خطبة الجمعة (370) 26 جمادي الأولى 1430هـ – 22 مايو 2009م
مواضيع الخطبة:
*الاستكبار.. نظرية قرآنية *أولاً: هذا بيانكم أم الناس كاذبون؟ *ثانياً: الزواج الجماعي *ثالثاً: من رجال الهدى والنور
المقترح أن يكون حفل الزواج الجماعي المعروف هذه الأيام مستهدفاً تحليل علاقة ما بين الطرفين من الرجل والمرأة شرعاً بعد حرمتها وذلك بأن يكون الحفل للعقد لا للزّفاف، فإن كل الزواج وحقيقته هي العقد. ومن تم عقده تم زواجه
الخطبة الأولى
الحمد لله خالق المكان والزّمان، ولا يحويه مكان ولا زمان، وهو مكيّف الكيف ولا يوصف بكيف، لا يُحدّ بحدٍّ، ولا يدركه نعت أحد. لا يعلم بكنههِ إلا هو، ولا يوصف إلا بما وصف به نفسه، ولا مالك من دونه لشيء من أمره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله ذي القوّة المتين، والذي لا حول ولا قوّة إلا به، ولا مدد للمخلوقين إلا من عنده، وكلّ أمر بيده.
وما أجدر بالإنسان، ومن كان مؤمناً بالأخصّ أن يتّعظ قبل فوات الأوان، وللموعظة أهل، ومن أبرز أهلها أمير المؤمنين عليه السلام الذي جاء من وعظه قوله المرويّ في النهج:”نَفَس المرء خطاه إلى أجله”(1) فما من نَفَسٍ يتنفّسه إنسان إلاّ وفَصَله بدرجة عن الدّنيا، وكان خطوة منه مقرِّبة للآخرة، وهو إما أن يذهب فارغاً هباء، وإمّا أن يُمرَّ محمّلاً بخير يلقاه صاحبه غداً ثواباً، أو مثقلاً بشرٍّ يوافيه فاعله عقابا.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم طيّب أنفاسنا ببذلها في طاعتك، والإخلاص في عبادتك، واستعمالها في ما يقرّب إليك، ويُنال به رضوانك.
الاستكبار.. نظرة قرآنية:
أما بعد فيقول سبحانه في كتابه العزيز:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(2).
المجتمعات البشريَّة فيها مستكبر ومستضعَف، ويعمل المستكبرون في المجتمعات المختلفة على بقاء هذا الانقسام دائماً حفاظاً على أغراضهم الأنانية الاستكبارية الاستئثارية الظالمة التي لا تتم إلا بامتصاص جهود الآخرين، وإضعافهم ليتم النهب والسلب ومصادرة الثروة والحقوق، وفرض الشروط والاستعباد والاستغلال للعامة من أبناء الشعوب والأمم في مأمن من ردّ الفعل المتكافئ مع قسوة الظلم ووطأة العذاب، وفي راحة تامّة للفئة المستكبرة بحيث لا يكدّرها مكدِّر من سبب من أسباب القوّة يكون بيد المستضعفين.
ومن دور الرسالات السماوية التوحيدية القضاء على هذا الانقسام الذي يفسد المجتمعات، ويحطّم حياتها، ويحرف الإنسانية عن خطّها الطبيعي القويم، وغايتها الكبرى التي بها تحقيق كمالها وسعادتها.
إن من دور الرسالات الإلهية في الأرض إنهاء ظاهرة الاستكبار التي تعني مضادة التوحيد، وعبودية الإنسان للإنسان، وسيادة الظلم والسوء والفحشاء، والانهيارات الخلقية، وسقوط القيم المعنوية الرفيعة، وعبثيّة الحياة.
ولا يخفى على الاستكبار والطاغوتية في الأرض ما تمثّله قضية التوحيد، والدين الحقّ من خطر هائل ماحق للاستكبار والمستكبرين، والطاغوتية والطغاة، ومن هنا ما إن تأتي رسالة سماوية ورسول من الله، أو تحيى دعوة إلى الدين الحقّ في أي ساحة من الساحات التي تشهد ظاهرة الاستكبار إلا واستنفرت الجبهة الاستكبارية كل طاقاتها في وجه الرسالة والرسول والرساليين.
والإعلام الكاذب، والدعاية الظالمة المضادّة من أول وسائل مواجهة الاستكبار للحقّ والتي تتبعها وتزامنها عند هذه الجبهة استمراراً كل الوسائل القذرة والمدمّرة الأخرى.
وقوله سبحانه {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} يتحدث عن موقف استكباريّ ثابت مناهض لحركة الرسالات الإلهية الحقّة في كل تاريخها الممتد البعيد بالدعاية المضادّة والإعلام السخيف، وإلا فكيف يكون كلّ أصحاب الرسالات السماوية بمطروحاتها الحقّة الرفيعة العلميّة العادلة الكريمة الهادية المربّية التي تَلْقَى رصيدها الكبير في العقل السليم، والقلب الطاهر، مع ما عليه أولئك الرسل الكرام من منزلة عالية لا تُجارى في العلم والوعي، والخلق والشرف، وحسن التدبير، والقدرة المتميّزة في القيادة كيف يكون أولئك من السحرة والمجانين وبصورة مستمرة دائمة؟! وقد تعجب لهذا الاتحاد في الموقف الاستكباري المناهض للرسالات في الأزمان المختلفة، والأماكن المتغيرة، والظروف المتبدلة، والأمم المتكثّرة، والثقافات المتباينة، وتتساءل عن الخلفية وراءه فهل هي وصية كل جماعة سابقة إلى الجماعة اللاحقة من جماعة المستكبرين بالمواجهة لكلمة التوحيد والعدل والإصلاح؟!
الآية الكريمة { أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} تعطي خلفية أخرى لهذه الظاهرة المستمرة ظاهرة مواجهة الاستكبار للرسالات الإلهية، وإحياء الرسالات، وهي الطاغوتية المشتركة المتغلغلة في عقلية ونفسية هؤلاء المنحرفين عن الخط الكوني الواحد العابد لله وحده، وتوهُّمُ الربوبية وحقِّها لأنفسهم التي لا يملكون من أمرها شيئاً.
فهذه هي الخلفية الأصل العميقة المشتركة بين كل فئات المستكبرين في كل مكان وزمان، ومن أي قومية كانوا، وأي شعار رفعوا.
والتصادم بين الطاغوتية والتوحيد قائم لا محالة في كل الساحات للتضاد الذاتي الذي لا يغيّره مكان ولا زمان، ولا يتأثر بتنوع الظروف.
التوحيد يعني أن لا طاعة في الأصل ولا عبودية على الإنسان لغير الله سبحانه، والطاغوتية تعني تفرُّد الطاغوت بحق الطاعة له على الناس، والتصرف فيهم كما يشاء.
ومن هنا يعادي الفكر الطاغوتي فكر التوحيد، ويباين شعور الطاغوتية الشعور الديني الحق، ويتعارض المنهجان، وتقوم الحرب أي لون من الحرب بينهما على مستوى الخارج وصياغة أوضاع الحياة.
فما يقوم عليه واقع المواجهة الاستكبارية المشتركة بين كل الطغاة لخطّ التوحيد والرسالات الإلهية والرسل والدعاة الحقيقيين للدين أعمق من مجرد تواصي هؤلاء الطغاة وأجيالهم بهذه المواجهة والإيحاء بها والتشجيع عليها، وإثارتها إعلاميّاً، والأخذ بها متابعة وتقليداً. وإن كان كل ذلك هو حاصل ثابت.
وإذا كان هذا هو واقع المستكبرين في عقليتهم المريضة، ونفسيتهم المنحرفة فالاستمرار في دعوتهم للحق وإذعانِهم له وقد تبين منهم الاستكبار والطاغوتية والإصرار والعناد والمكابرة بالباطل لا معنى له لأنه من تضييع الوقت والجهد بعد اليأس من النتيجة. وأمّا واجب التبليغ والدعوة إلى الحق ومحاولة إنقاذ الجاهل فيقف عند هذا الحد، وبالنسبة لهؤلاء ولا لوم على حملة الهدى عندما لاتقابل الدعوة الحقة إلا بزيادة من العناد. نعم لابد من الإعراض عن دعوة ليس فيها إلا تضييعُ الوقت والجهد، والنصبُ ولا تمثل إلا نوعاً من العبث الذي تتنزّه عنه الرسل والرسالات {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ}.
وهذا لا يعني التوقف النهائي عن الدعوة والتبليغ في الأرض لأن فريقا آخر في الناس ممن لهم قلوب فاقهة باحثة عن الحق، وأرواح منفتحة مقبلة عليه، وعقول فاكرة تنفعل بالبرهان، وتستوعب الدليل، ونفوس مستعدة لتحمل مسؤولية الدين وقضاياه وتكاليفه من حقهم أن يصلهم صوت الدعوة، وكلمة التبليغ، وهدايات الوحي، وأنوار السماء ليسعدوا بها، ويبلغوا غاياتهم في الكمال.
هذا الفريق من المؤمنين، ومن لهم قابلية الإيمان لابد أن تنصبّ عليه عناية الدعوة والتبليغ والتذكير والموعظة والتربية، وأن يُخاطَب منه عقله وقلبه وضميره وإرادته، ومشاعره، لاستخراج طيّب مكنونه، ونافع مخزونه الإنساني، وما يمكن أن تتفجر عنه ذاته من عطاءات كريمة، وإثراءات جليلة لمسيرة الحياة، وقضية الإيمان لسعادة هذه الذات، والذوات المماثلة {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اغفر لوالدينا ومن يهمّنا أمره، ومن احسن لنا من أهل الايمان والاسلام.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا ممن يسمع القول فيأخذ بأحسنه، ويستجيب للحق، ولا يستكبر عليه، وينتفع بالموعظة ولا يُعرض عنها. واجعلنا ربّنا من حملة دينك، والداعين إلى صراطك، والمهتدين بهدى أنبيائك ورسلك وأوصياء رسلك وأوليائك، واكفنا أن تزلّ بنا القدم في المسير إليك عن رضاك يا أرحم من كل رحيم، ويا أعلم من كل عليم، ويا أكرم من كل كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
الخطبة الثانية
الحمد لله المنزّه عن التحديد والتجسيم، والتمثيل والتشبيه، الذي لا مضادّ له، ولا منازع، ولا شريك، المالك لأمر كلّ شيء، ولا يملك من أمره شيء شيئاً، وهو الفعّال لما يريد.
أشهد أن لا إلا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
علينا عباد الله – ونحن خلقُه وتحت يده، ولا مَفرّ لنا من ملكه، ولا منقذ لنا من أخذه، وهو ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل خير، وساتر كل عيب، والمرجوّ لكلّ شدّة – بتقوى الله التي ما فرّط فيها مفرِّط إلاّ وخسر من قيمة إنسانيته بقدر ما فرّط، وبَعُد عن رحمة ربّه بقدر ما تهاون، وأصابه من الشقاء بقدر ما استكبر وطغى.
ألا وإنّه لحقيق بهذا الإنسان وهو يطلب الخير لنفسه، ويدرأ عنها الشر أن لا يصرفه عن طاعة ربّه صارف، ولا يلهيه عن عبادته ملهٍ، ولا يصدّه عن ذكره ذكر، وأن تكون تقواه لله دائمة، واسترضاؤه له سبحانه قائماً ثابتاً.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
واجعل الطاعة لك، والعبادة الخالصة دأبنا، وتقواك من الدنيا زادنا، والخروج من الدنيا في مرضاتك خاتمتنا يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد الصادق الأمين خاتم النبيين والمرسلين، وصل وسلم على أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهداة الميامين المعصومين؛ أئمة الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً مقيماً.
أما بعد فهذه بعض كلمات:
أولاً: هذا بيانكم أم النّاس كاذبون؟
في الوسط العدد 2437 السبت 9 مايو 2009م الموافق 13 جمادى الأولى 1430هـ بيانٌ من وزارة الداخلية:
(صرح القائم بأعمال مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية بأن “المديرية تلقت بلاغاً من غرفة المراقبة الرئيسية عن تعرض مواطن لجناية السرقة بالإكراه مساء أمس الأول (الخميس) من قبل مجموعة مجهولة بهدف السرقة).
وأوضح أن (المواطن أثناء ذهابه إلى أحد المطاعم بمنطقة جدحفص في الساعة 8:45 مساءً اعترضت طريقه سيارتان وقامتا بمحاصرته حيث نزل 3 أشخاص من إحدى السيارتين وقاموا بضربه ثم اقتادوه بسيارتهم إلى مكان غير معروف لديه بعد أن قاموا بعصب عينيه ثم انهالوا عليه ضربا حتى فقد الوعي ثم سرقوا هاتفه النقال وبعدها ألقوه خلف مجمع الهاشمي بمنطقة جدحفص، حيث تم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج) إلى آخر الخبر.
ونصيب المضروب من الخبر في هذا البيان كما في تكملته هو أنه نفى معرفته بضاربه، أما كل الخبر فهو خبر من الجهة الرسمية معتمداً لديها.
وقد امتلأ الأسبوع المنصرم بكثير من الكلام الغثاء، والهراء الظالم، العدواني، الشرس، المليء بغضا وكرها لكل من ناقش هذا البيان.
صحف الوزارة، وكتاب الوزارة كلّهم شاركوا في حملة عدوانيَّة وكأن البلد قد دخلت حرباً فعليّة. هذا مزاج، هذا صدر ضيّق، صدر موغور. ربما كانت الكلمات علمية من بعض التي ناقشت الخبر فأوجعت كل هؤلاء.
أقول:
هل من نسب هذا البيان إلى الداخلية ونظر فيه بما هو صادر عنها قد تجاوز موازين العدل والقسط وكان اعتماده على الإشاعات والأكاذيب والأراجيف كما قالت الداخلية نفسها؟! وهل كل من قال كلمة حق أو ناقش خطأ من أخطاء أي وزارة يريد حرق البلد، وزلزلة أمنه، وإدخاله في نفق الفوضى؟!
الخطاب للداخلية، لصحف الداخلية، لكتّاب الدخلية: عجباً كيف ترضون لأنفسكم أن تقولوا عمن اعتمدوا بياناً صادراً منكم موثّقاً أنّهم اعتمدوا على خبر فاسق؟! الاعتماد كان على بيان رسمي صادر من هذه الجهة بالتحديد ولم يكن بالاعتماد على أي خبر لا على إشاعات ولا على دعايات. كيف تقول عن الاعتماد على خبر صادر من الوزارة نفسها أنه اعتماد على خبر فاسق؟! هذا من الوقوع في (المطبّات).
أما اعتماد أسلوبين في التعامل مع الحوادث المتعلّقة بأمن الدولة، والحوادث المتصلة بأمن المواطن العادي فهو أمر لا غبار عليه ولا يمكن إنكاره، فأي حادث من النوع الأول وهي الحوادث المتصلة بأمن الدولة لم تقولوا بأنكم وضعتم يدكم فيه على الجناة، ولم توقفوا الكثير أياماً وليالي عديدة ليتم لكم ما تريدون من اعترافات تحت الظروف الخاصة؟!
هل هناك حدث أمني فيما يتصل بأمن الدولة فيما تقولون قد فاتكم رصده ولم تضعوا يدكم على من دخل فيه كما تدعون؟
وأمّا بالنسبة للنوع الثاني – حوادث أمن المواطن العادي – فيسأل: ما مصير السرقات المتكثّرة المتكررة، وكم هم الذين عثر عليهم فيها وعوقبوا بسببها؟
وما الخبر عن فاطمة التي اختفت منذ نهاية فبراير 2002 وتبلغ من العمر 11 عاما؟ وأين الطفل بدر جواد حسين ومن كان وراء اختطافه، وهو طفل بريء عمره يوم اختطافه سنتان ونصف، والاختطاف منذ شهر 7/2007؟ وتحت يد من كانت وفاة سعيد الإسكافي بالتعذيب وا لذي كان استشهاده بتاريخ 6/7/1995م، وماذا نال قاتله؟ أنال قاتله عقاب؟ من هو قاتله؟ أناله قصاص أو حصل على تكريم وجائزة؟! أما القصاص فلا.
وما شأن مقتل نوح خليل آل نوح والمستشهد في السجن تحت وطأة التعذيب بتاريخ 21/7/1998م؟
وإلى أين وصل التحقيق في مقتل عباس علي سلمان الشاخوري بالرصاص في مارس 2007 في مكان معروف فيه مراقبة الكترونية دقيقة لما يجري فيه؟
أنا أعتذر لكم أيتها الداخلية، يا صحف الداخلية، يا كتّاب الداخلية، فلكم أن تقولوا أن المسألة مسألة حظ ونصيب موفّق دائما في الكشف عن ملابسات نوع من الحوادث، ومتعثر وخائب في الكشف عن ملابسات نوع آخر. لكم أن تقولوا ذلك وعلينا التسليم وكما تشتهون ويريحكم. ولنغلق العقول، ولنكمّم الأفواه.
وعن قيمة أخباركم وبياناتكم أذكّر برواياتكم المتضاربة في حادثة أصغر علي والاضطراب المفضوح في إخراج مهزلة الحجيرة ولا تخلو ذاكرة المواطن من أمثلة أخرى من هذا النوع.
ثانياً: الزواج الجماعي:
الزواج سنّة من السنن المؤكّدة في الإسلام، ولا تدوم أمة، ولا بقاء للناس لو عطل التزاوج.
وظاهرة التزويج الجماعي الذي يُعين فيه القادر العاجز على قضاء حاجة من حاجاته الملحّة، ويحي بذلك سنة مهمة من سنن الإسلام من أوضح القربات.
وينبغي التنبيه هنا على أمور قد تساعد على إنجاح هذه الظاهرة بدرجة أكبر، وتخلصها من بعض نقاط الضعف:
1. يوجد في مسألة التزويج العقد والزّفاف، والعقد هو المهم وهو وحده المحلل لما بين الزوجين من علاقة خاصة، وهو ما تترتب عليه الزوجية الشرعية بما ينشأ عنها من حقوق وواجبات، فالعقد هو كل شيء في تحقق الزواج، وأما الزفاف فهو مظهر من المظاهر التي وردت شرعاً وبضوابط وفيه فائدة الإشهار والتزويج لهذه السُنَّة وفرحة الزوجين باهتمام المجتمع بهما. ولكنه لا يمثل ضرورة، ولا يأخذ صِفَةَ الوجوب بأي حال من الأحوال.
فأمامنا مظهر، وأمامنا لب، واللب هو العقد، والزفاف هو المظهر الذي يمكن أن يُستغنى عَنّه، فأين يكون الإنفاق؟ أيكون الإنفاق على العقد، أم يكون الإنفاق على الزفاف؟
وما ينبغي أن يهتم به المجتمع كثيراً أن يحلّ شرعاً ما حرّم الله بين الأجنبي والأجنبية من علاقة خاصة، وهذا إنما يكون بالعقد.
وعليه فالمقترح أن يكون حفل الزواج الجماعي المعروف هذه الأيام مستهدفاً تحليل علاقة ما بين الطرفين من الرجل والمرأة شرعاً بعد حرمتها وذلك بأن يكون الحفل للعقد لا للزّفاف، فإن كل الزواج وحقيقته هي العقد. ومن تمَّ عقدُه تم زواجه.
وتبقى مسألة الدخول ومن الحسن أن تكون في ليلة العقد، ومن تأخر بها فإن قدر على الوليمة فليفعل وإن لم يقدر فلا ضرورة لذلك ولا يعاب بعدمه. وقد تم الإشهار من خلال حفلة العقد.
2. حتى يمكن تزويج أكبر عدد تطاله القدرة المالية المتاحة للجهة المشاركة في حفل العقد بالإسهام في المهور أو متطلبات الحفل تُعطى المساعدة لمن هو محتاج حقّاً والذي لا يجد مالاً آخر يصرفه بتزيد في جوانب غير ذات أهمية أو غير مقبولة شرعاً مما يتعلق بموضوع الزواج. أن يكون عند الأخ ألف دينار، ألف وخمسمائة دنيار يضعها في ما لا أهمية له، ثم يعتمد على المساعدة من ناحية المال؛ هذا غير صحيح.
3. لا سرف في حفلات التزويج، وعرفت من بعض الصناديق الخيرية أنه لزواج جماعي في قريتهم دعوا كل البحرين. هذا لا داعي له، أنت تجمع المال من هنا وهناك من المؤمنين، هذا المال يجب أن يوضع في الضرورات، وفي ما يجدي أكثر، لم هذا الاستنفار العام؟ لا نحتاج إلى الاستنفار العام، والإنفاق الباذخ من أجل حفلة زواج. إطعام وبسخاء ولكن بلا إسراف.
هذا المال الذي تضعه في دعوة أهل البحرين كلهم في الزواج زوّج به عشرة آخرين، زوج به عشرين آخرين. هذا هو المهم فلنركز عليه. وما أكثر ما نحتاجه من الرشد في مسائل الإنفاق.
4. حبّذا جداً لو يكون هناك حفل تزويج موحّد نسوي كما هو الرجالي، للاقتصاد، ولضبط الحفل ضبطاً شرعيّاً.
5. الأخذ بالحد الشرعي في حفلات الزواج الخاصة والعامة، والحفاظ على الشرف والعفة، وعدم فتح المجال لتسلل المحرّمات، والتدهور الخلقي، وسقوط الحياء إلى الأوساط الملتزمة بأي عنوان من العناوين.
وإنّه ليؤمل من الصناديق الخيرية وكل المؤسسات التي تحتضن ظاهرة الزواج الجماعي وتشارك فيه أن تجتمع كلمتها على ترشيد هذه الظاهرة الطيّبة وتهذيبها من اللواحق والشوائب المؤثرة عليها سلباً، أو التي تقلل من دورها في استيعاب أكبر عدد ممكن ممن يحتاجون إلى المساعدة في التزويج، وأن تثبّت ضوابط شرعية وأخلاقية وموضوعية تخدم هذه الظاهرة، وتعطي لها أكبر فائدة مرجوّة، وتضعها في إطارها الصالح الكريم، وتحميها من تسللات غير مرضية، وغير نافعة، وتبتعد بها عن روح التواكل والاستغلال غير اللائق.
6. الحفاظ على كرامة الداخلين في حفل التزويج الجماعي بأشد صورة ممكنة، فلا يكون بذل المال فيه ثلمة لشرف هؤلاء الشباب الكرام الذين يضمهم الحفل الجماعي.
ثالثاً: من رجال الهدى والنّور:
رحم الله راحلنا العزيز سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجت، وأجزل ثوابه، وعظّم الأجر بفقده لإمام العصر (عجل الله فرجه) وللفقهاء من أمثاله والعلماء وأبناء أمّة الإيمان. وإن ربنا لهو الجواد الكريم.
كان الراحل العزيز مثال علم وإيمان وورع وتقوى، ومعرفة وتعلّق بالله سبحانه، وانصراف عن الدنيا كما عليه شهادة المؤمنين من أهل المعرفة القريبة منه.
وهذا النوع من الرجال جذّابون للأفئدة والأرواح الباحثة عن جمال المعنى الخالد، وهذه الأفئدة والأرواح هي التي تعرف لذلك المستوى من الناس عظمتهم المتمثلة في درجة عبوديتهم الصادقة للعظيم الأعظم تبارك وتعالى لما لها من صفاء روحي، وذائقة إيمانية، ونصيب مما لأولئك من نور مفاض على أرواحهم من الكريم الأكرم، نراهم دائما يعدون أنفسهم لاستقباله بمجاهدة صادقة دؤوب، ومواجهة للنفس لا هوادة فيها.
وشتان بين زاد بدنٍ طيب، وزاد بدنٍ خبيث فيما يحصل للبدن منهما من صحة وَسَقَم. وشتان بين زاد روحٍ طيب من عبادة وذكر وتطهُّر وتزكية، وزاد روحٍ خبيث من عصيان وطغيان وفسوق وفجور فيما ينعكس على الروح منهما نوراً أو ظلمة، جمالاً أو قبحا، هدى أو عتمةً من ضلال.
ولذلك يكون لأهل المجاهدة، والسير الصادق إلى الله عز وجل بالتزام طريق العبودية إليه سبحانه في مختلف أبعاد الذات ما يشعر الآخرون من أهل الاستعداد على اختلاف مراتبهم بالحاجة إلى التهافت عليه، والاستضاءة به.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا حاجتنا إليك لا تنقطع فلا تقطع عنّا رحمتك، وأكفّنا إليك ممدودة فلا تردها خائبة، ورجاؤنا فيك لا ينقضي فحقق فيك بالخير رجاءنا، ربنا ولا ثقة لنا بمن سواك، فلا تكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى شيء من خلقك طرفة عين أبدا، وأصدق فيك ثقتنا، يا من لا تكذب الثقة فيه من جهته، ولا يبلغ إحسانه إحسان، ولا جود كجوده، يا من هو على كل شيء قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – نهج البلاغة ج4 ص16
2 – 52، 53، 54، 55/ الذاريات.
3 – 90/ النحل.