خطبة الجمعة (514) 14 شهر رمضان 1433هـ ـ 3 أغسطس 2012م
مواضيع الخطبة:
الخطبة الأولى: فوت الفرص، وانتهازها
الخطبة الثانية: أمة مجيدة في مهبّ الريح – اضطهاد مكشوف
الخطبة الأولى
الحمد لله القادر الذي لولا قدرته لما كانت سماءٌ ولا أرض، ولم يكن شيء على الإطلاق، الغنيّ الذي لولا غناه لما خرج شيء من فقره إلى غنى أبداً، الحافظ الذي لولا حفظه لما وَجَدَ شيء حافظاً طرفة عين، القيّوم الذي لا تدبير لشيء إلا بتدبيره، ولا قيام لشيء إلا بمدده وتقديره. لا علّة إلاّ من خلقه، ولا تسبيب إلا بتسبيبه، وكلُّ الأسباب بيده، ولا تأخير لما أراد، ولا يكون شيء مما لا يريد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله: لنطلب الهدى من كتاب الله، ولنستضئ بنور آياته، ونبنِ الحياة في ضوء معارفه، ولا نتعدّ أهدافه، فما ضلّ من اهتدى بكلام الله، وما اهتدى من عَدَلَ عنه.
وكتابُ الله طريق مأمونٌ لمعرفته، آخذ بمتأمِّله لتقواه، منته بمتّبعه لرضوانه، سالك به إلى الغاية، محقِّق له تمام السعادة.
عباد الله: لنسلك ما سلكه العارفون بالله من طريق التقوى التي نالوا بها ما نالوا من الكرامة، وتحقَّق لهم ما تحقّق من كمال.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تخلِّ بيننا وبين أنفسنا، وخذ بيدنا إلى الطريق الموصل إليك، وثبّت أقدامنا على صراطك، واحمنا من أسباب الضلال والغواية، ومن أخلاق أهل النار.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى هذا الحديث:
فوت الفرص، وانتهازها:
الحياة لا تستوي في أيامها، والإنسان لا يستوي في كل أحواله؛ فهو معرّض للقوة والضعف، والغنى والفقر، والصّحة والمرض، والأمن والخوف، ومختلف الأحوال، والفرص تجيء وتذهب، وما يُمكن للمرء اليوم لا يمكن له غداً، وما تطاله يده الساعةَ، تقصر عنه بعد ساعة، وما يجتمع له من أسباب النّجاح لما تتطلّبه مصلحته في حين قد لا يجد منه شيئاً في حين آخر.
وقد يكون من الفرص ما يسمح بنقلة هائلة إيجابية صالحة في حياة فرد، أو أسرة، أو جماعة، أو شعب، أو أمة، ومن بعد ذهابٍ لا تعود الفُرصة، ولا تكون إلاّ الندامة والحسرة.
فُرص العلم والقوّة والغنى والصحة وغير ذلك كلُّها محدودة، ولا تبقى بيد الإنسان ما دام حيّاً.
وللآخرة فرصة واحدة لا تتكرّر هي فرصة الحياة الدُّنيا. فرصة لا يسترجعها أغلى ثمن، ولا تستعيدها كل المحاولات.
وليس من فوات فرصةٍ يُعقِب حسرة وندامة، ويُوقع في خسارة كما يُعقب فواتُ هذه الفرصة. حسرةُ يوم القيامة لا تعدلها حسرة، وندامته لا تُقاربها ندامة، وخسارته لا تُقاس به خسارة.
فأين من حسرة مقيمة يطول أمدها، وندامة لا تشغَلُ الغفلة عنها، وخسارة لا مكان لتداركها؟! وقد تكون الحسرة مؤبَّدة، والندامة دائمة، والخسارة لا مخلص منها.
بتضييع الفرص يضيع خير الدنيا، وبتضييعها يضيع خير الآخرة.
وباستثمار الفرص يقوم بناء الدّنيا، وبناء الآخرة.
وهناك فرص خير، وفرص الشر، وعين أهل الخير والعزيمة الفاضلة على فرص الخير، وعين أهل الشرّ على فرص الشر، وكل آخذ طريقه، وكل سالك إلى غايته.
وتنتهي حياة الناس في هذه الدّنيا ومنهم من تحقّق على يده أكبر قَدَر يمكنه من الشر تفسد وتشقى به حياة الناس، وتسوء مصائرهم.
ومنهم من تحقّق على يده أكبر قَدَر يمكنه من الخير تصلح وتسعد به حياة الناس، وتطيب مصائرهم.
وأول من يشقى بشر أهل الشرّ أنفسهم، وأول من يسعد بخير أهل الخير أنفسهم.
وتعالَوا أيها الأحبة إلى موائد الحديث عن المعصومين عليهم السلام في هذا المجال:
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:”والله ما يُساوَى ما مضى من دنياكم هذه بأهداب(1) بُردي هذا، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء. وكلٌّ إلى بقاء وشيك، وزوال قريب؛ فبادروا العمل وأنتم في مَهْل الأنفاس، وجِدّة الأحلاس(2) قبل أن تؤخذوا بالكَظَم(3)، فلا ينفع الندم”(4).
كل ما مضى من الدُّنيا بما هو دنيا قيمته ضئيلة، وشأنه منخفض، وليس ما بقي منها وبما هو دنيا كذلك بأحسن حالاً، وأرفع قيمة.
أرأيت شدّة شَبَه الماء بالماء؟ إنَّ شَبه ما بقي من الدّنيا في ضآلته وتفاهته بما مضى منها أبلغ شدةً واقتراباً من شبه الماء بالماء.
وإذا كان هذا حال الدّنيا، وهذه قيمتها وكانت مغادرتها قريبة، والانتقال إلى دار البقاء أمرُه وشيك فما في الفرصة متّسع للانتظار بالعمل الصالح، وبناء الذات، والاستعداد بالتزوُّد للرّحيل(5).
فما الانتظار من الإنسان وهو على توقُّع أن يؤخذ في أي لحظة بكظمه وهو مخرج نفسه، وينتهي أجله، وكيف له أن يُسوّف الاستعداد فينقطع عليه الطريق فجأة، وتتبخر الفرصة، فيغمره الندم حيث لا ينفع الندم؟!
وعنه صلّى الله عليه وآله:”من فُتِح له باب من الخير فلينتهزه، فإنّه لا يدري متى يغلق عنه”(6).
وعنه صلَّى الله عليه وآله كذلك:”ترك الفرص غصص”(7).
وعن الإمام عليّ عليه السلام:”الفرصة تمرُّ مرّ السحاب، فانتهزوا فرص الخير”(8).
وعنه عليه السلام:”اَلفُرْصَةُ سَريعَةُ الفَوْتِ، وَ بَطيئَةُ العَوْدِ”(9).
ونقف مع هذا الحث عنه عليه السلام:”أيها الناس الآن الآن من قبل الندم، ومن قبل {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(10)”(11).
والأمور منها ما حانت فرصته فلا يؤجَّل، ومنها ما تنتظر له فرصة فلا يُستعجل به. والحكمة تقتضي مراعاة هذا وذاك، ووضع الشيء في غير موضعه لا يكون من أسباب النجاح.
تُقدّم لنا البصيرة في ذلك أربع كلمات عن الإمام علي عليه السلام:”أفْضَلُ الرَّأيِ ما لَمْ يُفِتِ الفُرَصَ، وَ لَم يُورِثِ الغُصَصَ”(12).
“اَلصَّبْرُ عَلَى المَضَضِ يُؤَدّي إلى إصابَةِ الفُرْصَةِ”(13).
“الأمور مرهونة بأوقاتها”(14).
“من الخرق المعاجلة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة”(15).
تقليب الرّأي ودراسته دراسة دقيقة متأنّية أمر مستحسن ولكن بحيث لا يُبالغ في ذلك بما يُفوّت فرصة العمل، ويسدّ الباب إلى النتيجة.
والصبر على الأذى وتحمُّل الألم طلباً لتوفُّر الفرصة، وعدم تضييع الجهد، والقفز في الفراع حكمة.
والأمر يُقدّم على توقيته المناسب أو يؤخر مما يفشله.
وخلاف الحكمة، والتّرفق في الأمور، والأخذ بأسباب النجاح أن يُستعجل بالأمر قبل إمكانه، أو يُتريث ويؤخذ بالانتظار وقد سنحت فرصته.
وإذا كان علينا أن ننتهز الفُرَص فشهر رمضان المبارك فرصة من فرص الجنّة والرّضوان التي وفّرها الله لعباده، فلنُقدِّر لهذه الفرصة قدرها، ولنعرف لها حقّها، ولنُكثر الشكر لمن منّ بها علينا.
والحمد لله حمداً يبلغ رضاه، وله الشكر المتنامي أبداً.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أخرجنا من كل ضلالة، وهم، وظلمة وغمّة، واجعلنا من أصدق أهل طاعتك، وأخلص أهل عبادتك يا رحمان، يا رحيم، يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ للَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } (16).
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يُحصي أحدٌ نَعماءَه، ولا يبلغ أحدٌ حقّ حمده وشكره، ولا يشبه إحسانه إحسان، ولا يرقى لامتنانه امتنان. ليس من مطيع ولا عاصٍ إلاَّ ويشمله إحسانه، ويغمره امتنانه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله لنطلب لنفوسنا العِزَّة والكرامة، والنجاة من النّار، والفوز بالجنّة، ولا يُنال ذلك إلا بالتزام طاعة الله، واجتناب معصيته؛ فمن استكبر على الله لابد أن يذِلّ ويُخزى، ولا تنتهي معصية العبد لربّه به إلاَّ إلى شقاء، ولا تأخذ به إلاّ إلى عذاب أليم. ولا نجاة من الهوان، ولا فوز بالجنّة والرضوان إلاَّ لمن اتّقى، ولا يُقرّب إلى الله إلاّ طاعته، ولا يؤهِّلُ لرحمته كالعمل الصالح.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أعذنا ربّنا من التعرُّض لسخطك، وحلول نقمتك، واستحقاق مقتك وعقوبتك، واسلكنا في طريق مرضاتك، واجعلنا من صادقي أهل ولايتك، وارحمنا برحمتك، وهب لنا جنتك وكرامتك يا حنّان يا منَّان يا رؤوف يا رحمان يا رحيم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً دائماً قائماً.
أما بعد أيها الملأ الكريم فإلى عنوانين:
أمّة مجيدة في مهب الريح:
الأمّة الإسلاميَّة بما لها من كتاب إلاهي لم يمسسه ما تعرّضت له الكتبُ الإلهية من قبله من تحريف، وبما بقي لها من حديث ثابت عن رسولٍ نبيٍّ أمين، وبما تمتلكه من مقوّمات الأمة الناجحة أُمّةٌ مجيدة، وهي الأمة المؤملة لإنقاذ العالم الغارق في الجاهلية من طغيان المأساة، والأخذ به إلى شاطئ الأمان.
هذه الأمَّة المؤمَّلة تضعها النزاعات السياسيّة الدنويّة، والأطماع التسلُّطية الجاهلية للعديد من الكيانات، واستخدامُها لورقة الدين في صراعاتها الدنيوية، واستفادتُها من التعدُّدية المذهبية، وتأجيجها للرّوح الطائفية في مهب الريح وطريق التمزّق والتَّشظّي والذوبان.
تُقدِم الأمة في ظلِّ هذا الواقع المرير على أخطر منزلق يمكن أن تخسر فيه كامل قوَّتها، وهيبتها، ومكانتها، ووحدتها إلى أمدٍ بعيد.
فتنة عارمة تعدَّت بداياتها بمسافة مخوفة تعمُّ الأمة الإسلامية وتقسمها القِسمة التي تقود إلى احتراب، فيه ضرر دينها، وخسارة دنياها، وانهدام بُنيتها، وسيولٌ من سيول الدم الحرام، وتمكين أشدّ لأعداء الأمَّة من رقبتها ومصيرها.
تنطلق الفتنة المرعبة من أكثر من بؤرة، ومن أكثر من مكان ويختلط فيها السياسي بالديني، بالطائفي، وتُحرّكها السياسة الدنيوية القذرة الآثمة التي لا مُقدّس عندها إلا المصلحة المادية والتمدُّد المادي، والتعملق المادي، والسيطرة الطاغوتية، ولا لذة تغريها كلذة إذلال الآخرين.
وكُلما تتبرقع به من شعارات دينية ومذهبية لا قيمة لها عندها، وإنما هي وسائل ومطايا تركبها من أجل أهدافها الدنيوية المادية والسلطوية القذرة. يُعينها على ذلك فهم خاطئ للإسلام يصوّره أنه دين هتك وفتك وإسراف في القتل، واستخفاف بقيمة الدم والإنسان، ويفصله تمام الفصل عن خلق التفاهم والحوار والنُّصح والرحمة.
إنَّ السياسة الدنيوية الملعونة التي تنحرف بطبيعة الصراع من كونه صراعاً بين حكومات ظالمة وشعوب مظلومة، بين مستكبرين ومستضعفين، بين من يُصادرون حرية الآخرين ومن يصرون على حريتهم إلى كونه صراعاً بين قومية وأخرى، وطائفة وأخرى، ومذهب وآخر. هذه السياسة مستعدّة من أجل بقائها أن تُضحّي بكل وجود الأمة ومقدراتها ومقدّراتها ومقدّساتها، وبكل ما هو قومي ومذهبي وإشباعاً لنزعة التسلُّط والاستبداد، والتفرُّد بالملك.
سياسة تستبيح كل وسيلة قذرة في سبيل بقاء مكاسبها الدنيوية، وأن يقتل من يقتل من أبناء الأمة أيّاً كان، وتسيل الدماء أنهاراً، وتتخلّف الأمة أحقاباً، ويتراجع مستواها إلى مسافات، وأن تفقد مقومات نهضتها من جديد.
وهذا المفصل الحاسم من تاريخ الأمة محتاج أشد الحاجة إلى الوقوف بكل حزم، من كل العقلاء المخلصين من مختلف القوميات والمذاهب والطوائف والتوجُّهات التي تُشكِّل وجودها في وجه هذا المخطّط الآثم الذي رسمته اليد المعادية للأمة والإسلام من الخارج، ويجري تنفيذه على يد القِوى العميلة من أعداء الأمة وجهلتها في الداخل قضاء على الإسلام وإنهاءً لوجود الأمة.
أين العقلاء؟ أين الوعاة؟ أين المخلصون للإسلام؟ أين المشفقون على الأمة؟ أين من يفهم الإسلام؟ أين من يهمّه أمره؟ أين هؤلاء كلّهم لينادوا بصوت واحد صارخ رافض لمخطّط ضرب الأمة بعضها ببعض، وإنهاء وجودها على يد أبنائها؟!(17)
اضطهاد مكشوف:
الأساليب العِدائية الممارسة ضد الشعب على يد الأجهزة الأمنية في تطوّر متصاعد وتفنن مستمر، والمثير في هذه الأساليب بدرجة أكبر كونها تنمُّ عن حقد واستخفاف بكل مقدّرات الشعب ومقدساته، ولا تُقيم شيئاً من وزن لحرمة من الحرمات التي يعتزّ بها.
وفي السّياق المتصاعد للأعمال العِدائية المستهترة ضد الشعب ما حصل أخيراً لعالِمين جليلين من علماء البلد هما الشيخ إبراهيم الصفا مدير حوزة الغدير، والشيخ محمد جواد الشهابي مدير حوزة الإمام الباقر عليه السلام من ملاحقة وتوقيف لسيارتيهما في الشارع للمبالغة في إهانتهما، والإصرار على أن يخلعا العمامة في أسلوب فظ غليظ ساخر مستفز، ولغة تحقير وشتم للأب والأم والطائفة وتهديدٍ للشخص إذا عاد للبس العمامة كما سمِعتُ مباشرة من أحدهما.
والعملية تُجسّد صورة علنية صارخة من الاضطهاد الدّيني والمذهبيّ الموجَّه مصحوبة بلغة طائفية بغيضة من جهاز حكومي غير متستّر بجريمته.
ومنطلق الجريمة سياسيٌّ ولا علاقة له بالتوجُّهات الدينية والمذهبية لأبناء الشعب إلا ما قد يُراد من بث الفتنة بين الإخوة من الطائفتين الكريمتين وما تحمله عناصرُ من داخل الأجهزة الحكومية من غلٍّ في الصدور، وبرغم ذلك لا يمكن أن يحدث هذا المسلسل العدواني المتصاعد وبصورته المكشوفة إلاّ عن توجيه سياسي مركزي مقصود مهما كانت دوافعُه.
ولو لم تُمثِّل هذه الحوادث سياسة مقصودة للسُّلطة لما بلغت هذا الحد الكبير من الكثرة، ولما تلاحقت كلّ هذا التلاحق، ولما تراكمت بهذه الصورة، وتصاعدت وتيرتها، وتوسَّعت ظاهرتها جِهاراً نهاراً، وكان أحسن ما تُواجَه به من مراكز السلطة هو الصمت المشجّع الذي يُعطي الضوء الأخضر للتمادي في الغيّ والتصعيد والتوسُّع في العدوان.
وإن كان المطلوب لمثل هذه الجرائم التي تُرتكب في حق أهل مذهب معين، وتستهدف هذا المذهب بعينه بالإهانة والاستهزاء أن يتهم الشيعة إخوتهم من أهل الشارع السني بشيء من ذلك قلتيأس السلطة من هذا الأمر كل اليأس حتى لو ارتُكِبت هذه الجرائم سراً كيف وهي تُرتكب علناً من أجهزة حكومية مكشوفة؟!
نُؤكّد أن ما يجري هو استهداف طائفي واضطهاد طائفي ترتكبه السلطة، والطائفة السنية بما هي طائفة سنية بريئة منه كل البراءة، ولا ينبغي أبداً أن تتأثّر الأخوّة الإسلامية بين الطائفتين الكريمتين في هذا الوطن سلباً بمثل هذه السياسة العدوانية الخبيثة المفسدة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن، ومن عدوان المعتدين، وكيد الظالمين، ومن سعي الساعين بالفساد في الأرض.
اللهم ارحم شهداءنا، وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفك قيد أسرانا وسجنائنا، وأعد أوضاعنا في خير وسلامة وعزّ ونصر إنك أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (18).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – أهداب البرد ما تنتهي به أطرافه من خيوط غير منسوجة وكأنها أهداب العين، وهي فضول وشيء رخو رخيص.
2 – الأحلاس بطانة توضع تحت سرج الخيل أو الجمل.
3 – الكظم – محركة -: مخرج النفس.
4 – بحار الأنوار ج74 ص184 ط3 المصححة.
5 – من لم يبق له إلا ربع ساعة عن السفر، وكانت له حاجات ضرورية يقتضيها السفر، كيف يستعجل في قضاء حاجته؟ نحن أولى بالاستعجال لزاد الآخرة من هذا.
6 – كنز العمال ج15 ص 791.
7 – بحار الأنوار ج74 ص165 ط3 المصححة.
8 – نهج البلاغة ج4 ص6 ط1.
9 – هداية العلم في تنظيم غرر الحكم ص479.
متى تعود لك الفرصة، حتى الفرصة من فرص الحياة فقد تعود وقد لا تعود، وقد يكون عودها بعد انهيار القوى، وفوات الأوان.
10 – الزمر 56 – 58.
11 – بحار الأنوار ج74 ص375 ط3 المصححة.
12 – هداية العلم في تنظيم غرر الحكم ص245.
13 – هداية العلم في تنظيم غرر الحكم ص322.
14 – بحار الأنوار ج74 ص165 ط3 المصححة.
ملاحظة: نقل صاحب بحار الأنوار الحديث المذكور أعلاه عن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، ولكن في ميزان الحكمة للريشهري رُوي عن الإمام علي عليه السلام نقلاً عن بحار الأنوار.
15 – نهج البلاغة ج4 ص84 ط1.
16 – سورة التوحيد.
17 – اليوم يُراد إنهاء وجود الأمّة على يد أبنائها، وبثروتها، وبدماء أبنائها.
18 – 90/ النحل.