كلمة آية الله قاسم بمناسبة مولد الرسول الأعظم وأبنه الإمام الصادق 1435هـ
كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في إحتفال المجلس الإسلامي العلمائي بمناسبة مولد الرسول الأعظم وأبنه الإمام الصادق “محمد نبع التضامن والتلاحم” في مأتم سار للعام 1435هـ
للمشاهدة :
https://www.youtube.com/watch?v=Oqk7jpAb_q0
نص الكلمة :
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
هناك مبداء واحد للخير والرحمة والعطاء ولا منبع دونه وهو الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، فما من عطاء ولا من رحمة إلا من فيضه، ومرد الخير والأمر كله إلى الله، والإسلام رسالة الرحمة من رب الرحمة على يد رسول الرحمة لصناعة مجتمع الرحمة. الرسالة تتمثل في القرآن الكريم وعنه يقول سبحانه: ” أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ “[1] هذه هي الرسالة رسالة الرحمة. الكتاب الحاكم والمهيمن والذي يمثل المنهج هو للإسلام هوالقرآن الكريم ووصف من الله سبحانه وتعالى بأنه رحمة.
أما الله عز وجل نقرأء عنه عز وجل في كل صلواتنا “الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ”[2] ووصف الله عز وجل بالرحمة وصف متكرر كثير في القرآن، ووصف الرحمة للرسول الرحمة “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”[3]، هل للأمة العربية؟ أم أضيق منها لأهل مكة؟ أم للعالم في زمن معين؟ للعالمين كل العالمين وعلى امتداد الزمن ولكل ما يتسع له المكان.
” مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ “[4] جاء صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين، ورحمته تعم العالمين ولكل من العالمين لها منها نصيب، ثم أن هناك رحمة مكثفة، ورحمة منقذة من كل سوء ومبلغة لكل من نالته كل فوز وكرامة ونجاح، وهذا المستوى من الرحمة خاص بالذين آمنوا بالله ورسوله واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلا فإن آثار رحمة واصلة إلى كل الأرض.
“لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”[5] هذه هي قيادة أهل الإيمان، قيادة يفيض قلبها بالرحمة والرأفه، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمثل درجة محدودة بقدره العظيم لتجلٍ إلهي والله هو مصدر الرأفة والرحمة، وما قام من شيء في الكون إلا برحمته ورأفته وفضله، فلا يكون رسول الله صلى الله عليه وآله إلا مصدرا بشريا لرأفة والرحمة، ومن أولى برأفة رسول الله صلى الله عليه وآله برحمة بمن أخذ بالمنهج الذي دعى إليه سبحانه وتعالى وأتبع رسول الله صلى الله عليه وآله.
مجتمع الرحمة، “قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”[6] مجتمع مصنوع الصناعة الإلهية التي يغنى بها رحمة، تضلله به الرحمة، يفترش من خلاله الرحمة، وتكتنفه الرحمة، وتفيض منه الرحمة لتنال العالم. ورحمت الله عامة وسعت كل شيء ” فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ “[7] على مستوى الفعل والتنجز والتشخّص الخارجي، فمن يكتسب الرحمة الأوفى والأغزر والرحمة كما أرادها الله سبحانه بعبادة؟ ” لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ” [8]إيمان وعمل.
” مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ “[9] أمة تراحم وتواصل وتلاحم وتضامن، ولما هم أشداء على الكفار؟ أولاً أنهم أشداء على الكفار من حيث كفر الكفار وليس من حيثية أخرى، كأن يكون أبن قوم آخر أو من أصل آخر أو لون أخر أو موقع جغرافي آخر، فهم أشداء على الكفار من حيث أنهم كفار، وثانيا لأن الكفر ينقض الرحمة ثانيا، فحتى تكون الأرض أرضا للرحمة وحتى يكون المجتمع الانساني مجتمع رحمة.
كم طريق للرحمة؟ أليس مصدر الرحمة مصدرا واحدا، فلا طريق للرحمة إلا عن طريق التوجه لى الله والأخذ منه والسماع والامتثال إليه، فالمنهج الذي يمكن أن ينشيء الرحمة في الأرض ويركز الرحمة في الأرض ويعم بالرحمة في الأرض فيشمل كل الإنسان فليس هو إلا منهج الله عز وجل، فحيث يحتفظ بأصالته وبنقاوته وسماويته وصدقه وإلا كان الأمر غي ذلك.
ومنهج الله منهج حياة دقيق محكم يركز الهدى، ويطارد الضلال ويقضي عليه، وينشر العدل ويحارب الظلم، ويجزي على الحسنة ويعاقب على السيئة، منهج يدرك كل دقيق من هذا الإنسان وكل دقيق من هذا الكون، وكل علاقة ظاهرة وكل علاقة خافية من علاقات كل الكون في اجزاءه وذراته، ويدري بموقع الانسان من كل ذلك وعلاقة الإنسان بكل ذلك.
منهج الله ليس لمصدره حاجة ولا مصلحة يبتغيها منه، وليس له علاقة خاصة مع أحد من البشر دون العلاقة مع الآخرين وكذلك بالنسبة للكون كله فهو رب العباد وسيد العباد وراحم العباد المفيض على العباد، فكيف تريد أن يكون منهجه لا يمثل الرحمة الصادقة؟
فمنهج الرحمة لابد أن يتوفر على الدقة والأمانة والعلم والاستغناء من واضعة عمن يضعه له، وأن يتمتع هذا المنهج بمقوم العدل، فالقيادة قيادة حكيمة تحتاج عملية الرحمة إلى منهج حق وقيادة حق، وأما منهج حق وقيادة باطل فلا يوجد شيء ولا يوجد حل! فالقيادة حكيمة ورشيدة ونزيهة وأعلى درجات النزاهة هي العصمة ورسول الله صلى الله عليه وآله معصوم لا ريب، وهذه القيادة قديرة، وتحتاج هذه الرحمة في الأرض لأن تكون وأن تقوم وأن تترسخ ولأن تعم تحتاج إلى رحمة عالية تجمع بين الكلمة الهادية والبرنامج التطبيقي التكليفي، فالوصايا وحدها لا تكفي ولا تبني ولا تقيم بناء قويا متماسكا معطاء، فنحتاج مع الكلمة الهادية إلى برنامج تطبيقي تكليفي يدخل بك في التجربة، ويبنيك من خلال التجربة ومن خلال المكابدة والمجاهدة والمصابرة، فمن بنى شيئا في هذه الحياة إلا من خلال هذا الطريق، فالأماني والكلمات لا تفعل، ولابد من جهد وجهاد.
فالبرنامج التطبيقي يحتاج إلى ركيزتين الكلمة الهادية والبرناج التطبيقي التكليفي الذي يفعّل الاستعدادات الايجابية الكريمة للذات الإنسانية؛ وهذا التخصيص لأن في الذات الإنسانية استعدادت شيطانية، وفي بذرو للروح العدوانية والظلم والسفه وهذا البرنامج التكليفي يحفز ويثير وينشط ويفعل الاستعدادت الايجابية الكريمة لذات الإنسانية وهذا كله مما يتوفر عليه الإسلام وقيادته، وخاصة المتمثلة في أعلى دراجاتها من أهل بيت العصمة صلوات اله وسلامه عليهم أجمعين والمعصوم الأول هو الرسول الأعظم صل الله عليه وآله.
وليست الرحمة أن يُترك على كفره، والمفسد على إفساده، وأن يُترك للفاسق أن يستمرَ في فسقه ويعلن فسقه وينشر فسقه، ولا أن يُترك كل ضال إلى ضلاله، ولكل سفيه إلى سفهه، وإلى كل مخطئ إلى خطئه، فهذا عين القسوة والفساد، وليس في الفساد رحمة، ولو ترك الناس كذلك لفسدت الحياة، وكان هذا من أشد القسوة والنقض لموضوع الرحمة وتنبيها ولا تؤسس لها[10].
الاسلام يصنع مجتمع الرحمة عن طريق التربية العالية ومجاهدة النفس والتكليف وعن طريق العقوبة على الجريمة، “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ”[11] فإذا كانت الرحمة سبيلا من سبل الله ونعمة من نعم الله، فإن هذا السبيل وكل سبيل آخر من سبله يحتاج إلى جهد جهاد ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا “[12].
والاسلام يطالب المجتمع الذي يريد أن يصنعه -مجتمع الرحمة- بالاستجابه إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله لما يحيهم ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ “[13] ومن الدعوة لله عز وجل لعباده لما يحييهم هي دعوة الجهاد، ومما يحيهم دعوة الصلاة صلاة الفجر ودعوة الخمس وهي دعوة تكاليف، وهذه دعوة الاستجابة لها فيها تعب ونصب وحرمان للذات مفتوحة، وحرمان للفرص المتاحة، وقيام بأعباء ومسؤوليات يمكن الهروب منها، فالصناعة تكون عن طريق مجاهدة وعطاء.
هذا المجتمع يخرجه التكليف العليم الرحيم والأخذ به، وهناك تكليف لا يصنع مجتمع الرحمة وإنما يصنع مجتمع القسوة والفساد الخراب، ونوع التكليف الذي يصنع صنع الرحمة هم نوع خاص وهو تكليف عليم رحيم محيط بواقع وحاجات وغاية الإنسان وعلاقات الإنسان، وهذا المنهج من يستطيع أن يعطيه ليس أحدا إلا الله سبحانه وتعالى.
“الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ”[14] هذا هو المنهج “وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ”[15] فهو عارف لكل الطيبات وكل الخبائث، ومن يعرف كل الطيبات على مستوى الفكر وعلى مستوى الشعور وعلى مستوى الحالات البدينة هو خالق هذا الإنسان والكون، “وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ” أين الموانع من الارتفاع؟ وأين المثبطات، وأي شعور وأي انشداد وأي علاقة وأي ممارسة أي فكرة تعيق حركة الإنسان الصاعدة، من يعلم كل ذلك؟[16] ” وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “[17] متابعة المجاهدة والصبر وقد كانوا يأخذون صبرهم من صبره صلى الله عليه وآله، ويأخذون جدهم من جده وثبتهم من ثباته، وكان أشدهم صلى الله عليه وآله على نفسه وكان أثبتهم في كل المواقع الصعبة المضنية، فكان يعطيهم هذا الدرس أنه وهو الرسول صلى الله عليه وآله وبمستوى مواهبه العالية ومع عناية الله به أبى الله إلا أن يصعد بجهد، فهناك صعوبة وبفضل الله عز وجل، ولكن كان على الرسول صلى الله عليه وآله أن يتحرك في اتجاه القمة التي يبتغيها والتي تمثل درجة من درجات القرب الإلهي.
يريد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكون تجليا بدرجة معينة محدودة مما يطيقه من أخلاق الله ورحمته، ويأخذ علما من علم الله، وروح كرم من كرم الله، وروح استغناء من استغناء الله، يريد مستوى من هذا النوع وكان يطلب ليس من خلال الدعاء وحده وإنما بالدعاء المصحوب بالعمل.
“إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”[18]، تريدوا مجتمع رحمة ورقي، ومجتمع تضامن ومجتمع سباقا وغلابا لا مغلوبا فلابد أن تأخذ بقوله سبحانه: “فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”[19].
الرحمة قاعدة التلاحم والتضامن، فتلاحم وتضامن من غير روح رحمة لا يوجد، فلتخلق رحمة على أرضية الإيمان العمل الصالح وخشية الله عز وجل، تأتيك نتائج الرحمة ومن ذلك التضامن والتلاحم والتعاون في سبيل الخير.
الرحمة قاعدة التلاحم والتضامن، والبناء الصالح للمجتمع الإنسان والذي هو رحمة يخلق حالة التلاحم التضحية في سبيل الآخر والتضامن معه، أنه تلاحم وتضامن من أجل الخير والصلاح وسعادة المجتمع. هناك نوعان من التعاون والتضامن تعاون على الخير وتعاون وعلى الشر، بر واحسان، وفجور وفسوق وقطيعة وتقطيع ارحام وبعثرة مجتمعان.
فالمطلوب هو تضامن وتعاون في وجه كل منكر وفي كل ظلم وفساد ضلال وبغي وفي كل وجه كل فتنة مضلة تطل برأسها على الأمة، وكل محاولة تمزيق لكيان الأمة المرحومة وإضعاف الحق، وهو تلاحم وتضامن مع كل المقهورين المظلومين، والمحرومين والمشردين والخائفين والمرعوبين من بطش الظلم في الأرض، وكل الجوعى ومن لا يجدون مأوى ولا يقف معهم نصير، ومع كل دعوة حق وهدى وصلاح، وتلاحم وتضامن ضد كل دعوة باطل وضلال وسوء.
تلاحم وتضامن يجعلك تعطي على حسابك راحتك وأمنك وصحتك وتعطي من مالك وجاهك ووقتك وجهدك وفكرك ثم لا تتظر جزاء من الآخر. فالمعاملة التجارية تختلف عن هذا. ولكن كيف يكون ذلك؟ فكيف أعطي من غير أن أطالب بأجر؟ وكيف أضحي من أجل حياة الآخر؟ وأموت من أجل أن تحيى أنت؟ من أين يكون هذا؟ أعطي من ديناري مائتي فلسي ليقل مالي؟ فهل أزكي وهل أخمس؟ فأين الأنا وأين المصلحة الذاتية؟ وأين التفكير في راحة النفس وسلامة البدن قبل التفكير في الغير وراحته وسلامته؟
وهنا لا حل لما يبدو من تهافت بين التضحية والعطاء للغير وتقديم مصلحة الذات، فذاتي تطالبني بتقديم مصلحة الذات، والرحمة والتضامن والتلاحم يقول لي أعطي الفقير وقف مع المظلوم وأن تعبت، وجاهد لتصحيح الوضع الاجتماعي، فكيف أجمع؟ فكيف يمكن رفع هذا التهافت بينما أنا مطالب به وبينما عليه تكويني؟ فيأتي التعويض من الله سبحانه وجزاء اليوم الآخر، وهذا يرفع المشكل وأنا لا أخسر.
فلما أعطي الفقير الدينار فأنا أكسب أكثر منه، فدينار يذهب ويتحول إلى ما كنتم تتنافسون عليه بالأمس -في المزبلة أخيرا- سواء دخل في شراء أريكة أو بناء أو وجبة لذيذة، فهذا الدينار عند الله يتحول إلى جنة خلد، ويتحول في الدنيا إلى راحة نفس وشعور بالكرامة، وشعور بسمو الذات وشعور بصحة السلوك، ويتحول إلى جنة خلد ورحمة واسعة من الله عز وجل وإلى مظلة أمان وسبيل نجح، فما يساوي ما أعطيت بإزاء ما أتوقعه -أن كنت مؤمنا بالله سبحانه وتعالى- لا شيء. وأنا أشعر أن هذا ليس لي وليس من عندي، بل هو من عد الله سبحانه وتعالى، فالتعويض من الله والجزاء في اليوم الآخر هو الحل لهذا التهافت داخل النفس.
أنت حسب هذا الحل لا تعطي إلا وتأخذ أكثر مما أعطيت وأخلد وأبقى، ولا تبذل إلا وتعوض فوق ما بذلت، تقدم شيئا من الدنيا لتستعيض عنه آخرةً أغنى وأبقى، وتتعب بدنا لتستريح نفسا وتتطيب قلبا وتكسب سمو روح وتضمن أعظم مستقبل.
آه للأمتنا …..
أمة صار بها البعد علما وعملا عن الإسلام إلى ما نشهده من واقع ومصير، أرفع أمة في جنابات كثيرة اليوم صارت أهبط أمة، من أمة التلاحم إلى أمة التناحر، ومن أمة التلائم إلى الإقتتال، ومة التناحر، وأمة الالتنامن الثقة إلى الشك الضارب في أعماق النفس، فالمسألة مسألة إنقلاب عن الإسلام وهذا الانقلاب علاجه انقلاب على الانقلاب وثورة جديد على ضلال النفس وهوى النفس وعلى بعد المسافة عن الله ومنهجه الكريم.
ثلاثة أطر من الوحدة قائمة في نفسها تعطي الوحدة في الخارج وتبقيها وتعليها، وثلاثة روابط تشد الناس بعضهم إلى بعض، وتقيم مجتمع الرحمة والتلاحم والتضامن. فالوحدة الإنسانية لها درجة من الفعالية والأثر والتقدير، الوحدة الوطنية وينبغي أن يكون لها فاعليتها، وحق الجوار ووحدة الدين، والروابط الثلاثة كلها منسوفة، وكل هذه الروابط نسفتها الأطماع السياسية الدنيوية وجهل الجهلة وكارثة التكفير وما لها من كارثة على وجود هذه الأمة وعزتها وأمنها ونهضتها.
فإذا فكرنا في كارثة التكفير فهي أشد من كارثة الفقر والتخلف العلمي، فهي تشغلنا في حروب مع بعضنا البعض باستمرار فلابد أن أقتلك وتقلتني، وأكفرك ولا أعطيك لك حتى كإنسان حرمة، ولا أعطي لك حق مواطنة وأنت تفعل ذلك فلا أنا ولا أنت، والمصير أسود إذا تركت موجات التكفير أن تعم الأمة وتتجذر فيها، وعلى الأمة أن تأخذ حذرها قبل فوات الآوان.
والحمد لله رب العالمين
[1] سورة الأنعام، الآية 157.
[2] سورة الفاتحة، الآيتين 2,3.
[3] سورة الأنبياء، الآية 107.
[4] سورة التوبة، الآية 61.
[5] سورة التوبة، الآية 128.
[6] سورة الأعراف، الآية 156.
[7] سورة الأعراف، الآية 156.
[8] سورة الفتح، الآية 29.
[9] سورة الفتح، الآية 29.
[10] هنا يكون نقضا للرحمة حينما تترك الأمور تتسيب كل التسيب، ولكل ضال أن يضل، ولكل قائل أن يقول ما يريد، ولكل مفسد أن يفسد.
[11] سورة العنكبوت، الآية 69.
[12] سورة العنكبوت، الآية 69.
[13] سورة الأنفال، الآية 29.
[14] سورة الأعراف، الآية 157.
[15] سورة الأعراف، الآية 157.
[16] سورة الأعراف، الآية 157.
[17] سورة الأعراف، الآية 157.
[18] سورة الأعراف، الآية 158.
[19] سورة الأعراف، الآية 158.