نص كلمة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في ندوة «المساجد لله»
أقام المجلس الإسلامي العلمائي ندوة جماهيرية تحت عنوان “المساجد لله” في مأتم السنابس، تحدث فيها كل من آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله)، والعلامة السيد عبدالله الغريفي، اللذين أكّدا على خيار الإصلاح الحقيقي لحل المآزق السياسية في البحرين ومن بينها قضية هدم المساجد ودور العبادة.
للمشاهدة :
نص الكلمة :
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغويّ الرّجيم، بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، أيّها الإخوة والأخوات في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المساجد لله
كلُّ شيء لله (عزّ وجلّ)، وللمساجد خصوصيّتها؛ فهي محلٌّ لأوضح تجلّيات التوحيد لله سبحانه في حياة الناس، والحسينيّة تتبع المسجد في ذلك.
في الإسلام وقفيّة، والوقفيّة مُخرِجة من الملكيّة، يتحرّر الشيء من قبضة مالكه بمجرّد تمام وقفيّته، وتُحبس العين، وقد تأخذ المنفعة صورة من صور الخصوص أو العموم على أنّ أمر المنفعة شيء وأمر الولاية على الوقف شيء آخر. المنفعة قد تعمّ المسلمين جميعًا – كما في المسجد في منافعه العبادية -، أما الولاية فهي لجهة خاصّة. الولاية على المسجد إمّا مِنَ الواقف لنفسه أو لغيره، وإما من الحاكم الشرعيّ الذي صار ذكره في المسلمين حرام. هناك حاكم شرعيّ – رضينا أو لم نرضَ غضبنا أو أقمنا الدنيا ولم نقعدها -، هناك حاكم شرعيّ، كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ يأتي من بعده من يعطي الإسلام ولايته، هذا الحاكم الشرعي – أيًّا كان – هو الولي على الوقف إذا لم يُحدّد وليٌّ على الوقف من الواقف، وليُّ الوقف محكوم لا حاكم، ليس له أنْ يتصرّف فيه إلّا طبقًا لأحكام الشريعة، الشريعة تحكم عين المسلم ورجله ويده وكلَّ جوارحه، ومن ذلك أنّها تحكم كلَّ تصرّفات الولي على الوقف.
لماذا جئنا هذا الملقى؟
جئنا لهذا الملتقى لنؤكد على الأحكام الشرعية بكلِّ دقائقها لقضيّة الأوقاف، جئنا لنقول بأنّ الأوقاف يجب أنْ تخضع للحكم الشرعيّ في كلّ أمر من أمورها، وليس لصغير ولا كبير أنْ يخرج بالوقف عن وظيفته أو يتعدّى أحكامه.
جئنا لنعلن صرختنا ورفضنا وموقفنا المكابر لكلِّ ما حصل من تعدّيات على الأوقاف من مسجد وحسينيّة وما وُقف عليهما أو على غيرهما، كلُّ ذلك مرفوض وسيبقى مرفوضًا، وكلُّ ذلك مُقاوَم وسيبقى مُقاوَمًا، وكلُّ ذلك من شأنه أنْ لا يعطي جوًّا من الهدوء وإنْ بردت الأجواء السياسيّة. ما دامت هناك يدٌ غاصبة لشيء من الوقف فستبقى الساحة ساخنة، وسيبقى الجو حارًّا وستبقى أسباب الفتنة قائمة. على الحكومة أنْ تعي أنّ مسَّ الأوقاف مسٌّ لجنبة حسّاسة جدًّا، لا يسمح مسُّها بأيِّ لون من التصرّف.
جئنا هنا لنطالب كلَّ المجتمع، بالدفاع عن الأوقاف وبالاستقامة على هذا الدفاع، وبأنْ تبقى الأوقاف قضيّة غير منسيّة ولا مُهملة بغض النظر عن ما تؤول إليه المسألة السياسيّة.
وجئنا هنا لنُحمِّل إدارة الأوقاف الحاليّة، وأيَّ إدارة يمكن أنْ تأتي بعدها، بأنْ تتحمّل مسؤولية الانسحاب الفوريّ عند تعرّض أيِّ شيء من الأوقاف للتخريب أو المصادرة، يجب أنْ لا تبقى أيُّ إدارة من إدارات الأوقاف – ولو ليوم واحد – أمام أيِّ تعدٍّ على شيء من الأوقاف. نقطة قوّة ورقة قوة تُبطل كيد الدولة بالأوقاف، نطالب بهذه الوقفة من كلِّ إدارة من إدارات الأوقاف.
جئنا هنا معلنين المقاومة المستمرة لفرض الهيمنة السياسية على شيء من الأوقاف أو الدِّين، مقاومة أيِّ تعطيل لوظيفة دينيّة أو تدخُّل في التأثير عليها إضرارًا بها. هناك محاولة مصادرة صريحة للأوقاف، لعَينِ ما هو موقوف ولمنافع ما هو موقوف، وهذه المصادرة فيها محاولة إضعاف وإجهاض لقضايا الدِّين ولخصوصيّة المذهبيّة، ونحن نعي الأمر تمام الوعي، وقد أخذنا على أنفسنا أنْ نُقاومه بكلِّ قوّة.
كما أشار سماحة السيد العلامة السيد عبدالله (حفظه الله) إلى أنّه كان هناك مشروع قانون للأوقاف الجعفرية اتفق عليه عددٌ من العلماء وذلك ما يقرب من سنتين تقدمتا، وقد وصل للجهة الرسميّة، وهذا المشروع يستهدف أنْ يكون الإشراف المباشر وتنظيم الأوقاف ووضع سياستها، وتوجيه ميزانيّتها للعلماء، من دون أنْ يدخلوا في الإدارة ومن دون أنْ يتولّوا منصبًا من مناصب الأوقاف، مع معالجة ما قد يكون من وساوس وهواجس للسلطة من ناحية توجيه أموال الأوقاف واحتمال أنّه يذهب للناحية السياسيّة، فقد أعطى هذا مشروع القانون هذا، الحقّ للدولة التحقيق في ميزانية الأوقاف ليتبين لها أنّها لم يذهب منها شيء لما تخاف منه أنْ يذهب إليه.
الغرب وقد فصل بين الدِّين والدولة أبقى مملكة عريضة للكنيسة وميزانيّة ضخمة، أمّا هنا وفي بلاد المسلمين فتُنهب الأوقاف وتُصادر ميزانيّتها أو تُوظَّف في صالح السياسة بشكل مُقنَّن.
نطالب بإعادة بناء كلِّ ما هُدِّم، وإصلاح كلِّ ما خُرِّب، وإرجاع كلِّ ما صُودر من أوقاف، وتبقى هذه المطالبة مسؤولية هذا الجيل ومسؤولية كلِّ الأجيال اللاحقة حتى يُردُّ الحقُّ إلى أهله وتُعاد الأمور إلى نصابها.
مطلوب منا أنْ لا ننسى قضية الأوقاف في يوم من الأيام، وعلى الإخوة المواطنين الكرام أنْ يحفظوا في ذاكرتهم كلَّ شبر كانت قد أقيمت عليه مؤسسة وقفيّة حتى تكون إعادة هذه المؤسسة محلّ مطالبة هذا الجيل وكلِّ الأجيال القادمة، ولو أقيم على محلِّ الوقف قصر أو قلعة أو مصنع فإنّ كلّ ذلك لاغٍ، وعلى الإرادة الشعبية أنْ تقاومه حتى يقوم الوقف مكانه.
نريد أنْ نقول بأننا هنا، وكوننا هنا ليس للتخريب وليس للفتنة، إننا هنا للمحبة والوئام، ولكنه الوئام الذي يقوم على احترام الدِّين وعلى إقامة العدل وعلى احترام الذات المذهبية وعلى تقدير الإنسان.
نحن هنا من أجل واقع سياسيّ جديد متقدّم متطوّر لا يقبل الزمن الرجعة عنه. ستبقى المطالبة بالإصلاح السياسي مستمرة ودائمة، ولن يسكت صوت هذا الشعب حتى تتحقق المطالب الإصلاحيّة الجدّية، ولن يكون هذا البلد في الاتجاه الصحيح حتى يأخذ مساره السياسيّ الجدّي الصادق العمليّ الملحوظ المشهود، وحتى تحترم الدولة هذا الشعب الأبيّ الكريم.
أيّها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، أنتم على طريق دين الله، ودينُ الله إنّما جاء للإصلاح، والإصلاح له أساليبه ووسائله، فكلُّ وسائلنا وكلُّ أساليبنا الإصلاحية إنّما نأخذها من دين الله، ويبقى الهدف هو الإصلاح، ويبقى هذا الهدف محلَّ إصرار، وتبقى كلُّ التضحيات رخيصة إذا كانت في سبيل الله تبارك وتعالى.
غفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.