كلمة آية الله قاسم في مولد الزهراء (ع) – الديه 13-6-2009م
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين والطاهرين واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
الإنسان من بين مخلوقات الأرض، والتي هي أنزل منه درجة هو وحده الذي يبحث عن معنى، ويبحث عن كمال، وله تطلع إلى البعيد، ويريد أن يكون شيئا مما يحترم، وهو يبحث دائما عن السعادة وعن الخلود، ولا سعادة في غير خلود،وليس الخلود بسعادة إذا كان هذا الخلود خلودا في نار النفس، في نار الفكر، في نار الخارج، النار ليست هي النار المتوقدة في الخارج فحسب، وقد يعيش الإنسان نارا أشد عذابا في داخله. من كان في القصر وهو يشعر بالحقارة، وبالدونية بما عليه حال سلوكه، ووضاعته في الإنسانية، هو في عذاب، ولذلك هو يحاول أن يستعيده، أو أن يخفف من عذابه، ويستعيض عن خفت وزنه في نفسه بجمال الديكور، بجمال من جمال الخارج، وببذخ من بذخ الخارج، ولكن كل ذلك لا يعوض عن الشعور بقيمة النفس، وبسمو المعنى، وإذا بحثت عن سعادة، فبحث عن السعادة في داخلك، حاول أن تبني السعادة في داخلك، ولا يمكن أن تعيش السعادة من بناء الخارج فحسب.
الكل يبحث عن عظمة، الكل يبحث عن معنى، الكل يبحث عن جمال، الكل يبحث عن روعة وجود، ولكن أين روعة الوجود؟ وأين سمو المعنى؟ من أين تكون كبيرا؟ كيف تكون كبيرا؟ فتلكن صغيرا عند الناس، لكنك أن كنت كبيرا في شعورك فلن ينقص هذا من سعادتك شيئا، ولتكن الكبير العملاق عند الناس، وإذا رجعت لنفسك وجدتها -أعاذك الله من ذلك- حقيرة، فإن كل ضجيج الناس، وكل تأييد الناس، وتصفيقهم والتفافهم، لا يعيض شعورك بالنقص الداخلي. علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يشعر أنه عظيم بالله، بصلته بالله، بصفاء نفسه، بسمو هدفه، بقلبه الطاهر، بروحه النورانية، لا يهمه أن أيده الآخرون أو لم يؤيدوه، ولا يزيد في شعوره بالسعادة أن أيدته الدنيا كلها؛ لأنه لا يرى في أهل الدنيا قوة، ولا يُنقص من سعادته أن يتخلى عنه كل الأصحاب وكل الأصدقاء، وأن يتنكر له من يتنكر، كفاه سعادة أن يشعر بأنه أقوى قوي بصلته بالله سبحانه وتعالى، وأغنى غني بصلة بالغني المطلق، الشعور بالصلة الصادقة الحقيقة، بأغنى غني، وبأقوى قوي، و بأدوم دائم هو السر في السعادة،أنت ضعيف حسب ذاتك،أنت، الملوك، رؤساء الجمهورية، الفلاسفة، الفقهاء، الأئمة، الأنبياء، الملائكة، كل يشعر في ذاته بالفقر والضعف والوهن، ولكل يبحث عن قوة، الكل يشعر بالفقر، والكل يطلب الغنى، الكل يشعر بالانقطاع، والكل يطلب الديمومة، الكل يشعر باذل، والكل يطلب العز، ولا غنى ولا قوة وعز ولا ديمومة إلا لله ومن عند الله.
فبما كبرت فاطمة عليها السلام؟ بغض النظر عن حب المحبين، وبغض المبغضين، عشق العاشقين، وزهد الزاهدين فيها، عظمت بمعرفتها بالله سبحانه، بصدقها مع الله، باستقطاب حبها لله عز وجل، وعبادتها لله بكل أبعاد شخصيتها، كيف لا تعتز على المستوى الأرضي وأبوك رئيس الجمهورية؟ على المستوى الأرضي، على المستوى العادي غير الإيماني، وكيفما يشعر ذاك بالقوة وكل أصوات عشيرته أكبر عشيرة في الأرض وكل سيوفها تحميه، دائما الارتكان إلى القوة، الاستناد إلى الغنى، الاستناد إلى أسباب الديمومة يعطي الشعور بالقوة، ويعطي الشعور بالاعتزاز، تلك نظرات ساقطة، تلك نظرات قصيرة، تلك نظارة لا تعالج قصر النظر إذا أرت الإنسان أن الارتكان إلى العشيرة يعني القوة، أن الارتكان إلى الوالد الملك أو رئيس الجمهورية يعني القوة،إذا كان كل أولئك يشعرون بالقوة لما يستندون إليه من أسباب القوة المحدودة المنقضية المملوكة في الأرض، فإن الذي آمن إيمانا حقا صدقا لا شوب فيه بأن الله وحق، وأنه الغني المطلق، والقوي الملق، والدائم المطلق، وشعر صدقا بأنه في اتجاه الله، وأنه مع الله، وأنه سيشعر بالدعم من الله، ومن شعر بالدعم من الله عز وجل لن يأتي من أسباب الخوف في قلبه، أو الاضطراب والقلق أو الشعور بالنقص، فالأنبياء والمرسلون صلواته وسلامه عليهم أجمعين والأئمة الهداة وفاطمة المعصومة عليها السلام أقوياء كل القوة، أغنياء كل الغنى، مطمئنين كل الاطمئنان، يعيشون حال الشعور العميق بالسمو والرفعة ولمعنى الكبير، وكل ذلك من صلتهم الصادقة بالله تبارك وتعالى.
لكل أمة قدوة
أمة تؤمن بالشيوعية لها قدوة، تمثل الفكر الشيوعي والأخلاقية الشيوعية والهدف الشيوعي بدرجة أكبر وأغزر، طبقة الأغنياء لهم قدوة في طلب الغنى، هذه القدوة تكون الأكثر حيلة في الوصول إلى حالة الغنى والترف، والتوفر على أسهل الطرق في الوصول إلى البذخ المادي. الذين يعيدون الأصنام أو يعبدون البقر لهم قدوة، هذه القدوة تكون هي الأغنى بأخلاقية البقر، وبما يتصورنه من خدمة البقر للآخرين، ومن تواضع البقرة، ومن نفع البقرة.
المسلم، المسلمة ما هي قدوتهم؟ امرأة مسلمة مؤمنة، أتكون قدوتها من صناعة الفكر العلماني؟ الأهداف العلمانية، الأهداف الشيوعية، المرأة القدوة في الغرب، السيدة الأولى في الغرب تصلح أن تكون سيدة أولى في المجتمع الإسلامي على مستوى القدوة؟ وإذا كانت الأخريات سيدات موقع مادي، أو موقع اعتباري كموقع أن زوجها ملك، أو كوقع أن زوجها رئيس الجمهورية. فاطمة الزهراء القدوة تأخذ بهذا اللحاظ؟ فاطمة الزهراء، خديجة الكبرى، زينب الكبرى قدوات لأمة مسلمة مؤمنة، قدوات على الخط الإسلامي الصاعد لله تبارك وتعالى، خط إسلام وخط إيمان، ماذا يطلب فيها؟ يطلب في القدوة من مثل فاطمة عليها السلام، وإنما كانت قدوة لهذا؛ لأنها كملت في تجسديها للإيمان، كملت في تجسديها للأخلاق الإسلامية، هي الأولى في صلتها بالله سبحانه وتعالى، وصدق هذه الصلة من بين نساء العالمين، كانت سيدة النساء لهذا التمثيل الصادق الحق، الذي عاشته على مستوى شخصيتها الكريمة في كل أبعادها، وفي كل لحظاتها للإسلام، للإيمان، للأخلاق الإسلام، للهدف الإسلامي، للدور الصادق، للفاعلية الإسلامية، للإرادة الإسلامية ، للروح الإسلامية الشفافة التي تأتي من صنع الإسلام.
اللاتي يبحث في فاطمة عليها السلام على مستوى الترف، على مستوى البذخ، على مستوى أثاث البيت، على مستوى ديكور البيت، على مستوى فخامة السيارة، على مستوى سمعة المنصب الوظيفي، الدنيوي، على مستوى الجاذبية المادية فقط، في اللباس، في الأثاث. الذين يبحثون عن فاطمة عليها السلام في هذا فيتركوا فاطمة عليها السلام؛ لأنها في كل هذا متواضعة، ولأنها في كل هذا زاهدة، ولأنها أكبر من كل هذا، وتستوحش من كل هذا، وتترفع عن كل هذا، الباحثات عن هذه المقاصد، عن هذا الكمال الموهم، عن هذا الجمال متخيل، عن هذه الأبهة المكذوبة، عن هذا الزيف الزائل فليطلبوا لهم قدوة من غير فاطمة عليها السلام، من الخط الآخر، من الحضارة الأخرى، من الفكرة الآخر، من النظرة الأخرى.
وكذبتِ من قالت أن قدوتها فاطمة عليها السلام، بينما همها في هذه الدنيا الزائلة، تضغط على زوجها رغم عدم القدرة بأن يستبدل عن هذا الأثاث إلى أثاث أضخم، عن السيارة إلى سيارة أضخم، لا تقنع بمستوى من مستويات المادة، هذه امرأة ليست مع فاطمة عليها السلام على طريق، إذا كانت فاطمة عليها السلام صاعدة فهذه نازلة، فاطمة في صعود روحي، تبحث عن معنى في عالم الروح، في عالم الفكر، في عالم الصدق، في عالم التضحية، وهذه تبحث عن معنى لها وأنا وأنت –مع للآسف الشديد- نبحث عن معنانا، نبحث عن شخصيتنا، نبحث عن تقدير لأنفسنا، عن احترام لأنفسنا من خلال منضدة أفخم، من خلال سيارة أفخم، سمعة في الناس. هذه كله يعكس شيئا واحدا أننا لا نعرف قيمة أنفسنا ولا نعرف ربنا سبحانه وتعالى، وروحنا ميتة أو على الأقل في سبات لا تستشعر الجمال. يستقطبني جمال المادة في جو جفاف الروح، وسبات الروح، وتسقط قيمة الجمال المادي لو أفاقت روحي وأحست الجمال، أقول لكم: هذا شخص يتلهى بالصغائر، ويصارع على القليل، فإذا انفتحت أمامه فرصة الكبرى على المستوى المادي نسي ما كان منشغلا به، الطفل يشغله اللعب بطيارة كاذبة، بسيارة كاذبة، حين يكبر تسقط قيمة السيارة اللعبة والطيارة اللعبة.
إنسان لم ينفتح عقله على العلم، فكان مشغولا بالرياضة، مشغول بالنزهة، مشغول بالثرثرة، مشغول بطلب الدنيا، يقرأ كتابا، يعطيه الكتاب إفاقة روحية وفكرية، فينتقل إلى جو البحث عن الحقيقة، هنا يكاد ينسى كثيرا من حاجات بدنه ، فضلا عن أن تُشبع روحه المناظر المادية والأهداف المادية، الذي ينطرح في داخله سؤال عن الحق والحقيقة، عن بداية الكون، عن من أنا؟ إلى أي طريق أنا سالك؟ ما نهايتي؟ ماذا بعد هذه النهابة؟ إذا انطرحت هذه الأسئلة بجد في داخله، بدأ يبحث عن الإجابة عليها ناسيا كل شيء، والذين تصبيهم لحظة اضطراب فكري في العقيدة، روحي، تشقى حياتهم تماما ما لم يروى ظمأهم بالوقع على الحقيقة والجواب الذي تهدأ إليه النفس.
شريف يعيش درجة كبيرة من الغيرة على العرض، يعيش في حالة بذخية أيضا لكن تأتي لحظة أن يمس عرضة مس خفيف، يسقط كل الجمال المادي ، وكل الأضواء تفقد تأثيرها وكأنها ليست موجودة، الدنيا كلها تظَّلّم في عينيه، قلبه لم يعد شيء من المادة ومما حوله من جمال مادي بقادر على أن يشعره به، كل هذا الجمال المادي يشعر هذه النفس بأن هنا جمالا.
آخر يكتشف من بعد سوء ظن أصابه أو وسوسة أو شك في هذه المسألة، أنه نظيف العرض، أنه نظيف الأصل، سالم العرض، شريف الجانب، ماذا يحصل له؟ تنتعش روحه، فليكن الجائع، فليكن المكدود المتعب، فليكن المحاط بالمشاكل، إلا أنه سيعيش لحظة سعادة بمثل هذه التصحيح في الشعور.
هذه أمثله بسيطة على أن الروح اليقظة تلهي صاحبها بطلب لذتها عن طلب لذة البدن، وتشغل صاحبها بلذتها عن طلب لذة البدن، وهذه الروح اليقظة تعيش مأساتها لجرها لا لجرح البدن، المشكلة هي مشكلة قلب ميت وقلب حي، القلب الميت مثل اليد المشلولة، العين العمياء لا تدرك الجمال المادي، القلب الأعمى لا يدرك الجمال المعنوي. إذا بحثنا عن الجمال، وبحثنا عن الكمال، وبحثنا عن المستوى، فلنبحث عنه على طريق أهل البيت عليهم السلام الذين عرفوا أن لا شيء من ذلك يمكن أن يحصل عليه أن إنسان إلا عن طريق الانشداد لله، وصدق الصلة به، وانصراف القلب إليه تبارك وتعالى.
فاطمة قدوة، وهناك خلط بين القدوة والقيادة، القيادة السياسية التي تكون لها أوامرها ونواهيها المولوية، أي الأوامر الحكومية والنواهي الحكومية، يبين لك أن المناصب الدنيوية صغيرة، والحكومة لا تكون كبيرة إلا بأن تكون من أجل الحق وعلى طريق الحق ولتأكيد الحق وخدمة الحق؛ بهذا تتشرف الحكومة وهو كلام علي عليه السلام “أنها لا تساوي شسع نعال إلا بأن يقيم حقا ويبطل باطلا” بهذا تكون للحكومة قيمة ووزن، لو كانت الحكومة داخلة في الكمال لكانت فاطمة عليه السلام حاكمة.
اللاتي يبحثن عن موقع النيابة في البرلمانات، ويسيل لعابهم لأنها ستكون بطلة وستكون عملاقة، هؤلاء مخطئات، واللاتي لا يقنعن بأنفسهن إلا من خلال الشهرة المادية مخطئات.
فاطمة عليها السلام معصومة وقمة كمال الإنسان أن يكون معصوما، فكر مستقيم، شعور مستقيم، هدف مستقيم، شعور بالغنى الذاتي، شعور بالسعادة، شعور بالقيمة العالية، كل ذلك في العصمة، وكلما كان قرب من الله عز وجل وللمعصومين تنافس وسباق من بعد العصمة على مديات القرب من الله سبحانه وتعالى.
يا امرأة فاطمة المعصومة ليست حاكمة، الإسلام لا يريد أن يقول أنك ناقصة حين يأتي رأي فقهي سائد ومعروف ومشهور وعليه التاريخ الإسلامي والفقه الإسلامي العريض بأن المرأة لا تحكم، هذا لا يعني أنها ناقصة، الفيلسوف قد لا يكون سياسيا، والسياسي قد لا يكون فيلسوفا، والطيار قد لا يكون ماهرا في دخول البحر، وداخل البحر قد لا يكون ماهرا في مهنة الطيران، اختصاصات وظيفية مفصولة، مؤهلات وظيفية طبيعية، أوجد الله سبحانه تعالى هذا العالم على ميولات في الوظائف، وقدرات خاصة في الوظائف لتتكامل هذا الميولات ووآثار هذه الميولات في تغطية حاجة هذا العالم، هناك حاجة حياة، وحاجة حضارة، لأن يكون ذكر ولأن تكون أنثى. وإذا أخرجنا الأنثى عن أنوثتها والذكر عن ذكورته ليكون لكل منهما نصف ذكر أو نصف أنثى فقد أفسدنا الحياة، أبقوا الأنثى أنثى، وأبقوا الذكر ذكرا، لا تترجل الأنثى ولا يتأنث الرجل، وإذا تأنث الذكر وأستأنثت الأنثى بأن طلبت أن تكون ذكرا في أخلاقياتها، في مهنتها، في دورها فسدت الحياة.
فاطمة عليها السلام قدوة بمعنى إذا أخذت بسلوك فاطمة فقدت أخذت بسلوك القرآن، إذا أخذت فكرك من فاطمة فقد أخذت فكرك من القرآن، إذا أخذت هدفك من فاطمة فقد أخذت هدفك من القرآن، هذا معنى القدوة. والآن كلمة الرمز تعني القدوة، فلنحترز في أطلاق الرمز ولنتحتط، هذا رمز إسلامي معناه أن فيه درجة عالية من تجسيد الإسلامي في إبعاد مختلفة. فكلمة الرمز ليست رخيصة، ولنعطها بعدل ووزن دقيق.
خطيب يخطب خطبة حماسية يخرج له في اليوم الثاني عنوان الرمز، الأمر ليس صحيحا. هناك خطيب يستحق عنوان رمز، ولكن ليس بمجرد خطبة حماسية خطبها أحد الناس لم ندرسه أصلا فيكون رمزا. فلنكون مجتمعا علميا دقيقا يحترم العناوين. فأنت لما تلبس أحدا عالم العلماء وفقيه الفقهاء وسيد السادة، إلى أين أوصلته؟ ومن تقدم أمامه؟ لابد من دراسة. فحينما نقول فاطمة قدوة،[1]، فإطلاق عنوان قدوة بعد ثبوت عصمة فاطمة عليها السلام يكون إطلاقا صحيحا صائبا مطابقا للواقع، وبعد الفراغ من كون فاطمة قدوة لا يناقش سلوكها، ولا يناقش فكرها. هذا غير معصوم وفاطمة معصومة، لا تناقش، نعم تناقش أن هذا ثابت عن فاطمة أم لا، ولكن بعد أن يثبت عن فاطمة عليها السلام فلا نقاش، وبعد أن يثبت هذا الفكر وهذا القول وهذا الرأي عن علي عليه السلام فلا نقاش، الكلام في الاثبات وأن هذا صادر أو ليس بصادر.
ألفت النظر واستحضر هذه الصورة دائما لتذكير نفسي وتذكير أخواني، وهي صورة أن فاطمة عليها السلام تنزع ستار بابها وتجمع بعض ما تتحلى به النساء مما كان عندها من الوجه الحلال الطيب لما أحست به من رغبة رسول الله صلى الله عليه وآله ليؤخذ هذا الشيء ويباع ويشترى به الأزر للمسلمين. من صنعوا لكم الإسلام، وصنعوا هذه الحضارة العالية الي تخاف منها أمريكا وروسيا وجميع الدول[2]، كان أزورهم قصيرة فإذا صلت النساء ورى الرجال ورفعت المرأة رأسها من السجود قبل الرجل ربما وقعت عيونها على ما لا يحسن من جسم الرجل، ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وآله النساء اللاتي كن خلف الرجال بأنلا يرفعن رؤسهن من السجود إلا بعد رفع الرجال رؤسهم من السجود. أشتري بذلك المال أزر، ماذا كانت ستصنع الخرقة التي على باب فاطمة عليها السلام لو بقيت على باب علي؟ وماذا كان سيصنع شيء من الحلي لو احتفظت به فاطمة عليها السلام؟ ماذا سيعطيها وماذا سيعطي الأمة؟ ربما لو بقي وأن كان أقل مما كان عند نساء الصحابة سيغري نساء الصحابة بطلب المزيد، وسيتفاقم الشعور المادي عند نساء والرجال المسلمين، وسيفتح بيت فاطمة وهو بيت العصمة باب التسابق على الدنيا[3]، فلو بقي لأمكن أن يعطي مثل هذا الشعور. وماذا سيعطي فاطمة عليها السلام؟
الطلاء الجديد للمنزل يستلفت نظرك بعض أيام وبعض أسابيع، ثن بعد أن تعتاده عينك يفقد قيمته، الحدائق الغناء في القصور والتي تقع عليها عين أهلها -عين أهل القصور- ربما ملت منها، وصارت تبحث عن جديد. فماذا كانت سيعطي ذلك فاطمة عليها السلام؟ وهل في قلب فاطمة عليها السلام ما يسع حب الدنيا؟ والتمتع والانجذاب إلى الدنيا وهو قلب شغله الجمال الحق، وشغله ذكر الله، وإلى متى ستبقى تلك الخرقة؟ فحتما ستتحول إلى لا شيء كما تحول ما في قصور معاوية ويزيد وبني العباس وكل ملوك الدنيا وكل فراعنة الدنيا، سيتحول إلى شيء منسي.
وماذا فعل هذا المال؟ حينما باعت فاطمة عليها السلام متاعها، واشتري به ما ينفع بعض المسلمين، ضرب البيت مثلا أعلى في الخلق، وفي النزاهة، وفي التضحية، وفي نسيان الدنيا وفي تقدير الآخرة، ولابد أن يكون لذلك إنعكاس على قلوب المسلمين، ولابد أن يكون قد دخل في صناعة الإنسان المسلم ذكرا كان أو أنثى، ولابد أن يسكت نساء صحابة كثيرين فقراء عن المطالبة بحالة الترفية المادية، وأعطى القلوب إنشدادا لقلوب للإسلام ولنبي الإسلام، وإلى دين الإسلام، وخلق روحا من التضحية وروحا من الفداء، وروحا من الإخلاص والوفاء للإسلام. ذلك المال شارك في صنع العقول، صحح عقولا، وأحيى أفئدة وأيقظ أروحا، وأين نتيجة بقاء ذلك المتاع البسيط في بيت فاطمة، من هذه النتائج العملاقة.
والحمد لله رب العالمين.
[1] صحيح أن هناك قدوة جزئية وقدوة على المستوى الشامل وعلى المستوى الكامل، هناك قدوة من قامة بهذا القدر، وهناك قدوة من قامة بهذا القدر، لكن الأصل في إطلاق عنوان القدوة على الإطلاق، تقول: قدوة في الموقف الفلاني، فلان قدوة في الصبر بعد البرهنه، فلان قدوة في الصدق وبمقدار، أما القدوة على الإطلاق فهذا للمعصومين من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
[2] وتخاف من دولة وحيدة على هذا الخط -خط أهل البيت عليهم السلام- في دور التكوين، فلم تعطى الفرصة لتكوين نفسها التكوين الذي ترضاه وتقتضيه مدرستها.
[3] إلى الآن يقال أبنة العالم الفلاني تلبس كذا، وأ، كان أقل من يرها، ولكن هذا يأخذ حجة في أن تطلب الآخريات المزيد من متاع الدنيا، بيت العالم الفلاني كذا، قد لا يكون أكثر من حاجة، وقد لا يكون الأظهر من بيوت منطقته، لمنه يغري.