن يتوقى من أبيه، وصحيح أنه يبرُّ أبيه ويخدمه ولكن لا يعرض نفسه لينتقل المرض له، فترى الأطباء في غرفة العلميات يستخدمون كمامات خاصة، هو يشفق على المريض ولكن لا يجعل العدوى تصل إليه، وأنا أحب أخي وأحب أبن عمي ولكن إذا كان فاسداً لا يصلي ولا يصوم وكذاب، فهل أعاشره؟ فكما أخاف من مرضه الجسمي عليّ أن أخاف من مرضه الروحي من سوء أخلاقه وسوء إجرامه وسوء سيرته فسوف ينتقل إليّ إجرامه، وهذا بالنسبة للقريب أخي وأبن عمي فكيف بالغريب؟

فأحذر كل الحذر أن تصادق أحداً يأخذ بك إلى النار، فهناك من يأخذ بأصدقائه إلى النار فيقول لنذهب للمكان الغير صالح، ولنؤخر الصلاة، ولنذهب للمكان الذي فيه باطل وفيه فساد، هو أخذ بك إلى النار، فهل ترضى؟ فكما تحافظ على عينك وعلى جسمك كله، وأيهما أعز عليك يا بني دينك أم جمسك؟ فلابد أن يكون الدين أعز علينا من حياتنا الجسمية، فالدين فيه حياتنا الروحية وحياة الآخرة والسعادة فيها، وأم الدنيا فنحن فيها بعض وقت وسنمضي عنها والبدن سيتحطم وسينتهي وأما الروح فتبقى.

ولدي…
تعلّم من الآن أن لا تتصرف كما تحب وكل أمر تشك فيه اسأل دينك وهذا ما يسمى استفتاء، فأسأل دينك عن أن هذا الطريق صحيح أم غير صحيح؟ وهل هذا العمل مسموح لي القيام به أم لا فهل هو عمل صالح أو طالح؟ فعليك أن تستفتي دينك دائماً ولا تستفسي غير دينك، ولكن من تستفي عن دينك؟ تأخذه من أوثق وأأمن الناس.

إذا كان هناك اثنين وكلاهما يعرفان الدين وأحدهما معرفته أكثر من الثاني، فكلما أستطعت الوصول إلى من هو أعرف بالدين، وكلما كان أشد أمانة بالدين آخذه منه. هناك أثنين وكلاهما مأمونين ولكني أعز ديني كثيراً ولا أريد أن أخطأ في الدين فكلما استطعت أن أحصل على واحد أمانته أشدُّ قصدته في أخذ ديني، لا تأخذ دينك إلا بمن يعلم بالدين، وبمن هو مأمون وإذا صرنا بين مأمون وبين أكثر أمانة، فعلينا أن نأخذ من الأكثر أمانة والأعلم يقدم على من هو أقل منه.

أتمنى لكم…
لدينا رجال صالحين وأقوياء ومتقين في القرية وفي المجتمع البحريني وفي الأمة الإسلامية ولدينا علماء كبار وعندنا فقهاء وعندنا مجاهدون، أتمنى لكم لما تكبرون وتعدوا أنفسكم اليوم لتكونوا غداً إن شاء الله أكبر جهادا من أهل الجهاد الآن، وأكبر علما من أهل العلم اليوم، وأشد التزاما وحرصا واعتزازا بالدين من الذين يحرصون على الدين من الصالحين اليوم، ولو سعيتم اليوم لكنتم، وهذا ليس بعيدا عليكم إذا جاهدتم اليوم والتفتم لأنفسكم وتربيتم التربية الصالحة.

والحمد لله رب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى