خطبة الجمعة (374) 3 رجب 1430هـ – 26 يونيو 2009م
مواضيع الخطبة:
*العِشرة الزوجية في الإسلام *دروس من الحدث الإيراني *لا تبعيض في الدين
يُستدلّ على عظمة الشخصية وخطرها على الكفر، ويستدل على عظمة الحزب وخطره على الكفر، ويستدل على عظمة الدولة وخطرها على الكفر أن تتوجّه إليها سهام الكفار والمنافقين، والانتهازيين والنفعيين والساقطين بعنف وقوة واستمرار
الخطبة الأولى
عظّم الله أجورنا جميعاً والمؤمنين والمؤمنات أجمعين بمناسبة ذكرى شهادة الإمام الهادي عليه أفضل الصلاة والسلام.
الحمد لله ذي النعم العظام، والمنن الجسام. لا تعدّ آلاؤه، ولا يحدّ ثناؤه، ولا تنتهي مدحته، ولا يُبلغ شكره، وحمدُ الحامدين له مِنّة منه على من حمده، وشكرهم لنعمه موجب لشكره مجدّداً على من شكره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، وأن نستعين به على ملازمة طاعته، والتجافي عن معصيته فإنه لا حول ولا قوّة إلا به، ولا منقذ من سوء غيرُه، {وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ}(1) {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(2).
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله الصادق الأمين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا تقواك فإن من رزقته التقوى فقد رحمته وأكرمته، وكان له عندك حسن المآب، وحسن الثواب.
ربنا هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
أما بعد فموضوع الحديث هو العِشرة الزوجية في الإسلام:
والحديث متابعة لكلام في هذا الموضوع.
لهذه العِشرة شأن كبير في الإسلام، واهتمام بالغ وذلك لآثارها العظيمة في تربية الإنسان، وحياة المجتمعات البشرية، وقد عمل الدين القويم ومنهجه الرباني الكريم على إنجاح هذه العِشرة منذ لحظة التفكير الأولى عند الرجل في اختيار الزوجة، ولحظة التفكير الأولى عند المرأة في الموافقة على الزواج كما هو الواضح لمن تتبع هذا الأمر على ضوء النصوص.
وأقلّ ما أُخذ في هذه العِشرة أن تكون كغيرها قائمة على العدل، والعدل لا يفارق أحكام الله في أي مورد من الموارد أدركه التفكير البشري أو لم يدركه، وقد أُخذ فيها أن تكون بالمعروف؛ والمعروف أقلّه العدل، ومنه الإحسان. يقول الله سبحانه في كتابه الكريم:{… وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(3) والزوجة داخلة في هذا الأمر كما هو الرجل إذ لا إذن في الدّين في منكر، وذكر الرجل بخصوصه في الآية الكريمة نجد فيه تأكيداً عليه لجانب قوّته في هذه العلاقة في الغالب، وكونه قيّماً فيها فيحتاج إلى مثل هذا التأكيد بلحاظ موقعيّته.
والمطلوب الأصل للشريعة المقدّسة أن تسود العلاقةَ الزوجيةَ أجواءُ المودّة والمحبة والإحسان والإخلاص للآخر والحفاظ على كرامته، والتضحية من أجل راحته.
العلاقة الزوجية فيها واجبات وحقوق قانونية كواجب النفقة على الزوج، وواجب التمكين من جهة الزوجة، ويترتب على ذلك أن يُلزم القانون المفرِّط في النفقة مع القدرة بدفع ما يتدارك هذا التقصير، كما يترتب على حالة النشوز عند الزوجة سقوط النفقة كما هو معروف عند الفقهاء.
وهناك واجبات وحقوق خُلُقيّة التخلّف عنها يقلل من الشأن الإيماني والمنزلة الإإنسانية للمتخلِّف عنها.
وتفريط أحد الطرفين في واجب من واجباته لا يُسقط حقوقه كلّها ما كان قائماً منها على موضوع الزوجية أو بحكم العلاقات الأخرى كعلاقة الإيمان والإسلام؛ فالتقصير في النفقة، أو حالة النشوز مثلاً لا تفتح الباب أمام الآخر لغيبة الطرف المقصِّر بصورة حرّة، ولا تتيح له أن يتنازل عن كلّ واجباته في قبال الآخر.
ولنطالع موضوع العشرة الزوجية في ضوء عموم الكتاب الكريم والحديث الشريف وخصوصهما بصورة مختصرة:
أ- من عموم الكتاب الكريم:
{… وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً…}(4).
وهذه الزوجة من الناس، ومن أقرب الناس، فالقول الحسن، والقول المريح، وتناول قضايا الاختلاف بالحوار الهادئ إذا كان مطلوبا مع الآخرين، فكيف بهذه الزوجة! الزوجة هنا داخلة تحت العموم وهي من أجلى مصاديق هذا العموم، لا من جهة العنوان نفسه وهو الناس فإنها على حدٍّ سواء في المصداقية من هذه الجهة، ولكن لما لهذا الإنسان من علاقة قويّة بالإنسان الآخر.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(5).
مأمورون بالعدل مع كل الناس؛ مع الصديق والعدو، ومأمورون بالإحسان، ونتعامل مع الزوجة بالظلم والإهانة؟! أو تتعامل الزوجة مع زوجها بالظلم والإهانة؟! هذا العموم ينطبق على الزوج والزوجة ويجب أن يحكمَ علاقات الأزواج المؤمنين والمؤمنات فيما بينهم جميعاً.
ويُلحق بالعموم قوله سبحانه {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ…}(6).
فالزوجة لها الأولوية على الجار الجنب، والصاحب بالجنب. والحديث عن الواجبات الأخلاقية للزوج، والواجبات الشرعية في كثير منها كذلك إنما يعنى به الزوج والزوجة معاً.
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى…}(7).
العدو لا يجوز لنا أن نتعدّى في معاملتنا معه حدّ العدل، فكيف بالزوج والزوجة؟! والعدل أن نلتزم حدود الله التي تنظِّم هذه العلاقة وأي علاقة أخرى.
ب- ومن خصوص الكتاب: أي الآيات التي وردت في العلاقة الزوجية بخصوصها:
{… وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ…}(8).
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ…}(9).
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا….}(10).
سبق أن المعروف يشمل العدل ويشمل الإحسان، وإذا كان هناك حرص عند الزوج على آخرته، فيجب أن ينبسط ويمتدّ هذا الحرص على آخرة زوجته وأولاده، فليست العلاقة علاقة لقمة وكسوة، وعلاقة جسدين فقط، وإنما كما مرّ في الحديث السابق هي مع ذلك علاقة عقلين وقلبين وروحين يظلّلهما الإيمان.
فيجب أن تغنى نفس الزوج، وتغنى نفس الزوجة بالحرص على سعادة كلٍّ منهما في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة.
ج- ومن عموم الحديث:
عن الإمام علي عليه السلام:”خالطوا النّاس مخالطة إن متّم معها بكوا عليكم، وإن عِشتم (غِبتم) حنّوا إليكم”(11).
والمخالطة الزوجية مخالطة طويلة المدى، ومكثّفة، ومركّزة، والمخالطات المركّزة يكون التعرض فيها للخلل أكثر، وللتقصير أكبر، وكلّما استقام أمر هذه العلاقة على طريق الله كلما عمرت بالخير وازداد صلاحها، وكلما دخلها الخلل وابتعدت عن الدين والخُلق كلما أعطبها الفساد، وأصابها التدهور، ويمتدّ أثرها صلاحاً وفساداً إلى الولد والمحيط الاجتماعي الضيّق ثم الواسع.
أي مخالطة هي التي أن الشخص إذا مات بكى عليه الناس؟! إنّما هي مخالطة برٍّ وإحسان وتسامح من شخص لا يصلهم منه سوء، ويلمسون الخير لهم في حياته. وإذا كانت هذه العشرة هي عشرتك مع الناس في الإسلام، فكيف يجب أن تكون عشرتك مع الزوجة، وكيف يجب أن تكون عشرة الزوجة مع الزوج؟!
العشرة المطلوبة مع النّاس عشرة تترك هذا الأثر على القريب والبعيد؛ أَثَر أن يبكي الناس لفراق هذا الشخص، لظهور إحسانه، ولتألّق خلقه، ولمعرفة الإخلاص منه.
فهل من بعد هذا يصح لنا أن تخالط الزوجة زوجها، أو يخالط الزوج زوجته بحيث يفرح أحدهما لرحيل الآخر؟! ويرى أن خلاصه في رحيل الطرف الآخر؟! وقد يحصل هذا بين زوج وزوجة.
“وإن عِشتم (غِبتم) حنّوا إليكم” فليس البكاء للفراق من ناحية عاطفية، وإنما لتقدير وزن الخلق، ووزن الضمير، ووزن الدين، ووزن الشخصية. هو تقدير للمواقف، للمحبّة، للمودّة، للحنان، للشفقة ممن كان منه الرحيل. ولذلك فإنه إذا عاش لم يُملّ، ولم يُستثقل، وإنما نجد في عيشه حنيناً من الطرف الآخر إليه، وهو حنينٌ إلى روحية طاهرة، وإلى نفسية نزيهة، وإلى سلوك راق.
عن الإمام الباقر عليه السلام:”صلاح شأن النّاس التَّعايش والتعاشر ملء مكيال: ثلثاه فِطن، وثلث تغافل”(12).
ينبغي لك أن تتعامل مع النّاس بفطنة وذكاء ولا تستغفل، وأن تعرف ماذا يراد بك، وماذا يراد منك، وأن هذا صديق أو عدو. قد تكون الكلمات معسولة، ولكن النية معلولة، والقصد سيء، وقد تكون الكلمة قاسية ولكن وراءها قلباً مشفقاً. يجب أن تعرف ماذا يريد بك الناس، وإلى أين يريدون أن يسلكوا بك، وفي حين تفطنهم، وتدريهم، وتعرف ماذا يحاولون بك؟ حاول ما اقتضت المصلحة ذلك ورعت الحكمة أن تظهر كأنك لم تسمع، ولم تفهم، لا مكايدة، وإنما لإصلاح العلاقات، وللترفّع عن الدنايا، وحفاظا على النسيج الاجتماعي الإيماني وسلامته “وثلث تغافل”.
هذا مع الناس يا اخوان، فكيف لا يكون تغافل عن خطأ زوجة، أو عن خطأ زوج؟! وكيف لا يكون تسامح عن هفوة زوجة أو هفوة زوج؟! وكيف لا يكون حرصٌ وذكاء ومحاولة في إبقاء الأجواء هادئة؟! والمياه في مجاريها؟! والعلاقة حسنة بتغافل عن كلمة ربما خرجت من غير قصد؟!
عن الإمام عليه السلام:”ابذُل لصديقك نصحَك، ولمعارفك معونتَك، ولكافّة النّاس بِشرك”(13).
الزوجة ما موقعها؟ هي مع الزوجية صديق، وهي من المعارف، ومن أهل الجوار القريب، ثم ليست من كافّة الناس على الأقل؟! ولو كانت كذلك فحسب، فأنت مسؤول عن إظهار البشر لها، وهي مسؤولة عن إظهار البشر لك. وإذا بذلنا للصديق النصح، فكيف لا يَنصح الزوج لزوجته، ولا تنصح الزوجة لزوجها؟! والنصح ليس كلمة فقط، النصح موقف متعاطف، النصح إخلاص، النصح محاولة إنقاذ، النصح معونة، النصح تأييد، النصح دفاع عن العرض، النصح نصرة.
وإذا كانت المعونة للمعارف وهم أقلّ درجة من درجة الأصدقاء فكيف لا تكون للزوج والزوجة؟!
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا ممن لا يعدل عن نهج كتابك الكريم، وسنة نبيك وآله المعصومين في أي شأن من الشؤون، ولا يستبدل عن شريعتك، ولا يرضى عن خُلق نبيك وأوليائك، ولا يقيم بنيانه على غير رضاك، ولا يسلك في كل أموره إلا المسلك الذي أمرت وإليه دعوت. اللهم ارزقنا قوة في الدين والبدن، وعدلاً في المعاملة، وحسناً في الخلق، ورغبة في الإحسان، ولا تُشْقِ بنا من ولّيتنا أمره، وأعذنا من أن نظلم أو نظلم، أو نضل أو يضل بنا، أو نجهل أو يجهل علينا يا رحمن يا رحيم يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يمدّ كل موجود بما يطيقه من حظّ الوجود، ويَرفِد كل حيّ بما هو أهله من نصيب الحياة، ولا مَسدّ لحاجة محتاج إلا من عنده، ولا خير لذي خير إلا من فيضه، ولا ضيق في كرمه، ولا شحّ في عطائه، ولكن محدوديّة الأشياء من دونه، وضيقَ تأهّلها الذاتي يجعل قابليتها لاستقبال العطاء بمقدار ما تتسع حسبما هي عليه من منزلة في الوجود والحياة، لا حسب الإطلاق في كرم الفيض والعطاء من الغني المطلق الذي لا تحدّه الحدود.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله الأذلاءَ بين يديه، ويا من أمرهم ومصيرهم إليه: التقوى التقوى، والعمل الصالحَ، ومجاهدةَ النفس قبل يوم المنيّة، وانقطاع النفس، وذهاب الفرصة، والانتقال إلى الأخرى. ألا لا نجاة لمن لم يعمل صالحاً في دنياه، واستكبر على أمر الله ونهيه، ولم يخشه في حياته من هول الطامة الكبرى؛ يوم يرى أن لا مفر من الله إلا إليه، ولا منقذ لأحد سواه.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وارزقنا معرفة حقّ الربوبية، وصدق العبودية، والاستقامة على الطاعة، ومفارقة المعصية، وخالص النية، وسلامة القصد، وقبول العمل، وحسن الخاتمة، وحبَّ لقائك، والكرامة لديك، والفوز برضوانك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى الصادق الأمين محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا مقيما ثابتا.
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات فإلى عنوانين:
دروس من الحدث الإيراني:
وهو حدث الانتخابات، والاعتراض عليها والاحتجاجات المرافقة لهذا الاعتراض بما فيها من مواجهات، وما كان من موقف قوى الاستكبار في الأرض، والقوى والجماعات والمؤسسات والأفراد التابعين لها من داخل الأمة.
1. الحدث الداخلي في إيران يمكن أن يحدث في كل مكان ويأخذ حجمه الطبيعي وينتهي إلى ما ينتهي إليه من غير انحياز من قوى الشر في الأرض لطرف معيّن على حساب آخر بهذه الصورة المبالغ فيها، ومن غير هذا الدفع والتحريض الشديدين على إلهاب الفتنة، وإشعال النار، وتعميق الصراع، وإيجاد محرقة شاملة في بلد آمن.
والبغضاء هنا بغضاء للإسلام، والصيغة الإسلامية للحكم، وفاعلية هذه الصيغة في تثبيت أصالة الأمَّة، وعزّتها وكرامتها، وتحقيق تقدّمها وتفوّقها، والحفاظ على استقلالها ومصالحها.
ووراء هذا الحقد خوف من عودة أوسع للإسلام الحق من قبل الأمة، وما تعنيه العودة للإسلام من انقلاب موازين القوى في الأرض، وتغيّر المعادلة الفعلية لصالح الأمة الإسلامية والمستضعفين.
2. لابد من العلم وتلقّي الدرس بأنّه كلما كان واقع دولة إسلامية أو جهة من جهات الإسلام، أو قيادة من قيادات المسلمين أصدق إسلاماً وأقوى وأنفع لحياة الإسلام والمسلمين كلما ازداد غيظ الطغاة والمستكبرين والظلمة العالميين وأذيالهم منها وحقدهم عليها، وشراستهم في عدائها، والأخذ بالموقف المتشدِّد والمناهض لها، والاجتماع على محاربتها.
وكلما جاء الموقف لهذه القوى الطاغوتية الاستكبارية من أيّ وجود إسلاميّ لجهة إسلامية أشدّ عنفا وضراوة دلّ على أهميته البالغة وصدقه وإخلاصه وكفاءته.
ويُستدلّ على عظمة الشخصية وخطرها على الكفر، ويستدل على عظمة الحزب وخطره على الكفر، ويستدل على عظمة الدولة وخطرها على الكفر أن تتوجّه إليها سهام الكفار والمنافقين، والانتهازيين والنفعيين والساقطين بعنف وقوة واستمرار عداء لإسلامها.
في العادة لنا أن نكتشف عظمة الجهة في حرب العدوّ مع الأمَّة من استهداف الكفر وأتباعه لها لإسقاطها.
فالحملة التي واجه بها الاستكبار أعمدة النظام الإسلامي في إيران وفي مقدمتها مركز القيادة، وولاية الفقيه هي شهادة زكاة وصلاح وشموخ وعظمة يتمتع بها هذا النظام، وشهادة خطر منه على الباطل في الأرض.
3. إن شباب الأمة محتاج إلى تحصين تربوي إسلامي بصورة دائمة وواسعة، وتزويده بالبصيرة الكافية على كل الصعد، ومنها الصعيد السياسي حماية له من استغلال الأعداء بما يؤدي به إلى أن يكون وقود معارك يخطط لها العدو، وتجري على أرض الإسلام بعناوين مختلفة، وهدفها الفتك بالإسلام والمسلمين، وقطع الطريق على عودة الأمة إلى إسلامها ووحدتها وهو أخوف ما تخاف منه قوى الشر والطغيان في العالم، لما في ذلك من تهديد لوجودها الظالم، وقطع يد النهب والغصب لثروات المسلمين، ويد السلب للكرامة والعزة والاستقلال لأمتنا المجيدة.
ولأهمية تربية الشباب المسلم من الجنسين التربية الإسلامية الواعية الراقية وأثرها البالغ على حاضر الأمة ومستقبلها يحرص الكفر العالمي اليوم، وتستجيب له سياسات كثيرة في بلاد المسلمين على فرض الهيمنة الظالمة على مراكز الوعي والتربية والإمداد الروحي والفكري في وجود المسلمين حتى تأتي الأجيال الشبابية من صناعة التربية الكافرة في أرض المسلمين الطاهرة.
ويصر الكفر هذه الأيام، ويتعاقد مع حكومات في العالم العربي والإسلامي على أن تزوّده بالعقول المتميّزة لتصنع هناك على منأى من الإسلام، وفي أجواء جاهلية الكفر المظلمة.
ويأتي من هؤلاء الشباب والدارسين من يحارب فكر الأمة وهويتها، ويستهدف مصلحتها من أجل مصلحة الأجنبي.
هناك من ينجو من شبابنا العزيز وإن عاش في تلك الأجواء، ويعدّ من نفسه من خلال النصب والتعب والمجاهدة بطلاً من أبطال هذه الأمة، ومنقذاً من منقذيها، ولكن الكثيرين يسقطون تحت وطأة التخطيط والهندسة التربوية المضلِّلة.
4. إنّ تبعية الغالبية العظمى من أنظمة الحكم في الأمة الإسلامية للاستكبار العالميِّ مزقت هذه الأمة شرّ ممزّق، وبلغت هذه التبعية أقبح صورة وأمرَّ واقع فصار اشتراكُ خندق وموقف، وأسلوب وهدف بين الكثير من البلدان الإسلامية وعمالقة الكفر والاستكبار العالمي ضد البلد المسلم الواحد وفي أكثر من تجربة وحالة.
وصار ما يُفرح الكفر من مصيبة بلد مسلم يفرح حكومات وأحزاباً ومؤسسات وكيانات وجماعات كثيرة من أهل الشهادتين، ويؤلمهم من خيره ما يؤلم رموز الشر في الأرض، والمريدين بالأمة كل سوء.
يجمع الخندق الواحد اليوم، والموقف الشامت والمعادي والمتآمر ضد إيران بلادا من البلاد العربية، وأحزابا عربية، ومؤسسات عربية، وصحافة عربية، وإسلامية مع أمريكا وإسرائيل ضد بلد مسلم جار.
وأمس الخميس كان مسؤول خليجي كبير يبث شكواه في مقابلة أجرتها معه القناة الأخبارية للجزيرة ويعلن عن تألّمه لسعاية بعض الأشقاء العرب ببلده عند أمريكا لتخريب العلاقة بها. بلد عربي له سعاية ببلد عربي آخر لتدمير وتخريب العلاقة بين البلد الثاني وأمريكا من منطلق التملّق، وطلب الموقع، والإضرار بالآخر الشقيق., فهو سباق، وتهافت على العلاقة بأمريكا والله العالم بالثمن، وسعي من الشقيق بشقيقه لتفويت الخير والشرف المتوهّم عليه، ومحاولة تسجيل موقف من من الساعي بأخيه ليدلل على إخلاصه ووفائه عند السيد الأمريكي الكريم، ويعطيه تقدّما في مستوى العلاقة به.
هذا واقع الأمة المصيبةُ والكارثة.
5. إن القضاء على الجمهورية الإسلامية هدف كبير للاستكبار العالمي ومن يدور في فلكه، ولكن ربما كان المنظور القريب للاستكبار في حملته الشرسة التي صاحبت الانتخابات وأعقبتها هو وضع الجمهورية في موقع حرج: إما أن تترك الأمور تتسيب كيفما شاء الغرب، وتتدهور كما يحلو للاستكبار فتفسد الأمور، ويحقق الغرب مأربه، وإما أن تلجأ حكومة الجمهورية والإسلامية إلجاءاً وتضطر إلى مواجهة الموقف بالقوّة، فينعكس ذلك على سمعتها في أوساط مختلف الجماهير، وتظهر وكأنّها دولة دكتاتورية لا تعرف الحوار، وتسد أبواب الحرية، وتضرب الشعب بلا رحمة. {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}(14).
لا تبعيض في الدين:
1. بين الحين والآخر تتجدد مطالبة البعض بإنزال أقسى العقوبة بمتهمي قضية كرزكان والمعامير، والأخذ بالقصاص.
ولابد من التنبيه على أن ثبوت حكم الشريعة أو القانون لا يثبت موضوعه، وما من قضية تثبت موضوعها في الفكر البشري؛ فقضية أن الخمر حرام لا تتكفل بإثبات أن هذا السائل بعينه خمر، وإنما تثبُتُ خمريته من خارج هذه القضية، ولا دخل لنفس القضية الكلية في هذا الإثبات، وليس لك أن تطبّق قضية “الخمر حرام” على هذا السائل الخارجي ما لم تثبت كونه خمرا لتقول بأن هذا السائل حرام.
2. والدين يقول بأن القتل العمد من غير حقّ حرام، ويقول لو حدث ذلك فرضاً ثبت القصاص. ولكن القصاص ممن لم يثبت أنه قتل فعلاً هو قتل عمد حرام يعاقب عليه بالقصاص.
إذا أقمت حدّ القصاص على رجل لم يثبت شرعاً أنّه قتل عمداً فأنت قاتل قتلا عمدا تستحق به القصاص.
3. وما يُثبِت أن فلانا ارتكب جريمة القتل العمد ليعاقب على جريمته وسائل محددة في الشريعة ما لم تتوفر فلا إثبات، والمتهم بريء شرعاً في هذه الحالة.
أما الإثبات عن طريق الاعتراف المأخوذ من المتهم تحت الإكراه فقيمته في الشريعة لا تزيد على الصفر، وتجميع بعض القرائن لو تم – وهو غير تام في المورد، بل القرائن وتناقضات التصريحات والدعاوى من الجانب الرسمي تبعّد الصدق عن الاتهام – فإنّه غير مجزٍ. فالحدود تدرأ بالشبهات.
وللقضاء الشرعي مقوّماته المعلومة التي لابد منها في اعتبار الحكم الصادر عن القاضي فإذا غاب منها شيء لم يكن اعتبار شرعي لهذا الحكم. لا يأتي أي واحد من الطريق ليحكم على قاتل بالقتل، الحكم على القاتل بأنه قَتَل، والحكم عليه بأن يُقتل لقضاء له مواصفاته الشرعية الخاصة.
وهذه المقوّمات مفقودة في مورد الكلام.
فالحكم بإدانة المتهمين في حادثي كرزكان والمعامير بما رموا به غير وارد حسب المقاييس الشرعية.
والمناداة بإنزال العقوبة الصارمة بالمتهمين وباسم الشريعة المقدَّسة ومقررات الدين، واحتراماً له مع اعتماد طرق إثبات غير شرعية هو أخذ ببعض الكتاب دون بعض، وتلاعب بالدّين، وهزؤ به، وافتراء عليه. وهذا من أكبر الموبقات {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}(15).
أما الوعد بتسوية الحكومة لقضية المتهمين المشار إليهم من ناحية ما سمّوه بالحق الخاص، فقد كان له، ولا شك في أنه كان. ولكن لا أدري ما الذي عطّل ما كان وعداً مقطوعاً؟! وإلى متى سيكون معطّلاً؟
أما ما قالوا عنه من حق عام فقد كان المتهمون مشمولين للعفو المتعلّق به كما هو واضح، وكان مصرّحاً به.
والحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا من له جنود السماوات والأرض، ولا يردّ نصره عدد ولا عُدَّة، ولا مذلّ لمن أعز، ولا معزّ لمن أذل انصر من هو الأصدق في دينك، والأقرب إليك على من سواه، وأيّد المؤمنين القاصدين مرضاتك، والمحامين حقّاً عن شريعتك بتأييدك، وادحر أعداءك وأعداءهم يا قوي يا عزيز. اللهم ثبّت قلوبنا على الإيمان، ولا تزل لنا قَدَماً عن طريق الجهاد في سبيلك، والصراط الموصل إليك يا رحمن يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(16).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 97/ الإسراء.
2 – 33/ غافر.
3 – 19/ النساء.
4 – 83/ البقرة.
5 – 90/ النحل.
6 – 36/ النساء.
7 – 8/ المائدة.
8 – 19/ النساء.
9 – 2/ الطلاق.
10 – 132/ طه.
11 – نهج البلاغة ص4 باب الحكم.
12 – بحار الأنوار ج71 ص167.
13 – ميزان الحكمة ج3 ص1979.
14 – 30/ الأنفال.
15 – 58/ البقرة.
16 – 90/ النحل.