“الإسلام في أساسه وبنائه ” الحلقة الأولى – 23 مارس 2014م
سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
سلسلة لقاءات
“الإسلام في أساسه وبنائه ” ….. الحلقة الأولى
للمشاهدة :
نص الكلمة :
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآل الطيبين الطاهرين، والعن الدائم على أعداهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
تقديم
الإسلامُ أساس متين، وبناءٌ من فوق ذلك الأساس يتصف بالدقة والرصانة، الإسلام ليس هو أطروحة فوقية مبتورة معلقة في الهواء بلا أساس، ولا قاعدة أصيلة راسخة ولكن بلا بناء سامق منطلق بالإنسان إلى السماء، وليس الإسلام قاعدة عقيدية بحق وصدق لا شأن لها بالحياة والأرض وحركة الإعمار فيها والبناء، وليس هو الرؤية الكونية الدقيقة التي لا تهتم بحركة الإنسان ولا تتعاملُ معها، ولا تتكفلُ بتنظيم المسيرة البشريةِ في المدى القريب والبعيد.
الإسلام قاعدة صلبة لا تتزلزل ولا تميد، وبناء فوقيٌ كله متانة وكله ثباتُ وصمودُ على الزمن منشدٌ إلى تلك القاعدة، ولا يشذُ في شيء منه عنها ويعود بكله إليها، وفي تناغم دائم وتام معها.
الإسلام أساسا ما يقوم على ذلك الأساس من بناء -بمجموعه- هو أصالة ومتانة ومنطقية واتساق وشمولية وثبات، ولا ثغرة في الإسلام، ولا فراغ في عقيدة فيه أو نظام حياة، ذلك هو الإسلام.
حينما يبداء طرح الإسلام نفسه على الإنسان يبداء هذا الطريق من البداية الأولى الطبيعية التي تحتجها منطقيته، ومن أول انطلاقة يقضي بها العقل المنطقي السليم، ثم وهو يواصل بنائه حتى الهرم العالي البعيد لا يترك حلقة من حلقات بنائه الرصين كله ولا يتوقف عن استكمال بناءه دون أن يستوفي البناء والتغطية الشاملة لما تحتاجه حياة الإنسان على الأرض وما تتطلبه حركته الصالحة في جميع مسارات الحياة غير غافل عن حاجةِ مستقبل قريب أو بعيد، وما يتناسب مع هذا الإنسان من هدف كبير تتمثل فيه قيمة ما هو عليه من وجود ومن حياة. والحديث ليس حديثا تفصيليا عن لإسلام في أي من أساسه وبنائه[1]، والتركيز أساسا على نقطتين:
1. تماسك الإسلام وترابطه وأصالته.
2. منطقية الإسلام وعلميته.
- الإسلام في أساسه عقيدة وفي بناءه أساسه شريعة ونظام
ما هو الإسلام؟ الإسلام عقيدة تمثل أساسه فلو ضعفت هذه العقيدة في أي نقطة من نقاطها لوهن الإسلام كله، ثم يأتي بناء فوقي يقوم على قاعدة هذه العقيدة هو الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي الذي يتكفل بوضع الخطة الناجحة لمسيرة الحياة.
فالحديث يتركز على هاتين النقطين:
- الإسلام نظام وعقيدة.
- الشريعة والنظام.
من هنا يبداء الإسلام من قضية التوحيد وأسماء الله الحسنى، وأسماء الله عز وجل أسماءُ جمال وأسماء جلال، جمال لا تدخله شائبة من قبح نقص، جمال الله جمال مطلق وكل الجمال المطلق له، وصفات جلال تتمثل في تنزهه سبحانه عن كل قصور ونقص وكل محدودية وعن مجانسة الممكنات في ذات أو صفه. فمن هنا يبداء الإسلام وتنطلق مسيرته العملاقه ويقوم بنائه الشامخ.
أمامنا هذا الكون القائم الشاخص الذي لا ينكره إلا مجنون، عندئذ والنفس تشهد نفسها وتعرف أن كونا عريضا سامقا شامخا رصينا قائم أمامها، فينطرح عليها سؤال من أين أنا؟ ومن أين الكون؟ وهنا فروض للعقل:
أولا: القضية في إلهام الفطرة.
ثانيا: دليل العقل.
فطرة الإنسان الهمت معرفةً بالله سبحانه وتعالى -سيأتي عنها شواهد- وفي منطق العقل النفس والكون إما بلا خالق -فرض-، وإما أن النفس خلقت نفسها والكون قد خلق نفسه -فرض ثاني-. كيف خلقا نفسهما -النفس والكون-؟ نفرض أنهما خلقا نفسيهما وهو معدومان -في حالة عدم- وعدمهما أوجدهما، فهل تقبل؟! لا بعاطفتك بل بعقلك، والكون والنفس من ممكن الوجود.[2]
فالحقيقة الغنية بالوجود في ذاتها هي واجبة الوجود، والحقيقة التي ذاتها ليس فيها ترجيح وجود على عدم ولا عدم على وجود هي حقيقة ممكنة.
لدينا موجودات ولدينا وجود، فأنت موجود وأنا موجود، والطاولة موجودة، والبناء موجودة فهل هي وجود؟ لا، هي شيء كما يطلق عليها ماهية تتصف بالوجود، فلا يستطيع أحد بأن يقول أن هذا البناء هو الوجود، أو هي حقيقة الوجود، وإلا فلا تفنى، وإذا فنيت فني الوجود، والأمر كذلك بالنسبة للطاولة. فهذه أشياء ذات وجود، وأشياء متصفة بالوجود، ولكنها ليست حقيقة الوجود، وموجودات ليس ورائها حقيقة وجود لا توجد.
- الله والأسماء الحسنى:
الكون يحتاج إلى مُوجد ولا يمكن فرض أنه أوجد نفسه وهو معدوم ولم يُوجِد نفسه وهو موجود. فكأس الماء موجود فهل يوجد وهو موجود مرة ثانية؟ أم يوجد شيئا آخر ليس هو؟ فالذي سيوجد شيء لابد من أن يوجد شيئا غيره، فهل الكأس سيتكرر وجوده في نفس الوقت؟ فهل يجتمع وجوده مع وجوده مع وجوده؟ فوجود الشيء لا يتكرر ولا يتثنى، نعم إذا انتهى يمكن أن توجده مرة ثانية، وأما وهو موجود فلا يجوز ولا حتى أقدر قادر لا يوجد الشيء الموجود، فرضا عن أن يوجد ذاته.
فهنا فروض ثلاثة، فرض أن النفس والوجود كل منهم أوجد نفسه وهو معدوم، أو كل منهما أوجد نفسه وهو موجود، وهذان الفرضان باطلان، والفرض الثالث أن العدم المطلق هو الذي أوجدهما، والعدم معناه لا شيء، فالا شيء كيف يأتي بشيء؟! أم أوجدهما موجد يختلف في حقيقته عن هذا الموجودات كلها وحقيقته غنية بالوجود في ذاتها، وليست شيئا يتصف بالوجود وإنما هو عين الوجود. ففرض أي ذات توصف بالوجود فلابد من البحث لها عن موجد، ومن أي جاءت هذه الذات المعدومة؟ حقيقة الوجود وما هو محض الوجود فهو غني بالوجود، وحين نقول الوجود موجود فهذا الوصف منتزع من حقيقته وليس من الخارج.
فإن فرضنا أن هذا الكون له موجد، فما هي صفات هذا الموجود حتى يوجد الكون؟ لابد أن يكون قادرا حيا عالما وهذه صفات الذات الرئيسة، وتأتي صفات نابعة منها.
فإذا فرضت للكون خالقا فلابد أن تفرض أن له الأسماء الحسنى وخير الأسماء لله، وخير الأسماء بمعنى لا ظلم ولا جهل ولا عجز، فخير الأسماء هو عدل ليس فيه نقص، وخير الأسماء هو حياة ليس فيها نقص، وهو علم ليس فيه نقص، وهذه الأسماء الحسنى هي جمالات غير محدودة، وأسماء الجلال هي تنزهات غير محدودة كذلك، فليس تنزها عن الظلم إلى حد ما، وإنما تزه مطلق.
فحين تفرض أن للكون خالق فلابد أن تفرض له أن الأسماء الحسنى، وإلا الوجود إما أن يوجد وإما أن لا يوجد، فلا يوجد كاملا مرة وناقصا مرة أخرى، والوجود الكامل حقيقة واحدة لا تتثنى ولا تتعدد.
القرآن في حديثه عن أساس العقيدة على عقيدة أساس الإسلام، ومحور هذه العقيدة الأول هو التوحيد في الأسماء الحسنى، توحيد الخالقية وغيرها من الصفات.
- ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ”[3] فليس غيره من غني حميد فهو الغني الحميد، فكل من عداه وما عداه محتاجا فلابد أن يكون مترشحا من وجوده تبارك وتعالى، وكل عطاء من عطاءه.
- ” خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ”[4] فسبحانه يقول أنه هو خالق السموات الأرض، والقرآن يقول لنا الله خالق السموات والأرض.
- ” وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”[5]، يقول لهم القرآن أن هذا ما تجيب به الفطرة، وهذا ما تجيب به النفس البشرية إذا لم يكن عليها ضباب ولم تأخذ بالعناد، فبصورة تلقائية عندما تسأل من خلق السموات والأرض؟ تجيب أن الخالق هو الله.
- ” وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء”[6] الخلق كله راجع إليه.
- ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌاللَّهُ الصَّمَدُ”[7] هنا توحيد للخالقية وأن لا خالق إلا الله، وتوحيد للذات والصفات.
نحن ذات وصفات ومن صفاتنا قصير وطويل وعالم وجاهل وغيرها، والسموات ذات وصفات، وكل ما في الكون ذات وصفات، والصفة فينا غير الذات، والذات غير الصفة، يتبدل الطول ولكن ذاتي تبقى، ويتغير الطول إلى قصر ولكن تبقى الذات، وأتحول من جهل إلى علم ومن علم إلى جهل وذاتي هي موجودة وأما الصفة فذهبت. فالمتعدد ذات وصفة.
العقل والقرآن يقولان بأن صفاته عين ذاته، وصفاته عين ذاته، فلا تعدد ولا فرز بين الصفات والذات، والفرز أحيانا يكون على مستوى الواقع الخارجي، وأحيانا يكون على مستوى الذهني. نوع الإنسان في الخارج نوع واحد في أفراده التي يطلق عليها، ولكن في الذهن والتحليل الذهني أو في الواقع الذهني الإنسان هو نوع وفصل -كما يسمى في علم المنطق- وجنس فوقه هو الحيوان، هناك حيوانيه وناطقيه وهذا لا نراه في الخارج إنما نرى وجود واحد متمازج متوحد في الخارج، ولكن في الذهن الناطقية غير الحيوانية، يميز العقل بين كوني مفكرا وبين كوني من جنس الحيوان. فأي تعدد في ذات الخالق ليس موجودا لا على مستوى الذهن ولا على مستوى الخارج.
الله عالم بمعنى أن ذات الله عز وجل هي ذات العلم وذات القدرة وذات الحياة، وحياته ليست شيئا غير علمه، وعلمه عز وجل ليست شيئا غير حياته، وقدرته ليست شيئا غير الأثنين، وشيئا من الأثنان غيرها.
” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ “[8] لفظ “الله” عز وجل هو أسم، الذات المتعالية والمستجمعة لأسماء الكمال والجمال، واللفظ الموضوعي لهذه الذات هي الله، فلا يجوز أن تعبد اللفظ وإنما تعبد المسمى وهو ذات الله تبارك وتعالى. ويسمى أسم علم، فنقول فلان كريم وهذا أسم صفة، وفلان شجاع وهذا أسم صفة، وأسم أي شيء هو أسم صفة، ولكن أحمد هو أسم لكامل ذاتك وصفاتك، وقولي أحمد أعنيه بذاته وبكل صفة من صفاته وهذا أسم علم.
هناك أسم القادر الحي والقيوم والرحمن والرحيم وهذه أسماء صفات، وأما لفظ “الله” هو موضوع لكامل للذات المستجمعة لكل صفات الكمال والجلال.
بعض التفاسير تطلق على الأسم الأعظم لفظ “الله” وهذا الأسم الواقع، والأسم الأعظم هو الذات وليس لفظا. ولفظ “الله” مأخوذ من ألِهَ على وزن تعِبَ، وإلهَ بمعنى تحير أو بمعنى عبد، وأسم الله بمعنى المعبود الحق أو من تتحير فيه العقول ولا تصل إلى حقيقته لا عقل نبي ولا ملك.
” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ “[9]، ” قُلْ ” بمعنى بيّن وأعلن وأصدع بهذه الحقيقة، قل لنفسك وقل لكل من يصله صوتك “هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ “.
” هُوَ اللَّهُ ” “هو” للغائب والله غائب أغيب غائب وحاضر أحضر حاضر، حاضر في النفس لدى نفسها، وهو حاضر في كل شيء من خلقه، هو حضور قدرة، حاضر فيها شاهدة على حضورة من حيث القدرة، ومن حيث الحياة، فتقول لا يوجدني ولا يبتدعني ميت ولا عاجز، ولا يوجود أصل الخلق والإبداع من لا شيء، فكل شيء كبُرَ أو صغُرَ في الكون يعلن أنه عاجز عن إيجاد نفسه وأن موجدي قادر، وأني لا علم لي وأن موجدي لابد أن يكون عالم، وأني ميت في حد ذاتي فلابد أن تكون حياتي من حي.فالله عز وجل حاضر بهذا المعنى في كل شيء، وهو الذي يقوم به ويستمر به كل شيء وهو غائب، غائب بحقيقته وبكينونته سبحانه وتعالى والتي لا يدركها مدرك على الاطلاق، فلا جبريل ولا أقرب من جبرئيل ولا حملة العرش، فذاته لا تُدركَ ولا يمكن إنكارها، فليس من قدرة عقل أن يدرك ذاته ولا أن ينكرها فذلك هو الله وحده. وفي حديث عن الإمام الباقر عليه السلام يقول: “الهاء في هو للثبوت، و”الواو” للغيبة لعدم إدراك الخلائق له”.
” هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ “[10] ويختلفون أن أحد إنها تختلف عن واحد أو أنهما بمعنى واحد، قد يختلف ولكن سواء كان هذا أو ذاك فهم يجمعون من حيث قضاء وحكم العقل، ووصف الله عز وجل لنفسه بأنه واحد لا يقبل الثاني ووجوده لا يقبل الثاني، فحقيقة الوجود الكامل لا يمكن أن تتعدد.
” أَحَدٌ ” لا انقسام له ذاته وصفاته، فلا يخضع لانقسام في الخارج ولا في عالم الذهن، فالله عز وجل من ناحية ذهنية ليس جنسا وليس نوعا وليس فصلا، فليس له هذه التعابير لأنه ليس مركب، وليس هو ماهية وموجود. فالإنسان والحيوان ماهية وموجود.
فتستطيع أن تصور حيوان وهو غير موجود وهذا يعني أنه ماهية ووجود، ونستطيع أن نتصور الإنسان وهو غير موجود ويمكن أنه لا يوجد أصلا، ولكن الملك يدرك وجود الإنسان، وإذا وجد إنسان واحد يدرك أن الإنسان غير وجوده وأن الإنسان ماهية غيره وجودا، ولذلك هذا الإنسان الوحيد في الكون يستطيع أن يفترض عدم وجود إنسان آخر، فهو يتصور الإنسان ويعرف ماهيته وأنها جنس وفصل وحيوانية وناطقية، ولكنه يستطيع أن يفرضها أنها غير موجود في الخارج.
الله عز وجل لا تعدد في حقه سبحانه وتعالى ولا تصور للعقل له على مستوى عالم الذهن ، فهو وجود خالص ومحض الوجود وحق الوجود وحقيقة الوجود، وهذا كله في ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ “[11]. ” أَحَدٌ ” ليس فيها ال تعريف فليست الأحد؛ لأن ” أَحَدٌ ” تعنى عدم التعدد نهائيا، فإذا كان ” أَحَدٌ ” فيعني أن ليس هناك غيره.
” اللَّهُ الصَّمَدُ ” صمد بمعنى قصد، صمدت إليه يمعنى قصدت إليه، وهنا يقال القصد مع الاعتماد على المقصود إليه. “اللَّهُ الصَّمَدُ” وهنا دخلت ال التعريف على الصمد ولم تدخل على أحد؛ لأن كلمة أحد تغني عن ال التعريف من ناحية موضوعة لما لا تعدد فيه وله، فلا تعدد في الصفات والذات ولا على مستوى الذهن ولا تعدد أن يفرض معه إله ومعبود آخر.
” الصَّمَدُ ” فكما يقصد الله عز وجليكون قصد لغيره، ولكن من يقصد من كل مخلوق وموجود وهو المقصود الحق والذي ينتهي إليه كل قصد، وأنت حين تقصد أي مقصود فقصدك من كل الخير الذي تقصده وما تقصده من شفاء ودواء ومن عطاء وغير ذلك فالمقصود الحق ليس هو الذي قصدته؛ لأنه لا يملك من نفسه نفعا وضرا ولا نعمة مما في يده يملكها ويستقل بها، فالمقصود في كل الحوائج هو واحد، وهذا الواحد هو هو لا غيره وهو الصمد، وهو المقصود الحقيقي وجاءت ال التعريف لتفيد أن المقصود الوحيد بالحق إنما هو مالك الأمر كله.
- ” إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ”[12] أمر تدبير الكون والتصرف فيه لخالق الكون، فهو مرجع الخلق ولا جديد ولا صنع لأحد إلا بقدرته فهو الخالق لكل شيء وإدارة تدبير كل شيء له سبحانه وتعالى ” أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ “، والإنسان في أفراده يطالب بعض أفراده بأن يعبده. ” أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ”[13] فالرب بمعنى المدبر.
وماذا يترتب على هذا؟ ” أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ” كل شيء مملوك له، ولا تدبير لشيء إلا من تدبيره، ويترتب على هذا توحيد العبادة. ذاك وحدانية الخالقية والذات والصفات، وهنا وحدانية الفعالية والتدبير، ومن بعد توحيد الخالقية وتوحيد الفعالية والتدبير يأتي توحيد العبادة نتيجة حتمية لتوحيد الخالقية وتوحيد الربوبية والتدبير، وهنا المنطق والتسلسل، شكل التسلسل طبيعي ومنطقي جدا وليس فيه ثغرة ولا طفرة ولا قفزة على فكر ولا على فطرة.
- ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “[14] ليس مسموح لعبادة غير الله عزو جل، وهذا خلاف للمنطق ونسيان للأساس.
- ” وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ “[15] ليس هناك معبود بالحق بل هناك أوثان، وهناك أسماء إلهة من غير أسماء حقيقة، وهناك أوهام، ولكنّ معبودا بالحق لا إله إلا هو.
- ” وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ “[16] سخف وجنون وسفاهة، ” وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ” فلا يوجد أحد ينفع أو يضر غير الله، فلا جبرئيل يضره ولا ينفع، فضرره ونفعه من الله، فلا يوجد أحد، فلابد أن تتوحد العبادة.
“وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون “[17] ذاته منزهة عن أن تجانس كل الشركاء ، ولا تطالها ذات، ولا تقارنها ذات، ” وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون ” فأن يكون له شريك تعالى عن ذلك، فذاته لا تقبل في جمالها وجلالها وكمالها وتوحدها الذاتي والصفاتي لا تقبل التعدد، والإله هو تلك الذات فقط، والمعبود الحق هو مالك الملك.
- ” وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ “[18]. فهنا توحيد الفاعلية وهو أن نعتقد يقينا بأنه لا فاعل إلا لله، وكل ما نراه من فواعل وأسباب إنما هي بأذنه وعطاءه، والفاعل الحق هو الله سبحانه وتعالى، والفواعل والأسباب الظاهرية -مع الآسف- بدل أن ندرك منها فاعلية الله تكون ستارا لعقولنا وحجابا لعقولنا عن رؤية فاعلية الله سبحانه وتعالى.
فالبعض يرى أن فلان هو الذي رقاه في الوظيفة ويقف عند هذا، وفلان هو الذي أغناه وهو الذي أتاح له الفرصة، وينسى أن لا شيء إلا بأذن الله سبحانه وتعالى.
- ” أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَأَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ”[19]، يترائا لك أنك الزارع وأنت المنبت، لا فالزارع هو الله، فمن فكرة الزراعة إلى إنتاج الزراعة وخبرة الزراعة والتربة وإعطاء الحياة للنبات ويدك التي تحرث بها كله من عند الله.
“أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ[20]”أجيبي يا نفس بصدق، “لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ”[21]، تفسر تفكهون بمعنى تتحيرون مندهشين. فإن كنت انا الزارع فكيف يتحطم الزرع رغما على أنفي؟! وكيف لا ينبت زرعي رغما على أنفي وعلى مشتهاي؟! فلست أنا الزارع.
” فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَبَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَأَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَأَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ “[22] أجيبي يا نفس بصدق وعدل وحق.
“أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ” [23] تطلق على الزناد فتخرج النار وتشتعل النار “أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ”[24]
- “وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ”[25] فلستم أنتم من تحيون، وليس صدفة تحيي وتميت، ولا قوة أخرى تحيي وتميت، فالفاعل واحد سبحانه وتعالى.
والحمد لله رب العالمين
[1]هذا الحديث لا يستهدف الخوض في تفاصيل الإسلام لا من ناحية عقيدية ولا من ناحية بنائه الفوقي.
[2]لدينا ممكن الوجود وواجب الوجود، وممكن الوجود معناه أنه لا يترجح في ذاته عدم ولا وجود، فلا يملك لنفسه أن يعدم أو يوجود نفسه. وأما واجب الوجود الذي لا يمكن للعقل إلا أن يفرضه موجودا.
[3] سورة فاطر، الآية 15.
[4] سورة العنكبوت، الآية 44.
[5] سورة لقمان، الآية 25.
[6] سورة النور، الآية 45.
[7] سورة التوحيد، الآيتين 1، 2.
[8]سورة الإخلاص، الآية 1.
[9]سورة الإخلاص، الآية 1.
[10]سورة الإخلاص، الآية1.
[11] سورة الإخلاص، الآيتين 1، 2.
[12] سورة الأعراف، الآية 54.
[13] سورة الأعراف، الآية 54.
[14] سورة البقرة، الآية 21.
[15] سورة الأنبياء، الآية 25.
[16] سورة يونس، الآية 18.
[17] سورة يونس، الآية 18.
[18] سورة التوبة، الآية 31.
[19] سورة الواقعة، الآيتين 63، 64.
[20] سورة الواقعة، الآية 64.
[21] سورة الواقعة، الآية 65.
[22] سورة الواقعة من الآية 65 إلى 69.
[23] سورة الواقعة الآية 71.
[24] سورة الواقعة، الآية 72.
[25] سورة الحجر، الآية 25.