خطبة الجمعة (393) 20 صفر 1431هـ – 5 فبراير 2010م
موضوع الخطبة:
*التربية الروحية – تكملة *الشأن الحكومي *الغرب والبلاد الإسلامية *قلب لم يغادره التوحيد
الإمام الحسين عليه السلام هو ذلك القلب الطاهر الذي لم يغادره التوحيد الخالص، ولا شيء منه في أكبر لحظات الإعصار والألم والكرب والمعاناة التي تذوب لها النفوس.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي تشهد كلُّ الموجودات بفقرها وغناه، وحدوثها وقِدَمِه، وإمكانها ووجوبه، وفنائها ودوامه، وانقطاعها وأبديَّته.
أشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عباد الله ونفسي المقصِّرة بتقوى الله الذي لا إله إلا هو، ولا مَرجِعَ إلاّ إليه، ولا مُعوَّل إلاّ عليه، ولا قيامَ ولا قعودَ ولا حركة لعبدٍ إلا بإنعامٍ منه، ولا نيل لخير، ولا دفعَ لشرٍّ إلاّ بإذنه.
اللهم احفظ علينا نِعَمَك، وزِدنا من كرمك، وبلّغ بإيماننا أكمل الإيمان واجعل يقيننا أفضلَ اليقين، وانتهِ بنيّاتنا إلى أفضلِ النيَّات، وبأعمالنا إلى أحسن الأعمال، واجعلنا لا نُشركُ بك شيئاً أبداً؛ إنَّك على كلِّ شيء قدير، وبالإجابة حقيق جدير.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وصلّ على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد فقد سبق حديث تحت عنوان التربية الروحية، وهذا الحديث تكملة له.
3. مكان التربية الروحية:-
أ. البُعدُ الروحي هو أسمى بُعدٍ من أبعاد الإنسان، لأنه أقدر الأبعاد على الانفتاح على الله عز وجل، وتربية هذا البعد أرقى تربية، وأصعب تربية(1)، وهي أبقى أثرا… وعظماء الروح والخُلق الكريم والقيام العالية هم الأقل في النّاس، فكثيرون هم الذين يملكون فكراً كبيراً. وأصحاب الاختراع والاكتشاف، والنظريات المتقدّمة كُثر في هذه الحياة، لكنّ الأقلّ منهم هم الذين تراهم على جانب كبير من سموّ الروح. الوصول عن طريق الجهد الفكري إلى مستويات محلِّقة أسهل بكثير من أن يُحقّق إنسان له مستوى رفيعا على مستوى الروح.
ب. الدّين وتربية الأبعاد الثلاثة:
للإنسان بعدٌ فكريّ وبدنيّ وروحيّ، وهناك البعد النفسي ، وكانت سابقاً إشارة إلى الأبعاد المختلفة وتربيتها.
* تربيةُ البدن: تقوم على التغذية، والوقاية، والرياضة، والعلاج، وهذه الأساليب الأربعة في التربية تشمل تربية الفكر والنفس وتربية والروح. تربية البدن تُرك الكثير منها في الدين لجهد الإنسان وتفكيره وتجربته وإبداعه.وهي الأقرب إلى تناوله.
* التربية الفكرية: وضع الدّين أسسها، والخطوط العريضة لمنهجتها، ودفع بعقلية الإنسان إلى التفكير في المساحة المقدورة لها. وقدرة التفكير عند الإنسان في ظل المنهجة الفكرية العلمية الصحيحة قادرة كثيرا على الإنتاج والإبداع، وتجد الإنسان قد طوّر مظاهر الحياة والأوضاع من حوله، وتطوّر على جهده العقلي العلم إلى حدٍّ كبير، وتواصل الجهود العقلية الرفع من مستوى النظرية والإنتاج العلمي في حياة الإنسان.
ولأن طاقة التفكير عند الإنسان لا تطال عالم الغيب في تفاصيله وكنهِ حقائقه، _وإن اضطرّت العقول للإيمان بذلك العالم _كان عليها أن لا تُشغل نفسها بالتفكير في تلك التفاصيل، وكُنهِ تلك الحقائق، وأن تتلقّى ما تحتاجه حياة الإنسانية من أمور الغيب عن طريق ما يتنزّل من وحيٍ على الرسل والأنبياء عليهم السلام.
* التربية الروحية:
أ. قد وضع الدين أسسها وشروطَها، ودخل بصورة موسَّعة في تفاصيل منهجها وجزئياتها وممارساتها كما يشهد بذلك النظام العبادي التوقيفي الذي لم يُعطِ الإنسان حرية الاجتهاد والتصرف فيه بأيِّ تغيير من حذف أو زيادة، أو تكييف مخترَع.
وإن أساتذة الروح من الأنبياء والرسل وأوصيائهم ومن كان أقرب إليهم قد قدّموا كثيراً على ضوء المنهج الإلهي في تربية البدن، وتربية الفكر، إلا أنّ جهدهم كان هو الأبرز في مجال تربية الروح.
والأنبياء والرسل والأوصياء هم الأعظم من أبناء البشرية، ومائزهم الأكبر أن الآفاق الروحية التي يعيشونها لا يكاد يقربها أحد، وهم وإن قد صبّوا جهدا كبيرا – كما تقدم – على نجاح تربية البدن وأكثر منه في تربية الفكر، إلا أن مصبّ أكبر جهدهم هو حياة الروح. وإن المساحة الروحية في القرآن هي أوسع مساحة على الإطلاق، وقد ربطت التربية الدينية سعادة الإنسان مطلقاً بهدى وشفافية القلب وصلاح الروح.
والتربية الروحية قد استأثر الدين بوضع تفاصيلها وجزئياتها، وقدّم منهجاً مستوعباً في مجال هذه التربية بالصورة التي يتكفل بها على مستوى التفاصيل والجزئيات في الميادين التربوية الأخرى، ذلك لأن فقهاء البشرية وفلاسفتها ومفكّريها والتربويين وعلماء النفس فيها لا يملكون كلّ ما تتطلّبه التربية الروحية من رؤية مستوعبة، ومن إحاطة شاملة لكل ما له دخل فيها.
ومن تكفّل بوضع المنهج الدقيق التفصيلي للتربية الروحية ليسوا هم الأنبياء والرسل، وإنما هو الله سبحانه وتعالى، فجاءت العبادات توقيفية، وإذا تُركت مساحة في العبادات لرسول الله صلى الله عليه وآله فهي مقدّرة من الله عزّ وجلّ، وعطاء الرسول فيها إنما يقوم على كليّات الوحي والتسديد الإلهي.
نتائج التربية الروحيَّة:
لتربية كل بُعد من أبعاد الإنسان نتائج، والإنسان بتربيته، وكل طاقات الإنسان تبقى دفينة وملغاة في المقام العملي ما لم تكن تربية، وتربية ناجحة فريدة.
إذا تربّت روح الإنسان على يد المنهج الإلهي القادر، والمربّي الإلهي الحكيم جاءت نتائج ضخمة على يد هذه التربية في هذا المجال منها:
أ. روح طاهرة نقية مستعليةٌ على القبائح، نافرة منها، متجاوزة للنقائص، مترفعة على الصغائر، بعيدةٌ عن الإسفاف، وخوض المعارك الصغيرة، وكثيرٌ من معارك الصغار الكبيرة هي عند تلك الروح إنما هي صغيرة.
ب. روح مأنوسة منتعشة آمنة رضية بصلتها بالله سبحانه، ولا توحشها مشكلات الحياة، ولا تسبِّب لها الإحباط والشعور بالتفاهة، ولا تجد نفسها محتاجة إلى المعنوية من الصلة بغير الله تبارك وتعالى. بل إنّهم – أي النفر المتميز روحيا – يستوحشون من أي أُنس بغير الله سبحانه وتعالى.
ج. تعيش اليقين بقيمة الهدف والخطّ والمصير.
د. أخلاق قويمة، ونموذج جذّاب(2)، ومثلٌ مستقطب، وذات جمالية يعشقها الكثير ويَقْصُرون دون بلوغها.(3) جمالها يسقط أمامه جمالُ المال والجاه والسلطان وكلُّ ما تعرفه حياة الدنيويين من جمال..
ه. شعور بالقوة لا يُهزَم ولا يقاوَم، وشعور بالغنى لا ينحسر ولا يضعف.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا إيماناً بك يطرد من قلوبنا كل وحشة، ولا نفتقر معه إلى أنس المخلوقين… إيماناً تطمئن به نفوسنا، وتزهر قلوبنا، وتأنس له أرواحنا، ونفوز به برضوانك، وكريم المقام عندك يا رحيم يا ذا المنِّ والإحسان، والإكرام.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يَبلغُ علمَه علم، ولا تُجاري قدرتَه قُدرة، ولا يساوي عدلَه عدل، ولا يشتبه عليه حقٌّ وباطل، وصحيح وفاسد، ولا يقدِّم مرجوحاً على راجح، ولا مفضولاً على فاضل، ولا ناقصاً على كامل، ولا يرضى لعباده قُبحاً ولا ظلماً وهو العلي العظيم، العزيز الحكيم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله ألا فلنتّق الله، فإن الله يحب المتّقين، ومن أحبَّه الله فقد أفلح، ومن غضب عليه باء بخسران مبين. وماذا لمن عادى من له الخلق والأمر، وعاند جبّار السماوات والأرض؟! وماذا على من والى الله وأطاعه، فرضي الله عنه وغضب عليه المخلوقون المملوكون المقهورون؟!
ولكثيراً ما تنافى رضى المخلوقين مع رضى الخالق، وكان رضاهم في سخطه، وسخطهم في رضاه، فصانع وجهاً واحداً وهو وجه ربك الكريم يُغْنِكَ عن بقيّة الوجوه.
اللهم اغفر لنا، واجعلنا ممن لا يُقدّم رضىً لأحد على رضاك، ولا يفرّ من سخط مخلوق بما فيه سخطك، ولا يشتري دنياً بدين، ولا جاهاً في النّاس بطرد من رحمتك. وأنت أكرم الأكرمين، وأرحم الرّاحمين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا مقيما.
هذه بعض عناوين:
الشأن الحكومي:
إن الحكم بما يعنيه من قدرات متميّزة، وميزانية ضخمة، وصلاحيات واسعة، وقرارٍ نافذ، وسلطة كبيرة ليمثّل أهمية بالغة، وعنصراً شديد الحسم في مسيرة الإصلاح والإفساد، والتقدّم والتخلّف، والعدل والظلم، والاستقامة والانحراف في حياة المجتمعات وأوضاعها الدينية والدنيوية، ومن هنا جاء أنّ النّاس على دين ملوكهم.
وكلما تركّزت السلطات بيد واحدة أو كان التعدد شكليّاً فإن خطورة موقع الحكم تزداد كثيراً، ويعظم أثرها سلباً أو إيجاباً على واقع الحكم وصلاحه أو فساده.
والحكومة حكومتان: حكومة غابيَّة، وحكومة إنسانية.
حكومة غابيّة طريقها إلى الحكم القوّة الماديّة، البطش، والظلم، والقتل، والسفك، واستمرارها بالأدوات نفسها، وهي لا تقدّر إنسانيتها بقدر ما تقدّر قوّة الظفر والمال، ولا تجد للآخر مقاماً من خلال إنسانيته.
الحكومة الإنسانية تعيش روح الإنسانية، وتجد في الآخر قيمة لإنسانيته، وتعترف لهذه القيمة، ولو بمقدار.
الحكومة الإنسانية مرة دينية، ومرة غير دينية، الحكومة دينية الصحيح فيها أن تعتمد على النصب الإلهي، الحكومة غير الدينية والتي تنطلق في حكمها من منطلق إنساني تقوم على النصب من الأمّة.
الحكومة الغابية حكومة تجد نفسها مالكة للأرض، للإنسان، مسلكها النهب والسلب والاستئثار، وإعمال السيف في سبيل تيسّر كل ذلك. تحكم بإرادة مستقلّة إلا عن الهوى الشخصي، وإرادة الأقوى من حكومات أخرى.
هذه الحكومة لا ترى نفسها في مقام المساءلة، أو المحاسبة، أو توقيع الجزاء بالمكافأة أو العقوبة. العلاقة بينها وبين من تحكم هي علاقة المغالبة والقوّة في قبال القوّة، فإمّا أن تتعاظم قوة أحد الطرفين فينهي الآخر، وإما أن يبقى الصراع مستمراً بين قوّة هذا الطرف وذاك.
أما الحكومة الإنسانية فهي حكومة ترى نفسها مؤتَمَنة، والمؤتمن مسؤول ومحاسب، ولا تخرج إرادته في التصرّف في ما اؤتمن عليه عن إرادة المؤتمن. وفي مثل هذه الحكومة لابد من جهاز مراقبة ومتابعة ومحاسبة ومجازاة بالمكافأة أو المعاقبة.
وهنا لا تخفّي بالمعلومات، ولا تجييش للأنصار ضد المساءلة أو المحاسبة أو المطالب. ووظائف المراقبة والمحاسبة تتطلب أن يكون الجهاز المتكفّل بها جهازا شعبيا خالصا، وتشكيله بإرادة شعبية محضة.
بعد هذه التقدمة نطرح على الحكومة سؤالاً: ما هي هويتها؟ طبعا ترفض الحكومة أن تكون حكومة غابيّة، ولا تدّعي أنها حكومة دينية بالمعنى الخاص، وكون الحكومة غير دينية لا يعني أن أفرادها غير مسلمين. هم مسلمون، ولكن مرة يكون منطلق الحكم إسلامياً، ومرة لا يكون منطلق الحكم إسلامياً، مرة يكون منهج الحكم إسلاميا، وأخرى لا يكون منهج الحكم إسلامياً.
الحكومة تختار أن تصف نفسها بالديمقراطية، وحتى تكون عندنا ديمقراطية صدقاً نحتاج إلى قانون انتخاب يتمّ بإرادة شعبية، ونحتاج إلى إلغاء الدوائر العامة التي تؤثر على نزاهة الانتخابات، وإلى أن تشكيل الحكومة لا يتم بعيداً عن إرادة الشعب، وأن تكون المؤسسة التشريعية والرقابية من صناعة الشعب وإرادته الخالصة. وقبل ذلك تحتاج الديمقراطية إلى دستور من وضع الأغلبية في مجلس نيابي حرّ مثلاً.
فلنقسْ ديمقراطيتنا إلى كلّ هذه النقاط وما هو متحقّق منها على الأرض.
وإذا كان يراد الاقتراب من الديمقراطية فلابد من النظر في قانون الانتخابات، وبقية البنود التي جاء ذكرها.
الغرب والبلاد الإسلامية:
يرى الغرب أن علاقته بالبلاد الإسلامية علاقة القوي والضعيف الذي لا يتوقّع منه مقاومة، فإذا وجد مقاومة كانت محلّ التعجّب والإنكار.
البلاد الإسلامية لا تملك أي سلطة في القرار الأوروبي والأمريكي كما هو واضح وذلك لموضع الضعف، بينما أمريكا وأوروبا لهما التدخّل المباشر في قرار الكثير من الحكومات في بلاد المسلمين، والتي تعتمد في وجودها على الدعم الأمريكي والأوروبي، أو الموافقة على البقاء على الأقل.
تهبُّ أمريكا وأوروبا لإنقاذ أي حكومة تستجيب لتقديم مصالحهما على مصالح الأمة والشعوب، وتحضر بمالها ورجالها وسلاحها وخبرائها وخططها لنصرة الحكومة الموالية التي يتهددها وضعها العملي القلق. ولتكن هذه الحكومة بعيدة كل البعد عن ما يتشدق به الغرب من الديموقراطية ويطرحه شعارا للإنقاذ، فإن ذلك لا يؤثر سلباً على الدعم الهائل لاستمرار الوجود واسكات المعارضة.
وتسعى أوروبا وأمريكا لنصرة أي معارضة ضدّ أي حكومة تتمسّك بالحرية والاستقلالية ورعاية مصالح الأمة والشعب، وإن كانت تمارس الديمقراطية، وكان وصولها إلى السلطة عن طريقها.
وإذا كانت كلّ من الحكومة والمعارضة يلتقي مع هوى الغرب كانت الصداقة موزعة بين الاثنين، لكن التقديم للأقوى، أما الأضعف فيُستعمل ورقة تهديد وابتزاز.
هذه السياسة الغربية واضحة لكل ذي عينين، ولا غبار عليها، والغرب مشترٍ ويستقبل باعة الدِّين والضمير والقومية والفكر والوطن، ويفاضل بين الباعة على أساس المصلحة.
قبل ذلك كلمة كان لابد أن تقدّم لشرفها ولكن حدث سهو عن ذلك.
قلب لم يغادره التوحيد:
الإمام الحسين عليه السلام هو ذلك القلب الطاهر الذي لم يغادره التوحيد الخالص، ولا شيء منه في أكبر لحظات الإعصار والألم والكرب والمعاناة التي تذوب لها النفوس.
وكلما عظم الخطب، واشتد البلاء زاد التلألؤ لروح التوحيد في ذلك القلب العامر بذكر الله، وتجلّى التسليم والرضا والشوق والانشداد.
وبذلك يبقى الحسين عليه السلام مهوى أفئدة المؤمنين، ويبقى هو القدوة والإمام والمثل.
ذلك هو الحسين عليه السلام الشمس التي لا تنطفئ، والنور الذي لا يخبو، والثورة التي لا تتوقّف، والزحف الذي لا يتراجع، وصوت الحق الذي لا يغيب.
وأمّا كربلاء فبِما شهدته من زحف العساكر الجرارة من أبناء المسلمين طلبا لرأس سبط الرسول صلّى الله عليه وآله، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، وثاني إمامين بالحقِّ قاما أو قعدا، وواحد من أقمار المباهلة لخيرُ شاهد بأن انحراف المجتمع الإسلامي عن منابع الفهم الصحيح للإسلام، وأن التعلّق بالدنيا يمكن أن يؤدي بهذا المجتمع إلى أن يُقدم على أكبر الجرائم في حق قادته ومنقذيه الحقيقيين، وينتصر لأعدائه على أوليائه عن التفاتٍ أو غير التفات في أي زمن وفي أي مكان.
وهذا ما يشير إلى أهمية التربية الإسلامية الواعية الواسعة المتواصلة ومسؤوليتها الكبرى التي يتحملها الواعون المخلصون.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم انصر الإسلام وأهله، وأذلّ النفاق وأهله، واهدنا بهداك، وتولّنا برعايتك وكفايتك وكلاءتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – تصعب التربية الروحيَّة حيث تقف في وجهها كل الشهوات وحالات الاسترخاء.
2 – إذا وُجدت روح شفّافة جذبت، واستهوت.
3 – كلّنا نعشق عليّاً عليه السلام، كلنا نعشق الحسين عليه السلام، ولكنّ الطريق بعيد، والمسافة شاسعة، والسعي مهما بلغ لا يبلغ.
4 – 90/ النحل.