أمانة الأولاد ( آية الله قاسم )

أمانة الأولاد
آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم

الأولاد بنون وبنات*، وهم أمانة في عنق الآباء والأمّهات. وأمانة الأولاد من أكبر الأمانات، هذا إلى جنب أنّهم فلذات الأكباد، مما يجعلهم يأخذون من القلب مأخذاً أيَّ مأخذ، وحبهم منغرس في النفس بطبيعتها، فالعاطفة نحو الولد مشبوبة لا تحتاج إلى إيصاء أو دفع وإثارة وتهييج.
لكنّ العاطفة وحدها لا تكفي، وكم من عاطفة أضرّت بدل أن تنفع، وأفسدت بدل أن تُصلِح، وهدمت مكان أن تبنيَ وتشيد.
لابدّ من وعي وبصيرة، ودين، وتقدير دقيق للأمور، ومعرفة للأوضاع وملابسات الأحوال والظروف، من أجل حفظ أمانة الولد، والنأي به عن المنزلقات، ووضعه على طريق نجاحه وسعادته، وحمايته من ذئاب الآدميين، وأراذل النّاس، وذوي المطامع الخبيثة، والتوجّهات المنحرفة، والأخلاق الساقطة.
ونحن في زمن أصبح فيه الصبيّ والصبية، والشّاب والشّابة سِلعة تجارية، ومقضى حاجاتٍ وشهوات، وبضاعة مطلوبة لكثير من الجبهات المنحرفة، والجهات الساقطة، وأدوات يجنّدها قادة السّوء وأهل الشّر، والمتاجرون بالإنسان لأقبح الأغراض، وأشنع الجرائم، وأسوأ الممارسات.
والاستهداف للأولاد قائم طول السّنة، وتُعدُّ عطلة الصيف فرصة ذهبية لمحاولات الاصطياد والإيقاع بالصبية والشباب في شباك المفسدين.
في الصّيف في هذا البلد الصّغير في مساحته توجد مئات إن لم تكن ألوف المشاريع والأنشطة تحت عناوين مشاريع شبابية، أنشطة شبابية، ولقاءات شبابية، ترفيهات شبابية، سفرات شبابية، وعناوين كثيرة من هذا النوع. والأكثر من هذه المشاريع فيها سرقة وعي، وسرقة دين، وتفريغ من رجولة وفتوة، وتجفيف منابع شرف وغَيْرَة، وهدم خلق، وتمييع، وتدجين، وإفساد ضمير، وإلهاء وإغواء، وصرفُ نظر، ونَسْف قيم، وإبعادٌ عن الله، وتغيير انتماء، وتبديل ولاء، وإعدادٌ لمهمات خسيسة، وأدوار ساقطة، ووظائف شيطانيّة، وممارسات قذرة. يلد الآباء ويربّون ليُقدّموا أبناءهم سِلعة رخيصة لأصحاب الجشع والطمع والشهوات؟!
وكل هذه المشاريع تبحث عن الصّبية والصبيات، والشباب والشابات، ولها دعهما الهائل، ووسائلها المغرية، وخططها المعدّة، وأجهزتها الكافية.
في قبال ذلك بعض المشاريع المسجديّة المتواضعة غير المخطّط لها تخطيطاً جيّدا، ولا تمتلك الكفاءات العالية، والإمكانات الكافية تُحاول أن تنقذ بعض هؤلاء المستهدفين لقوى الانحراف وتضعهم على الطريق الأقوم، وتحافظ على إنسانيّتهم وكرامتهم، وتمدّهم بالبصيرة الدينية التي تعينهم على تبيّن الطريق، وقصد الغاية، وتقدّم خدمة مخلصة لهذا الوطن ومجتمعه الكريم.
ويتحمّل الآباء والأمهات مسؤوليتهم من جهتين الأولى: عدم التخلّي عن رعاية الولد من ابن وبنت في دينه، وخلقه، وتفكيره، وعلاقاته، وتعامله مع الحرام والحلال، وموقفه من الواجبات والعبادات. فالتخلّي عن المسؤولية في كل هذه الجوانب، وإيكال الأمر(1) إلى مشاريع التعليم والصلاة في بعض المناطق فيه تفريط واضح في حق الأولاد، وإخلال بالواجب الديني، وتقصير في تحمل المسؤولية أمام الله عز وجل الذي حمّل الآباء والأمهات أمانة تربية الأولاد ووقايتهم من النار {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(2). ونشاط مشاريع التعليم والصلاة مهما بلغ وأخلص وخدم إلا أنه لا يمكن أن يغني عن دور الأبوين والأسرة ورعايتهم ورقابتهم وتوجيههم وتعليمهم وتربيتهم.
ومن جهة ثانية فإن ترك الاختيار لصبيٍّ لم يبلغ، أو لشاب لم يستكمل نضجه في اختيار المشروع الذي يلحق به من المشاريع التي تملأ السّاحة ويكثر من بينها المشاريع المغشوشة بواجهات برَّاقة مع وجود ولي أمر مسؤول عن التربية، وقادر على التّوجيه والنّصح فيه تخلٍّ عن تحمُّل الأمانة، وتقصير كبير في حق الولد(3).
الصبي يختار له المشروع الموثوق في توجهه وتربيته، والشاب ينصح ويوجه، ثم يعاتب ويحاسب ويتشدّد معه إذا اختار ما يسيء لمصلحته ودينه وسلامة شخصيته.

—————————-
*خطبة الجمعة (414) 19 رجب 1431هـ 2 يوليو 2010م
1 – صار سائدا أن يتخلى الوالدان عن مسؤوليتهما بالكامل ويقعدا على مشروع صغير أو كبير، قادر أو غير قادر في القرية، في المنطقة لتربية الولد، هذا خطأ.
2 – 6/ التحريم.
3 – تترك صبيا هو وخياره ليلتحق بهذا الموقع أو ذلك الموقع؟! بهذا النشاط أو ذلك النشاط؟! حتى الشاب الذي بلغ، ما مقدار تجربته في الحياة؟ عليك أن تكون له عونا في الرأي.

زر الذهاب إلى الأعلى