آية الله قاسم يدشين برنامج التوعية التعليمي – 2012م
كلمة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم التي ألقاها في حفل تدشين برنامج التوعية التعليمي للعام 2012م-1344هـ بتاريخ ٢١ شوال ١٤٣٣ هـ الموافق 9 سبتمبر 2012م بمقر جمعية التوعية الإسلامية بالدراز
للمشاهدة :
نص الكلمة :
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
نحن أمةَ صرنا مسبقوين مغلوبين في مجالات حيوية متعددة، وتأخُرُنا بالقياس لما عليه الأمم الأخرى، وبالقياس لما نحن مؤهلون عليه من مستوى يعتبر تأخراً فاحشاً جدا، حين تلحظ أين الأمم الأخرى وأين نحن، وحين تلحظ ما عليه مؤهلات هذه الأمة وما تمتلكه من مقومات السبق والريادة، تنتهي إلى أن تحكم على هذه الأمة بأنها تعيش حالة من التقصير الكبير والتأخر الفاحش.
ما العمل؟
إننا محتاجون إلى تحرك للأمام..
إلى رفع مستوى..
إلى تنمية قدرات..
إلى التوفر على العلم، على الخبرة..
إلى إيمان أوعى وأكثر التحاما بكل مسارات الحياة، إلى إيمان – أكبر من هذا الإيمان – بقيمة الإسلام، وبدور الإنسان ومسئولية الإنسان ومستوى الإنسان، وأهمية الحياة، وقيمة الوجود. محتاجون إلى إيمان أوعى وأشد وأكثر فاعلية، وأكثر التحاما بمهمة تحريك الواقع.
كل الأمم اليوم في سباق على القوة والتقدم والريادة، ونحن نتحمل مسئولية إسلامية كبرى في أن تكون الريادة لنا، في أن تكون الصدارة لنا، في أن تكون قيادة العالم لنا.
مقومات الريادة:
لا سبق.. لا تقدم.. لا ريادة، بل ولا انتعاق ولا استقلالية لأمة ولمجتمع بلا علم.. بلا خبرة.. بلا فن صالح بنّاء، وبلا قدرة فائقة على الأداء، فمن هنا لابد أن يكون لنا:
– سبق في العلم..
– سبق في الخبرة..
– سبق في الفن البناء الصالح..
– تفوق في القدرة..
– حسن أداء..
– جودة أداء.
سباق المبادئ
هناك سباقان: سباق مبادئ وسباق قوة خارجية، كالصناعة والزراعة والإدراة والتخطيط والتنظيم والاقتصاد. والمبدأ المهزوم لا يمكن أن ينتج أمة قوية، ولا يمكن أن يخرّج أمة مهتدية قادرة على الريادة الإنسانية الراقية وإن امتلكت الأمة كل أسباب القوة المادية، وكانت أقدر الأمم على البطش، وأقدر الأمم على الإنتاج، وأقدر الأمم على الإدارة.
هناك قوة يمكن أن يضمنها العلم، ولكن هناك هدى يحتاجه الإنسان، وترشيد للقوة، لا تمتلكه أمة إلا بمبدأ حق.
والمبدأ الحق حيث تجهله الأمة التي تحتضنه ولا تعرف له قدرا، حيث يعيش فكرة في بعض عقول أبنائها، وتعيش جماهير هذه الأمة غيابا كاملا عن هذا الفكر، لا يمكن أن يحرك الأمة ولا أن يضعها على الطريق الصحيح، ولا ينتهي بها إلى الغاية السامية.
مسئوليتنا تجاه المبدأ:
علينا أن نسابق المبادئ الأخرى في الظهور..
في فرض المبدأ على الواقع..
في أن يأخذ المبدأ بخطوات مسيرتنا.
علينا أن نسابق – على مستوى المبادئ – بأن نبرز الإسلام كما هو الدين الحق، والدين القادر على صناعة حضارة الإنسان اللائقة بمستواه، وأنه الضامن الوحيد من بين المبادئ لسعادة هذا الإنسان في دنياه وفي آخرته. علينا أن نعطي الإسلام في نظر أمتنا وفي نظر الأمم الأخرى ما هو عليه من قيمة عالية، وما هو عليه من قدرة على قيادة الأمم إلى شاطئ الأمان، وأن نُبوأَه – من ناحية عملية – مكانته اللائقة.
سباق القوة:
وفي مجال العلم، وطلب القوة المادية بكل ابعادها علينا أن نسابق الأمم الأخرى، لأن الدين بلا قوة لا يمكن له أن يقود حركة الحياة.
والقوة لا تنفصل على الدين، والدين لا ينفصل عن القوة، وكل الدين إنما هو دعوة للقوة، القوة على مستوى الفكر.. على مستوى الإرادة.. على مستوى الروح.. على مستوى المادة. ويبقى فرق واسع بين القوة المادية بيد الدين الحق، وبين القوة المادية بيد أخرى. القوة بيد الدين للبناء.. للإصلاح.. للإعمار.. للسعادة.. للهداية، والقوة بيد المبادئ الأخرى وسيلة خراب، وسيلة تدمير، وسيلة استعباد، وسيلة تعفن، وسيلة انحدار.
منطلق القوة:
ومنطلق الإنسان في طلب القوة مواهبُه، والمواهب لا قيمة لها دون اكتشاف..
دون تفعيل..
دون جودة تفعيل..
دون جدية تفعيل..
دون منهجية تفعيل..
دون علمية تفعيل.
إنما تُعطي المواهبُ أُكُلَها، وتغير ما عليه الواقع بصورة إيجابية، وتدفع بمستوى ما عليه الإنسان في أي بعد من أبعاده الإيجابية إلى الأمام:
حين نكتشفها..
حين نفعلها..
حين نجيد تفعيلها..
حين نجدّ في تفعليها..
حين نمنهج تفعيلها..
حين نُخضع تفعيلها إلى المنهج العلمي.
أرأيتم جهلا يناهض علما؟ أتصدقون أن الارتجال يصمد أمام التخطيط؟ أيدخل في ذهنكم أن العشوائية تثبت أمام التنظيم؟ أتتصورون أن جهوداً فردية مشتتة تقاوم الجهود المؤسسية المنسقة المتكاملة؟ لا شيء من ذلك فيما أراه على الإطلاق.
فنحن نحتاج إلى:
– طلب العلم.
– التخطيط والتنظيم.
– العمل المؤسسي.
– الجهود المتواصلة المضنية.
– التعاون والتكامل في الجهد.
ثم إنه تكثرت العلوم، وتكثرت الفنون، وتراكمت الخبرات، فلابد من تخصص، وتوزيع أدوار وتقاسم مسئوليات، ولابد من جهود ضخمة للّحاق بركب الحياة فضلا عن مسابقة الآخرين.
ما لم نسابق الآخرين سنبقى خارج الحياة:
سنظل أمة في مؤخرة الأمم، وسنبقى وجودا ذيلياً، وكأننا خارج الحياة وخارج حركة التاريخ.. إذا لم نسابق كثيرا على طريق طلب القوة الصالحة والعلم الحق، ما لم ندخل في عملية إنتاج جدية، وإعادة واقع أكبر من الواقع الذي نعيشه، وخلق حالة من الوعي وحالة من التوفر الكبير على ما يحتاجه العصر من علم، وعلى كل ما يغنى به العصر من خبرة، وعلى كل ما عند الأمم الأخرى من ذلك.. مع طلب المزيد.
من أجل ذاتك.. من أجل حاضرك.. من أجل مستقبلك.. من أجل دينك.. أمتك.. وطنك.. لابد من أن تكتشف مواهبك، لتضعها على طريق البناء الصالح، وتبلغ بها أقصى حد من كمالها وعطائها، أن لا تقف بها عند أي حد دون ذلك، وأن تطلب لها دائما المزيد.
من أجل ذلك لابد أن: تضاعف الجهد.. وتتعلم الصبر.. وتودع الملل والكسل وكل ما يعيق حركة الحياة، وحركة النمو، وحركة التقدم.
لابد أن نكون اليوم غيرنا أمس، وأن نكون غداً أكبر منا اليوم، هكذا يريدنا ديننا، ولن نجد مكانا وموقعا يليق بأمة في الأرض ما لم نأخذ بهذه الأخلاقية وبهذا السلوك، ما لم نكن رجال جد.. رجال عمل.. رجال علم.. رجال حركة دؤوبة صاعدة.
مسؤوليتنا تجاه مواهبنا:
أنت مسؤول عن مواهبك، وعن تفعليها.. وتنشيطها.. وتوظيفها.. أقوى وأنظف وأصلح توظيف، فهي نعم كبرى من الله سبحانه عندك، هي مائزك عن مخلوقات أخرى في الأرض لا يمكن أن تبلغ مبلغك، ويمكن لي أن أكون بمستواها – الذي هو أقل مني كثيرا – إذا أهملت هذه المواهب. فلستُ معذورا أن أكون ضعيفا، ولستَ معذورا أن تكون ضعيفاً وعندك موهبة أو أكثر من مواهب القوة. كل من كان عنده موهبة من مواهب القوة كانت له مسئولية بقدر هذه الموهبة، وتعطيلها مسؤولية يسأل عنه العبد بين يدي الله سبحانه وتعالى. أترى أن إهمال رطبة واحدة تستطيع أن تستفيد منها فيه مسؤولية، وموهبة عقلية مُنتِجة يُهمَل شأنها عند الله عز وجل؟! لا، لا يمكن. وكما أن الفرد منا مسؤول عن اكتشاف مواهبه، وتفعليها، وإجادة تفعليها، والدفع بها على طريق الإنتاج، فكذلك هو المجتمع مسؤول عن اكتشاف مواهب الأفراد وتفعيلها والدفع بها على هذا الطريق. والمؤسسات من أهم المواقع الاجتماعية التي تتحمل هذه المسؤولية.
الإسلام والحياة:
امتلاك القوة حل ومشكلة، والإيمان والدين الحق والمنهج الإلهي هو تمام الحل[1]، لماذ؟ لأن الدين الحق والمنهج الإلهي لا يرضى إلا بالعلم وبالحركة العلمية النافعة، ولا يرضى إلا بتفعيل المواهب والاستفادة من النعم، فحيث يكون دين يكون دفع إلى العلم، ويكون طلب للعلم، وحركة علمية عارمة. وما عرفت الأمة العربية قيمة العلم إلا في ضوء الإسلام، وما تحرك العلم حركة قوية، وقطع أشواطا بعيدة، وعمّ منه الكثيرُ الدنيا، إلا بعد أن جاء الإسلام. فحيث يكون دينٌ حق، وتعيه عقلية الإنسان، وتحتضنه نفسيته، وتنتفح عليه روحه، ويأخذ به سلوكه.. عندئذ فالحياة علم، والحياة تقدم، والحياة ازدهار.
امتلاك العلم، والخبرة، والفن، وكل أسباب القوة المادية، قيمته أن يبني إنسانا صالحا.. مجتمعا صالحا.. أمة صالحة.. وأن تسعد البشرية به. ولا شيء من هذه النتائج على الإطلاق يمكن أن يتحقق بعيداً عن هدى السماء، وحي السماء، كلمة السماء، منهج السماء، القيادة الإلهية.
وأبناء كل مجتمع لا يستوون، وكل مجتمع يحتاج إلى صناع، فكن عزيزي من صناع مجتمعك، ووطنك، وأمتك، ولا تنتظر ولو لحظة واحدة موقف الآخرين.
برنامج التوعية التعليمي خطوة على الطريق:
هذه الدورات التي تطرحها جمعية التوعية الإسلامية خطوة على طريق امتلاك العلم والفن والخبرة والقدرة، والهدف بناء مجتمع ووطن صالح وأمة صالحة، والطريق لابد أن يكون هو الإسلام، بما يعنيه الإسلام من إيمان بالله وانشداد إليه، وحركة في اتجاهه، وبما يعينه الإسلام من منهج حياة يتكفل قيادة حركة الإنسان في كل مسارات الحياة، ولا يسلك بهذا الإنسان إلا مسارات الحياة الصالحة المنتجة الموصلة. فالطريق هو الإسلام بما يعنيه من ذلك، وبما يعنيه من عقليه علمية[2]، وحركة علمية، وجد وفاعلية، ونشاط وقوة إنتاج، هذا هو ما يعنيه الإسلام.
ننطلق في ضوء هدفنا الإسلامي، وانتمائنا الواعي الذي تحدد في ضوء عقلنا الإنساني، وفطرتنا الصافية، وتطلعنا البعيد، منفتحين على علم نافع، وخبرة مجدية وفن صالح وقوة بناءة. نطلب ذلك من كل مكان، ونطرق من أجله كل باب، ونبذل كل محاولة على هذا الطريق للبناء.. للإعمار.. لنشر الخير.. لإسعاد الإنسان.
ما لم ننطلق هذه الانطلاقة فلن يتغير واقعنا، على أن طموحنا لا أن يتغير واقعنا إلى الأحسن وإنما من أجل أن يتغير وضع الإنسانية كلها إلى الأحسن. ولن يكون تغير إيجابي وصالح في وضع الإنسانية وواقعها إلا بأن تتجه إلى الله، وعن طريق الإيمان والعلم.
وغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] فالدين هو تمام الحل وليس جزء من الحل.
