خطبة الجمعة (551) 8 جمادى الثاني 1434 هـ ـ 19 أبريل 2013م
مواضيع الخطبة:
الخطبة الأولى: نظرتان نافذة وساذجة
الخطبة الثانية: أين إسلامنا؟ – القولان لأخبار الخليج.. والتعليق عليهما
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا مُغيِّر لما خَلَق، ولا مُبدِّل لما سنَّ، ولا مُعطِّل لما أجرى، ولا مانع لما أراد، ولا شيءَ يُفلِت عن قوانينه، أو يَحدُث خارج سننه. وكلُّ قوانينه وسُنَنِه حقّ، وعدل، وحكمة.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عبادَ الله لا تُنسِنا دُنيانا أُخرانا؛ فالآخرةُ خيرٌ وأبقى، وليس في الدنيا ما يعدل فيها من عذاب ونعيم، وشقاء وسعادة، وكلّ ما في الدنيا من متع ومتاعب لا يكاد يزن شيئًا مما في الآخرة.
ولا طريق لأحد لتجنُّب الشرّ العظيم الذي ينتظر المجرمين هناك، ونيل سعادة الأبد إلّا تقوى الله الملك الحقّ المبين، فلا يصرفنّك عن التقوى صارف، ولا يُلهيَنَّك لاه.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا من لا خير إلّا من عنده، ولا دفع للشرّ إلَّا به لقّنا خير الدين الدّنيا والآخرة، وجنّبنا شرَّ الدّنيا والآخرة، واصرف عنّا كلّ سوء بفضلك ومنّك يا رحمن يا رحيم.
أما بعد أيّها الأخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات فالحديث تحت عنوان:
نظرتان نافذة وساذجة:
إنّ زهرة الحياةِ الدنيا لا تغلب على الإنسان عقلَه وبصيرتَه وحكمتَه، ولا تُسقط إرادةَ الاستقامة فيه إلّا أنْ يغيبَ عن قلبه السَّاهي ذكرُ ربّه، أمَّا من ذكر الله، والتفتَ إلى عظمته، وعلمه، وقدرته، ورقابته، وجليل نِعَمه وإحسانه، وشدّة أخذه وإحاطته فلا تنال منه(1).. فلا يترك أحدُنا لقلبه أن يسهو، ولعقله أن يُغيّب، ولبصيرته أن تعمى، ولإرادته أن تخور.
وإذا وقفنا أمام مظهر من مظاهر الحياة، أمام حدث من الأحداث، مُتغيِّر من المتغيرات، أمام ما يُثير الفرح أو الحزن أو الدّهشة والإعجاب فلنقفْ أمامه بعقولنا وقلوبنا لا بمجرّد العاطفة والانفعال، والارتجالية السّاذجة.
والوقوف عند سطح الأشياء له مردود، والنفاذ إلى عمقها له مردود آخر، واللؤلؤ الأخّاذ دائمًا في الأعماق، وحقائق الأمور تحتاج إلى غوصٍ لمسافات بعيدة.
يمرّ أحدنا بالبيوت فيُلفِته تفاوتها ضخامة ووضاعة، وبَذَخًا ومسكنة، وسعة وضيقًا، ومتانة ووهنًا، وجمالًا وغير جمال.
وقد يبقى عند هذا الحدِّ فيستولي عليه ذكرُ المظهر، ويستقطبه اللون والشّكل وجمال المرأى، وتسحره مناظر الترف، وتملكه صورةٌ لبيت، ويشتريه منظره، فيسعى كل حياته، ويعطي كلّ الجهد، ويُسخر كلّ الإمكانات والفرص من أجل تحقيق الحُلُم الكبير الذي تعلّق بتلك الصورة، وانشدّ إلى ذلك المنظر، ليخرج من الحياة من بعد ذلك وقد ضاعت عليه الحياة من غير أن يُحقّق أمله، أو يخرج منها وقد تحققت له الأمنية الصغيرة التي لا تساوي شيئًا من قيمة الحياة، ولا يمكن أن يرضاها العقل هدفًا لها.
وقد يمر آخر بالبيوت فيرى منها كلّ ما رأى صاحبه وأكثر مما رأى من جمال، وبذخ، وروعة وزينة، ولكنَّ نفاذ نظره إلى العمق يريه شيئًا آخر، ويفهمه شيئًا آخر، ويقف به على حقيقة أهمّ.
البيوت بمنظرها المتفاوت أَرتِ الأوّلَ غنى وفقرًا، سعة حال وضيق حال.
ونافذ النظرة إليها تريه نظرته ما قد يكون عليه تفاوتها الفاحش من اضطراب في موازين العدل الاقتصادي في المجتمع، وتوزيع الموارد الطبيعية، وناتج الثروة، ومن أَثَرَةٍ وجشع وسرقة مبطّنة وجور في القوانين، وشراء ذِمَمٍ يشهد به هذا التفاوت فيُحرِّكه ذلك إلى أن يطلق صرخة في مجتمعه وأمته تُطالب بالعدالة.
ويُلفته النظر المدقِّق، والقلب الواعي إلى أن سَكَنَة هذه البيوت على تباعدها الهائل في الاستطالة واللصوق، والضيق والسعة، والجمال والقبح كلّهم يصحّون ويمرضون، ويفرحون ويحزنون، ويأملون وييأسون، ويقهرهم قَدَر الموت، وتضمّهم في الأخير القبور.
وأنَّ من هذه البيوت ما يسود أهله الوفاق وإن كان لا يبعث على السّرور، وآخر يقطنه الخلاف والتمزُّق وتبادل الشّكوك وإن كان ينال كلَّ الإعجاب، وأنَّ بعضها على تواضعه ملء نفوس أهله الرِّضا، وآخر على استطالته يأكل السّخط قلوب من فيه ويعصف بها.
إنَّ صاحب النظر النافذ المدقِّق والقلب النبيه لَيُدرك أنَّ واجهات البيوت وتفاوتها المادي ليس فرقًا جوهريًّا بين الناس، وأن الفرق الجوهري في القلوب وقيمة الذات، ومحتوى النفس، ودقّة النظرة للحياة وما بعد الحياة، وأنَّ السعادة لا يُبحث عنها في تكديس المادة، وبذخ المظهر، وتراكم المال وسَرَفه.
صحيح أنَّ الحياة يُعكّر جوّها ضيق المال، وفَقْد حيلة العيش المعتدل، ولكنَّ المادة الواسعة وزيادة الترف بلا روحٍ حيّة كريمة، وأمل كبير يمتدُّ لما بعد هذه الحياة، ويجد فرصةً من زكاة النفس وطُهرها وكمالها لتحقيقه لا يُمكن أن تُحقِّق السعادة حتّى في هذه الحياة، وربما أشقَتْ أهلها أكثر مما يشقى بالفقر أهلُه. ولك أن تُطالع الحياة لتمدّك بهذه النماذج(2).
وعليك أن تتذكّر أنَّ ناطحات من ناطحات السَّحاب يسكنها شياطين تفزع لمخبرهم القلوب، وينشرون في الأرض الظلم والرُّعب والشقاء، وأنَّ أكواخًا وما بمستوى الأكواخ من بيوت أخرى قد تسكنها ملائكة في صورة بشر تحتاجهم الأرض لتنزّل رحمة الله عليها، ولا يصدر منهم إلّا ما فيه لها الحياة، وللنّاس الخير والهدى والبركات.
هذا تفاوت في عطاء هذين النوعين من النظر لشيء واحد من بين ملايين الأشياء والحوادث التي يُعايشها النّاس في الأرض وكلّها تتفاوت في عطائها حسب نوع النظر(3).
فلنتعلّم أن تكون لنا نظرةٌ مدقّقةٌ معمّقةٌ وبصيرةٌ نافذةٌ، وألا ننظر إلى الأشياء والحوادث وهي من مدرسة الحياة بلا قلب حاضر وعقل متفتح.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا ممن نظر فعرف، وعرف فوعى، ووعى فعمل، وعمل وأخلص، وقَبِلْتَ عمله بفضلك وإحسانك يا كريم يا رحيم.
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(4).
الخطبة الثانية
الحمد لله الخالق لا عن حاجة، المتفضِّل بلا مَنٍّ، الرازق بلا جزاء. لا تنقطع قدرتُه، ولا تنفد خزائنه، ولا إحصاءَ من خلقه لعطائه، ولا عَدّ منهم لمواهبه. تعجز الخلائق عن شكره، وتقصر عن حقيقة حمده.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عباد الله لا طاعة لعبد من عبيده تُكافِئ حقّه، وتعدل نِعَمه، ولا طريق لنيل رضاه إلّا تقواه صِدقَ التقوى والإلحاحُ في طلب عفوه ومغفرته.
فالجدَّ الجدَّ في طاعة الله، والخشيةَ الخشيةَ منه، والتقوى التقوى من مخالفته، والإمعانَ الإمعانَ في التشبُّث بعفوه ورحمته.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا أمل لنا في عملنا وإنما أملنا في عفوك وتجاوزك، وفضلك وإحسانك فاعفو عنّا وتجاوز عن قبائحنا، ومُنَّ علينا بفضلك وإحسانك في الدّنيا والآخرة يا كريم، يا رحمان، يا رحيم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
اللهم عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.
أما بعد أيّها الأحبّة في الله فإلى هذا العنوان:
أين إسلامنا؟:
الإسلام دين الحقّ والعدل والصِّدْق والأمانة والدّقة العلميَّة الفائقة، وهو عدوٌ للكذب والزيف والبهتان والتضليل والقول بغير حقّ.
والمسلم لا ينبغي له إلَّا أن يكون كما أراد له دينُه، ولو التزم المسلمون بهذا الأمر الملزم في الإسلام لكان لهم واقعٌ أكبرُ من كلّ أهل الدنيا، وموقع فوق كلّ مواقع التقدُّم التي وصل إليها هذا العالم.
وكم يُسيء المسلمون لأنفسهم حين يخرجون على هذا النهج، ويسلكون غير هذا الطّريق، وكم يُسيئون للإسلام ويظلمونه حين يعطون عنه صورةً مُشوّهة مغايرة لما عليه واقعه النظيف ومستواه القِّمَّة، ويسقطون بالصّورة عنه إلى الحضيض حين يُجانبون في القول الحقيقة، ويغتالون قيمة الصِّدْق، ويخرجون على أمانة الكلمة الخروجَ السَّافر العلنيّ، وتدفعهم الأغراض الدنيوية إلى مناهضة الحقّ المناهضة المكشوفة، وكم يضرّون بأوطانهم وشعوبهم وأمّتهم حين يُضلّلونها التضليل الذي ترغب فيه السياسة الدنيوية، ويهواه القائمون عليها؟!
وهذه صورةٌ من هذا الواقع المؤلم الخسيس، واقع المفارقة الفاضحة بين ما عليه الإسلام من التمسُّك بأعلى أفق وأسماه في الصدق والدقة العلمية والأمانة، والعدل والإنصاف حتى مع أعدى عدوٍّ وما وصلت إليه الكلمة في صحافة المسلمين، وبعض أقلامهم وألسنتهم من مستوى هابط ممعنٍ في مجافاة الحقيقة والخروج على الصدق، والتناقض مع العلم، والاستخفاف بالأمانة بالصّورة العلنيَّة الصَّارخة التي لا يحتاج كشفها إلى جُهد.
ويزداد الأمر سوءًا وبشاعة وفظاعة وإضرارًا بشرف الإسلام ونقائه حين تُلصق أو تلتصق هذه المخالفات الشائنة بمن لهم مواقع اجتماعية تكتسب مكانتها من الإسلام وتُحسب كلمتُهم كلمتَه، وتصرفهم تصرفه.
وهذا ما فعلته الصحافة عندنا في الأسبوع الأخير في قولين نسبتهما إلى جهتين إسلاميّتين لا علم لي شخصيًّا بصحة نسبتهما. والشأن كلّ الشأن في بيان ما وصلت إليه أوضاعنا من مستوى التجنّي على الحقيقة وعدم المبالاة في ممارسة الكذب بالشكل العلني المكشوف بغضّ النظر عن صحة النِّسبة وعدمها، ومن غير تحامل على أحد أو مصادمة معه أو انضمام القلب على شيء من حقد عليه.
القولان:
1. أخبار الخليج العدد 12806/ الإثنين 15 أبريل 2013م “وأوضح – متحدث باسم كيان إسلامي سياسي حسب الصحيفة – أنَّ جريمة تفجير السيارة في هذه المنطقة(5) التي وقعت الليلة البارحة على وجه الخصوص تعني رسالة واضحة وترجمة فورية لخطبة عيسى قاسم الذي هدد الدولة والمواطنين والمقيمين جميعًا بمرحلة الانفجار الأمني”.
2. أخبار الخليج العدد 12807/ الثلاثاء 16 أبريل 2013م:
“وأكدت الأصالة أن التفجير جاء بعد خطبة وكيل المرشد الإيراني في البحرين عيسى قاسم يوم الجمعة حين هدد بإدخال البحرين في “انفجار أمني عام” إذا لم تستجب الدولة لمطالبه حيث واصل تصويره الظالم لبلادنا بأبشع الصّور، وواصل التحريض على العنف والشحن والكراهية”.
أمّا ما جاء في خطبة الجمعة المعنيّة فهو بالنّص التالي، وهو نصٌّ مخطوط، ومطبوع، ومقروء لي في الخطبة، ومسموع من الكثيرين، ومنشور في الدّاخل والخارج. وبذلك يكون تزويره وفي أسبوع قراءته وسماعه وطباعته ونشره من أفضح الفضائح، وأجرأ الجرأة، وأقذر الكذب.
النصُّ كما هو في الخطبة بجميع مستوياتها المذكورة:”ولحدِّ الآن لم تدخل البحرين وقد طالت الأزمة الأمنيّة بها في حالة الانفجار الأمنيّ العامّ.
وهذه نعمة أخرى يجب على كلِّ الأطراف أن تشكر الباري المتفضّل عليها، وأن تعمل جاهدةً مُخلِصة على تجنيب الوطن من هذا المصير الأسود المروِّع، والفوضى الساحقة”.
وبعد قليل من هذه الكلمة جاء في الخطبة نفسها هذا الكلام الآخر:”ونحن – أهلَ البحرين جميعًا – نتحمل مسؤوليتنا الخاصَّة في أن لا ينزلق هذا الوطن إلى حالة الانفجار الأمني، ونعمل جاهدين على إنقاذه من أزمته الأمنيّة الحرجة القائمة”.
كلام الخطبة في الموردين يُسمّي عدم الدخول في حالة الانفجار الأمني نِعمة، ويُوجب على جميع الأطراف شكر المنعم المتفضّل بها وهو الله سبحانه، ويُوجب على كلِّ الأطراف كذلك أن تعمل جاهدة مخلصة على تجنيب الوطن من المصير الأسود المروّع والفوضى السّاحقة التي يُمثلها محذور الانفجار الأمني.
وهو يُحمّلنا جميعًا مسؤولية أن ينزلق الوطن إلى هذا المحذور السّيء الخطير، وأن نعمل جاهدين على إنقاذه من أزمته الأمنيّة الحرجة القائمة.
فالكلام يفيض بالإشفاق على الوطن وأهله، ويتخوّف عليه من حالة الانفجار الأمنيّ، ويُطالب النفس والغير بالعمل على درئه ودفعه، وعلى إنقاذ البلد من الأزمة الأمنيّة الحادّة الحاضرة سدًّا لبابه.
وما جاء في الصّحيفة المذكورة نَسَفَ ذلك كلَّه، وألغاه واستبدل عنه بما يناقضه فجعله دعوة للعنف والإرهاب، وتهديدًا للدولة والمواطنين والمقيمين جميًعا بمرحلة الانفجار الأمنيّ، وفي تعبير آخر تهديدًا بإدخال البحرين في انفجار أمنيّ عام.
وحَمَّل كلام الصحيفة الخطبة في النص الذي قرأته منها مسؤولية التحريض على العنف والكراهية. وعَدَّ التفجير الذي ذكرته(6) استجابة فورية لخطبة عيسى قاسم لِتُحمِّله مسؤوليته.
أيُّ مختصٍّ في اللغة العربية يفهم شيئًا من هذه المضامين من الخطبة؟! أيّ طفل عربي في السنة الأولى من الدراسة الابتدائية يمكن أن ينسب إلى الخطبة ما قالته الصحيفة؟
أهو الهذيان، أهو الهراء المحض، أم هو الافتراء البيِّن، والكذب الصراح، والضرب بِقِيَم الدّين والعدل والصدق والأمانة عرض الحائط؟!(7)
غفر الله لمن تقوّل هذا التقوّل، وارتكب هذا التزوير(8).
أما عن الحراك الشعبي فقد بدأ سياسيًّا ويبقى كذلك، وبدأ إصلاحيًّا ويبقى كذلك، وبدأ سلميًّا، ويبقى كذلك، وبدأ وأداته الكلمة الموضوعية النزيهة القويّة المعبِّرة، وصرخة الحق المدويّة، والمسيرات الحضارية الحاشدة المنضبطة بلا أداةِ قتلٍ أو إدماء وجرح ويبقى كذلك مستغنيًا حتى عن مثل الحجر إلى أن تتحقق أهدافه النبيلة، ومطالبه العادلة كاملة(9).
حراك راشد حكيم عادل سلمي مؤمن كلّ الإيمان بهدف الإصلاح، الذي يرى فيه مصلحة الوطن كلِّه، وأمنَه، وتقدّمه، وخيره.
حراكٌ لم ينطلق الشعبُ فيه إلّا من منطق الحقّ والعدل، ومن دافع الضرورة العمليّة، وعلى هدى من دينه، ويقين من أمره، وبذلك فهو لا يعدل عنه، ولا يخرج فيه عن رشده وحكمته، وكذلك لا يختار له طريق العنف والعدوان، ولا يعدل عن أسلوبه السلمي حتى إلى زجاجة أو حجر.
في هذا رشد، وفيه حكمة، وفيه مصلحة، ووعيٌ وانضباط، واحتياط في ما يُطلب فيه الاحتياط.
وهنا سؤال لابد أن يطرح نفسه: الحرمة المعتبرة للباس الجناة حيث يُطالَب الشّرفاء من الرّموز السّياسيين في السِّجن بالالتزام به أشدّ قيمةً وكرامة من قيمة وكرامة أولئك الشرفاء الذين يُمثلون صوت الشعب وضمير الشعب فيما طالبوا به من حرّيته وكرامته وحقوقه السياسية من مثل الأستاذ عبدالوهاب حسين وسماحة الشيخ محمد حبيب المقداد والأستاذ حسن مشيمع والأستاذ الدكتور عبدالجليل السنكيس حتى تُهمل صحتهم ويُسوّف في علاجهم وأمر دوائهم، ويُمنعوا من ملاقاة أهلهم لأنّهم يعرفون من أنفسهم البراءةَ من الجريمة والمجرمين، ويأبَون أن يشهدوا على أنفسهم زورًا بالجريمة؟!
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدًا وآل محمد أفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. واغفر لنا ربنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين مغفرة حتمًا جزمًا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ما عرَّفتنا من الحقّ فحمّلناه، وما قصرنا عنه فبلّغناه، واجعلنا لا نعدل أبدًا عن دينك، ولا ننحدر عن صراطك يا رحمان يا رحيم.
اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفك أسرانا وسجناءنا، ورد غرباءنا سالمين غانمين في عزٍّ وبركة وكرامة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون (10).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – زهرة الدنيا ولا ما هو أكبر منها.
2 – بنماذج من هذا النوع ونماذج من النوع الآخر.
3 – ما وقفت بنظرك على شيء من أشياء هذه الدنيا أو على حدث من أحداثها إلا وكانت لك إحدى النظرتين، ولكل نظرة منهما ناتجها الخاص.
4 – سورة التوحيد.
5 – المرفأ المالي.
6 – أي الصحافة.
7 – لهو الأخير وليس الأول. فالقوم يفهمون وليس أنهم لا يفهمون.
8 – ولن أطالبهم بما قالوا يوم القيامة.
9 – هذا رأيي.
10 – 90/ النحل.