كلمة آية الله قاسم بمناسبة استشهاد أمير المؤمنين (ع) : من أراد للإنسانية خيراً فليدلّ على عليّ (ع)
خطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بـمأتم الإمام علي (ع) في أبو قوة – 21 من شهر رمضان 1434هـ الموافق 30 يوليو 2013م:
للمشاهدة :
https://www.youtube.com/watch?v=4NBQ4wEab38
نص الكلمة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حيّا الله هذه الوجوه المؤمنة الكريمة الطافحة بولاء الله، وولاء أوليائه.. عشتم على طريق هدى الله، على الصراط القويم، تحيون وتموتون وتبعثون على ولاء الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام..
صلاح الحياة فيه صلاح الآخرة، وفساد الحياة فيه فساد الآخرة.. حياة ناجحة تعني آخرة ناجحة، حياة فاشلة تعني آخرة فاشلة..
الاسلام اسلامكم العظيم دينكم الحبيب يقيم حياة صالحة لتؤدي الى آخرة صالحة،
في الاسلام صلاح الدين لصلاح الدنيا وصلاح الدنيا لصلاح الدين، أمة صح دينها تصح دنياها، أمة فسد دينها تفسد دنياها.
أحبتي.. أعزائي..
ما من نفس في أرض ولا سماء إلا وهي مخلوقة لله سبحانه، ما من ذرة في هذا الكون العريض إلا وهي من صنع الله سبحانه، ما من نفس تمر عليها لحظة استغناء واحدة عن رحمة الله، عن لطف الله، عن مدده وعطائه.
كل هذا الكون وكل ما فيه يعيش كل لحظاته بعطاء الله وفيضه، الأرض تحتاج إلى ربها، السماء تحتاج إلى ربها، أصغر خلق يحتاج إلى الله، أكبر خلق يحتاج إلى الله.
وكما أن الحياة، والوجود، وكل ذرة في الكون محتاجة في كل لحظاتها واناتها إلى الله فكذلك هي النفوس في هداها، هي العقول في استنارتها، فما من أحد من الناس له هداية، له رشد، له رؤية صحيحة، له علم، إلا من ربه سبحانه وتعالى.
تبقى الأرض دائماً محتاجة إلى اشعاع الشمس ونور القمر، وبقاء السماء، وإلى ماء ينزل من السماء، تبقى الأرض دائماً محتاجة لكل هذا، ولا صلاح لها من غير هذا، وكذلك تبقى النفوس والعقول محتاجة أن تأخذ هداها ورشدها ومنهجها الصحيح من السماء.
نحن نعرف من أنفسنا أننا محتاجون إلى الله في غذائنا، في شرابنا، في لباسنا، فيما نقوم عليه من أرض، فيما نتنفسه من هواء وأكسجين، فيما نحتاج إليه، ولكن علينا أن نعرف مع ذلك أيضاً أنه لا نستطيع أن نملك المنهج الصحيح، والتشريع الصحيح، ولا نهتدي الطريق الصحيح إلا بالله سبحانه وتعالى. وأن حاجة عقولنا ونفوسنا إلى هدى الله وتعاليم دينه وتعاليم أنبيائه ورسله وأئمة أهل البيت عليهم السلام حاجة دائمة قائمة.
لا شيء في عالم الطبيعة إلا من عند الله، ولا صحيح في عالم التشريع إلا من عند الله –عالم التشريع هو عالم القوانين، عالم الأوامر والنواهي – في عالم الخلق الذي يسمى عالم التكوين كل شيء محتاج إلى ربه، النبتة محتاجة إلى ربها، الحيوان محتاج إلى ربه، الانسان محتاج إلى ربه، الجماد محتاج إلى ربه. من أين له وجوده؟ من أين لموجود وجوده إلا من عند ربه؟.. ومن أين لحي حياته إلا من عند ربه؟ ومن أين لفكري وفكرك التفكير إلا من عند ربنا؟ ولا تشريع صحيح إلا من عند الله؟
فنحن بحاجة دائمة إلى تشريع الله.. إلى دين الله، لنهتدي به في الطريق، ومع الدين، مع تعاليم الدين، مع تعاليم القرآن والسنة المطهرة محتاجون إلى شيء آخر وهو القدوة الحسنة، “ولكم في رسول الله قدوة حسنة”.. الرسول جاء مع الكتاب، والكتاب معه الرسول، هذا له دوره، وهذا له دوره..
القرآن وحده لا يغني عن الرسول، والرسول بلا القرآن مفصول عن هدى السماء، هذا هو الوحي، رسول بلا وحي هو ابن الأرض، ولا يزيد على الأرض شيئًا.
نحن محتاجون دائماً الى التشريع الإلهي، وإلى قدوة تأخذ بنا دائماً إلى الله.. التشريع الصحيح الدقيق المأمون ليس هو إلا واحد وهو الدين الاسلامي. تشريع الأديان الأخرى اليهودية والنصرانية فيها منسوخ، بعضه ملغي، وبعضه ضائع، بعضه مشوه ومحرف، التوراة محرفة، الانجيل محرف، القرآن هو الذي احتفظ بصورته السماوية، وبواقعه السماوي، هذا هو التشريع.
القدوة..
ليس هناك من قدوة تسبق رسول الله (ص) ثم علي بن أبي طالب (ع). القدوة العظمى لهذه الأمة ولكل البشرية من بعد رسول الله (ص) هو تلميذه الأول وأقرب الناس إليه وأخوه في الإيمان، أخوه في الفهم، في التقوى، أخوه في السيرة الطاهرة، في الروح النقية، في القلب الزكي، في الانقطاع لعبادة الله، في التوحيد الخالص.
النبي صلى الله عليه وآله آخى بينه وبين علي.. هذه الأخوة ما هي؟ أهي أخوة نسبية؟ ذاك محمد بن عبدالله، وهذا علي بن أبي طالب، أمه غير أمه، أوبوه غير أبيه، هي ليست أخوة نسبية إنما هي أخوة الإيمان، التقوى، الانقطاع في العبادة لله، أخوة التوحيد الخالص.
تبحث عن أخ ثانٍ لرسول الله لا تجد، من هو الأقرب روحاً إلى روح رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).. من هو الأقرب إليه فهمًا للإسلام؟ هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).. من هو الأقرب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في كل شأن من شؤون الدين؟ هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).
الرسول ثم أخوه علي بن أبي طالب (عليه السلام) هما القدوة، وهما أبوا هذه الأمة.
حتى جاء أن “علياً مع الحق والحق مع علي”، حيث تأتي الكلمة من علي عليه السلام أنت لا تشك في أنها حق، تأكد أن هذا الموقف وقفه علي (عليه السلام)، بعد أن تتأكد أن هذه الخطوة خطاها علي (عليه السلام)، هذا الاجراء قام به علي (عليه السلام)، هذه الحرب شنها علي (عليه السلام)، هذا السلم وافق عليه علي (عليه السلام)، بعد أن تتأكد من هذا، تقول قاطعاً جازماً متيقناً أن هذه الحرب حرب اسلامية بحق، أن هذه الكلمة كلمة إسلامية بحق، أن هذا الموقف موقف الاسلام.. “علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار”.
هذا من جانب.. تأتي الكلمة عن الرسول صلى الله عليه وآله، يأتي الرأي عن الرسول في المسألة الفقهية، في أي مسألة من مسائل الحياة، عندئذٍ ينقطع الكلام، لا رد، معناه أنه الاسلام الحق، والمرجع يبقى رسول الله صلى الله عليه وآله. هل نبحث بعد أن نتأكد أن هذه الكلمة هي كلمة الرسول عن مرجع ثانٍ؟ نراجع أحد آخر فيها؟ طبعاً لا.. هذا هو الحجة الكبرى.
في فرض آخر يتردد أن رأي رسول الله صلى الله عليه وآله هو هذا الرأي أو الرأي الثاني؟ ما يقوله هذا الصحابي أو ما يقوله علي عليه السلام؟ ما يقوله سلمان المحمدي الذي هو قمة الإيمان أو ما يقوله علي عليه السلام؟ ما يقوله أبو ذر الذي لم تعرف الأرض أصدق منه لهجة أو ما يقوله علي عليه السلام؟ لو فرضنا – وأبو ذر لا يختلف مع علي عليه السلام، وسلمان لا يختلف مع علي عليه السلام، والمقداد لا يختلف مع علي عليه السلام، وعدد كبير من الصحابة اذا قال علي عليه السلام لم يجيزوا لأنفسهم أن يقولوا رأياً في قبال رأيه – ولكن على فرض جدلي وهمي أن أبا ذر صدر منه رأي وصدر من علي عليه السلام رأي آخر، وأبو ذر لم يكن يعلم برأي علي عليه السلام، بمن الأخذ؟ الأخذ برأي علي عليه السلام.
هناك مستويان..
الكلمة تثبت عن رسول (ص)، الحكم يثبت عن رسول الله (ص) نقطع بأنه هو الإسلام ولا نرجع لا لعلي عليه السلام ولا لغيره، لا لأن عليًّا عليه السلام سيخالف رسول الله، حاشاه، حاشاه.. ولكن أغنانا جواب رسول الله.
أما حيث يختلف مسلم آخر مع علي عليه السلام في رأي، في حكم شرعي، في موقف حرب، في موقف سلم، في عطاء مالي، إلى آخره، فالحجة مع من؟ الحجة عند علي، الحق مع من؟ الحق مع علي، المرجعية لمن؟ المرجعية لعلي.. في أي القولين نعرف رأي الاسلام، ومن أي القولين والموقفين نستكشف قول الإسلام وموقف الإسلام؟ من أين نستكشف موقف الرسول صلى الله عليه وآله؟ من علي عليه السلام.. اذا جاءت الكلمة من علي عليه السلام فلا نحتاج إلى الرجوع لرسول الله صلى الله عليه وآله، لماذا؟ لأنه لا يمكن أبدًا أبدًا أن تأتي كلمة من علي عليه السلام مخالفة لرسول الله أو مخالفة للقرآن الكريم، فإذا رجعنا لعلي عليه السلام فكأنما رجعنا لرسول الله صلى الله عليه وآله بشكل مباشر.
علي عليه السلام عاش كل حياته للإسلام، لقضية الإسلام، ذاب في الهم الإسلامي، في عشق الإسلام، أعطى حياته كلها للإسلام، وحين يعطي الشخص حياته للإسلام فإنه يعطيها للإنسان، لسعادة الإنسان، لربح هذا الإنسان، لهداية هذا الإنسان، لمصلحة هذا الإنسان، فكما أن عليًا عليه السلام عاش كل حياته للإسلام فقد عاش من أجلكم، من أجل نجاتكم، من أجل فوزكم، من أجل كرامتكم، من أجل سعادتكم، وسعادة كل إنسان، لأن لا سعادة لهذا الإنسان مفصولة عن أخذه بالإسلام.
عاش للإسلام ومن عاش للإسلام فقد عاش للأمة وقد عاش للإنسان، وقد عاش للسلام.. فحين نقول إن عليًا عليه السلام عاش للإسلام فإننا نعني بذلك أنه كما عاش للإسلام فقد عاش للإنسان، للأمة، للأمن، للسلام، للرخاء، للكرامة، للعزة، للحرية.. هكذا علي عليه السلام.
علي عليه السلام عاش روحاً لا يخبو لها نور، نورها دائماً متأجج، دائماً مشع، ليس ساعة مظلمة، وساعة مضيئة، حيناً تضيء وحيناً تظلم، حيناً يغيم أمرها وحيناً يصحو جوها.. لا.. روح جوها كله صحيح، جوها كله ضياء، فضاؤها كله نور..
وعاش قلباً لا ينغلق عن رؤية الله.. نحن قلوبنا أحياناً تنفتح على بعض الرؤية لله، شيء من الرؤية لعظمة الله، من قدرة الله، فاعلية الله، من ارادة الله، من حاكمية الله، من لطف الله، من رحمة الله.. أحياناً تجيء لنا ومضات، وتعيش قلوبنا فترات سبات طويلة، فترات غفلة.. مع الأكل، مع الشرب، مع اللذائذ، مع التنافس على الدنيا، مع المشاكل الصغيرة.. لحظات يسيرة يتوجه فيها قلب أحدنا إلى الله سبحانه وتعالى.
فرق بين قلوبنا وقلب علي (ع)
قلب أقول عنه أنه لا ينغلق عن رؤية الله، فدائماً هو مليء بهيبة الله، بخشية الله، بتقوى الله، بحب الله، بعشق الله عز وجل..
وعاش عليه السلام نفساً لا تعشق غير طاعة ربها.. جمال الدنيا، هذا الجمال الأخّاذ الذي يصرع عقولنا ويهزم نفوسنا.. جمال بيت، جمال بناية ينسيني كل شيء، علي عليه السلام ليس لديه هذه القضايا.. لا يعشق إلا طاعة ربه سبحانه وتعالى.. أين يرى الكمال؟ السعادة في ماذا؟ السمو في ماذا؟ الهناء في ماذا؟ لا يرى شيئًا من ذلك إلا في لحظة طاعة ربه.. أي لحظة معصية يراها لحظة سقوط ذريع، وفشل ساحق، وإنحدار وهبوط.
عاش عليه السلام سيرة لا يخالط هداها ضلال.. هو إمام هادٍ، وإلا إمام كل حينٍ ضل، كل حينٍ وغفل.. كل حينٍ جهل.. كل حين وأخرجه الغضب عن سمت الحق، هذا يغوينا.. هذا تضل به مسيرة البشر، هذا لا يصل بالناس للغاية المطلوبة.. اذا كان هذا الإمام فهو إمام فاشل، لا يؤدي الغاية ولا يكمل الوظيفة..
وهل تصدق أن الله عز وجل ينصب لعباده إمامًا فاشلًا؟ دليلاً لا يهتدي الطريق؟ ينصب لهم إمامًا لا يصدقهم، إمامًا تغلبه نفسه على الدنيا؟ إمامًا تصرعه الشهوة؟ الله عز وجل يختار إمامًا للناس من هذا النوع؟ حاشى لله عز وجل.. يعني الله لا يستطيع أن يخلق إنسانًا كفوءًا؟ أو أمانة الله عز وجل ورأفته بعباده أقل من أن تختار له الصالح على الطالح؟ أو موجود علي بن أبي طالب وتختار له أبا ذر الذي هو قمة الإيمان لكنه أقل من علي، لا يكون.. نحن لا نصدق.
عاش (عليه السلام) سيرة لا يخالط هداها ضلال، وروحاً كل انشدادها إلى السماء، لا ترتبط أحياناً بالأرض وأحياناً بالسماء، أحياناً تجتذبها الأرض وأحياناً تجتذبها السماء.. لا .. اتجاهها واحد.. مشدودة ومجذوبة إلى السماء، إلى قيم السماء، إلى جمال السماء، إلى جمال الله رب السماء، إلى جلال الله، إلى كمال الله، إلى حب الله، إلى عشق الله.
وعاش (عليه السلام) قلبًا كل همه نفع الناس، ذرة من قصد الإضرار بالناس في قلب علي عليه السلام لا تجد، قلبٌ كل همّه نفع الناس، إنقاذ الناس، صلاح الناس، سعادة الناس.. ونفساً لا تُثقِل حركتها الصاعدة الأرض، الأرض وشهوات الأرض، وصراعات الأرض، ورغبات الأرض، ومحذورات الأرض، وزينة الأرض، وتحديات الأرض، لا تبطّئ حركتها، ولا تثقل حركة روح علي علي السلام.. روحه صاعدة لله، ماذا تصبح الأرض؟ حروب.. سلم.. غنى.. فقر.. مرض.. صحة.. ما إلى ذلك، كل ذلك لا يعطّل ولا يبطّئ حركة علي عليه السلام الصاعدة المتكاملة باتجاه السماء.
عاش علي (عليه السلام) روحًا متحررة من الأرجاس، طاهرة، نقية، صافية، ليس فيها شيئاً من الرجس، ليس فيها شيئاً من القذارة -البول قذارة، الأحقاد قذارة، الحسد قذارة، الشهوات التي تقعد بالإنسان، الأماني الصغيرة قذارات.. ليس في قلب علي عليه السلام ولا في ذاته شيء من رجس.. معصوم – وقلباً نقياً من الأحقاد، ونفساً طليقة من أسر الشهوات.
نفسي تريد أن تقوم، تقعد بها الشهوات.. تشدّها الأرض إليها، لا أرى نفسي أقوم.. نفس علي عليه السلام حرة طليقة، ليست محبوسة لأي شهوة من الشهوات، ولا لأي رغبة من الرغبات.
عاش علي (عليه السلام) قلباً موقناً لا يداخله الشك، إيمانه بالله إيمان كامل، يقينه بالله يقين كامل، بقداسة الإسلام، بعظمة الاسلام كامل، هذا يقين، واذا حصل هذا اليقين نشط القلب على طريق الله، ونشطت كل الجوارح والأعضاء.
عاش نفساً عزيزة لا يمسها ذل على الإطلاق إلا الذل بين يدي الله.. كبّلت علياً عليه السلام، أقعدته الظروف في حجرته عليه السلام، عزلته عن الخلافة، وضعته في أعلى كرسي للخلافة، كانت معه الدنيا والجيوش الجرارة، انحسر عنه كل الناس.. نفسه لا تتغيّر، لا تعز بالناس ولا تذل بانحسار الناس، نفس علي لا تعز باجتماع الناس وتأييدهم، ولا تذل بانحسار الناس وكفر الناس به.
المنصب لا يغير من علي (عليه السلام) شيئًا، ذهب، جاء.. لا يغير شيئًا، تهزم نفس علي عليه السلام لأنك أخذت منه الخلافة؟ لا تنهزم نفسه.. اليوم اجتمعنا على دار علي عليه السلام مليون نصفق له ونؤيد، غداً لا أحد.. يعني نهزم نفسه عليه السلام؟ نُدخل عليه شيئًا من الذلة؟ لا.. تبقى قوية، تبقى عزيزة.. لأنها لا تستمد عزتها إلا من مصدر واحد هو مصدر تعلقها بالله، طاعتها لله، ذلها لله، تلك هي نفس علي عليه السلام.
عاش علي (عليه السلام) روحاً لا تتوقف رحلتها أمام كل المحن والأحداث والسعة والنعمة، وهي رحلة واحدة، كل حياته عاشت رحلة واحدة، هي أي رحلة؟ رحلة القرب الإلهي، في التقرب إلى الله، يطلب أن ينتقل من لحظة كمال إلى لحظة كمال، من فعلية كمال إلى فعلية كمال أكبر.. هذه هي رحلة علي عليه السلام.. رحلة معنوية مستمرة دائمة لا تتوقف عن طلب الكمال ولا تعرف له نهاية.
وعاش علي (عليه السلام) قلباً لا يغيب عنه الإيمان، ونفساً لا يفارقها الشوق إلى الكمال الذي لا تجد له مطلباً غير الله.. أين تطلب الكمال؟.. علي عليه السلام لا يجد من يطلب منه الكمال إلا الله سبحانه وتعالى، لذلك لا يكون اتجاهه إلا لربه سبحانه وتعالى.
وعاش (عليه السلام) روحاً لا أقرب منها إلى روح رسول الله صلى الله عليه وآله، وقلباً هو الأقرب إلى قلبه اشتغالاً بذكر ربه، ونفساً هي الألصق بنفسه مستوى بعيداً في رحلة الكمال. نفسُ عليٍ أقرب نفس إلى رسول الله، قلب علي عليه السلام أقرب قلب إلى قلب رسول الله.. قرب مكاني؟ أو قرب مرتبة ومعنى؟.. قرب مرتبة ودرجة ومعنى، في الإيمان، التقوى، في الورع، في نور الهداية..
هذا قدوة أم لا؟
أنبحث عن قدوة على خلاف هذه القدوة؟ هذا قدوة.. علي عليه السلام قدوة، هذا صانع التاريخ.. هذا منقذ الأمم.. هذا ميزان الحق، هذا هو الهادي، هذا هو الأمين، هذا هو المعلّم.. هذا هو الرائد، هذا هو المرّبي، هذا هو الدليل إلى الجنة، هذا هو القائد إلى رضوان الله، فاستمسكوا بعلي عليه السلام.
إعلموا أنكم تربحوا، وأنكم تبلغون أبلغ الأماني، وأنكم تحققون لأنفسكم أكبر النجاحات حين يكون إمامكم علي (عليه السلام).. وحين يكون قدوتكم علي عليه السلام، وحين يكون رائدكم هو علي عليه السلام..
لن تجد الأمة علماً نافعاً على خلاف علمه، ولا هدى منقذاً على خلاف هداه، ولا رشداً خارج رشده، ولا نجاة على طريق يباين طريقه، ولا إسلاماً محقاً على خلاف إسلامه.. أي إسلام على خلاف إسلام علي عليه السلام نراه إسلامًا غير محق.
أبو ذر هذا القمة من قمم الإيمان أقول لكم لو جاء عنه شيئاً من الإسلام، وجاء عن علي عليه السلام على خلافه، ولا يمكن أن يأتي من أبي ذر على خلاف علي عليه السلام شيء، أقول لو هذا الفرض حصل ولا يحصل، فإن إسلام أبي ذر حينئذ إسلام ساقط، والإسلام الحق هو إسلام علي عليه السلام.
وكل عودة للإسلام لا تكون من العودة إلى علي عليه السلام فهي غير واصلة، وغير تامة.. وكل استمساك بالدين فيه بُعد عن الاستمساك بعلي عليه السلام فهو بعيد بقدر هذا البعد عن الإسلام.
ليس في إسلام علي عليه السلام ما يخالف إسلام القرآن وإسلام الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، ولا فهم لعلي عليه السلام ما هو خلاف فهمهما.. ولم يضع شيء من الإسلام عنه.. قلب علي عليه السلام لم يضع منه شيء من الإسلام، حافظ لكل الإسلام، مختزن لكل الإسلام، أمين على كل الإسلام. والقرآن والرسول هما المرجعية الوحيدة لعلي عليه السلام في فهم الإسلام، في اتخاذه منهجاً، وسيرة وسلوكًا.
أعود فأقول لنفسي ولكم أيها الأحبة:
من أحبّ منّا نفسه فليحبّ علياً عليه السلام، ومن أراد النجاة لنفسه فليستمسك بعلي عليه السلام، ومن أراد للإنسانية خيراً فليدلّ على علي عليه السلام.
غفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.