كيف نودع الشهر الكريم؟ ( آية الله قاسم )
كيف نودع الشهر الكريم؟
آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
فلنكن على أحسن نوع من المعاملة مع هذا الشهر الكريم، وأخلاقياته وآدابه وطاعاته في ما تبقّى من أيامه ولياليه المباركة وساعاته المفعَمة بالخيرات. وإذا ودَّعناه لا نودِّعه وداعَ ضيف مستثقَل مللناه، أو امتحان باهظ سئمناه، أو سجن ضقنا بلياليه وأيامه.
لا نودّعه ونودعُ معه كل ما اكتسبناه فيه من قوة ونور وهدى وإقبال على الطاعة، وتخلٍّ عن المعصية، وتصحيح إرادة، وحسن نية، وسلامة خلق، وتقوى تُقرّب إلى الله.
هذا هو الزاد الذي استفاده المستفيدون من شهر رمضان، الذين صاموا شهر رمضان حقّا، هذا الزاد أكبر زاد، وأغلى زاد، ولن ينفع زاد كما ينفع هذا الزاد، وليس هناك من طريق أصعب في الصعود إلى زاد مثل الطريق في الصعود إلى هذا الزاد.
هذه حصيلة ضخمة بما لها من رفع مستوى الذات، أنت لا ترفع من مستوى رصيدك المالي، هذا التحسين لم يدخل على بناء بيتك. التحسين دخل على بناء نفسك، الرفعة أخذت من مستوى ذاتك إلى فوق، هذا زاد أكبر الزاد، وأغلى الزاد، فاحذر أن تخسر مما تزودته من شهر رمضان شيئاً بخروجه.
فليكن وداعنا له مقروناً بحمد الله الكريم الذي وفّقنا لصيامه وقضاء شيء من حقّه علينا فيه، وبعزم شديد على مواصلة طريق الطاعة لله سبحانه الذي شدّنا إليها هذا الشهر المبارك بدرجة أكبر، وبحرصٍ بالغ على الاحتفاظ بما توفّر لنا من عطاءاته، وأنالنا الله من مواهبه.
شهر رمضان يربّينا، يرفع من مستوانا لنواصل طريق الجهاد، شهر رمضان من أجل أن نكتسب رصيداً إيمانياً أكبر، رصيدا على مستوى الإرادة الخيرة، على مستوى الوعي، على مستوى الانضباط ليعيننا هذا الرصيد في مواصلة الطريق طوال السنة، هو من أجل الاستفادة، من أجل الاستثمار، من أجل التوظيف من جديد، من أجل مردود آخر، وليس من أجل التنازل عنه، والرقي به جانباً.
اللهم إنا نسألك ألاّ نبقى على معصية، ولا نتخلّى عن طاعة، ولا نعدل عن سبيل من سُبُل رضوانك، ولا نطمع في غير امتنانك، ولا تلحقنا سأمة في طريق طاعتك، ولا نُصابَ بفترة عن عبادتك، وتفضّل علينا بتوفيقك وتسديدك يا متفضّل يا رحمان يا رحيم.
خطبة الجمعة (516) 28 شهر رمضان 1433هـ ـ 17 أغسطس 2012م.