شعار “هيهات منّا الذلّة” ( آية الله قاسم )
آية الله قاسم: “هيهات منّا الذلّة” شعار يواجه به المؤمن نفسه قبل أن يواجه به الخارج
نص كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ليلة العاشر من المحرم 1432هـ في المنامة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغويّ الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
زيارة الحسين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم “السَّلامُ علَيكَ يا وارِثَ آدَمَ صفوةِ اللهِ، السَّلامُ علَيْكَ يا وارِثَ نوُحٍ نَبيِ اللهِ، السَّلامُ علَيكَ يا وارِثَ إبراهيمَ خليلِ اللهِ، السَّلامُ علَيكَ يا وارِثَ موسى كليِم اللهِ، السَّلامُ علَيكَ يا وارِثَ عيسى روُحِ الله، السَّلامُ علَيْكَ يا وارِثَ محمدٍ حبيبِ اللهِ، السَّلامُ علَيكَ يا وارِثَ أمير المُؤمِنينَ وَلَيِ اللهِ، السَّلامُ علَيكَ يَا بنَ محمدٍ المصطفى، السَّلامُ علَيْكَ يَا بن علي المرتضى، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بن فاطمة الزهراء، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بنَ خَديجَةَ الكُبرى، السَّلام عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وابنَ ثارِِهِ والوِترَ المَوتوُرَ، اَشهَدُ اَنَّكَ قَد أقمت الصَّلاةَ وَآتَيتَ الزَّكاة وأمرت باُلمِعروف ِوَنَهَيتَ عنِ المُنكرِ وأطعت اللهَ وَرَسولَهُ حتّى أتيك اليَقينُ، السلام عليك يا سيد الشهداء، السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك في الأولين، السلام عليك في الآخرين، السلام عليك من كل قلب مؤمن، ومن كل ضمير حيّ، السلام عليك في الأرض، السلام عليك في السماوات.
“هيهات منّا الذلّة”
الحديث يدور حول كلمة له (عليه السلام)، نردّدها كثيراً هي كلمة “هيهات منّا الذلّة”. الكلمة تقول: لا ذلّة أمام شيء على الإطلاق غير الله، هناك احترام، طاعة مأذون بها من الله، انتظام يأمر به الدين، مراعاة، ضرورات، أوجب أو رخص الإسلام بها، هذا جائز، هذا يمكن أن يأتي به المؤمن كله، لكن الذلّة أبعدُ ما تكونُ عن المؤمن.
“هيهات منّا الذلّة” كلمة يفرضها الفكر التوحيدي، كلمة ليست سطحية، وليست أمراً عابراً في حياة الإنسان المسلم، وليست ملامستها لقلبه ملامسة خفيفة، كلمة يفرضه الفكر التوحيدي ومشاعر هذا الفكر، والأخلاقية النابت في ظله، والتربية القائمة عليه، والنفسية المهتدية بهداه، والإرادة الصلبة من صنعه، كل ذلك يفرض على المسلم فرضاً، بل هو ينبع من داخله، بكل رضا واطمئنان وعشق بأن يقول “هيهات منّا الذلّة”.
“هيهات منّا الذلّة” مكوّن رئيس من مكوّنات الشخصية الإيمانية، ولا يمكن أن يتخلّف عنها ولا تنبت على حقيقة التامة إلا هي، ولا يمكن تنبت على هذه الأرضية ذلّة أو شيء من الذلّة، في الإسلام لا ذلّة ولا خنوع، ولا تكبّر ولا تجبّر، ولكن عزّة وكرامة وشهامة وإباء.
مسلم بن عقيل كان في أشدّ الأوضاع الذلّة المادية، يقف مأسوراً بين يدي ابن زياد ولا ناصر له، وليس بينه وبين الموت إلا لحظات، والدماء تشخب من كل بدنه، لكن عزته الإيمانية لم تثلم، وبقي الرجل الطود، لا يلين ولا يستكين، ولا تظهر منه كلمة ضعف.
الحسين (عليه السلام) كان مكثوراً بالجيوش الأموية، محاطاً بحالة من الإرهاب الشديد، كل السيوف والرماح وكل أدوات الحرب تتوعّده وتتهدّده بالموت، وليس الأمر كذلك فحسب بل سيعلّق الرأس على قناة الرمح، وتحرق الخيام، وتسبى الفاطميات، ويفقد كل ناصر، ويتوسّد كل أحبته من خيرة أهل الدنيا الثرى وتنتهي المعركة العسكرية في صالح العدوّ الشرس اللدود، لكن كل ذلك لم يتسرب منه ما يفعلُ في قلبه شيء من الذلّة أو الشعور بالهوان.
زين العابدين (عليه السلام) وهو مغلّل بالأقياد، أسير بين يدي الأعداء، تحت رحمة السياط، والفاطميات من جهة أخرى العزيزات الكريمات الموقّرات العفيفات يتعرّضن لسبي ما كن يتصوّرنه، ولكن الإباء هو الإباء، والعزّة هي العزّة، والكرامة هي الكرامة، والشعور بالثقة كما كان قوياً وفولاذياً ولا يلين، وكان الركب ركبُ السبايا يدرك تماماً أنه أكبر من في الدنيا، ويعيش هذا الشعور، ويغذّيه بهذا الشعور والكرامة والشهامة.
ما هي الذلة التي تتنزّه عنها ساحة الحسين (عليه السلام)؟
ما هي الذلّة التي تتنزّه عنها ساحة الحسين (عليه السلام) وكلِ أبيٍّ على خط الحسين (عليه السلام)؟
كما سبق كان فقدُ الناصر، وكثرة العدو، وشراسة بطشه، وكان ما يتهدّد سيد الشهداء من الهزيمة العسكرية المتيقّنة حسب المعطيات الموضوعية القائمة يوم العاشر وفي لحظة القتال، يتهدّده تعليق الرأس على قناة الرمح، إلى آخر الكوارث والمصائب التي كانت في انتظار البيت العلويّ الشهم الكبير.
هل ننكر أن هناك ذلّة مادية خارجية، لا يسع. كان الحسين (عليه السلام) محاطاً بكل أسباب الذلّ الخارجي والمغلوبية على الأمر، أما نفس الحسين (عليه السلام) فكانت تزداد شعور بالعزّة وبالكرامة والشموخ والاستعلاء كلما قرب حين لقائها بالله تبارك وتعالى.
فهناك ذلّتان: ذلّة خارج، وذلّة داخل، ذلّة خارجية يمكن أن يفرضها الخارج عليك قهراً، وهناك ذلّة داخلية تختارها أنت اختياراً، وذلّة الخارج للشريعة فيها رأي كما سيأتي.
ذلّة الخارج معروفة، وما هي ذلّة النفس؟ أن تسترخص نفسك أمام أيّ رغبة أو رهبة، أن تتنازل عن قناعتك الإيمانية، عن إنسانيّتك أمام أيّ ظرف من الظروف، أن تسقط في نظرك؛ لأنك لم تعد تملك القوة المادية الكافية للإجهاز على مقاومك، من أتت عليه من لحظات الشدة، لحظة من لحظات الامتحان الصعب، وشعر بتفاهته، وفقد شعوره بالعزّة فهو ذليل نفسه، وعزّة الداخل التي تقابل هذه الذلّة إذا تمّت لامرئ لم تملك الدنيا أن تملكها عليه، أو تنال منها شيئاً في داخله، فهكذا كان أنبياء الله ورسله وأوليائه الصادقون.
وللذلّة قاعدة، وللعزّة قاعدة أخرى. قاعدة الذلّة الضعف، وقاعدة العزّة القوة، وذلّة الداخل لا تكون إلا عن ضعف في الداخل، وذلّة الخارج لا تكون إلا عن ضعف في الخارج، والعزّة الداخلية لا تتأتى لأحد أهمل أن يملك قوة الداخل، وهي لا تتيسّر بأيّ حال من الأحوال لامرئ في الخارج، لأمة في الخارج تكون قد قصّرت في طلب أسبابها.
ماذا يقول شرعنا في الذلّة وفي العزّة؟
ماذا يقول شرعنا في الذلّة وفي العزّة؟ يحرمُ الشرع ذلّة الداخل مطلقاً لأنها اختيارية، وحتى لو وجد الإنسان نفسه فاقداً للذلّة في الداخل لضغط الظرف فإن المقدمات المؤسسة لذلك من فعله وتقصيره وهو لا يُعذر. لو بنى نفسه البناء الإيماني الشامخ، واتصل قلبه بمصدر القوة لما جاء ظرف يفقده العزّة ويوقعه في الذلّة، الظروف الضاغطة تعظم في الخارج وتطغى، إلا أن نفساً اتصلت بالله، قلباً انفتح على الله، آمن به، أنشد إليه، عمر بذكره، لا يوجد ظرف من تلك الظروف أن يهزمه، وأن يلين ذلك القلب لضغطه.
فالشرع يحرم ذلّة الداخل، ويفرض عزّة الداخل، وهو من أجل هذا الهدف يبني النفوس على خلاف الذلّة، وإذا وقعت في ذلّة فله منهجه الذي يخلصه منها. أما ذلّة الخارج فهو يمنع من الوقوع فيها اختياراً، ذلّة الخارج كثيراً ما تكون بالاختيار في مقدماتها، الأمّة التي تقصرُ في بناء ذاتها، وفي امتلاك أسباب القوة التي هي قاعدة العزّة، وتختار طريق الضعف، وتعيشُ حالة الكسل والخمول، وتسترخي بالراحة، هذه أمّة إنما تسلك باختيارها طريق الذلّة.
يمكن أن تُغلب أمم من غير أن تكون مقصّرة، ولكن كثيراً ما تكون غلبة الأمم، وضعف الأمم، ثم ذلّها بسبب من التقصير. وليس ما يبني أمّة قوية صلبة شديدة متأبية على الانهيار والضعف كما هو الإسلام، الإسلام ينتشل المجتمع من أحط الوهاد بل من أسفل سافلين؛ ليرتفع به ويبنيه قوياً شامخاً عزيزاً كريماً. ولا طريق للعزّة غير القوة، قوة الداخل تطلب بالصلة بالله، وتربية النفس على منهجه، وبترويضها على الصعوبات، وبالتأمل والتفكر في قيمة الحياة وقيمة الآخرة، في قيمة الإنسان، في قيمة ما يملكه الإنسان، فإذا ترسّخت النظرة الكريمة للمعبود الحق، وللهدف وكبرت النفس وعزّت الآخرة، ونظر الإنسان إلى كرامته، فهذه كلها مناشئ الشعور بالعزّة، والغنى والعزّة والكرامة، هذه عزّة الداخل. وذلّته طريقها هو الطريق لهذا المعاكس، لهذا الطريق.
سيأتي أن هناك من يكون في أعلى درجات العزّة الظاهرية، لكنه فاقدٌ لعزّة الداخل، وهناك من يكون بين يدي عدوّه لا يملك من أمر خارجه شيئاً حتى أن ينظر في هذا الاتجاه بعينه، أو ذلك الاتجاه، لكنه كله فخرٌ واعتزاز، وشعورٌ بالعزّة والكرامة، ويرى في جلاده وسجانه الشيء الوضيع الدنيء، هذا يكون وذاك يكون.
وعند انفصال الخيار بين ذلّة الداخل وذلّة الخارج ماذا يقول الشرع؟ هذا الاضطرار يفرض عليك شرعاً أن تتنازل عن عزّة الخارج وتقبل ذلّة الخارج، وتحتفظ بعزّة الداخل.
تستطيع أن تعيش مقرّباً من الحكم، بعد غضبة منه عليك أيّ حكم جائر؟ وأن تحتل مكاناً لا تحلم بها الملايين عنده، بفقد دينه وفقد ذاتك وقطع صلتك بربّك. وبين أن تحفظ بالعلاقة بالله وموقعك الإنسان، وأن لا تقبل السجود لغيره، لكنك هنا عليك أن تخسر حياتك، أن تعيش أسيراً ذليلاً بين يدي سجّان وجلاّد، عليك أن تختار ذلّة الخارج.
والحسين (عليه السلام) وقف هذا الموقف، إما ذلّة الخارج والاحتفاظ بالدين ونصرة الدين والازدياد في العلو والسمو والرفعة، وتجاوز كل المستويات، أو أن يطلب عزّة الخارج مع الذلّ بين يدي يزيد، والذلّ بين يدي يزيد لا يدخل في تصورك بالنسبة للحسين (عليه السلام) أن يزيد سيعذبه وسيسجنه وإنما هذا الذلّ يتمثّل إعطاء الحسين (عليه السلام) ليزيد رغبته، ليزيد في القضاء على دين الله وتعطيل حدوده، وهذا الذلّ يعني أن الحسين (عليه السلام) يعرف أن مصير الدين مرتبط بحركته وثورته انتصرت عسكرياً أو لم تنتصر، لكن خوفاً من الذلّة الخارجية يتخلّف، هذا ما لم يختره (عليه السلام) وأختار ذلّ ظاهرياً له وللإمام المعصوم من بعد ولكل عائلته ولمن يأتي من شيعته إلى زمن طويل. هذه ذلّة الخارج اختارها الإمام الحسين (عليه السلام) على ذلّة الداخل محتفظاً بعزّته وشهامته وكرامته، التي لا يثبت منها شيء في الانفصال عن أمر الله ونهيه.
الشاعرُ يقول عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) “أقاد ذليلا”. هناك ذلّة خارجية ولكن ليست من نفس تعيش الإباء والعزّ والشموخ والرفعة والسموّ والثقة بالذات كما كانت نفس ذلك الأسير (عليه السلام). ولا تلازم بين الذلّتين، فأعزّ عزيز نفساً قد يذلّه الخارج لكن على مستوى الخارج، وأذلّ ذليل في نفسه قد يظهر بأكبر مظاهر العزّ الخارجي، كثيرون هم أعزّاء الخارج، والذين تتغيّر قناعتهم في لحظة ويتنازلون عن كرامتهم أمام وعد زهيد أو وعيد غير أكيد.
عزّة الداخل..
هناك رؤساء وزعماء، هناك كبار ويعيشون كل مظاهر العزّ الخارجي، ويحاطون بالعساكر والقوى المدججة بالسلاح ويأتمر بأمرهم الألوف وقد يكون الملايين، لكن كلمة من أوباما تغيّر حال هذا الرجل كل التغيير، وتعدل به عن كل خططه، ويبدي الذلّة بين كلمة من أوباما. هارون الرشيد من على سطح أشرف على سجن الإمام الكاظم (عليه السلام)، فكان أن وجد ثوباً ملقاً على الأرض، سأل السجّان الربيع: ما هذا الثوب؟ أخبره أنه ليساً ثوباً وإنما هو الإمام الكاظم (عليه السلام) في سجدته التي تبتدئ صباحاً حتى الزوال. فتأتي الكلمة من هارون بأنه من رهبان بني هاشم. تبع هذا كلمة السجّان: ولما تشدّد عليه يا أمير المؤمنين؟ قال: هيهات، إنه الملك، معناها هيهات أن أتنازل عن هذا التشدّد، عن إنزال هذه الأذى الأليم بالإمام الكاظم (عليه السلام)، إنه الملك، الرجل مأسور في داخله لشهوة الملك، ذليل أمامها. وكثيراً منا من يعيش منا هذه الذلّة أمام وعد بمنصب، أمام شهوة منصب، أو امرأة، أو بيت متواضع. إذا كان هارون الرشيد فاقداً للعزّة في داخله ومقطوناً من الذلّة لشهوة الملك، فإن شهوةً أقل من شهوة هارون الرشيد بما لا يقاس تأسر الكثيرين من الناس، والذين يترائ لهم أنهم مؤمنون.
والمؤمن كل داخله يقول “هيهات منّا الذلّة”، “هيهات منّا الذلّة” شعار يواجه به المؤمن نفسه قبل أن يواجه به الخارج، وهو يستمد قوّة شعاره الخارجي من قوة صموده أمام الداخل.
مسؤولية الأنظمة في سلب العزّة من الأمّة
هناك مسؤوليات ضخمة تتحمّلها الأنظمة الرسمية في سلب الأمّة عزّتها، وفي إيقاعها في الضعف والذلّة.
نقاط مختصرة تمثّل جريمة من الأنظمة الرسمية، وهي كثيرة والأنظمة الرسمية التي تمارسها ما أكثرها:
1. فصل الأمّة عن إسلامها يقتل فيها روح العزّة الحقيقة والكرامة
العزّة الداخلية ولو حصلت ومعها الوعي؛ لتحتّم حصول الخارجية بطلب أسبابها، في القضاء على منابت العزّة الداخلية وفصل النفس الضعيفة التي لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حياة عن مصدر القوّة الحقيقي، وعن مصدر العطاء الذي لا مصدر غيره، لا بد أن يركز الشعور بالضعف في الداخل، وهو أرضية الذلّ الخسيسة في المحيط نفسه وعلى الصعيد نفسه. فالذين يعملون لفصل الأمّة عن إسلامها بإعلامهم ومشاريعهم وسياساتهم من خلال كل الوزارات، إنما يستهدفون فيما يستهدفونه القضاء على الشعور بالعزّة والكرامة في الأمّة، حتى إذا فقدت عزّتها استجابت لكل ما يريدون ولكل ما يخطّطون، ولم تعد قادرة على أن توجّه كلمة إنكار لظالم.
وعوامل العزّة الداخلية إما أن تكون مؤقتة وتؤججها الظروف اللاهبة الخارجية إلى حدٍّ ما، وإما أن تكون أسباب العزّة قائمة في داخل النفس ما دامت النفس. العزّة على المستوى الأول يمكن أن تأتي في حق الشعوب والأمم، أما العزّة على المستوى الثاني فلا يملكها إلا مؤمن صادق الإيمان وأمّة آمنت بربّها حقّاً وصدقاً.
ومما تتحمّله الأنظمة الرسمية في هذا المجال ومما يسبّب الذلّ والهوان:
2. سياسة القمع والإرهاب للأمّة وشعوبها
بحيث لا يرتفعُ صوت إلا وأصاب ظهر صاحبه سوط، العدّة في الحكم السجون والتعذيب والمحاكمات وما ماثل، هذا اللون من السياسة الإرهابية عامل إذلال للأمّة، حتى يتحصّل لنخب في الأمّة أن تتربّى على العزّة والكرامة من خلال إسلامها فتتغيّر الأحوال.
3. المصادرة للكلمة الحرّة الإصلاحية بشتى الوسائل
والوسائل لا تنحصر في السوط والسجن والمحاكمة، وأد الكلمة الحرّة المستهدفة للإصلاح لتوعية الأمّة، الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر فيه قضاء على عزّة الأمّة.
4. التلاعب بثروات الأمّة إضعاف لها
وفتح لباب الذلّ عليها، فالأمّة الفقرة، الأمّة المنهوبة لا بد أن يفرض عليها ظرف الفقر لوناً آخر من الذلّة.
5. أما التبعية للأجنبي
ليس لهوان الأنظمة فحسب، إنما هو إعلان عن هوان الأمّة بكاملها، وما أكبرها جريمة ترتكبها الأنظمة الرسمية في هذا المجال.
6. الاعتماد على الأجنبي في الغذاء
كل الأمم قادرة أن تتقدم صناعياً وزراعياً علمياً سياسياً إلا هذه الأمّة، ألم تعرف الأمّة نفسها معطاءة، علمية، مبدعة، محلقة، قوية، رائدة، سباقة لكل الأمم في يوم من الأيام، إلا أن الأمة لن تنسى تاريخها، تاريخ المجد والقوّة والكرامة الذي كان على يد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذي كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل استعادته. الاعتماد على الأجنبي في الغذاء والسلاح والدواء والصناعة واقع مذلّ، أنت عبد من احتجت إليه، والأمّة لا بد أن تعيش حالة من العبودية لمن كان بيدها غذائها ودوائها وأداة الدفاع عن نفسها، هناك ذلّ آخر وعار آخر وخزي آخر خسيس، وهو انتصار الأنظمة الرسمية بالعدو ضد بعضها البعض.
العزّة والذلّة في القرآن والسنة
القرآن الكريم:
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾. فاطر: 10
يا جماهير الأمّة، يا نخب الأمّة، يا غيارى الأمّة، يا وعاة الأمّة، من أراد منكم لنفسه ولأمّته وعشيرته عزّة فلا يطلبها من غير طريق الله والاستكانة بين يديه، ومن الاستكانة بين يديه التقيّد الكامل الدقيق في الحياة.
﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً﴾. النساء: 138-139، هذا واقع أنظم إسلامية كثيرة هو أنها تبتغي العزّة من الكافر، ألجأ إلى أمريكا، الأسرار عند أمريكا، الشكوى عند أمريكا، التضحية بالشعوب من أجل أن ترضى أمريكا، التضحية بالدين من أجل أن ترضى أمريكا.
﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ؟﴾، أنت مخطأ ﴿فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً﴾.
﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ المنافقون: 8، كان يجد شيئاً من الرصيد الاجتماعي في المدينة أو كان يحسب ذلك، وأنه يملك شيئاً من القوة والأيدي التي ستقف معه ضد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يتحدّث عن عزّة خارجية، ولكن العزّة عزّة الداخل وكذلك عزّة الخارج “إذا أراد الله بعبد لم يغلبه عليها غالب”، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
والمؤمنون بما هم مؤمنون لهم العزّة بصلتهم بالله، والمؤمنون بتقيّدهم الكامل بمنهج الله وطلب أسباب القوة والغلبة هم أصحاب العزّة في الظاهر، وعندما جدت الأمّة وشمّرت عن ساعدها في العلم والعمل أيام حكم المعصومين (صلّى الله عليه وآله وسلّم) توفّرت لها عزّة الداخل والخارج معاً، وكانت سيّدة الأمم داخلاً وخارجاً.
على مستوى الحديث:
عن الرسول (صلّى الله عليه وآله): “إن الله تعالى يقول كل يوم أنا ربّكم العزيز، فمن أراد عزّ الدارين فيطع العزيز”، أما أن يطيع الذليل المسكين المستكين، وإن كان على مظهر كبير من القوة المعتادة، فهذه الطاعة إن أعطته عزّة ظاهرية وقت ما فهي تأكل كل عزّته في الداخل، ودوام العزّة حتى الخارجية لا يكون إلا باتّباع منهج الله، وفي قسم من منهج الله (عزّ وجلّ) يكون الاتّباع عن نيّة – يشترط في الاتّباع أن يكون عن نيّة – ولا تترتّب نتيجة الاتّباع إلا بهذه النيّة الصالحة المخلصة.
أما قسم آخر عمليّ من نهج الإسلام يرتبط بالحياة في الخارج، في بناء القوة، في امتلاك كفاية غذائية، في امتلاك صناعة متقدمة، في امتلاك مركز عسكري متقدم، اتّباع منهج الله (عزّ وجلّ) في ذلك ولو من غير نيّة سيعطي ثماره ولو كان بالنية الصالحة لتضاعف. والفارق بيننا والأمّة التي جعلتنا في الخلف إلى بعيد، هي أنها أخذت من منهج الله هذا القسم الأخير وتعاملت معه بجدّ، وأخذت بأسباب العلم والقوة، والأخذ بأسباب العلم والقوة من منهج الله ونحن قد فرطنا في ذلك.
عن الإمام علي (عليه السلام): “اعلم أنه لا عزّ لمن لا يتذلّل لله، ولا رفعة لمن لا يتواضع لله”. متى يرتفع جبينك في الخلق؟ عندما يسجد لله سبحانه وتعالى، متى تملك نفساً أقوى من كل ضغط الخارج؟ عندما تقف ذليلاً بين يدي الله (عزّ وجلّ).
ومن دعاء الإمام زين العابدين يوم عرفة: “وذلّلني بين يديك، وأعزّني عند خلقك”. وعزّ الله لعبده العابد له، وللأمّة العابدة له، عزّ الداخل والخارج يتنزّل من الله بكل كرم وجود لمن ذلّ بين يديه.
كلمة أخيرة
وهنا كلمة أخيرة هي: إن علينا أن نطلب صلاح هذا البلد، وصلاحه ليس في امتلاء السجون، وبانتشار حالة الرعب في نفوس المواطنين وتعميم الإرهاب ومداهمة المناطق والبيوت، ولا باستمرار المحاكمات، وإصدار الأحكام المتشدّدة، ولا بمضايقة الشعائر الحسينية والدينية بصورة مطلقة، ولا بأيّ نوع من أنواع الاستفزاز، ولا بأيّ لون من ألوان الفساد الخلقي والمالي والسياسي والإداري وغيرها، ولا بالمواجهات المرهقة لكل الوضع ولكل الأطراف.
صلاح هذا البلد في التخلّص من كل ذلك، وتطويق كل ذلك، وفي أن تنهى كل التوقيفات والاستدعاءات والمحاكمات، وأن تفرغ السجون من كل السياسيين، وأن تحفظ حقوق المواطنين وكرامتهم، ويعاد لكل ذي اعتبار اعتباره، ولا يهدّد شيء من ذلك البلد في أمنه ومصلحته وتقدّمه بل يكفله ويحافظ عليه، والضمانة الكبيرة من ناحية عملية وعلى مستوى الإمكان العملي أن يجرى التفاهم بين جميع الأطراف على صيغة عملية منقذة يتوافق عليها الجميع وتنهي التصادمات وتهيّئ لتطوّر صالح مستمر أكبر.
وأعاد الله الجميع في خير وعزّة وكرامة وإيمان، وغفر الله لنا جميعاً.