سنّة الابتلاء ( آية الله قاسم )
آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
هناك مشاكل يواجهها الذهن إذا تعامل معها الإنسان بإرادةٍ وصبر، ودَخَلَ بجدٍّ في معاناة حلِّها أثمر ذلك نموًّا في قابليّاته الذهنيَّة، وأعطاه نُضجًا في الفهم، وأضاف إليه من قُدرة المواجهة لغموض المسائل، وفكِّ مغاليقها.
وإذا لانت إرادتُه أمام صعوبتها، وضعُفت نفسُه، ولم يصبر على التعامل الذهنيّ المضنيّ معها تجمَّد عند مستواه، وبَقِيَت قابلياتُه(1) بلا تفعيل.
وإذا أساء في التعامل مع تلك المشاكل ذات الطبيعة الذهنيَّة القاسية، وجانب المنهج العلمي والطريقة المنطقية في التفكير، واستهدفَ أن يصِلَ إلى ما يوافق هواه من نتائج بدأ يخسر من فهمه، وينحطُّ في المستوى الذهنيّ الذي كان يتمتّع به.
وكما للذِّهن قابلياتٌ فللبدن قابليات، وكذلك لجانب النفس والرّوح في الإنسان. ولا يجد شيءٌ من كلّ هذه القابليات حالةَ الفعل والصَّيرورة التامَّة الناضِجة إلا بدخوله في التجارب العمليّة القاسية، والامتحانات الشديدة الصَّعبة.
حياةُ الإنسان كلُّها، ووجوده كلُّه في وسطٍ من كدٍّ وتعبٍ وكَبَد. أيامُه لا تمرّ إلا عبر المعاناة، وشخصيّتُه لا تنبني إلا من خلال المجاهدة، وكلُّ بُعْدٍ من أبعاده لا تُنضّجه إلّا المقاساة، وغاياته الصغيرة، والكبيرة وغايته النهائية العظمى لا تحصل بالكسل والاسترخاء، وإنَّما الطريق إليها وهو طريقُ البناء والإعمار والتصحيح والتطوير والتكامل وهو طريقُ كلِّ عمر التكليف وما قبل التكليف كلُّهُ مجاهدة ومكابدة وخوض معارك ضارية، ومستصعبة مع النّفس ومع الظّروف التي لا يخلو شيءٌ منها من نوعٍ من البلاء؛ البلاءِ بالخير، والبلاءِ بالشّر، ولا ينفكُّ عن لون وآخر من التحدّيات.
طريقٌ يحتاج إلى عزيمة وتصميم، وصبر وثبات، ورؤية واضحة داعِمة مُمِدَّة بكلِّ ذلك؛ رؤية أصيلة حقيقية غير قابلة للاهتزاز تتعلّق بالمبدأ والمنطلق والغاية والمنهج والطّريق، رؤية تمتلك تقييمًا دقيقًا للذَّات والدُّنيا والآخرة.
من طَلَبَ الرَّاحة في هذه الحياة فعليه أن يقطعَ النظرَ عن الوصول إلى الغاية، ومن طَلَبَ حياة لا مشاكل فيها ولا بلاءَ ولا تحدّيات فعليه أن يبحثَ عن حياةٍ أخرى من صُنْعِ نفسه أو من صُنْع وهمه، وهي غيرُ الحياة التي كَتَبَ الله (عزَّ وجلّ)َ بقدرته وعلمه وإرادته وحكمته على عباده.
ونحن حينما نتمنّى الرَّاحة المطلقة في الحياة الدّنيا إنّما نتمنّى ما لا يمكن أن يكون، وما يخالف قَدَر الله سبحانه، وقدر الله لا مُغيِّر له.
وحتى نستفيد من الحياة، وحتى نبلُغَ هدفَها، وحتى نرضى، ولا نقعَ في السُّخْط المدمِّر لنفسيّتنا، وفي غضب الله (عزّ وجلّ) علينا أن ننظرَ للحياة نظرةً واقعيَّة تتّسق مع طبيعتها، وهي حياة ابتلاء وامتحان ومجاهدة ومكابدة، زادُها الوعيُ، والتسليمُ لحكمة الخالق العليّ العظيم، ومواجهةُ ضعف النفس لا الانخذالُ، والاستقامةُ على طريق المجاهدة والثبات لا التلكّؤُ والانحراف.
تقول الآية الرَّابعة من سورة البلد: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}، فهل للإنسان أن يُبدِّل خلق الله، أو يخرج على قدره، أو يرتاب في علمه وقدرته وحكمته؟!
ولَمَّا كان طريق البناء للإنسان هو طريق الابتلاء بالخير والشّر، ولا طريق له غيرُه، وهو المؤدّي إلى كماله إذا صَبَرَ عليه، ووفّاه حقَّه، وتعامل معه التعامُل الذي دلّ عليه منهجُ الله كان الابتلاءُ في حياة الإنسان سُنّة شاملة من سُنَنِه سبحانه التي لا تتغيّر. إنّها السُّنة التي لا تتوقّف عند أيّ درجة من درجات القُرْب والإيمان، وتستمرُّ مع الإنسان مع استمرار الحياة حتّى تُغادِرَ روحُه جسدَه.
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}(2).
وخَلْقُ الإنسانِ من أمشاج، وتركيبُ وجوده من روحٍ لها مستواها وأُفُقها وحاجاتها ومقتضياتُها، ومن بَدَنٍ له من هذه الأمور غير ما لها سِرٌّ يقف وراء ابتلائه، وخلفيّةٌ تضعه دائمًا في دائرة الامتحان بين متطلّبات هذين المكوّنين لطبيعته، وعليه أن يأخذَ بمنهج الله (عزَّ وجلَّ) الذي بَعَثَ به رسله في تعامله مع هذا الواقع الثنائيّ لوجوده من أجل أن يخرجَ من الامتحان ناجحًا وإلّا كان حتمًا مصيرُه الفشل والسّقوط.
{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(3).
ويقول سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(4).
واللهُ العليمُ الخبيرُ يعلم أزلًا صدقَ من صَدَقَ إيمانُه، وكذب من كذب إيمانُه. وأمّا الامتحان فيجسّد هذا الصدق أو الكذب ليكون متعلّقًا للعلم الإلهي بما هو عليه من تحقُّق وفعليّة في القول والفعل والسخط والرضا والتسليم والرفض والتوقُّف عن مقتضى الإيمان، ومسايرته.
تقول الرواية عن الإمام عليّ (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ…}(5)، يقول فيها: “أنه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيَّن الساخط لرزقه، والرّاضي بِقِسْمِه، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي يُستحقّ الثواب والعقاب”(6).
والاختبار بالأموال والأولاد يأتي في صورتين: صورة التوسعة والتضييق، والإعطاء والمنع. فكلٌّ من ذلك فيه امتحانٌ للعبد، والنجاحُ فيه الشّكر لمن أُعطي ووُسِّع عليه، والتسليم والرِّضا بقدر الله لمن مُنع مثل الولد أو ضُيِّق عليه رزقُه. ويواجه من أُعطي الولد امتحاناتٍ أخرى كما في المصاب منهم بالعاهة والمرض، وكما في حالة الفَقْد. وفي تربية الأولاد امتحانٌ آخر كثيرًا ما يتعرّض فيه الإنسان للسقوط.
منطلق سنّة الابتلاء
للعقول أوزانُها، وللنفوس أوزانُها، وللأبدان كذلك. ووزنُ كلّ شيء ومدى تحمّله وكلّ خصائصه وآثاره معلومٌ أبلغ العلم، وأصدقَ العلم عند بارئه من دون أن يفوته منه شيء، أو ينسى شيئًا، أو يغفل شيئًا.
وعَدْلُ الله لا يتجاوز تكليفه مقدورًا إلى غير مقدور، ولا يتعدّى ابتلاؤه ما يُطاق إلى ما لا يُطاق. بل دين الله ينفي عن نفسه العُسْرَ والحرج، وهو الدّين الصّادق الأمين.
وما منطلق التكليف، وكذلك سُنّة الابتلاء على ما يقتضيه من مجاهدة للنفس وتحمّل وصبر إلّا الرَّحمة والحكمة.
ولا يُتّخذُ من استصعاب نفوسنا التي أضعفناها دليلًا على تجاوز الابتلاء لحدِّ ما تتّسع له عندنا القدرة.
وإنّ وراء سنَّة الابتلاء حاجةً للعبد، وضرورة يتطلَّبها بناؤه، وتقتضيها غاية الكمال، وتفعيلُ القابليات الضخمة، والاستعدادات الكبيرة في ذات الإنسان. ولولا الابتلاء لأَسِنَتْ حياة الإنسان، وبقي عند حدّ الفجاجة، ولم يكن له ذلك الوزن الكبير.
وسنّة الابتلاء تُجلّي لنا حقيقة ذواتنا، وتكشف عن غموض ما يمكن أن تنتهي إليه، وهي تُقيم لنا دليلًا واضحًا على عدل الله سبحانه فيما يستقبله بنا عدلُه من جزاء مثوبة أو عقوبة.
وعلى ما بين النّاس من تفاوت في القُدرات فإنَّ التكليف والابتلاء لا يتجاوزان في حدّهما الأدنى العامّ المشترك حدَّ القدرة(7) حسب عَدْل الله (عزّ وجلّ)(8)، والضعف والفشل عند كثير منّا أمام الامتحان إنما مردّه إهمالنا لتربية النفس وترويضها، وما نحن عليه من ميل غير سويّ للاسترخاء والكسل.
ويُنتبَه إلى أنَّ إخلالنا في طلب الفهم الصّحيح للأحكام الشرعيّة، وما يصحُّ وما لا يصحُّ، وما يُتّخذ من وسيلة، وما لا يُتّخذ، وما يوصل إلى المطلوب وما لا يُوصِل، وما هو الأكثر نجاحًا من الوسائل، وما يبني القوّة وما يهدمها في حياتنا الخاصة والعامة، وتفريطنا في الأخذ الجادّ بما نعرف مما يلزم، وما فيه النفع والصلاح، وإقدامنا على ما نعرفه منعه، وما فيه الضرر والفساد كلُّ ذلك يوقعنا في كثير من المصائب وحالات الابتلاء التي ما كان لنا أن نبتلي بها لولا ذلك كلّه.
ولو جاءت هذه المصائب بمستوىً لا قِبَلَ لنا به فإنّها لا تُخالف العدل الإلهي، لأن هذا النوع من المصائب إنما يأتينا بتفريطنا وعنادنا بترك العلم أو المخالفة له في العمل.
حكم الابتلاء وفوائده
ولنتلمَّس في ضوء النصوص حِكَمًا من حِكَم الابتلاء، وفوائد من فوائده.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): “البَلاءُ زَينُ المُؤمِنِ، وكَرامَةٌ لِمَن عَقَلَ؛ لِأَنَّ في مُباشَرَتِهِ وَالصَّبرِ عَلَيهِ وَالثَّباتِ عِندَهُ تَصحيحَ نِسبَةِ الإِيمانِ”(9).
لا ريب في أن زينة الذات الإنسانية في كمالها، ولأنَّ كمالها في إيمانها بالله، والسّير في هداه، وطلب رضوانه كان لا بدّ لها من الإيمان.
والإيمان الذي يصنع هذه الذات صناعة راقية، ويسمو بها ليس هو إيمان الكلمة من غير اعتقاد راسخ تنطِق عنه، وعمل صالح ينسجم معها، ويكشف عن صدقها، ويزيد من جدّيتها وفاعليتها.
فصار أنَّ البلاء زينة المؤمن حيث الصبر عليه، والثبات عنده، وتحمُّل أثقاله، وصحيحٌ أن في ذلك صدقًا للإيمان، وتصحيحًا واقعيًّا لنسبة المرء إليه، ونسبته له.
وبالبلاء والتصبُّر عليه تظهر صفة التقوى على فعليّتها في القلب، ويشعّ نورها، وتكون لها قيادةُ خُطى الإنسان {… أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى…}(10).
وبالبلاء والتصبُّر عليه، والنجاح فيه تظهر الذات الإنسانية في أجمل صورة لها، وأرقى درجة من درجاتها، ويبرز ما لها من قوة عقل، وصحّة فهم، وسلامة سريرة، وطُهْرِ قلب، وصلاح إرادة {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(11). وحسن العمل، وصواب الموقف، والأخذ بالهدى، والاستقامة على الصِّراط لا تكون إلّا عن عقل، وزكاة قلب، ونقاء روح، وقوة إرادة في الخير، وداخلٍ نورانيٍّ مشعٍّ.
إنّها الذَّات الطيّبة النظيفة الطّاهرة التي يكون لها ذلك كله ولا يكون لغيرها {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ…}(12).
ونمرُّ بنصوص أخرى في موارد من موارد الابتلاء:
وقبل ذلك فإنَّ النفوس لتختلف في قدرتها على النجاح في تجارب من نوع عن تجارب من نوع آخر من أنواع الابتلاء. فلا تزكو عند أحدنا نفسُه أنْ وَجَدَ شيئًا من النجاح لها في تجربة أو أخرى من تجارب الامتحان الإلهي، فإنّ أمام النفس لكثيرًا من تجارب البلاء من أنواع مختلفة قد تواجه فيها فشلًا ذريعًا، وينكشف منها أنْ ليس لها من قدرة المقاومة ما يُكسبها الصمود.
ويأتي التنوُّع في تجارب الابتلاء بالخير، وتجارب الابتلاء بالشرّ. وربما أمكن لنفسٍ أن تثبت أمام بلاء بالخير ولا تثبت أمام بلاء آخر كذلك، وأن تُحقِّق نجاحًا في مورد مصيبة، وتفشل كلّ الفشل في مورد آخر.
وربما أطغى نفسًا الخير، وأدّبها الشرّ، وربما كان في الخير لها ثبات، وفي الشرّ سقوط.
وما على الإنسان هو أن يروّض النفس ما استطاع على الصبر على كلِّ أنواع البلاء، وما له من مفردات مُستعينًا بالتوكُّل على الله سبحانه، واللجأ إليه، والاحتماء بقدرته ورحمته من النّفس والشّيطان وأسباب الضّلال والغرور، ومن مضلّات الفتن التي تصرع النفس، ولا تقوم لها قدرتُها، وتخسر أمامها مقاومتها، وهي مضلّات غلّابات تأتي جزاءً لسوء فعل الإنسان، ولخذلان الله (عزّ وجلّ) له بسبب ما أمعن فيه من الذنب، وأصرّ على الإثم، وفُرْط إهماله وتفريطه.
ألوان الابتلاء وصوره
ومن ألوان الابتلاء وصوره التي تتحدّث عنها النصوص الآتي:
. المزيد من الغنى والصحة والقوة، وأنواع التمكين: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}(13).
الفرج بعد الشدَّة: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}(14).
فقد يسوق ظَرْفُ النعمة الإنسانَ إلى أن ينسى عبودية نفسه، وربوبية ربّه، فيُسنِد النعمة التي آتاها الله إيّاها إلى قوّته وعلمه وخبرته وذكائه وجهده ناسيًا أنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.
وربما كان الفرج الذي منَّ الله به عليه بعد شدّته وكربته جعله ينسبه إلى حِيلته وصُنعه.
. أنواع المصائب: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(15).
وهو ليس البلاءَ الثَّقيل الذي لا تتحمّلونه، ويفوق طاقتكم ويستنفذُها لولا أنّكم لا تصبرون الصّبر الذي مُكِّنتم منه، ويسعه منكم ما آتاكم الله من طاقةٍ بفضله، وأعدّه لكم من منهج تربويّ يُظهر فيكم قدرة المقاومة، ويُمكِّنكم من إحراز النصر على الهوى وأسباب الضعف.
وفي الزوج المؤذي أو المؤذية فتنة، وفي ما نجهله من حِكم الأحكام الشرعية فتنة، وفي جار السّوء فتنة، وإنّ في كلّ نعمة ومصيبة فتنة.
ورُبّ علاج نفس واستقامتِها على الطّريق فيما يُمدّه الله بها من غنى وسعة وصحة وقوة وخير، ولو كان الأمر غير ذلك لخسرت دينها.
وربّما كان علاج أخرى وصلاحها فيما كتبه الله عليها من الفاقة والمسكنة والسُّقم.
نقرأ هذا في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): “قالَ اللّهُ عزّ وجلّ: إنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَعِباداً لا يَصلُحُ لَهُم أمرُ دينِهِم إلّا بِالغِنى وَالسَّعَةِ وَالصِّحَّةِ فِي البَدَنِ، فَأَبلوهُم بِالغِنى وَالسَّعَةِ وَالصِّحَّةِ فِي البَدَنِ، فَيَصلُحُ لَهُم أمرُ دينِهِم.
وقالَ: إنَّ مِن العِبادِ لَعِباداً لا يَصلُحُ لَهُم أمرُ دينِهِم إلّا بِالفاقَةِ وَالمَسكَنَةِ وَالسُّقمِ في أبدانِهِم، فَأَبلوهُم بِالفَقرِ وَالفاقَةِ وَالمَسكَنَةِ وَالسُّقمِ في أبدانِهِم، فَيَصلُحُ لَهُم أمرُ دينِهِم”(16).
————————————————————–
* موضوع طرحه سماحته في خطبتين لصلاة الجمعة بتاريخ 15-22 جمادى الثاني 1434هـ (26 أبريل – 3 مايو 2013م).
راجع: خطبة الجمعة (552)، (553) على موقع مكتب البيان للمراجعات الدينية: http://www.albayan.org.
1 – وإن كانت كبيرة.
2 – الإنسان: 2.
3 – سورة العصر.
4 – العنكبوت: 2-3.
5 – الأنفال: 28.
6 – نهج البلاغة، ج4، ص21، ط1.
7- عند أحد.
8- كما لا يتجاوز أيّ تكليف خاص من كلِّف به حدَّ ما هو عليه من قدرة.
9 – بحار الأنوار، ج64، ص231، ط3 المصحّحة.
10 – الحجرات: 3.
11 – الملك: 2.
12 – آل عمران: 179.
13 – الأنعام: 165.
14 – الزمر: 49.
15 – البقرة: 155.
16 – كتاب المؤمن، ص24-25، ط1.