خطبة الجمعة (575) 26 ذي الحجة 1434هـ – 1 نوفمبر 2013م
مواضيع الخطبة :
الخطبة الاولى : البخل
الخطبة الثانية : ويوم الحسين عليه السلام – متى ينتهي الحراك؟ – ترحيل آية الله النجاتي – صحة الأستاذ عبدالوهاب حسين – أحتّى الساقطات؟!!
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أحاط بكلّ شيء قدرة وعلمًا ولا يحيط به شيء، ولا يملك شيء قدرة، ولا علمًا إلا به، وأقدار كلِّ الأشياء بتقديره، وكلّ شيء بدايته، ونهايته بيده وهو وحده قبل كل بداية، وبعد كلّ نهاية أزليّ لا بداية له، وأبديّ ليس له منتهى، فعّال لا يُعطِّل أحد فعله، مريدٌ لا يملك أحد إرادة إلّا بإذنه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عبادَ الله كفى بمتّعظٍ واعِظًا من نفسه ومن بدايته ونهايته، وما هو عليه من فقره، وحاجته لله مالكِ الملك والغنيِّ بالغنى المطلق الذّاتيّ في كلِّ شأن من شأنه، وسببٍ من أسباب وجوده وحياته، وكلِّ قدرة من قُدُراته، وخضوعه لإرادته وقهره في كلِّ ما يرد عليه، ويُقدَّرُ له.
كفى بمتّعظٍ ذلك أن لا يفارق طاعةَ ربّه سبحانه، ولا يدخل في شيءٍ من معصيته، وأن لا يخلع عن نفسه لباس تقواه، ولا يتساهل في أمره ونهيه، وأن تكون الآخرةُ التي وَعَدَ بها الله سبحانه نُصْبَ عينيه، والمصبَّ الذي لا يغيب عن اهتمامه.
جعلنا الله من المهتدين بهداه، المتّعظين بما وَعَظَ به عبادَه، المتلبّسين صدقًا وحقًّا ما دامت لهم حياةٌ بتقواه، المقبلين بشوقٍ على طاعته، المولعين بعبادته، المخلصين في التوجُّهِ إليه، الطّالبين لرضوانه.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أما بعد أيّها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه متابعة للحديث في موضوع البخل:
يرزقُ الله العبادَ المالَ لبناء حياتهم، وليكون لهم من بذله في سبيل الخير نجاةٌ من النّار، وفوزٌ بالجنّة في أُخراهم، والبخل بالمال يُفقده كِلا وظيفتيه، ويبقى على البخيل حسابُه، ويُجزى في آخرته عقاب تجميده، فالبخل أول ما يعود بالضرر، وأعظم الشر على صاحبه. وكلُّ ما لَهُ من أَثَرٍ سيّء في الدّنيا مترتّبٍ عليه، شيءٌ لا يُذكر بإزاء ما يلقى من جزائه في الآخرة([1]).
يقول سبحانه {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ….}([2]).
وأيُّ بخل على النفس بمنزلة بُخْلٍ عن بَذْلٍ ينقذها من عذاب النّار، ويُكسبها الجنّة؟!
ونقرأ من الكتاب العزيز {… وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ([3])، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ([4]) فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}([5]).
لَبِئس ما يكتنز البخيلُ لنفسه من عذاب أليم، وذُلٍّ وخزيٍ وعارٍ ومهانة وشقاء يوم يسعد الباذلون في سبيل الله، المنفقون المال في مرضاته في دنياهم بنعيمٍ كبير في الآخرة جزاءَ ما أنفقوا وذلك بما اكتنزه من المال في دنياه ورأى في حَبسه عن وجوه الخير عِزَّه، وذخره، وغناه، وسعادته، ومفخرته.
ويذهب الوهمُ بالإنسان إلى أنَّ البخل يزيد من غناه، ويضيف إلى رزقه، ورزقُ العبد مقدَّرٌ من ربّه وقد جعل له سبحانه أسبابًا، وليس البخل منها في شيء، وقد جاء الحديث بأنه سالبٌ للنعمة، مانعٌ من الرّزق([6]).
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“إنّ لله عبادًا اختصّهم بالنعم لمنافع العباد، يُقِرّهم فيها([7])ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحوَّلها إلى غيرهم”([8]).
ولا ينافي ذلك أن يكون بخيل وهو غنيّ([9]) إذ الغنى مراتب فلو بذل هذا البخيل في سبيل الله ازداد غناه.
وجاء عن الرّسول صلَّى الله عليه وآله:“ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملِكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ مُنفِقًا خَلَفَا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا”([10]).
وحقَّ على العاقل ان يطلب تخليص نفسه من شحّها إنقاذًا لها من عار الدّنيا وعار الآخرة وعذابها، وطلبًا للفلاح. يقول الكتاب العزيز {… وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([11]).
وفي الحديث عن الإمام الصَّادق عليه السلام:“من كانت له دارٌ فاحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إيّاها قال الله عزّ وجلّ: يا ملائكتي أبخِلَ عبدي على عبدي بسكنى الدار الدّنيا؟ وعزّتي وجلالي لا يسكن جِناني أبدًا”([12]).
عبدٌ من عباد الله لا يجدُ مأوى يأوي إليه، وآخر له منزل زائد والأول قادر على دفع أجرة المنزل وباذلٌ لها أو غير قادر ولا له من حيلة إلا التشرُّد فيمنعه الواجد سكنى ذلك المنزل ينتقم الله منه كما في الحديث ذلك الانتقام الشديد.
وما يُدرى فلعلَّ ذلك الموقف الشائن من البخيل المانع أخاه من سُكنى داره مع حاجته الشديدة لها يَشِطُّ به عن دين الله الشَّطَطَ البعيد الذي يخرجه منهليستحق عظيم ذلك العقاب. والعلم عند الله، وهو العدل الحكيم.
مالُكَ أيها الإنسان فيه عتقُك فاحذر من البخل الذي يجعل منه طوقَك، وتكون به وقودًا من وقود النّار.
يقول سبحانه في كتابه العزيز {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ….}([13]).
وعن الإمام عليّ عليه السلام:“وقود النار يوم القيامة كلّ غنيّ بخل بماله على الفقراء، وكلّ عالم باع الدّين بالدنيا“([14]).
وأيُّ طوق يكون المال المكتنز بُخلًا يوم القيامة؟([15])
عن الإمام الصادق عليه السلام:“ما من عبد يمنع درهمًا في حقه([16])إلّا أنفق اثنين في غير حقِّه، وما رجل يمنع حقًّا من ماله إلا طوّقه الله عزّ وجلّ به حيّةً من نار يوم القيامة”([17]).
وإذا كان للطّباع الموروثة أثر في كرم المرء أو بخله، ولتربيته كذلك فإنه لا شيء أنفى من الخُلُق السيء، وأدعى إلى الخلق الكريم من الإيمان الحقِّ والمركّز([18]).
وعن الرَّسول صلَّى الله عليه وآله:“إنّ من أخلاق المؤمن قوّةً في دين….. ولا يغلبه الشحُّ عن معروفٍ يُريده”([21]).
وعنه صلَّى الله عليه وآله:“لا يجتمع الشُّحُّ والإيمان في قلب مؤمن أبدًا”([22]).
ويُلفتنا الحديث عن الإمام زين العابدين عليه السلام إلى شناعة مفارقة نرتكبها بشأن الإخوة المؤمنين. يقول الحديث عنه عليه السلام:“إني لأستحي من ربّي أن أرى الأخ من إخواني فأسأل الله له الجنّة وأبخل عليه بالدينار والدّرهم، فإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الجنّة لك لكنت بها أبخل وأبخل وأبخل”([23]).
ومن تمتّع بالحرية في النفس، وكان له شعور بالكرامة، وإحساس صادق بالشّرف كان له من ذلك داعٍ لعدم البخل، والوقوع في ذِلّته.
عن الإمام الرِّضا عليه السلام – في الفقه المنسوب إليه -:“إيّاكم والبخل فإنّه عاهة لا يكون في حُرٍّ ولا مؤمن، إنه خلاف الإيمان”([24]).
وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“إنَّ السيّد لا يكون بخيلا”([25]).
وتُعرِّفنا الأحاديث المعصوميّة بما يدل على الطهر من الشح، وذلك من مثل ما جاء عنه صلَّى الله عليه وآله:“ثلاث من كنّ فيه فقد برئ من الشُّح: من أدّى الزكاة طيّبة به نفسُه، وقرى الضيفَ، وأعطى في النوائب”([26]).
ولا ننسى أن هناك بخلا ممدوحًا، ونقرأ لهذا:
عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله:“شرار النّاس الزارعون والتجّار إلّا من شحّ منهم على دينه”([27]).
عن الإمام الباقر عليه السلام:“المؤمن أشدُّ في دينه من الجبال الراسية وذلك أنَّ الجبلَ قد يُنحت منه، والمؤمن لا يقدر أحدٌ على أن ينحت من دينه شيئًا([28])، وذلك لضنّه بدينه وشُحّه عليه”([29]).
عن الإمام علي عليه السلام:“املك هواك وشُحَّ بنفسك عمَّا لا يحِلُّ فإنَّ الشحَّ بالنفس حقيقة الكرم”([30]).
وعنه عليه السلام:“كن بأسرارك بخيلا، ولا تُدِع سرًّا أُودِعتَه فإنَّ الإذاعة خيانة”([31]).
وعنه عليه السلام في صفة المؤمن:“ضنين بخُلَّتِه، سهل الخليقة، لين العريكة”([32]).
والخُلّة: الصداقة والمحبة التي تخلّلت القلب. ولِين العريكة: يُسر الخلق ولينه وطيبه.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. واجعل ديننا قويمًا، وخُلُقنا كريمًا، وحياتنا هنيئة، ومنقلبنا حميدًا، وعاقبتنا سعيدة يا رحمان، يا رحيم، يا أرأف من رأف بالعباد، وأكرم الأكرمين يا الله.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}([33]).
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي كَتَبَ على نفسه الرَّحمة وهو العفوُّ الغفور، ولا يظلم أحدًا، ولا يرضى لأحد من عباده أن يَظلِمَ أو يُظلم، ولا يتجاوز عن ظلم واحد لآخر، وهو القاضي بينهم بالحقِّ، والمجازي عدلا، ولا حقَّ خارج ما قضى، ولا عدلَ بغير ما حكم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عبادَ الله نِعْمَ الدّنيا لمن أطاع الله، ونِعْمَ الآخرة لمن اهتدى لذلك. إنَّ في طاعته تبارك وتعالى وتقواه راحةَ النفس، وما يمدّها بالقدرة على الصَّبر على شدائد الحياة، وما ربح أحد آخرته إلا بتقوى الرب العظيم وطاعته، وما من مثوى لمستكبر على الله إلَّا النار، وأنّى له أن يجد ناصرًا أو ظهيرًا، وهل يملك أحدٌ لأحد نصرًا وقد أراد الله به العذاب؟!
اللهم إنّا نعوذ بك من كلّ ضلالة، ومن كلّ ما يُنْسِي ذكرك، ويوقع في معصيتك، ويُستحقّ به طردُك، ويؤدي إلى ما قضيت به من تعذيب جاحديك، والمستكبرين من عبادك.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطّاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرَّبين، وأيِّده بروح القُدُس ياربَّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.
أمَّا بعد أيها الأخوة في الله من رجال ونساء فإلى بعض كلمات:
يوم الحسين عليه السلام:
يوم الحسين عليه السلام… يوم كربلاء يوم الأمة([34]). إنّه يوم محنة كبرى فاصِلة من مِحَنِها، وفجيعة لا تُنسى، وجرأة بالغة عل الله ورسوله صلّى الله عليه وآله، وانتهاك صارخ قبيح لحرمة الدّين ارتكبته الجاهلية الجهلاء من داخل الأمّة نفس الأمّة([35]).
وإنه يوم عزّ وشموخ إيماني وتضحية وفداء وتوحيد صادق، وإنسانية رائعة، وهدى وتقوى وصمود سجّله إمام الأمَّة وصفوةٌ من رجالها ونسائها ليكون شاهدًا لا تنال منه الأيام، ولا يقبل التزوير – مهما كانت المحاولات – لحقيقة الإسلام وعظمته وعظمة الإمام الذي رضيه الله عزّ وجلّ لعباده([36])، والرجال والنساء الذين يكونون من صنع منهجه الآخذين بصدقٍ وجدٍّ بدينه([37]).
وهو يوم مدرسة لكل الأجيال ولكل الأمم ما دامت الحياة لمن أراد أن يعرف الإسلام وصدقه وإنتاج تربيته، ولهذه الأمة بالخصوص لمن أراد من أبنائها وبناتها أن يفهم الإسلامَ على حقيقته، ويستقي الوعي الكافي، والإيمان الشّديد، والإرادة الصُّلبة، والخلق العظيم، ويبني لنفسه شخصية أقوى من الأحداث ومن التحديات وشدائد الزمن وغير قابلة للانهزام، ولمن أراد من الدروس ما ترشُد وتزكو وتستقيم به الحياة، وأن يتتلمذ على مدرسة لا تُخطئ الطريق، ولا يدخلُ إلهاماتِها الضلال.
ويبقى يوم الحسين عليه السلام يوم كربلاء والثورة الهادية أمانةً في عنق الأمة في كلِّ أجيالها تُعطيها من جهدها وفكرها ومالها واهتمامها ما تستطيع أن تُعطي لتأخذ ثمنًا عن ذلك من وعيٍ وإيمانٍ ورشدٍ وهدى، ومن إرادة وصلابة وبناءٍ اجتماعيٍّ رصين، ودروسٍ إسلامية ثرّة صنّاعة تتخرّج منها الأمّةَ القويّةَ الهاديةَ المهديةَ التي لا تُستغفل، ولا تقبل الضيم، ولا تُهزم، ولا تمزّقها الضلالات، ولا تستعبدها الأُمم، وتتعلّم على يدها الأمم الأخرى([38]).
متى ينتهي الحراك؟
بدأ الحراك السياسيّ الحالي في البحرين في الرابع عشر من فبراير 2011م واستمر هذه المدة كلّها، والسؤال عن يوم انتهائه؟
وهناك سؤال يسبق الإجابة على هذا السؤال والجواب عليه، وهو لماذا نشأ الحراك، ولماذا استمر، وماذا تحقق من أهدافه؟
منطلق الحراك هو إصلاح الوضع السياسيّ، والأمنيّ، والإعلاميّ، والدينيّ، والخلقيّ، والاقتصاديّ، والإداريّ، والخدميّ، ورفع الظلم، وحالة التهميش والإقصاء والازدراء والتمييز البغيض وخطط الفتنة، والإيقاع بالوطن في مستنقع الطائفية وطوفانها المدمِّر المجنون([39]).
ما انطلق إلا لذلك، وما استمراره إلّا لأن سوء الأوضاع في زيادة لا نقصان.
وتوقُّف الحراك مرهون بارتفاع سبب وجوده، فيوم أن يتم الإصلاح لكلِّ هذه الأوضاع وفي بدايتها الوضع السياسي يفقد الحَراكُ مبرر استمراره، وعندئذ لابد من أن يتوقّف([40]).
ومواجهة الإصلاح بإرادة رافضة من قِبَل السلطة لابد أن تُديمه، والتعبير عن هذه الإرادة بإجراءءات تعسُّفية مشددة وقوانين جائرة يزيد من تعقيد الأمور، ويزيد من حماس المعارضة.
ولا شيء غير الإصلاح الفعليّ والتوصُّل إلى أُسسه وضمانات استمراره الثابتة، والتوافق عليه بين الشّعب والسُّلطة يمكن أن يوقف الحراك أو يُعطِّل مسيرته حسب الضرورة العملية، وإيمان الشعب وقناعته، وتصميمه، وصبره، ومَضاء إرادته. فحتّى ذلك اليوم، والله الموفِّق، وهو الناصر، والهادي إلى سواء السبيل.
ترحيل آية الله النجاتي:
صار ترحيل آية الله الشيخ النجاتي مطلبًا ملِحًّا عند السلطة من غير أن يظهر وجه واضح مقبول لهذا الإلحاح حتى من ناحية سياسية صِرفة([41]) إلّا إنفاذ ما عنّ للسياسة أن تفعله بغضِّ النظر عن مسألة الصواب والخطأ، والمصلحة والمفسدة.
وترحيل سماحة الشيخ غير ديني، وغير قانوني، وغير إنساني، ولا أخلاقي، وفاقد للياقة.
وهو بعيدٌ كلّ البعد عن مصلحة الوطن، وحقّ المواطنة، وحاجة الوطن إلى أمثاله في العلم والدّين والتربية الأمينة الهادفة والوحدة والترابط الاجتماعي، والكلمة الواعية.
وفي ترحيله إهانة الكرامة العامة للوطن والمواطنين، واستخفاف بالحكم الشرعي، وحرمة الحقوق في الإسلام، ويُمثّل حالة استفزاز مثيرة غير مسؤولة.
صحة الأستاذ عبدالوهاب حسين:
صحة الأستاذ عزيزة على الجميع لأنه كذلك، ومكانه في قلوب المؤمنين وجمهور عريض من المواطنين ليس مَحلًّا لشكٍّ من شاكّ، وتردُّد من متردّد. وتدهور صحته بأي درجة كان لابد أن يثير الأسئلة الكثيرة حول هذا التدهور عند الجميع، وكلّنا نطالب بالعناية الصحية الكافية لصحته وصحّة جميع السجناء الذين هم في قبضة السلطة وعُهدتها.
شفى الله الحنّان المنّان الرّحيم القدير الأخ العزيز الأستاذ عبدالوهاب وجميع المرضى من إخواننا السُّجناء الأحرار وكلّ مريض من المؤمنين والمؤمنات وهو السميع المجيب.
أحتّى الساقطات؟!!
المؤمن لا تغلبه نفسُه، وإذا غلبته في الصّغيرة لا تغلبه في الكبيرة وإنْ كان في كلِّ معصية إثمٌ كبير([42])، وجرأة فاحشة من العبد المملوك على سيِّده المالك، وإذا غلبته نفسُه مرّة غَلَبَها مرات.
أما الانغماس في المعصية والأُنس بارتكاب الفاحشة فهو أمر واضح المفارقة الواسعة للإيمان، وكاذبٌ من ادّعى أنه مؤمن وهو يقيم على المعصية، ويُديم ممارسة الفاحشة.
والمؤمن الحقّ له من إيمانه وتقواه من الله سبحانه ما يربأُ به عن الذوبان أمام شهوة الحلال فضلًا عن الحرام، ومن أن يستعبده أمرُ مال أو جنس أو أي شيء من الدنيا وإن حلّ.
وما من أحد ملَّك نفسَه لحلال وفَقَدَ إرادته أمامه إلا وخِيف عليه أن يلين للحرام، وأن يقعَ أسير شهوة المحذور.
ولا يليق بشابٍّ مؤمن أن يُفرّغ الكثير من حياته للجنس الحلال باحثًا عن مِتعة الجسد ومتّخذًا منها هدفًا يسعى إليه في ليله ونهاره([43]).
والإسرافُ في هذا الجانب يُسقط العزائم الكبيرة، ويهبط بمستوى الهِمَم، ويصرف عن كثير من شؤون الدين، ويُنسي المسؤولية، ويُشغِل عن الآخرة، ويُودي بحالة البدن، ويضرُّ بالصحة.
أما أن تصيرَ بالشّاب شهوتُه إلى طلب الحرام، أو تقودَه وهو من المنتمين إلى المساجد والحسينيات وأعمال الخير إلى طلب قضاءِ الشّهوة وإن كان متحصِّنًا بالزواج إلى السَّاقطات الممتهِنات للرذيلة من الأجنبيات([44]) أو غيرهن فذلك من شأنه أن يشوّه الصف المؤمن، ويشيع الرذيلة، وهو حالة من حالات الضعف في الإرادة الإيمانية الذي يضع المرءَ على حافّة المحرّم الصريح والمجاهرة بالسوء.
وشابٌّ هذا حالُه يُمثّل حالة ضعف، ويجلب المسبَّةَ للمؤمنين، ولا يليق أن يأخذَ موقعًا مقدّرًا في صفوفهم.
والجنسُ دافع مادي شديد، ووسيلة ناجحة من وسائل الشيطان خاصّةً في عمر الشباب، وأقل محذور في هذا الدافع أن يُوقِع صاحبه في حالة السرف فيما حلّ ليصرفه عن المهمّات الكبرى والوظائف الرئيسة، وكثيرًا ما يفتح بابَ الشيطان على النفس في أجواء الاختلاط الفاحش والانفتاح الجنسي المتسيِّب.
والمطلوب للمؤمن أن يكون القويَّ أمام الحلال، ليكون الممتنع بكلِّ قوة أمام المحرّم([45]).
([46])ثم إنّ لي هنا وصيّة لشبابنا وشاباتنا الأعزّاء:
لا تسعَ، لا تسعي للوقوع في عشق الآخر عن طريق الحلال فضلًا عن طريق الحرام. الوقوع في العشق وقوع في مصيدة خطرة. قد لا يستجيب لك معشوقك، وقد يشاركك العشق ثم يعدل عن عِشقه، وقد يعشق كلٌّ منكما الآخر، وتطلبان من بعد ذلك العُلقة الحلال لا العُلقة الحرام، ولكن تقف أمامكما من دون ذلك عوائق امتناع ولي الأمر لأنّ العشق الذي أوقعك في حبّ الفتاة، أو الذي أوقعكِ في حبّ الفتى أعمى بصر عين أيّ منكما عن عيوب الآخر، وهذه العيوب تراها العين السليمة من وليّ أمر الفتاة، فلا يوافق، وعدم الموافقة هنا شرعية.
احذري، احذر من أن تُعطي نفسكِ لعشق معشوق، أو تعطي نفسكَ لعشق معشوقة، يُذلّك، أقل ما فيه أنه يذلّ، يهين، يسقط الكرامة، وقد يسوق إلى ارتكاب أمور لا تُبقي من شخصيتك وزنًا ولا شأنًا.
عصمنا الله جميعًا من هوى النفس، وكيد الشيطان الرَّجيم، ووقانا السيئات وكلّ الشرور.
انصرنا ربنا على أنفسنا وعلى من ظلمنا وأراد بنا سوءًا، وادفع عنا كل سوء مما نحذر أو لا نحذر، ومما نخاف أو لا نخاف، ولقِّنا ما نرجو من الخير وما لا نرجو يا أكرم من كلِّ كريم، ويا أرحم من كل رحيم.
اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفكّ أسرانا وسجناءنا، ورد غرباءنا سالمين غانمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([47]).
[1]– كم يواجه البخيل هنا من إهانة ومن تشهير ومن إعراض وصدود كلّ ذلك لا يعني شيئا بالنسبة لما يواجه هذا البخيلَ من حساب وعقاب في آخرته.
[2]– 38/ محمد.
[3]– بئس البشرى، بئس البشرى!
[4]– كنزه للمال كنزٌ لعذابه، كنزٌ لشقائه.
[5]– 34،35/ التوبة.
[6]– وذلك على خلاف ما يظنّه البخيل.
[7]– يعني يجعلهم ماكثين فيها، مستقرين في النعم.
[8]– المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص228.
فيكون البخلُ بذلك سالبًا للنعمة.
[9]– يعني أن يوجد فقيرٌ في حال كونه غنيًّا.
[10]– صحيح مسلم ج3 ص83.
[11]– 9/ الحشر، 16/ التغابن.
[12]– الكافي ج2 ص367 ط4.
[13]– 180/ آل عمران.
[14]– عيون الحكم والمواعظ ص503، 504 ط1.
[15]– ما ذلك الطوق؟
[16]– يعني في المصرف الحق لهذا الدرهم، في المصرف الصحيح الذي يرضي الله سبحانه وتعالي.
[17]– الكافي ج3 ص504 ط3.
[18]– ذلك يعالج ضعف الوراثات، ويعالج ضعف التربية. رب نفسك، روضها على الخير تتروّض.
[19]– لماذا؟ ما الذي جعلهم يؤثرون؟ إيمانهم.
[20]– 9/ الحشر.
[21]– كنز العمال ج1 ص140.
[22]– المعجم الأوسط للطبراني ج6 ص87.
الإيمان ينفي الشح، الشح يدل على عدم الإيمان الناضج الكامل.
[23]– جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي ج16 ص164.
تدعو له بالجنة لأنها ليست لك، مال غيرك، ملك غيرك، أما ملكك فتحرص به عليه.
[24]– فقه الرضا ص338 ط1.
[25]– كنز العمال ج3 ص449.
السيد ليس بمعنى الهاشمي، وإنما بالمعنى العرفي العام، واللغوي العام.
[26]– المصدر السابق ص452.
[27]– بحار الأنوار ج100 ص103 ط3 المصححة.
هذا القابض على دينه، الذي لا يعطي من دينه في غشّ وفي مغالطة إلخ هذا نوعٌ من البخل الممدوح الكريم.
[28]– كلّ المعاول، كل الإرهاب، كل الترغيب، كل المحاولات لا تنحت من دينه شيئا. فهذا نوع من البخل، يعني لا يعطي شيئًا من دينه، وما أكرم هذا البخل وما أشرفه!
[29]– علل الشرائع ج2 ص558.
[30]– عيون الحكم والمواعظ ص84 ط1.
[31]– المصدر السابق ص392.
[32]– نهج البلاغة ج4 ص79 ط1.
[33]– سورة التوحيد.
[34]– ما هو يوم الحسين وما هو يوم كربلاء في الحقيقة هو يوم الأمة.
[35]– ولذلك يكون يوم من أيام مآسيها وانتكاساتها.
[36]– الله عز وجل لا يرضى لهذه الأمة كل إمام، وأي إمام.
[37]– ولقد كان رجال ونساء من هذا النوع مشتركين في يوم الحسين عليه السلام.
[38]– هتاف جموع المصلين (لبيك يا حسين).
نعم، لبيك يا حسين.
كم ستُعطي الأمّة لثورة كربلاء؟ ثمن زهيد بإزاء ما تحصد من نتائج.
[39]– كانت هذه الخلفية هي الخلفية لبداية الحراك.
[40]– لكن متى؟
[41]– لا تنظر إلا إلى مصالح أهل السياسة.
[42]– هذه الصغيرة الفقهية تعني شيئا عظيما من الجرأة ومن الهتك لحرمة من حرمات الله.
[43]– باحث متعة ليلا ونهارا.
[44]– من كورية وفلبينية ومن غيرهما. وهذا كما ينقل بعض الثقات موجود ومع الأسف الشديد ومع أناس يُعدّون من الصف المؤمن العام.
[45]– امتناعه أمام الحلال بحيث لا يذل نفسه له، لا تملكه رغبة الحلال، ومنّا من يُجازف بصحّته وهو في أشد المرض لحساب قطعة من الحلوى، أو طبخة شهيّة. وهذا ضعف وأي ضعف!
[46]– من هنا تبدأ الكلمة الارتجالية لسماحة الشيخ وتنتهي عند عبارة (إلى ارتكاب أمور لا تُبقي من شخصيتك وزنًا ولا شأنًا).
[47]– 90/ النحل.