خطبة الجمعة (539) 13 ربيع الأول 1434 هـ ـ 25 يناير 2013م
مواضيع الخطبة:
الخطبة الأولى: الإنسان بين أكثر من نظرة
الخطبة الثانية: البحرين والإصلاح والحوار
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي ترجع إليه الأشياءُ كلُّها في مبدئها ومُنتهاها، وهي محكومةٌ لقدرته في كلِّ مَداها، ولا خروج لها عن أمره في تأثيرها ومقتضاها، ولا تجاوزَ لها عمَّا قُدِّر أن يجريَ عليها.
العِزُّ له وحده، وكلُّ ما عداه من شيء مقهور له، ذليل بين يدي عَظَمَتِه، خاضعٌ لجبروته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عِبادَ الله اطلبوا الحقَّ وخذوا به؛ فالجاهلُ وهو قادر على أن يعلمَ مسؤول، والمفرِّط في ما عَلِمَ من الحقّ موزور. فلا عُذر لمقصِّر في علم أو عمل، ولا نجاةَ إلّا لمن طَلَبَ الهدى وأقام حياته عليه.
وكلُّ ما يكسبه المرءُ من خيرٍ أو شرٍّ فهو لاقِيه، وغدًا لا يُعطي أحدٌ أحدًا من أجره شيئًا، ولا يحمل مختارًا من وزره وزرًا. فمن طَلَبَ النجاة يوم القِيام فليجتنبْ الإثم، ومن أراد المنزلة الرفيعة فليُكثِرْ من العمل الصالح، ولا يفارق التقوى.
اللهم صلّ وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أصدق وأخلص أهل طاعتك، وعبادتك، وتقواك، ومحبتك، وأطلَبِهم لرضوانك، وأشدّهم تمسُّكًا بِعُرى دينك، والسُّبُل المنيرة السّالكة إليك، المقرّبة منك يا رحمان، يا رحيم، يا كريم.
أمَّا بعد أيّها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى حديث بعنوان:
الإنسان بين أكثر من نظرة:
لحياة الإنسان مساران: مسار تكويني مكتوب عليه، ولا دخل له فيه، وهو جارٍ في نظامه خارجَ إرادته، ورغمًا عليه، وضوابطه وقوانينه ليست من وضعه ومشتهاه. من ذلك نظام العمل في دورته الدَّموية، وجهازه التنفُّسي، وجهازه الهضمي، وعمل عقله، وإحساس نفسه.
والمسار الثاني لحياة الإنسان مسار اختياريٌّ داخل في إطار قراره واختياره، فله أن يُقرِّر أن يجعل حياته لهوًا ولَعِبًا، كما لَهُ القدرة أن يجعلها جدًّا وعملًا منتجًا، أن يجعلها سعيًا للدنيا، أو سعيًا للآخرة، وله الخيار أن يبذل في سبيل الخير أو الشر، أن يُناصر الحقّ أو الباطل. وترتبط مسؤولية الإنسان بالمسار الثّاني لحياته، وكلُّ ثوابه وعقابه لا ارتباط له بالمسار الأوَّل، وإنّما ارتباطه بما أُقدِر عليه، وتعلَّق به اختيارُه.
ولا ينفصل المسار الاختياريّ للإنسان عن نظرته للكون، والموت، والحياة، وذاته ومكانته.
فالنظر إلى الكون بأنّه لا خالق له، ولا حياةَ، ولا عقلَ، ولا حكمة، ولا علم، ولا هدف وراءه، وأنّه لا أصلَ له في وجودٍ غنيٍّ بذاته كامل لا نقص له، ولا يمكن أن يلحقه نقص، وإنما وُجِد تلقائيًّا من نفسه على نقصه ومحدوديّته وإمكانه، ومن رَحِم العدم، وبلا حكمة ولا هدف… وُجِد صدفة وعبثًا… النظر إلى الكون بهذا النظر يقود الإنسان إلى مسار العبثية واللذة الماديّة والضياع والانفلات على عكس الرّؤية التوحيديّة للكون التي تَرُدّ أمر الخلق والرزق والتدبير والحاكمية المهيمنة على كلّ شيء لله الواحد الأحد والكامل المطلق والحيّ الذي لا يموت؛ إذ تشدّ هذه النظرة صاحبها إلى المسار الجدّيّ الهادف، وتربطه بغاية الرِّضا الإلهي الذي تضعه على طريق طلب الكمال، وإنفاد العُمْر في بناء الذّات الصّالحة المرضيّة للربّ تبارك وتعالى.
ونظرٌ يؤمن بالآخرة، ويُعطيها قيمة غائية فوق قيمة الحياة لابُد أن يُدخلها في منهج الحياة للإنسان ويُعطيها أهميته الكبرى، ويُوفّق ما بينها وبين ما يتطلّبه بقاؤه على الأرض في مُدّته المحدودة، وتقضي به حاجاته، وما يُعطي الرَّاحة في الحياة على أن يكون التركيز على الإعداد للآخرة.
ولو كان النظر هو أنَّ الآخرة فِكرةٌ من أفكار الخيال، ووسيلة من وسائل التخدير للمستضعفين، وقَتْلِ الوعي الثّوري على المستكبرين وواقع الاستئثار والتحكُّم والاستعباد، والتعويض النفسي عن الآلام بالآخرة كما يُسوِّق هذا النظر المنكرون للآخرة وإن كان ذلك خلافًا لما تقضي به فكرة الآخرة من مقاومة الاستئثار والظلم والاستعباد، وتدفع إليه من المطالبة بالحقّ والعدل ومقاومة الطاغوتية والاستكبار في الأرض، والمواجهة الشَّديدة للانحراف التي يُصرّ عليها الدّين… لو كان النظر هو أنَّ الآخرة فكرة سلبية مخدِّرة تُعين على تمكين الظّالمين، وتُقنع المؤمنين بها على الصّبر على كل آلام الحياة وأذى المستكبرين، وتُعطِّل فكرة الثورية والتغيير والمقاومة لألوان البغي والانحراف لكان المؤمن بفكرة الآخرة مشلولًا في هذه الحياة(1)، آخذًا بمسار الإهمال لشأنها، معطِّلًا لحركة الإعمار فيها، منصرفًا عنها كلّ الانصراف إلّا ما قضت به الضرورة للحفاظ على أصل البقاء فيها ولو عند مستوى أدنى الدرجات.
أمّا من لا يؤمن باليوم الآخر(2)، ولا يرى له فرصة للحياة والتمتع باللذة إلا في هذه الحياة فإنَّ اندفاعته في اتجاه طلب اللذة فيها، والحفاظ عليها، والتضحية بكلِّ شيء في سبيلها لابُدَّ أن تكون قوية طاغية مجنونة لا يُوقِفها شيء إلّا ما يُهدِّد بوضع نهاية لحياة المتخلّي عن فكرة الآخرة، وخسارتها.
ولابد أن يَلُفَّ اليأس حياة من لا يؤمن باليوم الآخر، وتضغط عليه الأوضاع في حياته الدنيا ويُغلِّفها مما قد يدفع إلى التأزّمات النفسية الحادَّة والانتحار. ومِثْلُه من عاش حياة مترفة، وشغله همّ المستقبل البعيد الذي لا ينتظره فيه حَسْبَ رؤيته إلّا العدم المطلق، وضياع كلّ الفرص، وتبخُّر كلّ الآمال.
ونَظَرُ الإنسان إلى نفسه بأنّه من مستوى الحيوان(3) إلا فيما يمتاز به من قدرة على التفكير الذي يعينه على مواجهة مشاكل المادّة، والتخلص منها، وطلب حياة دنيوية أكثر مِتعة وترفًا وبذخًا، وإلى أنَّ قضية القيم والأخلاق والتديُّن إنما هي خرافة يسوقه إلى مسار ماديٍّ صِرْف لا يعرف فيه إلّا اللذة المادية، ولا يُقدّس إلا الشّهوة، ولا يسعى إلّا لجمع المال من أيّ وجه، وبأيّ حيلة، وأيّ ثمن.
والناظر إلى نفسه من الناس أنه في موقع السّيادة المطلقة(4)، وأنَّ له الحرية المفتوحة التي لا قيد عليها، ولا حدّ لها(5) ينطلق ليفعل ما يشاء مما يقدر عليه حسب هوى النفس ومشتهياتها وإن ظَلَمَ الملايين، وأشقى حياتهم، وسَحَقَ من سحق، ودمّر من دمّر، وصادر ما في يد الآخرين مما لا حياة لهم بدونه. وللمؤمن بالقيمة العالية للإنسان وكرامته وحرّيته في حدود مالكية الله المطلقة له ولكلِّ شيء آخر في الكون مسارٌ آخرُ في الحياة يتناسب مع النظرة المحترمة للنفس، والوظيفة التي تنسجم مع مستواها، والغاية المؤهّل لها، وقِمّة الكمال الممكن لهذه النفس، والذي عليها أن تجاهد من أجله، وتستفيد من كل طاقاتها وفرصها للوصول إليه.
نظرة الإنسان لنفسه هذه النظرةَ لا تسمح له بأن يسقط قدرًا، أن تستعبده شهوة، أن تملكه رغبة من الرَّغبات المادية، أن يعبُدَ غير الله سبحانه، أن يفقد إرادته أمام طاغوتية طاغوت، واستكبار مستكبر، أو يتنازل عن طريق الكمال الذّاتيّ، والمجد المعنوي الذي يؤمن بأنه مؤهّل له، وفيه غايته، وأن تذهبَ حياته هدرًا رخيصةً على مذبح الشّهوات السّاقطة، ولذّات الحياة العابرة، وتُستهلك في النزاعات الدنيوية التافهة، ومواقع الشّهرة الزائفة، والسلطان الظالم الذي لا يبقي من دين الإنسان، ولا إنسانيته.
هذه النظرة تجعل حياة الإنسان جِدًّا، وبناءً، وإعمارًا ونفعًا عامًّا، ونورًا هاديًا، وحركة نامية، وعطاءً ثرًّا، وصعودًا متّصِلا. يجعلها محقّقة للكمال، ومُفضية للنجاح.
وإنه لَيُطلب في النظرة التي تقوم عليها الحياة، وتقود حركة الحياة، ويتحدّد في ضوئها مسار الإنسان، وتتفجّر طاقاتُه، وتتثبّت غايته أن تكون نظرةً كريمةً راقيةً تعرف للإنسانية قدرها، ولمقام الإنسان شأنه على أن لا تكون ضربًا من ضروب الخيال، ولا لونًا من ألوان الوهم الذي يتجاوز بالإنسان حدود إنسانيته، ويرتفع به عن مستوى أُفُقِه، ويضفي عليه صفةالألوهية التي ليست له، ويُقنعِه بالحرية التي فوق مقدوره، وأنه الموجود الطليق من كلِّ قيدٍ يُقيّد حركته، وضابطة تضع حدًّا لحريته؛ فإنّ الخيال لا يقوى على مواجهة الواقع(6)، والوهم لا يمكن أن يصمد أمام الحقيقة ويُكابرها، والغلبة دائمًا للحقيقة، وبناء الحياة على النظرة الواهمة يُغرقها في المأساة، وينقطع بها عن غايتها.
وعلينا أن نبحث عن النظرة الكريمة الرَّاقية والواقعيّة كذلك للإنسان. وهذا ما يأتي في حديث قادم إن شاء الله.
اللهم صلّ وسلّم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم اجعل حياتنا لما خلقتنا له، وبلّغنا الغاية التي ارتضيتها لعبادك الصالحين، وارزقنا العاقبة الحميدة التي أنهيت عبادك الصالحين إليها، وآونا إلى الجنّة التي وعدتهم إياها برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(7).
الخطبة الثانية
الحمد لله العدل العليم الحكيم الذي لم يرضَ لعباده حُكْمًا غير حكم دينه، ولا إمامةً إلّا إمامة العالم العادل، الخبير بدينه، العامل بشريعته، المطيع لمولاه، المخالف لهواه، الدّال على طريق ربّه، المجاهد في سبيله، الذي لا يعدل عن رضاه، ولا معبودَ له سواه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمَّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عبادَ الله ما من تحذير حَقَّ أنْ يُخاف كتحذير الله عزّ وجلّ لمن عصاه، ولا ترغيبٍ حقّ أن يُستجاب له كترغيبِ الله في طاعته، ولا وعدٍ حقَّ أن يُطمعَ فيه كوعد الله لمن سلك طريق دينه. فلا تنسَ نفسٌ تحذير الله لتحذير عبدٍ من عبيده، ولا يصرفها عن وعده وعدُ مملوك من مماليكه، ولا يلهها عن ترغيبه ترغيب أحد من خلقه. كيف والكلّ مملوك له سبحانه، ولا أمر له إلّا من أمره، ولا تصرّف بيده إلّا بإذنه. فكلُّ التقوى في الحقّ من الله الذي لا شيء إلّا بقدره.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وكل من تعلّق بنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا نخشاك كأنّا نراك، وأسعدنا بتقواك، ولا تُشقِنا بمعصيتك، وخِر لنا في قضائك، وبارك لنا في قدرك، وبلّغنا رضاك يا أكرم من سُئِل، وأجود من أعطى وأرحم من استُرحِم يا غني يا حميد.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله الصادق الأمين خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.
أمَّا بعد أيها الإخوة والأحبّة في الله فإلى هذا العنوان:
البحرين والإصلاح والحوار:
في مقابلة صحفية لوزير الدَّاخلية الثلاثاء 22 يناير جاء هذا الكلام:”… علمًا بأنَّ المطالب الدستورية والقانونية مرحَّبٌ بها، وهي موضع الاهتمام والمتابعة من القيادة الحكيمة، فهدف الإصلاح تحقيق الحياة الكريمة الآمنة لأبناء البحرين، وتلمُّس احتياجاتهم وتلبية مطالبهم، والعمل على دفع مسيرة التنمية الشَّاملة لتحقيق الازدهار والنّماء، وعليه فإن الديموقراطية يجب أن تكون شأنًا وطنيًّا شاملًا للجميع، ولكن الديموقراطية الفئوية أو الطائفية ليست خيارًا وطنيًّا”.
وهو كلام جميل ومتوافق مع المطلب الشّعبي ولو أخذ طريقه للتطبيق وفُعِّل حقًّا لما بقيت المشكلة القائمة، وانتهى الخلاف، وكلُّ الكلام إذا كان هذا القول جادًّا في التطبيق والتفعيل.
فلو أُتيح للديموقراطية أن تجدَ لها واقعًا على الأرض، وأُعطي للشّعب دوره في اختيار السّياسة التي تحكمه، وحقّ الانتخاب الحرّ النّزيه في انتخاب نوّابه، واحتُرِم رأيه في تشكيل حكومته، واعتُبِر نظره في وضع دستوره إلى آخر ما تقتضيه الديموقراطية من مستوى هذا السّقف لتمّت الاستجابة للمطلب الأساس للشّعب، ولم يعد هناك موضوع للخلاف(8).
أمّا عن الديموقراطية الفئوية والطائفية فلا يمكن أن تُنسبَ المطالبة بها أو التوجّه إليها إلى من يُنادي بالصوت الواحد للمواطن الواحد ممن لهم حقّ التصويت من غير تمييز على الإطلاق(9).
الديموقراطية الفئوية أو الطائفية كما سمّتها المقابلة إذا صدقت الدعوة لها وتبنِّيها فإنما يصدق ذلك ممن يُعطي لصوتِ مواطنٍ واحد قيمةً قانونية في موضوع الانتخاب تعدل قيمةَ عشرة أصوات وأكثر من عشرة أصوات(10) بلحاظات منافية لمقياس المواطنة والمساواة فيها.
وبشأن مسألة الحوار فإنه قد سبق القول وقد يكون ذلك لأكثر من مرة بأنه خطوة طريقية قد تُنتج وقد لا تُنتج، وقيمته في غيره وما يؤدي إليه من إصلاح وحلّ للمشكل، وليست في نفسه، وقد يأتي نافعًا إذا كانت وراءه نية للإصلاح ووُفِّرت له المقوّمات والشّروط التي تُفضي إلى نجاحه، وقد يّؤدّي إلى مزيد من الفشل والاختلاف، ويبتعد بالوضع عن الهدف الصحيح له وهو الإصلاح لو جاء على خلاف ما يتطلبه الحوار الناجح من مقوّماتٍ وشروط، وبأهداف لا تلتقي مع الإصلاح، ولا تتجه إليه.
ومسألة الحوار يتعلق بها عدد من الأسئلة:
1. قبل الحوار هل هناك اعتراف بوجود مشكل جدّي يستحقُّ الحوار الجادّ، ويُطلب له الحلّ الناجح العادل؟(11)
2. هل سيكون مخطَّطُ الحوار من هندسة السلطة وحدها أو سيكون لها شريك في ذلك من المعارضة؟
3. هل سيكون الحوار الذي عُبِّر عنه بأنه امتداد للحوار السابق – وهو حوار فاشل وطارد – من طبيعته وبمواصفاته؟( )
4. من يختار ممثلي الشّعب في هذا الحوار، والشعب كلّه معنيٌّ بالمسألة التي تدفع إليه وهي مسألة الشّأن العامّ الذي يُعاني الشعب فيه من إقصائه وتغييبه عنه؟
5. الحوار بين مَن ومَن: بين طرفين أو أطراف من الشعب، أو بين الحكم والشعب؟ ماذا في يد أطراف الشعب من حلول؟ وهل من أطراف الشعب آخذٌ حقًّا من آخر، وآخر مأخوذ منه ذلك الحق ليكون الحوار بينهما بشأنه؟(13)
الواقع أن الحكم مستولٍ على حق الشعب، والشعب لا يُطالب إلا الحكمَ بما له في ذمته من حقّ؛ فلا موضوع للحوار إلا ما هو بين الشعب والحكم.
6. إذا كان أطراف الحوار بتعيين من الحكم فما هو مقياس التعيين؟ وبأي وجه يلزم رأيُهم الشعب؟ وما هو المقياس في عدد من يمثّل هذه الجمعية السياسية أو تلك؟ هناك جمعية جمهورها مائة مواطن، وجمعيّة أخرى جمهورها عشرات الألوف من المواطنين.
7. ما موقع مئات الألوف من المواطنين الذين يخرجون في المسيرات الحاشدة المطالبة بالإصلاح كمسيرة التاسع من مارس الماضي من هذا الحوار؟ هل يبقى رأيهم خارج حسابات الحوار، وتجري عليهم نتائجه شأنهم شأن الأغنام؟
8. إذا ذهب عشرون طرفًا من أطراف الحوار إلى وجهة نظرٍ معيّنة وكان جمهور هذه الأطراف أربعين ألف مواطن مثلًا، وذهب عشرة أطراف أُخرى إلى وجهة نظرٍ ثانية وكان وراءهم جمهور من مائتي ألف مواطن فالترجيح لِمَنْ حتى نقرُب من الفهم الديموقراطي، والأخذ بالديموقراطية؟
9. ما هو السّقف الزمنيّ للحوار؟ ما مدى قدرة نتائجه لو وُجِدت على إقناع الشعب ونيل رضاه؟ وما هي ضمانات تنفيذ هذه النتائج؟
والكلمة الأخيرة هنا هي أنَّ الحوار إذا كان بقصد الخروج من الأزمة التي يعيشها الوطن، وهي الأزمة السياسية التي تضغط على كلِّ أوضاعه، وتُؤثِّر على كلِّ الأطراف فلا بُدَّ من حلٍّ تؤخذ فيه موافقة الشعب لأنه الطرف الثاني الأصل في الصِّراع، وهو صاحب الحراك ومنه الشّهداء، ومنه السّجناء ومنه المعذَّبون والمفصولون ومنه الجرحى والمعلولون، وهو الذي قدّم ما قدّم، وجماهيره هي التي تعاني من سياسة الإقصاء والتهميش والحرمان.
والجمعيات السياسية إنما هي جزء من هذا الشّعب وليست كلّ الشعب ولا تملك أن تُقرِّر عنه، وأن تُلغيَ إرادته.
فلو قُدِّر لأيّ حوار أن ينتهي إلى نتائج مرضية لأطرافه فلن تكون لها القدرة على اكتساب التوافق الوطنيّ بالمعنى الصّحيح وبالصورة التي تمثّل حلًّا للأزمة، ومَخرجًا من المأزق إلا بموافقة الشعب.
نتمنى أن يكون العزم والتخطيط لحوار ناجح بأن يكون مُفضيًا لنتائج تُمثّل حلًّا عادلًا يُؤخذ فيه رأي الشعب، وينال موافقته، ويأمنُ به هذا الوطن العزيز، وتُحفظ به مصلحتُه.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أخرج أوطان المسلمين من المحن، وآمنها من الفتن، وادرأ عن عبادك المؤمنين كلَّ سوء، وادفع عنهم كلَّ أذى، واجعلهم في درعك الحصينة التي لا تُخترق يا قويُّ يا عزيز، يا رحمان يا رحيم.
اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، وفك أسرانا وسجناءنا، واشف جرحانا ومرضانا، ورُدَّ غرباءنا سالمين غانمين في عزٍّ وكرامة برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون (14).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الفكر والرؤية تؤثّر تأثيرًا كبيرًا على مسارنا في الحياة، فكرة سلبية عن الآخرة تقتل الحركة في الدنيا، توئد الحركة في الدنيا، تجمّد نشاط الإنسان، تُعطّل وظيفة إعمار الحياة.
2 – عدم الإيمان باليوم الآخر له أثر أو ليس له أثر؟ يحدّد المسار أو لا يحدد المسار في الحياة الدنيا؟
3 – هذه نظرة أخرى. مرة ينظر الإنسان لنفسه بأنه من مستوى الحيوان، ومرة ينظر إلى نفسه بأنه مخلوق كريم.
4 – هذه نظرة أخرى، قد يرى الإنسان نفسه أنه حر لا قيد على حريته على الإطلاق، ماذا ينتج هذا من مسار؟
5 – هذا الناظر.
6 – أنا محدود، أنا محكوم، أنا مملوك، توهُّمي أنني مالك مطلق، أنني حر مطلق، هذا الخيال لا يمكن أن يقاوم ما عليه واقعي من المحدودية والمملوكية والرقية لله سبحانه وتعالى.
7 – سورة التوحيد.
8 – الشعب لا يريد غير ذلك. الشعب ينادي بالإصلاح، وهذا الحد من الإصلاح اليوم يوافق عليه كثير من أبناء الشعب.
9 – وهذا هو صوت الشعب يطالب بذلك.
10 – قد تعدل عشرين صوتًا وأكثر من عشرين صوتًا.
11 – لكثيرًا ما نسمع أنّ الأوضاع كلّها بخير.
12 – وعلى حدّ ما كان عليه حدّ الحوار السابق؟
13 – هل طائفة انتهبت حقّ طائقة، هل فئة من الشعب أخذت حقّ طائفة ليكون الحوار بين طائفة آخذة وطائفة مأخوذ منها الحق؟!
14 – 90/ النحل.