خطبة الجمعة (510) 15 شعبان 1433هـ ـ 6 يوليو 2012م
مواضيع الخطبة:
الخطبة الأولى: علم وعمل
الخطبة الثانية: ذكرى مولد المنقذ: كلمة بالمناسبة – لم انطلق الحراكالشعبي؟ وإلى أين وصل؟
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا تحدّ وجوده بداية و لا نهاية، المتقدس في كماله عن كل المحدوديات، المتنزة عن قاصر الصفات، المتعالي عن مجانسة المخلوقات، المحيط بكل الكائنات، المتصرف في كل الموجودات. يغيّر ولا يتغيّر، يُميت ولا يموت، له أكمل الكمال، ولا يعتري كماله نقص، و هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، و أشهد أن محمد عبده و رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله إنما السعي في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، فمن قصر سعيه في دنياه ندم في آخرته، و من ساء اليوم عمله ساء غدا جزاؤه، و كلٌ قادم يوم القيامة على ما قدًم، و كل نفس واجدة غداً ما عملت من خير أو سوء محضراً، و لا تُظلم نفس شيئأ.
فلنتق الله و لنخف حسابه وعقابه، فليس لأحد طاقة على عذاب الله ، ولنرغب في ثوابه و إكرامه، فلا مطمع لنفس يبلغ مطمع موعود الله للصالحين من عباده من الثواب و الاكرام و الرضا و السعادة.
اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم إنا نعوذ بك من ضيق الدنيا وعذاب القبر، وكُرَب يوم القيامة، وسوء الحساب، وسوء المنقلب. اللهم اكتب لنا نجاة عندك، وفوزا بالجنة، والدرجة الرفيعة يا حنان، يا منان، يا جواد، يا كريم.
أما بعد فموضوع الحديث:
علم وعمل:
قال سبحانه في كتابه العزيز”… قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ” (1).
و قال عز من قائل” ليْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً “.(2،3)
و قال تبارك و تعالى” مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ “. (4)
مستوى الحياة، قيمة الحياة، نتيجة الحياة لأي انسان يحَددها علمُه نوعُ علمه، مستوى علمه، صدقُ علمه، عملُه، نوعُ عمله، مستوى عمله، منطلقُ عمله، وجه عمله، رضا من يطلب بعمله.
وللعلم وظيفة، وللعمل أخرى. العلم يُعيَّن الغاية، ينير الطريق إليها، يهدي لإتقان العمل. أما العمل فتطلب به النتيجة، و تبلغ به الغاية، و تنال الثمرة. و العلم تدفع به حجة الجهل، و يتخلص من تبعته، والعمل تُنفَى به حجة العلم، و يخرج به من مسئوليته.
فالإنسان بتعلمه يتخلص من مسؤولية كان عليه أن يتخلص منها، و يدخل في مسؤلية أخرى بأن يؤدي حق العلم، و أن يأتي بما أوجبه عليه علمه.
نقرأ في ذلك عن الإمام علي (ع) ” العلم يرشدك، والعمل يبلغ بك الغاية”، و ما عنه عليه السلام جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و آله قال: “ما ينفي حجة الجهل ؟ قال: العلم، قال: و ما ينفي حجة العلم؟(5) قال: العمل”. وأي عمل؟ العمل المطابق للعلم.
و لا محالة لا يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون، ولا يستوي قائم و قاعد.
و النتائج و النصر و العز و النجاح و المكاسب في الدنيا والآخرة، والثواب الجنة ورضا الله سبحانه وتعالى إنما طريقه العلم والعمل، وما أمر ذلك بالأماني.
خذ إيمان المسلم، ومن كان من أهل الكتاب قبل الإسلام في صورته النظرية المحضة من غير عمل صالح، فهذا الإيمان لا يبني الحياة المرجوّة، ولا يوصل إلى الآخرة المنشودة. عمل السوء المخالف للإيمان يجزى به صاحبه سوءًا. له في الدنيا العقوبة التشريعية (6)، وفي الآخرة عذاب فعله في النار، ولا يملك أحد من دون الله حَقَّ تعطيل تشريعه في الدنيا، ولا دفع عقويته في الآخرة، ولا ولي له ولانصير.
والأعمال الصالحة يأتيها ذكر أو أنثى بلا فرق على الاطلاق مقرونة ً بحالة الإيمان وإن كان مع شيء من التخلّف تُدخل صاحبها الجنّة، ولا يظلم منها شيئا، ولا يضيع منها عليه شيء.
والذكر أو الأنثى من عاملي الصالحات على حد سواء يُفيض عليهم الله حياة طيبة جديدة فوق ما لهم من حياة (7)، فترتقي بذلك حياتهم الجديدة المضافة، وهي مرتبة أرقى مما كان لهم من حياة على شعور إيماني أعمق (8)، وعلم حقيقي وأعلى وأثبت، ومعرفة أجلى وأوضح، وقدرة على السير إلى الله أكبر (9)، وإحساس أعظم بالرضا والسعادة.
ويأتي جزاؤهم من ربّهم الكريم بأحسن ما كانوا يعملون. ولا تأتي ثمرة العمل الصالح أو السيء إلا كأصله كما تقول الكلمتان عن الإمام علي عليه السلام: “ثمرة العمل الصالح كأصله”، “ثمرة العمل الشيء كأصله”.
والأبرار يوردهم بِرهم مورده، والفجار يوردهم فجورهم مورده كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله “كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار، فاسلكوا أيّ طريق شئتم (10)، فايّ طريق سلكتم وردتم على أهله” (11).
ولمكانة العمل من صلاح حياة الإنسان وآخرته، وفسادهما، ومن تحديد مصيره، ودرجة سعادته وشقائه تأتي هذه الحكمة عن أمير المؤمنين عليه السلام “إنكم إلى إعراب الأعمال أحوج منكم إلى إعراب الأقوال”.
إعراب الأقوال فيه حسنها، والنأي بها عن العيب والخلل والفساد. وهو شيء جميل ومطلوب لكل قائل. ولكن مهما يكن من أهمية لاعراب الأقوال؛ وحاجة إليه فإن تقويم اللسان لا يبلغ أهمية تطهير الجنان، والعملُ الإراديُّ تعبير عن مكنون القلوب، وما يعتمل في الضمائر.
ولئن أضرّ الخلل في إعراب الأقوال في بعض الموارد، وأخرج صورة القول من الإيمان إلى الكفر، فإن خلل الأعمال وانحرافها عن مقتضى الشريعة ضارّ ومفسد في كل الموارد.
ولتقُرَّ الكلمة الآتية عن أمير المؤمنين عليه السلام في الأسماع، وتنفذْ إلى القلوب، وتبعثْ إرادة الجدِّ والنشاط في عمل الخير، والإقبال على الصالحات، وما أوعظها من كلمة!!.
عنه عليه السلام: “فاعلموا وأنتم في نَفَس البقاء، والصحف منشورة (12)، والتوبة مبسوطة، والمدبر يُدعى (13)، والمسيء يُرجى (14) قبل أن يخمُدَ العمل، وينقطع المَهَل” (15).
ولا يدري أحدنا أمسرح عمله في هذه الحياة يطول أو يقصر، يعجّل به إلى آخرته أو يؤجل إلى حين ،ثم لا عودة للدنيا، ولا فرصة أخرى للعمل.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولأخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا أنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل حياتنا سعيا، واجعل سعينا صلاحا، وعملنا مشكورا، ومنقلبنا مرضيّا، وجزاءنا موفورا يا خير من سئل وأجود من أعطى، يا رحمان، يا رحيم، يا كريم .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } (16).
الخطبة الثانية
الحمد لله الخالق الذي لا خالق سواه، العليم أزلا بكل نفس خُلقت أو تخلق، وبما كسبت أو تكسب، وبكل ما جرى عليها أو ما يجري، وبكل ما تنتهي إليه. أنفاس العباد عنده معدودة، وأرزاقهم منه منزّلة، وأعمالهم مرصودة، وآجالهم محدودة. لا مرجع لهم إلاَّ إليه، ولا فيض يتنزّل عليهم إلا من عنده، ولا يحكمهم إلا قدره، ولا يقضي فيهم إلا حكمه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله ألا فلنشحَّ بأنفسنا على النّار، ونخشى عليها من غضب الجبّار فندخل في طاعته صادقين، ونفِرّ من معصيته فَزعين، ونطلبَ رضاه طامعين، ونستعين به متوكِّلين، فأي نَفَّسٍ تتحمل نارًا وقودها الناس والحجارة؟! أو أي قلب لا يذوب أمام خلود العذاب؟! وأي عذاب ذلك الذي لا يعذّبه أحدٌ، ولا تعرِف له نفس أشقى شقي نظيرا ولا يشبهها؟!.
وأي حرمان للنفس يداني حرمانها الجنة والخلود في النعيم، ورضا الربَِ تبارك وتعالى؟!.
ما أعدى امرًا لنفسه وقد اختار لها النّار على الجنة، والعذاب الأليم على النعيم المقيم، وغضب الرب على مرضاته!! إشفاقا على أنفسنا ورأفة بها عباد الله.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من أن تهون علينا أنفسنا فنختار لها النار، ونسعى بأقدامنا إلى جهنم. اللهم اجلعنا لا نختار على رضاك رضا المخلوقين، ولا نارًا أعددتها لعذاب أعدائك، على جنّة خلقتها لكرامة أوليائك، أجعلنا ربَّنا من عبادك المخلصين يا رحمان يا رحيم يا كريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصّدّيقة الطّاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزّكي، والحسين بن علي الشّهيد، وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصّادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعليّ بن موسى الرّضا، ومحمد بن علي الجواد، وعليّ بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين. عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً دائماً قائماً.
أمّا بعد :
ذكرى مولد المنقذ ….. كلمة بالمناسبة:
عقيدة الإمامة في الإسلام يسوق إليها العقل، ويُلزم بها فكر الكتاب الكريم، والسُنة المطهرة، ويوضّح ضرورتها التاريخ، ويلح ما آل إليه واقع الأمة والعالم على الحاجة إليها.
وهذه العقيدة التي بها كمال الإسلام، وتمام النعمة تدخل مسألة الظهور في تكوينها بصورة لا تقبل التجزئة والتفكيك. (17)
هذا إلى جانب ما تمتلكه مسألة الظهور في نفسها، وبصورة مستقلة من نصوص متواترة تكفي لاثباتها.
ويأتي الاضطراب في الأرض، وعجز كلّ الحلول الأرضية، ومختلف القيادات من دون المعصوم عليه السلام عن معالجة الأوضاع المتدهورة، وانقاذ العالم، وما عليه قوّة الأنظمة الطاغوتية المتغطرسة الهائلة، والتضارب الواسع في فهم الإسلام في بعده السياسي، وتعدد اللافتات والأحزاب والزعامات الإسلامية الهزيلة المتضاربة، وظهور إسلام دمويّ لا يفرّق بين مجرم وبريء، وبين بالغ وصبّي ورضيع يظهر الإسلام بمظهر الهمجية، والعدوانية، والانفلات، ويقزز منه يقابله إسلام من صناعة غربية تشوّه الإسلام، وتحوّله إلى وسيلة للتمدّد الطاغوتي، يأتي كل ُّ هذا مع الالتفات إلى ضرورة بقاء الدّين، وحتمية وجوده في الأرض، واستمرار الحجة لله على النّاس ليؤكد قضية الظهور وحتميتها.
والآن يأتي هذا السؤال: ما هو دورنا اليوم فيما يخصُّ قضية الظهوروتحقيق أهدافه؟
إن ما يواجهنا فيما يتصل بهذا الأمر هو التمهيد له والعمل على إنجاحه في تحقيق أهدافه.
ويتلخص التمهيد في أكبر محاولة جادّة منا أفراداً، ومؤسسات، ومجتمعات لاقترابنا، واقتراب أوضاعنا، وكلّ الأمة وأوضاعها من واقع الإسلام في عقيديته، في مفاهيمه، ورؤاه، وشريعته، وأخلاقيته، والأعراف المنشدة إليه، في اجتماعه، واقتصاده، وعبادته، وسياسيته، وكلّ وجوده.
في كل ما نفعل وندع، ما نختار وما لا نختار، نُقرَ أو ننكر،نحب ونبغض، فيما نلبس وما لا نلبس، فيما نأكل وما لا نأكل، فيما نكون عليه من تعامل بين الرجال والنساء محارم وغير محارم، نأخذ به أو لا نأخذ في حفلات الأعراس، في كل مظاهرها، في مستوى الانفاق في المناسبات، فيما تكون عليه كلّ حياتنا من مظهر ومخبر . (18)
أمامنا ثلاث حالات: أن نقف بذواتنا وأوضاعنا خارجها عندما نحن عليه الآن من ناحية إسلامية ….. أن نتراجع في مستوانا على البعدين عن الإسلام (19) ….. أن نقترب إليه ما أمكن من الاقتراب.
الحالة الأولى تجعل من مسؤولية الجيل القادم أن يتحرك من حد مستوانا هذا الخطوةالأولى في اتجاه الإسلام، والمنتظر عليه السلام، (20) ويكون تمهيده لظهوره بمقدار هذه الخطوة وسعتها.
والحالة الثانية تجعل خطوة الجيل القادم محقّقة للمستوى الذي تراجعنا عنه ، لتكون أي خطوة متقدمة جديدة من مسؤولية الجيل الذي بعده.
الحالة الثالثة وحدها هي التي تضيف إلى رصيد التمهيد خطوة إلى الأمام على يدنا، وخطوة أخرى أكثر تقدماً على يد الجيل القادم.
وموقف البقاء عند مستوانا الإسلامي بلا إضافة شيء من جديد يقترب بواقعنا من الإسلام خذلان للإسلام والإمام عليه السلام، ويمثل موقف التراجع عن الإسلام، في محتوى الذات، والسلوك الخارجي، والأوضاع على الأرض خيانة للدين (22)، والإمام الحقّ، وحربا لهما، وعرقلة ليوم الظهور ونجاحاته.
والمرتقب لأي تراجع في مستوانا الإسلامي، على أي بعد من أبعاد الفكر والسلوك والأوضاع، وأي انتكاسة في أي مجال من هذه المجالات أن تحدث تراجعاً هائلا عن خط الإسلام (23)، وخط الإمام عليه السلام في حياة الجيل اللاحق، وفاصلة واسعة بينه وبينهما ما لم يحدث انقلاب لذلك الجيل وثورة على مورثه منّا، وتمرّد على ما قدّمناه له من سوء وتخلف وجاهلية.
احتفالاتنا بمولده عليه السلام قد تكون تمهيدا وقد تُضادّ التمهيد، وتهدم ما كان منه، قد تكون مناصرة له، وقد تكون محاربة.
جوهر المسألة ليس في الاحتفال، وإنما في كيفية الاحتفال، في محتوى الاحتفال، في مظاهر الاحتفال، في أجواء الاحتفال.
يمكن أن يكون الاحتفال إسلاميّاً، شرعيّاً، رسالياً كلّهُ؛ فكره، رؤيته، أخلاقيته، أجواؤه، كل أدواته محكومة لدين الله وشريعته فيدخل في التمهيد والإعداد ليوم القائم عليه السلام، ويمكن أن يكون كلا أو بعضا على خلاف ما يرضي الله سبحانه وتعالى فيكون هدماً، وعرقلة، وتعطيلاً، وإفسادا لمسألة التمهيد والإعداد للظهور.
إن كل اقتراب من الإسلام فيه تمهيد ليوم الظهور، وكل بعد عن خط الإسلام يطيل المسافة بين الأمة والإنسانية ويوم هداها وغناها وعزها ومجدها المنشود. (24)
لم أنطلق الحراك الشعبي، وإلى أين وصل؟
انطلق الحراك الشعبي من معاناة الظلم، والخوف، والحِرمان والإذلال، والتهميش.
الحراك خلّص الشعب من روح الخوف، أمَّا أسباب الخوف فقد ازدادت، زاده إصراراً على العزّة، واسترداد الحقّ، والاعتراف بالقَدْر، ولكن سياسية الإذلال، وسلب الحقوق، والاستخفاف بالقدرة قد وصلت إلى مستويات متجاوزة جدّاً على يد السلطة، والحِرمان قد تصاعد، والاقصاء قد تزايد.
وكلما تمضي شهور أو أيام من عمر الحراك يزداد تعنت السلطة، والامعان في المواجهة الشرسة للشعب. كان الرَّصاص المطاطي، والانشطاري، وقذائف الغاز السام تتوجه إلى صدور ورؤوس ووجوه المطالبين بالعدالة والحريّة بحجة الخروج في مسيرة لم يخطر عنها وإن كانت سلمية وتعيش حالة الانضباط، أمّا اليوم فكل ذلك يتوجه إلى رؤوس، وصدور، ووجوه من يشارك في مسيرات سبق الإخطار عنها، ويستهدف قادة الجمعيات السياسية بصورة متعمدة، وصار لا مكان لأيّ مسيرة وأيّ اعتصام، وأيّ تجمّع للمعارضة، وأن كل ذلك تنفيه المصلحة الأمنية، ولا يشفع له الالتزام بالسلمية، ولا أقصى درجات الانضباط.
وهذا يعني غلق باب التعبير عن الرأي بصورة نهائية، ولأن استجابة الشعب لهذا المطمع مما تعرف السلطة جيداً أنه أصبح من المستحيل فيكون الهدف مزيداً من حصد أرواح الأبرياء من أبناء الشعب، ومزيداً من الاعتقالات، ووجبات التعذيب والتنكيل ونشر الفوضى، ومواصلة مسلسل المحاكمات الجائرة والعقوبات المشدَّدة.
وفي ظل هذا التوجه الأمني العدواني الشرس كيف تحتمل الجديّة فيما يُدّعى من تقديم بعض الشرطة إلى المحاكمة؟ هذه الدعاوى لا تعدو كونها من الدّعاية الأعلامية لتلميع السمعة الأمنية المنهارة للسلطة، وإلاَّ فكيف تحاسب قتلة الشعب من جهة، وتطلق اليد لقوات الأمن من جهة أخرى بأن تمارس حريتها كاملة في الفتك والقتل لأبناء الشعب، وتصويب أنواع السلاح القاتل للمسيرات السلمية من مسافات قريبة، وتوجيه القذائف القاضية على رؤوس المستهدفين من الرموز وقادة الجمعيات بصورة متعمدة؟! هل يجتمع الأمران؟! لا.
وإذا كان لمحاكمة شكلية أن تطال شرطيّاً أو معذّباً منفذاً فإن المسؤولين الرئيسين عن التعذيب والقتل لا يمكن أن تطالهم محاكمة، أو يمسُّهم قانون.
إن اختيار السلطة للحل الأمني، وتشديد القبضة الحديدية، وحصد مزيد من الأبرياء من أبناء الشعب، ومضاعفة خسائره وآلامه لا يمكن إلاّ أن يرفع مستوى قناعته بمواصلة حراكه السياسي، وسفاهة التراجع ليعود إلى وضع أسوأ من سابقه وأشد قهرا، وتهميشا، وإذلالاً، وأفتك به.
ولا يمكن إلا أن يباعد المسافة بين الطرفين، ويضيف إلى العلاقة بينهما تأزما إلى تأزم، وسوءاً إلى سوء، ولا يبقى شيئا من الثقة إلا أتى عليه ونسفه.(25)
وإذا كانت ظروف الظلم والحرمان والتهميش والقهر والإذلال هي التي دفعت للحراك الشعبي، ولم تسمح بتوقفه، وإذا كانت المبالغة في القسوة التي واجهت بها السلطة هذا الحراك، والعقوبة المشددة التي مارستها في حق الشعب من أجله يدفعان بقوَّة للإصرار عليه للتخلص من العنف والقهر والإذلال والشدَّة، ويمنعان من أي تسوية لا تحلُ المشكلة، فإن وجود الرجال الأحرار الأباة الأبطال المضحيّن من أبناء الشعب في سجون السلطة ظلما وجورا من علماء أجلاء ورموز سياسين أوفياء وشباب غيارى، ذكورا وإناثا وكل ذنبهم أنهم قالوا كلمة الحقّ، ودافعوا عن هذا الشعب، وطالبوا بحريته وعزته وكرامتهم ليحيل أن يصدق إصلاح، أو تتم مصالحة وهو مغيبون في سجونهم، ويحيل أن تهنأ للشعب حياة، أو يغمض له جفن، أو يخفت له صوت، أو يبخل بتضحية وهو قابعون وراء القضبان. لا لن يضحي الشعب ولا بواحد من سجانه الشرفاء ولن يتنازل عن حريته ولن ينساه.
اللهم اكشف كروبنا، وانصرنا على من ظلمنا، وأبدلنا عن سوء حالنا حسناً، وارزقنا من عندك فرجا عاجلاً يا كريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من تشتُّت الأمر، وسوء الحال، وغلبة الباطل، وضياع الحقّ، والفتنة المضلّة، وحرمان النّصر، وشرّ المنقلب. اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفكّ أسرانا وسجناءنا، ورد غرباءنا في خير وسلامة يا رحمان، يا رحيم، يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (26).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- 9/ سورة الزمر.
2 – 123-124/ سورة النساء.
3 – النقر في ظهر النواة كما يقولون.
4 – 97/ سورة النحل.
5 – بعد أن أتعلم أكون مسؤولا، فما يحط عني هذه المسؤولية؟
6 – من حد وقصاص وتعويض
7 – أحدنا على مستوى من حياة، يعمل الصالحات فتتجدد له حياة، ويرزق حياة أخرى فوق ما له من حياة. ولا تكون له حياتان وإنما بإضافة الحياة الثانية يرتفع مستوى الحياة الأولى ويقفز درجة في حياته.
8- والحياة لها آثار، والحياة تعرف بمظاهر وهي العلم والقدرة.
9 – امتلكت روحا جديدة فمعناه امتلكت قدرة أكبر على السير إلى الله، الإقتراب ولو بعض الشيء من كمال الكامل. وهو شيء محدود ضيئل مهما كان.
10 – الخيار أمامك فاختر. أمامك سعة الآن.
11 – هناك أهل جنة وأهل نار، ولأولئك طريق ولهولاء طريق، ونحن هنا نقرر ونختار أي الطريقين، وأي المؤلين.
12 – تكتب حسنات، وتمتب سيئات ما دمنا أحياء.
13 – تدعوه شريعة الله، يدعوه كتاب الله، تدعوه نداءات الرسل ،وتدعوه نداءات الواعظين، فهناك تنبيه للمدبر: يا مدبر، يا غافل إرجع.
14- يرجى له أن يعود عن إساءته ويتخلص منها بالتوبة.
15 – مع آخر نفس نفس ينقطع العمل، ويأتي دور الحساب، تنتهي المهلمة فيأخذ بالعبد أراد أو لم يرد، سهل عليه الأمر عليه أو صعب.
16 – سورة الكوثر.
17 – فثبوت المسألة الأولى يعني ثبوت المسألة الثانية.
18 – التمهيد هو حياتنا هنا، نحن أما نبعِّد يوم الظهور وإما نقرِّبه، وإما نمهد له أو نعرقل مجيئه.
19 – نتراجع عقلية، نتراجع ذاتا وأوضاعا خارجية.
20 – ما علينا أن نقوم به من خطوة يؤجل ليقوم به الجيل القادم بعد أن قصرنا نحن بالأخذ بهذه الخطوة.
21- تراجعنا عن الإسلام خطوة فهذه الخطوة حتى يعود الوضع إلى ما كنا عليه قبل تراجعنا على الجيل القادم أن يخطوها ليصل إلى ما كنا نحن قبل الانقلاب على الإسلام قد وصلنا إليه.
22- فمرة نكون خاذلين ومرة نكون خائنين، خاذلين عندما لا نتحرك إلى أمام ولا نتراجع إلى خلف عن الإسلام.
23- تراجعنا يعطي تراجعا أكبر للجيل القادم، الجيل القادم في العادة يستمد القوة من هذا الجيل، ويضيف إلى رصيد هذا الجيل، ويخطو خطوة تقدمية عما وصل إليه هذا الجيل، وتراجع هذا الجيل يعطي قدوة سيئة للجيل القادم، لا يتلقى إسلاما صادقا، ولا عزيمة إسلام، ولا حالة التزام، فيصل إلى درجة أكبر من الإنهيار.
24 – تضيع الاحتفالات ذات المضمون الفكري والروحي والإرادي الصحيح في ظل الاحتفالا السطحي في الشوارع، وهنا مقترح وهو أن تكون ليلة في الشوارع غير ليلة الاحتفالات ذات المضمون البناء الخلاق للشخصية الإسلامية، والهم الإسلامية، والرؤية الإسلامية، والالتزام الإسلامي.
فلتكن ليلة المولد هي ليلة الشوارع ولكن في انضباط وحشمة وتقيد بالحكم الشرعي ولتكن لمظهر الفرح العام السطحي، ولتكن ليلة قبل أو بعد أو أكثر من ليلة لبناء الذات الإسلامية، وللحاضر الإسلامي، ولمستقبل الإسلام.
25- فإذا أرادت السلطة أن تبقي شيئا من ثقة بينها وبين الشعب وأن لا تؤزم الأمور أكثر وأكثر، فعليها أن تسارع إلى الإصلاح.
26 – 90/ سورة النحل.