خطبة الجمعة (373) 25جمادي الثاني 1430هـ – 19 يونيو 2009م

مواضيع الخطبة:

*موضوع الزوجية *الانتخابات الإيرانية.. وقائع ودلالات *لَمَ جاء أوباما؟

أي شعب، وأي بلد يطلب الديموقراطية من أجل تأكيد هويته الإسلامية، ونهضته، وتحرره واستقلاله فإن الغرب يقف عدوّا له في هذه المطالبة لا معيناً ولا محايداً.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا تجد العقول هداها وهو خالقها إلا من عنده، والقلوب تقواها وهو مبدعها إلا من فضله، والأرواح سكينتها وهو منشؤها إلا من فيضه، والنفوس اطمئنانها وهو موجدها إلا بمعرفته، ولا مصدر لخير غيره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله الملك الحق المبين، وأن نصرف الحياة في ما هدى تبارك وتعالى إليه، وأن لا نهدرها فيما حذّر منه. وما أصاب أحد رشداً في مخالفة الخالق العظيم العليم القدير الرحمن الرحيم، وما وقع في خسارة من التزم طاعته، وتجنّب معصيته، والخير كل الخير في تقوى الله، وتصبير النفس على طريقه. وقد عظم الصبر قدرا لأن له على النفس ثقلا، ومنه ما هو مرّ المذاق لا يكون سائغاً أبداً إلا أن يكون في سبيل الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، ويسّر لنا سبل طاعتك، وأقبل بنفوسنا عليها في رضى ورغبة، وجنّبنا مسالك المعصية، وزهّدنا فيها، واجعل في قلوبنا الوحشة الدائمة منها إنّك أرحم الراحمين، وأنت على كل شيء قدير.
أما بعد فهذا حديث في موضوع الزوجية:
يتزوّج الشاب ليسعد لا ليشقى، وتتزوج الشابة لتسعد لا لتشقى، ويتزوجان ليسدّ كلاً منهما نافذة واسعة من نوافذ الشيطان على النفس الأمّارة بالسوء، لإفساد ذات الإنسان وحياته، وإقلاق الحياة الاجتماعية وتخريبها، وضياع النسل وتسيّبه وفوضاه.
والزواج ليس لإطفاء ظمأ جسد بآخر لا غير، وإنما الزواج للقاء روح بروح، وعقل بعقل، وقلب بقلب، ونفس كريمة بنفس أخرى مثلها. وهو لقاء على هدف ورؤية وطريق سالك إلى ذلك الهدف، وفي ضوء تلك الرؤية.
والزواج فيه طلب فطري للامتداد في هذه الحياة مع مغادرتها، وتثقيل للأرض، وتزكية لها بكلمة لا إله إلا الله ينطق بها لسان صادق من قلب مؤمن، وروح مهتدية، وتتحرك على ضوئها حياة الإنسان ذكر و أنثى يمدّ الزواج بهما الحياة في صورة عنصر جديد من صنع كريم لتمتد الحياة به وتثرى، وتتنامى عطاءاتها الكريمة، وإبداعاتها القويمة المتجددة.
الزواج إيجاد خلية اجتماعية حيوية صالحة مضافة لترفد حياة المجتمع بالجديد النافع، والإسهام الخيّر، والحركة الإيجابية المشاركة. وهو طلب للسكينة والاطمئنان الذي يوفره جوّ المودّة والرحمة، ويؤكّده لقاء العقل بالعقل، والروح بالروح، والقلب بالقلب، ويزداد كلّما ازداد التلاقي في هذه الأبعاد، وقلّت بين الزوجين المفارقات.
والعلقة الزوجية من أمتن وآكد ما يكون بين الناس من علقة بعد علقة الرحم القريب، والعشرة الزوجية من أشدّ ما يكون من عشرة في حياة الناس بين إثنين أو هي الأشدّ، ووقت هذه العشرة في اليوم والليلة في العادة هو الأكثر، والسائد أن تغطّي أكبر مساحة من عمر الإنسان إذا امتدّت به الحياة.
وتقوم هذه العلاقة على ميثاق متين مؤكّد، وعقد شديد الحرمة في دين الله، ومن آثارها الانكشاف الواسع والإفضاء المفتوح بين الزوجين، ونتيجة الولد الذي يجد فيه كلٍّ منهما نفسه وامتداده ليكون ذلك الولد الوجود الواحد المجسِّد لهما، وليكونا وهما الإثنان في واحد. هذا الواحد بعضه من هذا وبعضه من ذاك.
وتجتمع إلى علاقة الزوجية المستظلة بظل شريعة الله علاقات أخرى منها علاقة إنسان ذكر بإنسان أنثى(1)، ومسلم بمسلمة، أو مؤمن بمؤمنة كما هو الأكثر، وقد تكون بين واحد من دين سماوي مع واحدة من دين سماوي آخر، فتجد هنا رابطة كلّي الدين السماوي.
ومع علاقة الزوجية علاقة السقف الواحد، والفراش الواحد(2)، وقد تكون بين الزوجين علاقة قومية أو وطنية ورحمية، وصداقة بين عائلتين هي أسبق علاقة من علاقة الزواج.
ولكل علاقة من هذه العلاقات المجتمعة وزنها الخاص، وحقوقها وواجباتها، فما أقبح أن تضيع كل هذه العلاقات والواجبات والحقوق القائمة عليها بين زوجين!!
والعلاقات الإنسانية بمختلف أنواعها ومصاديقها ومنها العلاقة الزوجية وراء موقف الأطراف منها إحدى خلفيتين: خلفية من صنع الدين الحق، وخلفية من صنع غيره، الأولى خلفية قيم رفيعة، وأخلاق عالية حميدة كخلق الصدق والأمانة والوفاء، وخلفيةُ خوف من الله العظيم رادع عن ظلم العباد، وتطلّع ٍ للمثوبة من عنده سبحانه دافع ٍ للتضحية في سبيل الآخرين، والوفاء لهم، ودرأ الضرر عنهم، وأداء حقوقهم، والإحسان إليهم.
أما الخلفية الأخرى التي تحدد مواقف الناس في هذه العلاقات فهي المصلحة المادية، والمنفعة الذاتية الدنيوية، وهي الشهرة والظهور والزعامة والتسلّط. وكلما انعدم الدين عند الشخص أو الجماعة، أو خفّ وزنه في النفس كلّما استحكمت خلفية المنفعة المادية الذاتية في تحديد السلوك، وتوجيه مواقفه.
فما استُرخص حق الآخر، أو استُهين بحرمته، وما كان ظلمٌ في الناس إلا بسبب من انتهاج غير منهج الله، أو الجهل به، أو التساهل في أمره، وغلبة الهوى في النفس عليه، لقلة ترسّخه في القلب، وتمكّنه في الروح، وتغلغله في الإنسان.
فرعاية الحقوق والتوقف عن الحرمات، واحترام الكرامة الإنسانية، وإجلال كرامة العلم والإيمان، والإخلاص والوفاء والأمانة والتضحية الواعية على طريق الخير، والبناء الرشيد، والاستمثار الصالح للمواهب الكريمة في حياة الناس لسعادتهم ورفعتهم، والحفاظ على مصلحة الآخر، والأخذ بكريمة الإيثار، كلّ ذلك من إنتاج خلفية العلم والدين والتقوى عند الإنسان.
وما يعطيه مبدأ المنفعة المادية المقابل للدين هو شيء آخر: تنافس غير شريف على الدنيا، احتراب على غنائمها، احتيال من أجل لذائذها، الكذب، الخيانة، استعلاء جاهلي، استغلال سيء للآخر، تغالب بالباطل، تسلّق على أكتاف الآخرين، على سمعتهم، على حساب أمن المجتمع ووحدته، كيد ومكر أسود في العلاقات الخاصة، والعلاقات العامة، ركوب لكل مراكب شريفها وخسيسها لتحقيق الأغراض المادية الساقطة.
فلسلامة أي علاقة ووفائها واخلاصها وخلو جوّها من الخيانة والكذب والإساءة وكل الأمور الساقطة الظلامية المنافية للخلق الكريم، ومن أغراض السوء والإضرار الظالم بالآخر لابد من خلفية الدين والتقوى.
والعلاقة الزوجية لا تخرج عن هذا الأمر على الإطلاق، ومن المستحيل أن ينتج مبدأ المنفعة المادية الذاتية الذي يأخذ به الغرب وصرنا نقترب إليه كثيرا وعلى كثير من المستويات الرفيعة في الناس أي علاقة من العلاقات الإنسانية الناجحة التي يسود جوّها الصدق والإخلاص والوفاء والأمانة، ونصيحة الآخر ورعاية حرماته، والحفاظ على مصلحته وكرامته.
والذين يطلبون أسرة تسودها أجواء هذه المعاني الكريمة بعيداً عن خلفية الدين وقيمه العالية، وتشريعاته العادلة، وأحكامه الرشيدة، وأخلاقياته الرفيعة، ومقاصده الشريفة إنما يسعون وراء السراب مجانين أو واهمين.
أما الذين يرفعون شعار التغريب والركض وراء معطيات الحضارة الغربية ومبدأ المنفعة الدنيوية الذي تتمحور حوله حركتها، وتنطلق منه أخلاقياتها، وتشريعاتها، ورؤاها، وخططها، ومشاعرها، وضوابطها، وتقديراتها فهم يدرون ماذا يريدون بمكرهم في الليل والنهار من سوء بهذه الأمة، ومسخ لهويتها، وإضرار باستقلالها، ومصلحتها، وبيع لها لجاهلية الغرب بثمن يتقاضونه من متاع الدنيا، وهو وإن كبر في أعينهم إلا انه ليس بكبير وإن عظم في نفوسهم فإنما هو حقير {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}(3)….
إن الأسرة لن تحصد في اقترابها من النمط الغربي إلا مزيداً من التدهور، والتعاسة، والشقاء، والتفكك، والتمزق، والخيانات، والاضطرابات، والفوضى، وما يسمّونه بالعنف الأسري الذي أشارت بعض الإذاعات بتصاعده في أمريكا البلد الغربي النموذجي للحضارة التي يتشرف هواة الغرب وعملاؤه باستيراد القيم الخلقية والتشريعية منها، وذلك التصاعد كما أشارت إليه الإذاعة بسبب من الأزمة المالية.
أما اهتزاز وضع الأسرة المسلمة اليوم، واضطراب العلاقات في داخلها، وما اعتراها من الاتساع في حالة التصدع والتفكك، وازدياد ظاهرة الطلاق فمردّه إلى عدد من الأسباب الرئيسة أذكر منها:
أولاً: تسطّح الحالة الدينية وانفصالها عن الوعي المطلوب، والتفقه في الدين بما يفي بالحاجة العملية في حياة الإنسان المسلم.
ثانياً: التشبّع بروح القيم المادية، وغياب الضمير الإسلامي الحي العامر بالقيم المعنوية الإلهية بتأثير وسائل التربية والإعلام الضخمة المضادة.
ثالثاً: خضوع أو تلاقي السياسات المحلية في البلاد العربية والكثير من البلاد الإسلامية مع أعداء الإسلام على إحلال النمط الغربي الجاهلي في حياة الأسرة المسلمة، وعلاقاتها محلّ النمط الإسلامي الكريم.
من بعد هذا سيأتي كلام في العشرة الزوجية في ظل الإسلام على ضوء النصوص في الخطبة القادمة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اهدنا بهدى الصالحين، واسلك بنا طريق المتقين، وانتهِ بإيماننا إلى اليقين، ولا تخلطنا بالضالين الظالمين، وانصرنا على أعدائك وأعدائنا يا ولي المؤمنين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}

الخطبة الثانية

الحمد لله الولي العلي العزيز الحميد، فاطر السموات والأرض المبدئ المعيد، لا قيام لشيء إلا به، ولا منتهى لشيء إلا بإذنه، وهو المحيط بكل شيء علما وقدرة، ولكل شيء عنده حد محدود، وقدر مقدور، وأجل محتوم، وهو الكامل الذي لا يحد، والحي الذي لا يموت، والقيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا بتقوى الله، والحذر من أهوال يوم المعاد، وشدة العذاب، وما توعّد به الله أهل معصيته والمعاندين من بريّته، وإن يوم الحفرة الضيّقة وهو يوم الوحدة والغربة والوحشة ليس ببعيد عن أحد منا وعن أيٍّ ممن تقلّه الأرض وتظله السماء، ولا يجد أي أحد مفرّاً من هذا المصير.
ألا فليكن لنا في هذا ما نستعين به على النفس الأمارة بالسوء، والشيطان الرجيم، وإغراءات الدنيا، وغفلة الصراعات التافهة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربّ صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الطيبين الطاهرين، اللهم أعنّا على أنفسنا، ولا تجعل لها على ديننا سلطانا، ولا لهواها علينا إمرة، ولا لأمنياتها الكاذبة الغويّة أثرا، ولا لباطلها في حياتنا سحرا.
اللهم صل وسلم على الصادق الأمين، حبيبك محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
اللهم عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، واكتب لهم العزّ والنصر والسؤدد والغلبة، وأدم نصرهم يا قوي يا عزيز، يا رحمن يا رحيم.
أما بعد فالحديث تحت عنوانين:
الانتخابات الإيرانية.. وقائع ودلالات:
وهو حديث مختصر.
كانت هذه الانتخابات منذ البدء وقبل البدء محل الرصد والمتابعة والاهتمام العالمي وخاصة في المجتمع الغربي على مستوى إعلامه وساسته الكبار، وكانت محل الإعجاب في أجوائها التنافسية ودرجة الإقبال والكثافة.
وإذا تابعت الإعلام قبل بدأ العملية الانتخابية وكذلك قبل فرز النتائج لم تقف على ملاحظات جذرية في الإعلام الغربي، ولم يكن تغليب لاحتمال فوز تيّار على آخر، فكر على آخر، توجّه على آخر4.
هذا هو موقف السياسة والإعلام الغربيين وما يتبعهما من إعلام آخر وسياسة أخرى قبل بدأ العملية، وحال بدئها، وقبل إفراز النتائج.
هذا الموقف المتريّث، أو الايجابي من حيث الاعتراف بكثافة الاقبال على الانتخاب وأجواء التنافس الشديد بين المرشحين الذي يدل على الجوّ الديموقراطي الحرّكان له سببه، وكانت له حكمته وغايته، فإن جاءت النتيجة موافقة للمشتهى الغربي كانت في حكم السياسة والإعلام الغربيين خياراً حرّاً نزيهاً يدلّ على أن خيار الشعب الإيراني مع توجّه جديد، وضدّ توجّه استمرت عليه الثورة، والتصق بالولي الفقيه، وإذا جاءت النتيجة على العكس أمكن فتح أبواب التشكيك، وصب العذاب على العملية الانتخابية في إيران من جهات أخرى عند الحاجة.
المرشحون هم الآخرون الذين لم يشكوا في أثناء العملية الانتخابية من مخالفات وخروقات ملحوظة، وحين ظهرت النتائج على خلاف ما يتمنّى الغرب انقلب الجوّ، وأرعدت وأبرقت، وجاء كلام جديد، ودور إعلامي وسياسي غربيان ليفجّرا الوضع في داخل إيران، ويشيران بالدعم والمناصرة لكل من كان في نفسه أن يناهض الثورة والدولة.
وهنا يأتي دور الممنوع الغربي وهو التدخل السياسي في الشؤون الداخلية ليكون الحلال الطيب والمباح، وليفعّل بقوّة فيبدأ التحريض على الحرب، وإلهاب حالة العداء والمناهضة لهوية الحكم، وخاصة في ركيزته الأولى، وهي ولاية الفقية.
الفرق الهائل في الأصوات بين المرشحين الرئيسين، وعدم تسجيل الإعلام المتابع والراصد لسلبيات ملحوظة في العملية الانتخابية يحصر الخلل لو كان في عملية فرز الأصوات في بعض مواردها، وهذا على تصديق أن تكون المغالطة بالمستوى الحاصل وهو بعيد جداً إنما يستوجب إعادة فرز الأصوات في الموارد التي يأتي فيها احتمال الخرق مقبولا.
ولاحظوا الهجمة على الديموقراطية في إيران، والسكوت والرضا عن دول لا شأن لها بالديموقراطية على الإطلاق!
لماذا؟
هي علاقة صديق بصديق، أو عدو بعدو. والغرب يقف دائما عدوا في وجه الإسلام والإسلاميين الصدق.
الديموقراطية التي يريدها الغرب للبلاد الإسلامية عربية كانت هذه البلاد أو غيرها، ديموقراطية ترسّخ وجوده الحضاري في الأمة، وتمكّن له، وتدخل الأمة في التبعية الشاملة له.
وأي شعب، وأي بلد يطلب الديموقراطية من أجل تأكيد هويته الإسلامية، ونهضته، وتحرره واستقلاله فإن الغرب يقف عدوّاً له في هذه المطالبة لا معيناً ولا محايداً(5).
يقولون عن الإسلاميين بأنهم ينقلبون على الديموقراطية، والمنقلب على الديموقراطية هو الغرب، وأتباع الغرب كما في تجربة الجزائر، وتجربة حماس، وتجربة العراق، وتجربة إيران القائمة، أما حزب الله الذي يمثّل خطّاً إسلاميّاً أصيلاً وناصعاً فإنه وقف من نتائج العملية الديموقراطية موقفاً شريفاً معترفاً بغلبة الطرف الآخر وإن كانت غلبة وُجدت وراءها في تقديره امور وأمور مسيئة للديمقراطية.
حزب الله مثال اسلامي ، وأنه لم يتمرد على نتائج الديموقراطية، وأمريكا والغرب وعملاء الغرب، والحكومات التابعة للغرب تمردت مرة ومرة وأخرى على نتيجة الديموقراطية حين جاءت في صالح الإسلاميين شيعة كانوا أو سنة.
وبعد خسارة غير الدينيين في الشارع المسلم سارع الغرب والطامعون في الأمة أن يبحثوا عن إسلاميين ملائمين مرنين متصالحين مع الفكر الغربي، والمصلحة الغربية يستحقون الإشادة والدعم، وإسلاميين متزمتين متصلبين وإن كانوا بريئين من لوثة الإرهاب يخاف منهم على واقع الأمة والتقدم الاقتصادي والسلم العالمي، ويسببون العزلة للشعوب الإسلامية، وتقويض مصالحها، وهؤلاء لابد من تشديد الخناق عليهم، ومحاربتهم من الخارج والداخل، واستثارة الشعوب ضدهم.
لابد أن يُقسّم المجتمع الإسلامي إلى قسمين: إسلاميين معتدلين، وإسلاميين متطرفين، ويُستدرج الإسلاميون المعتدلون ضد الإسلاميين المتشددين، ويختلط بالإسلاميين المعتدلين كل مريد سوءاً بهذه الأمّة.
وقد يحمل أهل خلق المرونة والروح التصالحية مع الغرب لافتات مرنة كذلك، ويمكن أحياناً أن يأخذ التحرك من هذا النوع وصف الإسلامي وإن كان بمضمون آخر.
بم ولِمَ جاء أوباما؟
أوباما واحد من الناس له تفكيره الشخصي وذوقه وشعوره وطموحاته الشخصية، شأنه في هذا كله شأن كل الآخرين، فإن لكل إنسان خصوصياته الشخصية، وهي تشارك في تحديد قوله وموقفه بدرجة وأخرى في مساحة حياته الخاصة والعامة كذلك.
وأوباما في بعده العام عقلية أمريكية، وقيم ذات طابع خاص أمريكي، وهو رئيس أمريكا المتحدث باسم سياستها، والأمين الأول على هذه السياسة، والتي ترى في إسرائيل حليفها الأهم، وتتحمل مسؤولية أمنه ومصالحه رعاية فيما ترى لمصالحها.
أوباما العقلية الفلسفية والثقافية والسياسية الأمريكية عقلية نفعية بحت، تقدّس المنفعة، وتقدّمها على كل ما سواها، وتتخذ حتى من القيم الأخلاقية والمعنوية مركبا في الطريق إليها إذا اقتضى الأمر ذلك، والكلمات والأفكار والمشاعر والخطط والمواقف كلها تتمحور في هذه العقلية الأمريكية العامة حول المنفعة، وتدور معها حيثما دارت، وتتحرك حيثما أشارت.
والمترشح من العقلية النفعية وما ينبني عليها من أفكار ومشاعر وخطط إما حروب مادية عدوانية طاحنة يقدّر لها أن توفر منفعة ولذة مادية أكبر، وإما الاستلاب عن أي طريق تحت عنوان الصلح، أو تبادل المصالح، أو التعاون المشترك، أو التحالف الاستراتيجي، أو مواجهة العدو الواحد الذي يفترض وجوده دائماً ولو وهماً وادعاءاً تبريراً للعدوانية، ودفع همم المناصرين على طريقها.
وأوباما حتى لو فرض في بعده الشخصي أنه ميال إلى السلم لا يتسرع في استعمال القوة، لا يفرض فيه أن فلسفته في الحياة فلسفة سماوية، أو أنه رسول من رسل العدل والمحبة الإنسانية والسلام، والقيم الإلهية الرفيعة، أو أنه قد أتى المنطقة منسلخاً من كل مكونات شخصيته الحضارية العامة، متخلياً عن الفلسفة النفعية، وعطاءات العقلية الحضارية المادية، ومتنكراً لمقتضيات التمثيل الرسمي للسياسة الأمريكية المتحالفة تحالفا مركزيا مع إسرائيل، وإن جاء الخطاب للمسلمين في بعض جوانبه بلغة جديدة مهدئة وتصالحية وفيها دغدغة للعواطف.
وانعكاسات البعد الشخصي قد تلامس الأسلوب وطريقة الأداء، أما الأهداف والمواقف فمن صنع العقلية العامة، والموقع السياسي العام الذي لا يمكن أن يستهدف صلحا لا يحافظ على المصلحة الإسرائيلية في الدرجة الأولى، وإن كان فيها ظلم الآخر وتهميشه وخسارته وسحقه.
في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية المستهدف لزيارة أوباما لا يمكن أن يكون حسب المعطيات العملية والجذرية إلا الخروج بحل مربح لإسرائيل. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى لم تأتِ زيارة الرجل للترويج للديموقراطية في المنطقة العربية التي تفزع منها الأنظمة الحليفة، وتعادي نتائجها فضلا عن ممارستة الدفع العملي في اتجاه الديموقراطية، أو الضغط لصالح التسريع إليها.
وأوباما وإن كان مستعدا لأن يحسن لغته مع الشعوب الإسلامية كما سبق ويداعب عواطفها إلا أنه غير مستعد على الإطلاق في هذه الآونة أن يبيع علاقته بالأنظمة الرسمية التي تقف مع أمريكا في أمور مهمة عديدة في خندق واحد بإرضاء الشعوب التي تتطلع إلى الديموقراطية: فلا الديموقراطية ولا أي شيء آخر مقدّم على المنفعة المادية لأمريكا في عقلية وسياسات وتخطيط واستهداف الأمريكي الذي تحكمه الرؤية النفعية المادية.
الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والحرية السياسية وكل الشعارات البراقة معلّقة على الرف، أو يلقى بها جانباً رخيصة زهيدة إذا تصادمت مع المنفعة المادية الأمريكية وهيمنة الوجود الأمريكي على العالم.
والشعوب الإسلامية التي يزداد تعلّقها وانشدادها للإسلام بما فيه من البعد السياسي لا يمكن أن تلتقي المصلحة السياسية الأمريكية مع آمالها وطموحاتها، ومع تفعيل ديموقراطية حقيقية في ساحاتها.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم انصر الإسلام وأهله، وأذل النفاق وأهله. اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الزوجة إنسان، والزوج إنسان، وعلاقة الإنسانية إحدى العلاقات المتينة التي تربط بين أفراد المجتمع الانساني . وعلاقة ما بين الإنسانين غير العلاقة ما بين الإنسان وغيره من مثل الحيوان.
2 – وإذا كان للجوار علاقة متينة مقدّرة في شرع الله، فكيف بجوار سقف واحد، وفراش واحد؟!
3 – 227/ الشعراء.
4 – وان كانت الدعاية الاعلامية في صالح اتجاه معيّن على حساب الآخر.
5 – هتاف جموع المصلين بـ (الموت لأمريكا).

زر الذهاب إلى الأعلى