خطبة الجمعة (457) 21 رجب 1432هـ – 24 يونيو 2011م
مواضيع الخطبة:
الخطبة الأولى: نفسان متقابلتان
الخطبة الثانية: أحكام المؤبد ودعوة الحوار.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا يبلغ الحامدون حقَّ حمده، ولا يصل الشّاكرون قَدْرَ شُكره، ولا يُحصي العادّون نعمه، ولا يفي المجتهدون بثابت طاعته، ولا يرجو الرّاجون مثل ثوابه، ولا ينتظر العادُون مثل عقابه. هو العليّ العظيم، العليم القدير، العزيز الحكيم، المنعم المتفضّل، المحسن الجواد الكريم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي المغلوبة لهواها بتقوى الله، والصدق في عبادته، والإخلاص في طاعته، والرضى بدينه، والتزام شريعته، وطلب رحمته وهدايته فلا خير إلا منه، ولا شرّ إلا بإذنه، ولا مانع ولا دافع لقدره، ولا مؤخِّر لما أراد، ولا ناقض لما قضى، ولا مخلف لما وعد، ولا واقي مما توعّد؛ إذ لا قدرة إلاّ قدرتُه، ولا مُلك إلا ملكُه، ولا سلطان إلا سلطانه، ولا نفوذ إلاّ لإرادته.
اللهم أعذنا من أن نشرك بك شيئاً، أونرجو معك أحداً، ونخافَ سواك ربَّنا أمةَ أو عبداً. اللهم امنن علينا بمعرفتك، ومعرفة نبيّك ودينك ووليك، وارزقنا صدق التوكّل عليك، واللجأ إليك، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين المنتجبين، وثبّتنا على ولايتهم، والبراءة من أعدائهم يا كريم يا رحيم.
أما بعد فالموضوع:
نفسان متقابلتان:
لنا نفس أمَّارة بالسّوء، ونفس أخرى لوّامة، أو هي نفس واحدة ذات بُعدين أحدهما للشرّ، وآخر للخير. حديث من داخلنا يدعونا للضعف، للانحراف، للقبيح، لما هو خطيئة. وحديث منه كذلك يدعونا للقوّة، للاستقامة، للحسن، لما هو صحيح ونافع. ولنا مع ذلك إرادة لها أن تسمع لهذه الدعوة أو تلك وتأخذ بها، والدين هادٍ، والعقل حاكم، والإرادة محرّكة في اتّجاه واحدة من هاتين الدعوتين.
ومستوى إنسانية الإنسان، ونوع مصيره يرجع في تحديده للأخذ بالعقل والدّين، والإصغاء للنفس اللوّامة والاستجابة لها فيما تُطالب به، وتردع عنه، وتلوم عليه، أو الميل للهوى، ومتابعة النفس الأمّارة بالسوء، والسير في المنحدرات. وكلّ نفس تحتاج إلى مجاهدة وتزكية من صاحبها، ورحمة من الله حتى يخِفّ صوتُ سوئها، أو يتوارى، ويكونَ الحضور القويّ للنفس اللوّامة من غير مزاحم ومضايق ومقاوم.
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(1).
ولنسمع لطائفة من الأحاديث عن المعصومين عليهم السلام في كلٍّ من النفس الأمّارة بالسوء واللوّامة.
عن الإمام علي عليه السلام:”النفس الأمَّارة المسوّلة تتملّق تملّقَ المنافق، وتتصنّع بشيمة الصديق الموافق حتّى إذا خدعت وتمكّنت تسلّطت تسلّط العدو، وتحكّمت تحكُّم العتوّ، فأوردت موارد السوء”(2).
فلهذه النفس أسلوب مكايدة تصل بصاحبها من خلاله إلى حال من الرقيَّة والاستسلام لهواها لِتُوقعه في كلّ مأثم، وتقوده إلى كلّ مهلك، وتورده أسوأ الموارد، وتنتهي به إلى أخزى المواقف، وأسفل العواقب.
ولا عدو أشدُّ من هذه النفس على صاحبها حين تفعل به كلَّ ذلك.
وعنه عليه السلام:”إنَّ النفس لأمَّارة بالسوء والفحشاء، فمن ائتمنها خانته، ومن استنام إلهيا أهلكته، ومن رضي عنها أوردته شرّ الموارد”(3).
والتعبير بأمّارة في الآية الكريمة والحديث يعني الإلحاح والمبالغة من هذه النفس في أمرها بالسوء، والإصرار والمداومة عليه، وبذلك يكون في الاطمئنان إليها، والغفلة عن مكرها وخداعها، والثقة بها الهلاك بالوقوع في حبائلها، والانجرار إلى ما تشتهيه مما لا يبقي ديناً، ولا يسلم معه شرف، ولا تُدرك به غاية حميدة، ولا نجاة فيه من سخط الله وسوء المصير.
فالنفس تحتاج حتى يُسلَم من شرّها إلى حضور عقل، وشدَّة وعي، وطهارة قلب، ونقاوة روح، وقوّة دين، وتذكّر دائم لقدرة الله، وجميل منّه، وعظيم رقابته. تحتاج النفس لتستقيم إلى حراسة لا استنابة، ويقظة لا غفلة، وحزم لا استرخاء.
والنفس تُحبّ وتكره، وقد تصيب فيما أحبّت أو كرهت، وقد تُخطئ فلا تُساير على كلّ حال، وإنما على الإنسان أن يختار لها ما نفع، ويمنعها مما هو ضارّ، والخيار الرّاشد ما كان في ضوء العقل، والفطرة السليمة، والدّين القويم. ويصف الإمام زين العابدين عليه السلام النفس الأمّارة بالسوء كما في المناجاة عنه:”إلهِي إليْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً(4)، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تسْلُكُ بِي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِك، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ طَوِيلَةَ الاَمَلِ، إنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيَّالَةً إلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهُوِ، تُسْرِعُ بِي إلَى الْحَوْبَةِ(5)، وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ”(6).
النفس تملك من الألاعيب والخدع، والقدرة على الالتفاف، والمراوغة، والتزيين الكاذب، والتقبيح الزائف ما يحتاج إلى ملاحقة دائمة واعية، مع الاستعانة بالله، وطلب عصمته فلا عاصم سواه، ولا هادي غيره. النفس تملك كل ذلك في الأخذ بصاحبها للباطل، وصرفه عن الحقّ، ودفعه للشرّ، وتثبيطه في الخير، وحرفه عن الصلاح.
وللنفس اللوّامة شأن كبير وقيمة عالية، ودور بنّاء حميد للذات {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}(7). “عن ابن عبّاس في قوله تعالى {بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} التي تلوم على الخير والشر تقول: لو فعلت كذا وكذا”(8). معنى ذلك أنها تلوم على الاستقلال من الخير(9)، والإكثار من الشرّ، وأصل مواقعته.
وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله في وصيّته لابن مسعود:”يا بان مسعود؛ أكثر من الصالحات والبرّ فإن المحسن والمسيء يندمان: يقول المحسن: يا ليتني ازددت من الحسنات، ويقول المسيء: قصّرت. وذلك قوله تعالى {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}”(10).
وإذا عزّت علينا أشياؤنا فدعانا ذلك إلى العناية بها وإصلاحها، والوصول بها إلى أرقى ما يمكن أن تكون عليه، فلتعز علينا نفوسنا بالدرجة الأولى قبل ما نملك من شيء، وبصورة أكبر وأعظم، ولنولِها من العناية والرعاية ما لا نوليه حتى لبدننا لأنها الأبقى وهي حقيقتنا، ولنرحمها بتزكيتها بما زكّى به الصالحون أنفسهم من الأخذ بمنهج الله وطاعته وعبادته، وتجنّب معصيته(11)، ولنأخذ بما هدى إليه أولياؤه، ونتجنّب ما دعا إليه أعداؤه، وليكن حبّنا لما أحب، ومن أحب، وبغضنا لما أبغض ومن أبغض، فهذا هو طريق كمال النفس ونجاتها وسعادتها، ومن دونه ليس إلا الخسار والبوار، والعذاب والنّار.
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}(12).
فنتيجتان حتميتان: نتيجة نفس زكّاها صاحبها وهي الفلاح، ونتيجة نفس دسّاها صاحبها وهي الخسار، والخيبة والفشل.
اللهم أعذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من ضلال السّعي، وخسران العمل، وسوء المصير، واجعلنا ممن زكّى نفسه بالتقرّب إليك، وأنقذها من الخيبة بطاعتك، ورحمها بأن جنّبها معصيتك، ولم يدسّها فتعمى عنك، وتخسر مشاهدتك. اللهم اغفر لنا ولكل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا وجيراننا وأصحابنا وكل من أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ).(13).
الخطبة الثانية
الحمد لله جار المستجيرين، غياث المستغيثين، صريخ المستصرخين، مجيب دعوة المضطرين، منقذ الهالكين، ملاذ اللائذين، وعياذ العائذين، كاشف كرب المكروبين، ربّ العالمين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله ألا فلنتّق الله، ونسع السعي الذي يقرّبنا إليه، ويدنينا من رحمته، ويُعدِّنا لكرامته، ويرفع من قدرنا عنده بما يبنينا من بناء صالح قويّ، ويأخذ بنا إلى درجات عُليا من الكمال، ويخلِّصنا من نواقص العلم والعمل، ويُثري فينا الفكر النافع، والشعور الكريم، والعزيمة الخيِّرة، ونتنزّه به عن الخمول والكسل، واللهو والعبث، واليأس والقنوط. والسعي الذي يعطي كل ذلك هو السعي الذي يستضيء بهدى الدين في كل ساحات الحياة، وميادين الجهاد والعمل، ولا يتعدّى أحكام الشريعة وضوابطها، ولا يميل عن قصدها ومرماها، ولا يرضى بدون الله عزّ وجلّ معبوداً، ولا بغير سبيله سبيلاً.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنّا نسألك حياة معراجاً إليك، وعلماً يُعين على طاعتك، وعملاً يقرّبنا عندك، ويكسبنا الزلفى لديك، وتمنحنا به جنّتك، وتتفضّل علينا بكرامتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
اللهم صلّ على محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة. وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن القائم المنتظر المهدي.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وعجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يا رب العالمين.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك. اللهم انصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا قائماً.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الله فهذه بعض كلمات:
1. أحكام المؤبّد ودعوة الحوار:
كلُّنا ألم، وتأثّر، وشعورٌ كئيب للحكم بالسّجن لمدة خمس سنوات، ولمدة خمس عشرة سنة، وبالسّجن المؤبد لنُخبة من أبناء الوطن فيهم العلماء الأجلاّء، والرّموز السياسية المرموقة.
ولا نمر بمناقشة هذه الأحكام ومقدماتها المعروفة، ولكننا نعلم بأن صدمتها كبيرة قاسية على جماهير عريضة واسعة من أبناء الشعب، وقد تلقّتها رسالة مؤذية لضميرها، مستفزة لمشاعرها، وقرأتها على أنها ضربة موجعة موجّهة لها في الصميم، وهذا ما نطق به رد الفعل العفوي السريع للحادث، ولا يمكن لأحد مهما كانت له من قدرة فائقة على الإقناع أن يجعل الجماهير تقرأ الرسالة غير هذه القراءة.
أحكام نستنكرها، ونرى فيها إساءة للحرية والوطن والجماهير، ونطالب بالتخلّي عنها، وإبطاله قضائياً لخسّة المقدِّمات.
هذا واقع من واقع البلد، وإلى جنبه دعوة للحوار.
وإذا كان هناك من يبحث عن حل لأزمة البلد، أو عن طريق مؤدٍّ للحل فليس أحوج إلى ذلك ولا أحرص من هذا الشارع المكتوي بالأزمة، والناس الذين يخسرون أولاداً وإخواناً لهم ذهبوا ويذهبون ضحايا حقٍّ ودينٍ ووطن، ومن تمتلئ بهم السجون، ومن تُسدّ عليهم أبواب المعيشة، ويُحرمون لقمة العيش الشريفة، ومن يفتقدون الأمن في ليل أو نهار، ليس أحوج من أولئك من أحدٍ لقضية الحلّ، ولقضية الطريق الصادق للحلّ.
وقد بحّ الصوت من هذا الشارع ورموزه وهم ينادون بالحوار ويدعون إليه على أن يكون حواراً جادّاً ومؤدّياً إلى الحل، ملبّياً لما تقتضيه الضرورة من المطالب، ويحتاجه الإصلاح.
والحوار طريق وليس هدفا، وقيمته من قدرته على تحقيق الهدف، والهدف دائماً الإصلاح، والإصلاح الصادق القادر على الإقناع ونيل الرضا والثبات. على أن مباشرة الإصلاح عملاً من القادرين عليه هو الطريقة الأمثل، والتي لا يمكن لأحد أن يشكّك في جدّيتها، وليس فيها تطويل ولا مجادلات وتوترات.
وليس هناك ردّ لدعوة الحوار في أصلها، ولا استخفاف بها، ولا استعلاء عليها، ولا إدارة ظهر لها من أناس يبحثون عن الحل ويحرصون عليه. ولكن هناك أجواء ومقدّمات وملابسات، وإجراءات عملية، وتصميم خاص لقضية الحوار، وإعلام محارب للشارع، وإلهاب ظهر متواصل للمعنيّ الأول فيما يجب بدعوة الحوار وتهميش واضح لهذا الطرف، وكل ذلك تيئيس له من قيمة الحوار، وطرد له من ساحة الحوار(14). فماذا يفعل اليائس المطرود بعد ذلك؟!
توجد دعوة للحوار، وواقع على الأرض، والعلاقة بينهما علاقة مشرِّق ومغرّب لا يلتقيان. هناك دعوة للحوار، ولكن هناك سدٌّ لبابها عملاً، وطرد لمدعوّين للحوار.
دعوة للحوار والأحكام المشدّدة على أبناء الشعب ونخبه ورموزه تتوالى؟!(15).
دعوة للحوار يهمّش فيه أول طرف معنيّ به حتى كأنّه لاحِقة من اللواحق الصغيرة، وزعنفة من الزعانف، ونقطة في الهامش؟!(16)
دعوة للحوار مع استمرار عمليات القتل والسجن والتحقيق والفصل من الأعمال، والسب والشتم والاتهام والتحقير العلني والإعلام المعادي؟!
دعوة لحوار لا يبشّر بشيء من مقدّماته وأجوائه بنتائج إيجابية ملموسة؟!
دعوة لحوار تصاحبها خطوات محبطة للجماهير وهي المعني الرئيس في الحوار؟!
حوار يضع المسؤولون بالدرجة الأولى عن إنجاحه العصا في عجلته قبل أن يتحرك؟!.
حوار يقال عنه غير مشروط ولكن هناك شرط فيه على الطرف الرئيسي في الخلاف، ذلك أن يتلقّى استمرار الضربات الموجعة، وكلِّ الإهانة والتحقير والتهميش، وسيل الاتهامات الظالمة، وألوان التعديات برحابة صدر ويدخل الحوار بوجه بشّ، وابتسامة عريضة، وقهقهة عالية، وصدر منشرح حتى لا تتعكّر أجواء الحوار؟!(17)
واضح أن لكل أمر مقدِّماته، ولكل نتيجة أسبابها، ولا يطلب الأمر من مقدِّمة نافيةٍ له، ولا النتيجة من سبب يقود إلى عكسها.
مقدّمات الحوار في بلدان أخرى تمهيدات إيجابية، وقدر من التداركات والتصحيح والإصلاح، أما المقدمات عندنا فمختلفة.
أرأيت من أراد أن يخفف من غليان مرجل على النار يزيد في قوة الاشتعال تحته؟! ومن أراد أن يهدّئ الخواطر يثيرها؟! ومن أراد سيادة أجواء السلم يصرّ على لغة الحرب؟! من الصعب التوفيق بين ما يجري على الأرض، وبين دعوة الحوار.
وبعيداً عن الكلام عن الحوار أؤكد على أن لنا (نعم)، و(لا).
نعم لإصلاح جدّي يحفظه دستور عادل يوافق عليه الشعب، وينهي حالة التهميش له، ويعترف له بكونه مصدر السلطات، في تعبير واضح عن ذلك بمواد وبنود محدَّدة تمثّل ترجمة صادقة لهذا الوصف.
نعم لإيقاف كل الانتهاكات والتعدّيات على حقوق الإنسان المتفق عليها عالميّاً وبصورة فورية.
نعم للإنهاء السريع لكل آثار الحل الأمني وإنصاف المتضررين.
ولا لتهديد الأمن من أي طرف.
لا لتهديد الوحدة الوطنية.
لا للإعلام المستهتر الفاحش البذيء الفتنة.
لا ولو لشمّة الطائفية.
هذه (نعم،) و(لا) بلا تحدٍّ ولا مغالاة ولا تزيّد.
هناك كلمة(18):
وكيف يريد التخلف عن الحوار بقصد إفشاله من لا يستقيم تخلّفه عن الحوار الجادّ الصادق وحاجته في الإصلاح وأي مقدمة من مقدماته(19).
والحمدلله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم صل وسلّم على عبدك وابن عبديك محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(20).
{.. إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(21).
ربنا فرج عنا وعن جميع المؤمنين والمؤمنات وارحم شهداءنا وكل شهيد من شهداء الإسلام، وأطلق سراح السجناء، وفك قيد الأسرى، واشف المرضى والمجروحين والمعلولين من أبناء الإيمان والإسلام، وادفع كل ظلم عن عبادك الصالحين، يا رحمان يا رحيم، يا رب العالمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(22).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- 53/ يوسف.
2- ميزان الحكمة ج4 ص3325 ط1.
3- المصدر السابق.
4- هناك ولع، حبّ شديد للمعصية من النفس.
5- الحوبة: الذنب.
6- الصحيفة السجادية، ماجاة الشاكين.
7- 2/ القيامة.
8- ميزان الحكمة ج4 ص3325 ط1.
9- لماذا لم أكثر من الخير؟ يأتي يوم تنكشف فيه قيمة فعل الخير، وتأتي يقظة في الحياة تلتفت بها النفس إلى ما هي قيمة الخير، فتُصاب بالألم الحزن لأنّها لم تستكثر منها. فكم يؤلم الإنسان أن تفوت منه عشر سنوات في اللهو واللعب، وأن يتذكر أنه أمضى طائفة من عمره في الشرّ بعد أن يستيقظ ضميره.
10- المصدر السابق.
11- فما رحِم امرؤ نفسه وقد استجاب لها في معصية الله.
12- 7 – 10/ الشمس.
13- سورة العصر.
14- هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
15- هتاف جموع المصلين بـ(نطالب بالإفراج عن المساجين).
16- هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة)..
17- ادخل الحوار مظلوماً مقهورا مشتوما مسلوبا وأنت تضحك. (هتاف جموع المصلين بـ لن نركع إلا الله).
18- متهمون نحن بأننا متخلفون عن الحوار لإفشاله.
19- نحن نعرف أن أطراف الأزمة كلها متضررة، ولكن ليس هناك طرف أكثر تضرراً منّا، فكيف يسمح لنا عقلنا وديننا لو رأينا في الحوار جدّية وصدقاً وأنه يمثّل حلا فعلا أن نتأخر؟! تأخرنا لأن الحوار يعلن عن نفسه بأنه فاشل.
20- 10/ الحشر.
21- 16/ آل عمران.
22- 90/ النحل.