آية الله قاسم بافتتاح الحوزات: نحتاج إلى كلمة إذا صدرت من الحوزة كأنها صادرة من الإمام (ع)
نحتاج إلى كلمة إذا صدرت من الحوزة كأنها صادرة من الإمام (عليه السلام)
آية الله قاسم بافتتاح الحوزات: مسؤولية الحوزة أن تُعطي رجالاً لـ “العلمائي” و”التوعية” من صناعتها
بني جمرة :
بمشاركة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، نظّم المجلس الإسلامي العلمائي وبالتنسيق مع الحوزات العلمية في البحرين، حفل افتتاح العام الدراسي لطلبة الحوزات العلمية في البحرين، بحضور سماحة العلامة السيد جواد الوداعي وجمع غفير من طلبة العلوم الدينية، وذلك صباح الأربعاء 20 شوال 1434هـ الموافق 28 أغسطس 2013م.
وإليكم نص كلمة سماحة آية الله قاسم، في الحفل الافتتاحي:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغويّ الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم إنّا نسالك الهدى والسداد والرشاد، وإخلاص النيّة، وحُسن القول والعمل، وحُسن الخاتمة.
مؤسِّسو الحوزات الفقهية في البحرين – الحوزات الحديثة – منهم من رحل إلى جوار ربّه، ومنهم من لازال المجتمع والحمد لله يتفيّأ ظلاله – أطال الله في بقائهم -. رحم الله من مضى وأيّد من بقي (نقرأ سورة الفاتحة لمن رحل من مؤسّسي هذه الحوزات).
أعزّائي..
عنوانكم المقترح “الحوزات العلمية بين الواقع والطموح”. سيتحرّك الحديث في إطار هذا العنوان المقترح.
الإسلام عقيدةٌ أصيلة يقدّمها الكون كلّه، تولد في فكر الإنسان من رحم الكون، وفقهٌ سماوي، وقد اقترن الفقه والعقيدة من أوّل يومٍ من أيّام الإسلام. وسار الإسلام في رحلته الطويلة في الأرض، ولم يفترق الفقه عن العقيدة في يومٍ من الأيّام. وما قام كيانٌ إسلامي في الأرض، ولم يصدق إسلامٌ لأحد، إلاّ وقد اقترن عنده الفقه مع العقيدة.
والحوزة العلمية هي الراعية الأول للعقيدة والفقه، وسبق الفقه المسجد، وسبق كلّ مؤسّسةٍ من المؤسسات في الإسلام، ولم يصدُق على أيّ مؤسّسةٍ وصفها الإسلامي إلاّ بأن تكون آخذةً بالعقيدة الإسلامية وفقهها من الإسلام. ولن نكون أمام شخصيّةٍ إسلامية على مستوى الفرد والمجتمع والأمّة، إلاّ بأن يجتمع الفقه مع العقيدة؛ ممّا يشكّل صلب الإسلام.
الحوزة؛ والحوزة ليست مؤسّسةً لتقديم دروسٍ في العقيدة ودروسٍ في الفقه وانتهى. مسؤولية الحوزة أن توجد إسلامًا على الأرض، عقولًا مسلمة، قلوبًا مسلمة، إراداتٍ مسلمة، واقعًا مسلما.
الحوزة هي المسؤول الأول عن الحفاظ على الهوية الإسلامية في المجتمع المسلم، وعن مدّه بكلّ ما يحتاجه من فكرٍ إسلامي، ومن هدىً إلهي مقدور. والأبعادُ التي تُنظر في الحوزة، في واقعها الراهن، وواقعها المتطوّر، وواقعها التي ودّعته؛ منها ما هو مادّي، ومنها ما هو معنوي.
المقر،الحالة الماديّة للطالب والأستاذ، النظام، الإدارة، الاحتضان الاجتماعي – مُحتضنةٌ من مجتمعها أو غير مُحتضنة؟ إلى أيّ حدٍّ هي مُحتضنة أو غير محتضنة؟ -، التأثير التربوي لها – هناك تأثير؟ وبأيّ درجة؟ -، مكانة رأي الحوزة عند المجتمع – له تقديرُه؟ ليس له تقديرُه؟ رأيٌ قادرٌ على القيادة؟ رأيٌ غير قادر على القيادة؟ يُهمله المجتمع؟ يحتضنهُ المجتمع؟ يحترمه المجتمع؟ لا يهتمُّ به المجتمع؟ -؛ هذا يُدرس.
الموقع من بين الحوزات في دائرته العامّة – خارج البحرين، ما موقع حوزات البحرين من بين حوزات عالمنا الإسلامي؟ لها شأن؟ ليس لها شأن؟ تُذكر أو لا تُذكر؟ يعني غيابها شيء أو لا يعني؟ ما هو حضورها؟ ما هي مشاركتها؟ ما هي مساهمتها؟ لها إسهام علمي خاص، وثقافي عام في محيطها المحلي؟ في محيطها الإسلامي العام أو ليس لها إسهام؟ إلى أيّ حدٍّ هذا الإسهام؟ -. يجب أن نقف عليه في دراستنا التفصيلية – طبعًا ليست هُنا – لواقعنا الحوزوي، من قبل المسؤولين عن الحوزات. يجب أن ينظروا إلى كلّ هذه الأبعاد لنقيّم أنفسنا، وأين نحن من عالم الحوزات؟ وعالم وظيفة الحوزات؟ ومسؤولية الحوزات؟ وأيننا من أداء واجبنا الإسلامي؟.
لا شكّ أنّ هناك فارقًا بين اليوم والأمس – الأمس البعيد، والأمس القريب -؛ الأمس البعيد كانت الحوزات في البحرين ذاتُ صيتٍ ضارب، لها شخصيتها المعروفة، لها امتدادها الخارجي، ولها وجودها الذي لا تنساه الحوزات الأخرى. لم تكُن حوزةً محليّة، وإنّما كانت حوزةً إسلاميّة عامّة، ولها انتشارها الواسع، وذكرها الكبير. أنتجت ولا زال إنتاجها مفخرة، وأبرزت أسماءً لا تغيب عن الساحة العلميّة ولا تندثرُ – إن شاء الله -، فكانت الحوزة شيئًا أكبر من أنّه يُذكر في موضعها؛ طبعًا ذاك وجودٌ ودّعته البحرين، ذاك مستوىً خسرته البحرين، ذاك مستوىً فُجعت فيه البحرين.
بدأت الحركة من جديد، أعادت حياة العلم بمقدار، وضعتنا في بداية الطريق، أبرزت ظهورًا علميًا مشرّفًا لكنّه في بداياته. هي اليوم أحسن منها يوم ولادتها القريبة، وهي اليوم لا زالت بعيدةً كلّ البُعد عن مستواها يوم وجودها الظاهر السامق الأوّل، ومن النكسة جدًا أن يكون ماضي بلد أكثر تقدّمًا من حاضرِه، أو أن يكون بعدٌ من أبعاده دون مستوى ما كان عليه في أمسِه – فأرجو منّا أن لا يصيبنا شيءٌ من الغرور حين نجد شيئًا من التقدّم لهذه الحوزات، وأن نكون موضوعيين جدًا قبل أن نكون متواضعين، ونحن هنا لا نحتاج إلى تواضع، نحتاج إلى إقرار بالواقع وأنّنا دون المستوى المطلوب بكثير -.
الحوزة المطلوبة
حوزة مبدعة لا حوزة متلقّية ومستقبلة فقط – تستقبل فكرها ومنهجها ونظامها وأسلوب إدارتها من الآخر -، حوزة مبدعة تُعطي جديدًا، تستفيد من تجارب الآخرين، ممّا يقدّمه الآخرون وتُعطي جديدًا في كلّ أبعاد وجودها – هل نحنُ كذلك؟ علينا أن ندرس الأمر -.
الحوزة المطلوبة؛ حوزة تخرّج مستويات متخصّصة في أكثر من حقلٍ من حقول المعرفة الدينية، تأخذ سقف غيرها من التخصّصات في الحوزات الأخرى، وإن كان بعددٍ أقل، نظرًا لقلّة أبناء هذا الشعب. طبعًا نحن لا نطمح،- لنكون موضوعيّين – لا نطمح أن نكون حوزة “قُم”، ولا نطمح أن نكون حوزة “النجف”، هذا معروف، فإنّ للعدد وما يوجد في العدد الأكبر من عبقريّات ومن إمكانات ماديّة، وقدرات، وتجارب، لا شك يمثل فارقًا هائلًا بين بلدٍ وبلد. مهما أعطت البحرين من مستويات ذكائيّة من عبقريّات فهي لن تُعطي بقدر روسيا مثلًا، أو بقدر العراق، أو بقدر إيران.. إلى آخره، لن تُعطي، ولكن للبلد عطاء، وقد برهن قديمًا على ذلك.
مسؤوليتنا ليس أن نوجد العبقريّة، وأن تلِد أمّهاتنا الأذكياء – وإن كان لنا شأنٌ في ذلك، وللإنسان دورٌ في ذلك، ولكن العمليّة معقّدة وراجعة لوعي الأفراد أكثر من كونها راجعة لقرار اجتماعي، وإلاّ فالذّكاء أيضًا له طريق يرجع إلى نوع التزاوج -، على كلّ حال؛ مسؤوليتنا لا تتركّز في أن تولد عبقريات على هذه الأرض، ومستوياتٌ ذكائيّة قافزة، ولكن مسؤوليتنا بأن نضع الخطّة لاستثمار كلّ ما وجد من عبقريةٍ وذكاء – هذا مسؤولية -.
الحوزة المطلوبة؛ حوزة تُعطي هذه التخصّصات العالية، حوزة يشعر عالم الحوزات خارج البحرين بحضورها، وبغيابها لو غابت – لا سمح الله -، ويحِس بالافتقار إلى وجودها، فلا يسمح بغيابها لأيّ سببٍ من الأسباب. هذه الحوزة نكون على طريقها، لكنّنا لا ندّعي بأنّنا وصلناها، حوزة يعيش عالم الحوزات الخارجي في تجارب متبادلة معها، ولا يمكن أن يدخل عالم الحوزات الخارجي في تجارب مع حوزةٍ أخرى، مع حوزتنا، إلاّ بأن يشعُر بقيمتها، وبتميّزها في بعض الأبعاد والجوانب.
حوزة قبل أن يُؤمن الخارج بقيمتها وبوجودها، يشعر الداخل بضرورتها، وأنّها ليست نافلة، ولا وجودًا زائدًا، ولا الوجود الذي يمكن أن يُستغنى عنه يومًا واحدا، لا بد أن يوجد هذا الحِس في الداخل عند الشرائح الاجتماعيّة المختلفة لتمتلك تجذّرًا على الأرض، وحمايةً، واحتضانًا كافيا– الحوزة تحتاج إلى احتضان -، واحتضانها من قبل المجتمع لا يأتي إلاّ من مستواها، إلاّ من عطائها، إلاّ من حضورها، إلاّ من إيمانٍ بقيمتها العالية، بضرورتها. فعلينا أن نعمل الكثر من أجل أن تشعر جميع شرائح المجتمع – مجتمعنا المحترم – بضرورة الحوزة، وبعدم غناها عنها.
حوزة تتصدّر حركة الوعي الإسلامي في البلد – مجلس علمائي يستعطي من عطائها، والمجلس العلمائي الآن من عطاء حوزات أخرى -، مسؤولية هذه الحوزة أن تُعطي رجالاً للمجلس العلمائي من صناعتها، وجمعية التوعية الإسلامية تحتاج إلى أفكار، تحتاج إلى رجال، تحتاج إلى هِمم، تحتاج إلى خطط؛ ومورد هؤلاء الرجال الحوزات العلميّة لا يتوقّف، والمعاهد الأخرى والمؤسسات الأخرى تشارك في صناعة رجالنا بلا إشكال، ولكن المسؤولية الأولى لصناعة هؤلاء الرجال تقع على عاتق الحوزات. وهناك أبعاد لهؤلاء الرجال لا يُمكن أن تُصنع الصناعة المُحكمة إلا على يد الحوزات العلمية الإسلامية، المؤمنة بقيمة الإسلام، المتحمّلة مسؤوليتها الإسلاميّة.
تتصدّر حركة الوعي، تذرأ عن الإسلام مُختلف الشبهات – دراسة الفقه لن يكفي، دراسة العقيدة لن تكفي -، دراسة الإسلام الشامل، الإحاطة بالإسلام بمقدارٍ ملحوظ من الإحاطة هو الذي يعطي القدرة على ردّ الشبهات في مختلف الأبعاد.
نريد حوزةً لها رأيها المسموع في الناس – نحتاج إلى مواصفات -، في البعد العلمي، في البعد الأخلاقي، في النضج الموضوعي، الخبرة الموضوعية الكافية، الحكمة، رجاحة الرأي، الإلمام بالمكان والزمان، تقدّم الصفوف في النموذجيّة الإسلامية.
مسؤولية الحوزة أن توجد من أبنائها شريحةً اجتماعيّة هي الأقرب للشريحة النموذجيّة الإسلاميّة. ما دامت الحوزة تطمح أن تقود حركة المجتمع في أكثر من بُعد فعليها أن تقدّم القادرين على تبوّء هذه المكانة، والقادرون على تبوّء فيه المكانة في المجتمع الإسلامي هُم أقرب الشرائح إلى النموذج الإسلامي العالي، ليس علميًا فقط وإنّما في كلّ أبعاد الشخصية الإنسانيّة، وعلى الحوزة أن تدرس واقعها من هذا الطموح.
نحتاج إلى كلمة إذا صدرت من الحوزة كأنها صادرة من الإمام (عليه السلام)، وهذا يحتاج إلى مستوى عقول، وإلى معالجة لا تمس البُعد العلمي في الشخصية الإنسانية فقط، وإنّما ترتفع بمستوى كلّ أبعاد هذه الشخصية وتصقلُها، وتصنعُها إسلامية. نحتاج إلى إصدارات هادية، نحتاج إلى مراقبة الحركة العلمية والثقافية في البلد، ومتابعتها، وملاحقتها، ورصدها، ومعالجتها.
حوزة تقوم بدورها التبليغي على أتمّ وجه وأكمل صورة؛ تُعطي لهذه المهمّة الكبرى نجاحها – مهمّة التبليغ الناجح، وعوامل نجاح التبليغ كثيرة وعلينا أن ندرسها -، وحتّى تنجح عملية التبليغ على يدِنا – ولو بعض الشيء – لا بدّ من إدراك موقعنا.
حين تكون أستاذًا في حوزةٍ علميّةٍ إسلاميّة أو طالبًا، فأنت وريثٌ لخطّ الأنبياء، أنت تريد أن تنصب نفسك مُتحدّثًا باسم الإسلام، أن تكون سفيرًا بدرجةٍ ما عن الله عزّ وجل، أن تكون خليفةً في بعض الأبعاد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ فانظر إلى موقفك، كم هو كبير؟ كم هو شامخ؟ وماذا تعني مسؤوليته؟ وما حجمُ دعواك؟ وما كلّفت نفسك به؟ فعليك أن تصبر وتنسجم مع دعواك، مع الموقع الذي تريد، مع المهمّة التي ادّعيتها. وكم سنُسيئ للإسلام من خلال ما نرتكبُه من خطأٍ، فضلاً عمّا نأتيه من عمدٍ على خلاف الإسلام؟
هذا الموقع يجعلنا نهتم بمستوانا، نهتم بكلمتنا، نهتم بنيّتنا، نهتم بعلاقاتنا مع الآخرين وأن تكون نظيفة، وأن تكون مخلصة. حين أدرك الموقع الذي وضعت نفسي فيه وأدرك أهميّته، فعليّ أن أراقب نفسي ليلًا ونهارًا، وهل أنا على طريق الانسجام بعض الشيء مع هذا الموقع أو لستُ كذلك؟ الوظيفة مهمّة جدًا، الوظيفة تبليغ الدين، يعني خطئي خطأ سيحسب على الدين في نفوس الناس، في عقول الناس، في الصورة التي يأخذونها عن الإسلام – في الصورة العلميّة، والصورة العمليّة -. الدافع – متى تنجع عملية التبليغ -، تنجح عمليّة التبليغ إذا كان الدافع إلهيًا، هذا الدافع الإلهي يعطيك حرارة، يعطيك جديّة، يعطيك صبرًا، يعطيك قدرة مقاومة ومجاهدة، يجعلك تبذل أقصى جُهد ممكن – الدافع الإلهي هكذا -.
ماذا نقدّم من مادّة تبليغية؟
أيّ شيء نراه في الإسلام نقدّمه؟ أيّما فكرة إسلامية وقع عليها فكري أقدّمها للمجتمع؟ أو لا بد من دراسة مكان، وزمان، وأشخاص وتناسب بين الكلمة وبين من تُرسل إلى عقله وقلبه – توجد مستويات مختلفة، الكافر لا يُخاطب بما يخاطب به المُتّقي، والفاسق لا يُخاطب بما يُخاطب به المُتّقي، والجاهل لا يُخاطب بما يُخاطب به العالم -، وعلينا أن ندرس مجتمعنا قبل أن ننطلق في عمليّة التبليغ، وأن نميّز بين مخاطبٍ ومُخاطب.
شخصيّة هذا الطالب، شخصيّة هذا المدرس، شخصيّة هذا المُبلّغ، ماهي؟ شخصيتُنا تتحدّث عنّا، وشخصيّتنا يصل أثرها الإيجابي أو السلبي إلى عقول الناس، ونفوس الناس، قبل أن يصل أثرُ كلمتِنا، وأثر الكلمة ساقط حين يأتي مخالفًا لأثر الشخصيّة. الصدق والكذب والجهل والعلم والتقوى والفجور والأمانة والخيانة إلى آخره، كلّ ذلك يتحدّث عن الشخص للآخرين قبل أن ينطق لسانُه.
الوسيلة؛ وسيلة التبليغ – نحن مسبوقون في وسائل التبليغ إلى درجة كبيرة، علينا أن نطلب السبق -. الأسلوب؛ ويرجع إلى المستوى العلمي، والمستوى الذوقي عند الإنسان، والتقدير الموضوعي للمخاطب، والدربة على أسلوب الإنجاح مقارنة بين الأساليب واختيار الاسلوب الأنجح في الخطاب.
هنا سؤالان؛ سؤالٌ قبل سؤال..
سؤال: هل نجحنا في التبليغ؟ – هذا سؤال -.
لكن السؤال الذي هو قبله، والذي تتركّز المسؤولية في الإجابة عليه. السؤال الثاني – هل نجنا أم لم ننجح؟ – مدى النجاح عدم النجاح في نفسه ليس بيدنا إلاّ مقدّمات، ليس من مسؤوليتي أن أنجح، أن أحقّق النجاح فعلًا او لا أحقّق، قد تكون هناك موانع ليست من مسؤوليتي، انا عليّ أن أدفع الموانع بقدر ما أستطيع، وأن أطلب المُقتضي بقدر ما أستطيع، أن ينفرض مانعٌ من خارج هذه ليست من مسؤوليتي، أو جزء من مقتضي لا أستطيع أن أوفّره، لكن عليّ أن أستفرغ ما في وسعي في العملية.
فالسؤال الثاني: هل عملنا كلّ ما نستطيع في سبيل تحقيق عملية التبليغ أو لا؟
هذا هو السؤال الذي يجب علينا أن نشتغل به وأن نجيب عليه – بيننا وبين أنفسنا – بكلّ صراحة وأمانة. أنا كفرد، نحن كمجموعة، بذلنا ما في وسعنا، لم ندّخِر وقتًا، لم ندّخر جُهدًا، لم نقدّم أمرًا دنيويًا.. إلى آخره، علينا أن ندخل مع أنفسنا في دراسة بهذا الخصوص.
يبقى مقياس النجاح للحوزات..
أقول: قيمة الحوزات وكلّ مؤسساتنا، فيما تنتجه من إسلامٍ على الأرض، في عقول الناس، في قلوبهم، في إراداتهم، في أوضاعهم العمليّة؛ الحوزة ناجحة أو غير ناجحة؟ المجتمع هل تقدّم إسلاميًا أو لم يتقدّم؟ وهذا التقدّم لنا مشاركة فيه أو ليست لنا مشاركة؟ ما مدى مشاركتنا؟.
وهناك الآن مجلس حوزات؛ مجلس الحوزات عليه أن يدرس واقع الحوزات دائمًا، وأن يدخل في دراسة مُكثّفة، ولقاءات منتظمة للتقييم، وتبادل الرأي للتطوير، ووضع الخطط والاستراتيجيّات – اليوم عمل من دون خطّة غير موجود، لا تبليغ، ولا تعليم، ولا أي مؤسسّة يمكن أن تؤدّي غرضها من غير عقل تخطيطي -. فمجلس الحوزات يتكفّل بعملية التخطيط وتطوير الحوزات والدفع بها إلى الأمام، ودراستها في كل أبعاد تواجدها – نواقصها، وما تتوفّر عليه، ونقاط قوّتها وضعفها -.
وعلينا أن لا ننسى هذا الهدف أو نتشاغل عنه، أو نقف دونه بالاشتغال بمقدّمة من مقدّماته – كأن نطلب التطور في أسلوب الإدارة أو التنظيم مثلًا أو تحسين الوضع المالي، هذا اشتغال في المقدّمات، ولكن الاشتغال بأيّ مقدّمة من المقدّمات على حساب الهدف هو مضيعة -. علينا أن لا نحسب لأنفسنا أنّنا صنعنا كثيرًا لإسلامنا ولأنفسنا ونحن نطوّر العملية التعليمية فقط، من غير نظر إلى الهدف وصناعة الشخصيّة الإسلامية المُغيّرة، وإلى تغيير الواقع الإسلامي المُتخلّف على الأرض.
المطلوب النهائي لحركتنا هو الإسلام، هو المستهدف الأول، وهو مقياس نجاح هذه الحركة وفشلها، والإسلام يحتاج إلى أن يُفهم. أوّل حمل الأمانة الإسلامية أن نفهمه، وإلاّ فقط ظلمناه، وخنّاه، وخذلناه، وإذا حلمنا لأنفُسنا أو للآخرين إسلامًا مغلوطًا، إسلامًا مجزوءً، إسلامًا مدخولاً، فقد – ربّما – دخلنا في محاربة الله عزّ وجل ورسوله – تشويه للإسلام -.
الإسلام يحتاج إلى أن يُفهم وإلى أن يُعمل به، ويُبلّغ ويُدعى إليه، ويُذاد عنه، ويُحفظ حريمُه، وكلّ هذه المهمّات ليس شيءٌ منها بمفصولٍ عن مسؤولية الحوزات – حماية الإسلام العلمية والعملية، الذود عن الإسلام.. إلى آخره -. حين نضعُ قدمنا على هذا الطريق، ونحملُ النفس على المُجاهدة عليه – في هذا السبيل -، يأتي التوفيق من الله، والتسديد، ويأتي التأييد.
غفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.