خطبة الجمعة (358) 1 ربيع الأول 1430هـ – 27 فبراير 2009م
مواضيع الخطبة:
*متابعة (الإخوة الإيمانية) *العدل والظلم
حتّى لا يخسر هذا الوطن أكثر مما خسر، ولا يتبعثر أكثر مما تبعثر، ولا يأتي عليه الطوفان لابد من عودة إلى دين وعقل وعدل؛ والثلاثة من أصل واحد، وجذر متّحد، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا ينتهي حمده، ولا ينقضي ثناؤه، ولا يخرج أحد من واجب شكره، ولا يستحقّ عليه أحد نعمة ولا شكرا. وكل إنعامه إحسان، وثوابه رحمة، وشكره على الطّاعة تفضّل. لا يعدل إحسانه إحسان، ولا يرتقي إلى ثوابه ثواب، ولا يدنو من شكره شكر الشاكرين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم ونفسي نحن عبيد الله المحاويج إليه بتقواه؛ فإنَّها المقرّبة إليه، والوسيلة إلى رحمته ورضوانه، ومن يستكبر فهو من الهالكين.
ومن حدّثته نفسه بمعصية الله فليسألها عن قوة تحتمي بها من غضبه، وعن رزق تحيا به غير رزقه، وعن حياة تأتيها على غير يده، وعن كون يحتضنها دون كونه؛ فإن أُفحمت، ولابد أن تُفحم، فليقل لها اخسئي، وادخلي في طاعة الله وعبادته.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل قلوبنا عارفة بك، منصرفة إليك، مستغنية بك، مشغولة بذكرك، مهديّة بهداك، مستقيمة على طريقك، آخذة بما يرضيك، مفارقة لما يغضبك، يسرّها ما يسرّ أولياءك، ويؤذيها ما يؤذي أحبّاءك يا رحمن يا رحيم، يا كريم يا متفضّل.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات فلنرجع مرة أخرى إلى حديث العلاقة بين المؤمنين وحقّ المؤمن على أخيه المؤمن في الإسلام على ما جاءت به النصوص عن المعصومين عليهم السلام.
الإخوّة الإيمانية: متابعة:
“عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل رجل فسلّم، فسأله كيف من خلّفت من إخوانك؟ قال: فأحسن الثناء وزكّى وأطرى(1)، فقال له: كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم(2)؟ فقال: قليلة، قال: وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم(3)؟ قال: قليلة، قال: فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟ فقال: إنك لتذكر أخلاقاً قلّ ما هي فيمن عندنا، قال: فقال: كيف تزعم أن هؤلاء شيعة”(4).
الحديث واضح، وعلينا أن نقيس أنفسنا إلى ما يريده الإمام عليه السلام منّا، وما يعنيه أهل البيت عليهم السلام من معنى الشيعة والتشيّع.
علينا أن نتعلم أن على المؤمنين الأخذ بالتعاون والتراحم وتذويب الطبقية الاجتماعية ليبنوا من وجودهم صفّاً متيناً قويّ البناء ليعمّ هذا البناء كلّ مسلم، وكل مسلمة، ويكون المجتمع المسلم القويّ الواحد بشيعيه وسنيه، وكلما علت مرتبة الإسلام والإيمان عظُم الحقّ.
“عن أحمد بن النضر، عن أبي إسماعيل قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك إن الشيعة عندنا كثير فقال: {فـ} هل يعطف الغني على الفقير؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسيء؟ ويتواسون؟ فقلت: لا، فقال ليس هؤلاء شيعة، الشيعة من يفعل هذا”(5).
وأظنّنا أننا استبدلنا عن هذا السبّ والشتم والتجريح، وأن يأكل أحدنا من لحم الآخر، ويحاول دائماً أن يسقطه.
“قال أبو جعفر (عليه السلام): أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت: ما أعرف ذلك فينا(6)، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فلا شيء إذاً(7)، قلت: فالهلاك إذاً(8)، فقال: إن القوم لم يعطوا أحلامهم بعد”(9).
لم تنبنِ عقولهم، يعني قومنا بلا عقول تدرك الحقيقة، وتتجاوز عن صغائر الدنيا وتفاهاتها، ويمتدّ بها النظر إلى كرامات الله.
وكيف يدخل شخص يده في جيب أخيه يأخذ منه ما يريد؟ عن عدوانية؟ عن غشّ؟ عن اختلاس؟ لا، إنها الروح الطاهرة التي لا يحتمل صاحب الجيب فيها شيئا من ذلك، لِمَ يستقبل الطرف الآخر هذا بالترحاب؟ لأنه يدرك من أخيه أنه فوق كل الدنيا، فوق أن تغريه الدنيا فضلاً عن شيء بسيط من المال من جيب صاحبه. إنه يدرك أنها إما الحاجة وإما لطيفة من لطائف الإخوان مع بعضهم البعض، إنه يدرك من أخيه الثقة التامّة في صاحب الجيب، ويدرك من أخيه رفعة خلقه، وأنّه على شعور واحد معه في التنزّه عن قذارات الدنيا.
“عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه ويحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل:{رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}(10) متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)”(11).
يريد الإمام عليه السلام أن يقول أن هذا الخلق الذي أحدثّكم عنه ليس أسطورة، وليس من الخيال، إنه الواقع الذي جُسّد على الأرض في يوم من الأيام في ظلّ التربية الإيمانية الصادقة.
تعرفون المؤاخاة في المدينة وما ترتّب عليها من سلوك بين المؤمنين في مقاسمة الأموال والمساكن وحتّى من كانت عنده زوجتان منهم من خيّر صاحبه في إحداهما، وطلّق من يحب صاحبه منهما، خلقاً ودينا من أجله. وإن لم يكن هذا التخيير فقد جاءت الأخبار أن منهم من طلّق إحدى حليلتيه لصالح أخيه ليتزوجها لشحّ النساء يوم ذاك.
“سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأصحابه: اتقوا الله وكونوا إخوة بررة، متحابين في الله، متواصلين، متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه”(12).
وبلا إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام الذي هو أمر القرآن والإسلام لا يمكن أن يكون هذا التواصل والتحابّ والتفاني في خدمة الآخر.
“عن أبي عبيدة قال: كنت زميل أبي جعفر (عليه السلام) وكنت أبدأ بالركوب، ثم يركب هو فإذا استوينا سلم وساءل مساءلة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح(13)، قال: وكان إذا نزل نزل قبلي فإذا استويت أنا وهو على الأرض سلم وساءل مساءلة من لا عهد له بصاحبه، فقلت: يا ابن رسول الله إنك لتفعل شيئاً ما يفعله أحد من قبلنا وإن فعل مرة فكثير(14)، فقال: أما علمت ما في المصافحة، إن المؤمنين يلتقيان، فيصافح أحدهما صاحبه، فلا تزال الذنوب تتحات(15) عنهما كما يتحات الورق عن الشجر، والله ينظر إليها حتى يفترقا”(16).
تتحات الذنوب لأنها مصافحة صادقة، مخلصة، صادرة عن حبّ داخلي قائم على صلة الإيمان الصادق، ومنطلق من حب الله سبحانه، وليست مصافحة خداع أو مجاملة كاذبة. ونظر الله إليهما حتى يفترقا. وهو نظر رحمة وعناية ولطف.
“عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة وإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه(17)، ثم باهى بهما الملائكة، فيقول: انظروا إلى عَبْدَيَّ تزاورا وتحابا فيَّ، حق عليَّ ألا أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف، فإذا انصرف شيعه الملائكة عدد نفسه(18) وخطاه وكلامه، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق(19) الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب وإن كان المزور يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور كان له مثل أجره”(20).
لا يُستعظم ذلك كلّه على الإخلاص، وعلى كرم الله. لحظة إخلاص وانشداد صادق من الروح بالله ترتفع بها مسافات معنوية هائلة لا نستطيع تقديرها، وإذا انضمّ إلى ذلك كرم الله غير المحدود لا يكون استغراب ولا استكثار على هذا الموعود من الله سبحانه.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح شأننا كلّه، واهدنا نهجك القويم، وبلّغنا الغاية التي ترضاها، والكرامة التي خصصت بها عبادك الصالحين، والمنزلة الرفيعة التي ادّخرتها لهم يوم الدين، واكفنا سوء القصد، وشتات الأمر، واتباع غير الحقّ، وضياع الدّين، وخسارة المنقلب.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
الخطبة الثاني
الحمد لله ذي العظمة الظاهرة، والقدرة القاهرة، والعزِّ الأعزّ، والجبروت الأعلى، والملك الدائم، والسلطان القائم، الأول الذي لا أوّل له، والآخِر الذي لا آخِر له، وهو حي لا يموت، وليس مثله أحد أبداً أبداً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
عباد الله ألا فلنتّق الله فإنّه أهل التقوى حيث لا إله غيره، ولا ربّ سواه، ولا خلق، ولا رزق، ولا نفع، ولا ضر إلا بيده، ومن تقوى الله أن يُعرف لكلّ ذي حقّ حقُّه فيوفّاه، ولا يُبخسه كان حق مادة أو معنى فإن ظلم العباد مما يسخط الله، ويسيء إلى دينه، ويفسد على النّاس الحياة، ويضعها على غير الطريق، ولئن كان الظلم في قضايا المادة وشؤونها قبيحاً وخسائره فادحة، فإن الظلم الذي قد يصاب به الناس في المعنى أشدّ قبحا، وأفدح خسائر، – ظلم رجل واحد في تاريخ الإسلام سحابة مأساته امتدّت إلى قرون – وكم يكون في فصل المجتمعات عن خط الرسالات الإلهية، وفي التقديم والتأخير غير العادل من كوارث كبرى تلحق بهذه المجتمعات في مصالح دنياها، وفي إنسانيتها، وكرامتها، ويوم المصير؟!
اللهم إنا نعوذ بك من اتباع الهوى، والقول بغير الحق، ومن أن ننال ولو من عدوّ ظلماً، وأن نرتكب في حقّه إثما. اللهم إنا نعوذ بك من أن نظلم أو نُظلم، أو نضل أو يُضلّ بنا، أو نجهل أو يُجهل علينا، ومن استعاذ بك أُعيذ، ومن استغاث بك أُغيث، ومن استكفاك كُفي يا قدير لا يشبهه قدير، ويا جواد لا جود كجوده.
اللهم صل على محمد حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين، الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الهادين المعصومين أئمة المسلمين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات الأعزاء فإلى هذه الكلمة:
العدل والظلم:
من العدل إيفاء كل ذي حقٍّ حقّه، والمعرفة لكل ذي مقام مقامه، ولكل ذي قدر قدره، ومن العدل المساواة حيث تتساوى الموضوعات والقضايا والأشخاص، ومن العدل الأخذ بالفرق الذي تقتضيه حيث تتفاوت.
وإنقاص الحق ظلم، وحطّ الأقدار ظلم، والتفريق في موضع المساواة ظلم، وبعضُ المساواة ظلم، والتقديم والتأخير على خلاف مقتضياتِهما الذاتية ظلم، ومن أبشع الظلم.
ولا يدوم حكم بظلم، وما بقي دمَّر وأفسد، ولا يهدم عدل حكما، وما بقي العدل عمّر وأصلح، وما قامت السماوات والأرض، وما بقيتا كذلك إلا بالعدل، ولو دخلهما الظلم وحاشا لما كانت أرض ولا سماء ولا شيء.
ولا يتدارك أمر الأمم والأوطان كالإقلاع عن الظلم، والرجوع إلى العدل.
فحتّى لا يخسر هذا الوطن أكثر مما خسر، ولا يتبعثر أكثر مما تبعثر، ولا يأتي عليه الطوفان لابد من عودة إلى دين وعقل وعدل؛ والثلاثة من أصل واحد، وجذر متّحد، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
والأخذ بالظلم، والبقاء عليه مكابرةٌ لقانون من قوانين الله، وسنة من سننه التي يقوم عليها الاجتماع الصالح، ومع طول هذه المكابرة يحدث زلزال اجتماعي مدمٍّر يفزع لهوله الصغير والكبير، وتسقط رواسٍ، وتندكّ جبال مما بنته الحضارات، وبذلت فيه المجتمعات أعمارها الطويلة، وتُنسف أوضاع، وتبدّل وجوه، وتنخفض مرتفعات، وترتفع منخفضات.
ثم لنسأل: ماذا تريد الحكومات من الشعوب؟ وماذا تريد الشعوب من الحكومات؟
كل الحكومات يهمّها أمنها، وقد يهمها أمن شعوبها، وقد لا يهمها إذا كان لا يؤثر على أمنها، وقد تستهدفه بالإضرار وإن لم يسلبها أمنها وكثيرا ما كان ذلك. ونادر أن توجد اليوم حكومة تقدّم أمن شعبها على أمنها، أو لا أن لا ترى لها أمناً إلا من أمن شعبها، وأن تضحّي بأمنها من أجل أمنه فلا تبيعه لتبقى، ولا تذلّه لتعزّ به ولو عند أعدائه.
وأمن الحكومة في البحرين غير مستهدف من الشعب، ولا تعرّض على مستوى الجدّ في كل مطروحات الساحة لأصل النظام. وكل الممارسات الاحتجاجيّة تتجه إلى التنديد بعدد من المواقف والسياسات الحكومية الظالمة.
وكل ذلك ما كان ليوجد لولا تلك المواقف والسياسات، ولا يتوقع أبداً أن يستمر شيء منه إذا اتجهت الأوضاع إلى الإصلاح، وحصل التراضي على صيغة للعلاقات بين الطرفين.
ويهم الحكومات أن تطبّق القوانين التي تشرف على تطبيقها. ويأتي هنا أمران يقوم عليهما تطبيق الشعوب للقوانين؛ الأول الرضى الشعبي بالجهة المقنّنة، وهي إمّا شريعة سماوية عند أهل الأديان، أو مجلس نيابي عند العرف الديموقراطي المنتشر اليوم. ولا تسليم من الشعوب اليوم للقوانين التي تسنّها الجهة التنفيذية أو المجالس التشريعية التي تتحكم هي في تشكيلها. والثاني مما يقوم عليه تطبيق القوانين من الشعوب بإيمان هو أن تأتي هذه القوانين مقدورة ولا تؤدي إلى حرج شديد.
ومعروف أنه إذا أردت أن لا تُطاع فكلّف بما لا يطاق.
فالحكومة التي تضع على كلّ طريق من طرق الخير، وكل طريق من طرق النمو الصالح، والكسب الشريف، والتعبير العادل، والتفاهم المنتج إشارة حمراء، وقانوناً قاسياً تحوّل طاعة مجموعة القوانين إلى أمر صعب وشبه مستحيل، وفي هذا سبب اصطدام وفوضى لا انضباط فضلا عن الانسجام.
بهذا يحصل تصادم المصالح وتصادم الإرادات، وتكون الخصومة والنزاع بين أي شعب وأيّ حكومة لا تملك قوانينها الشرعية في نظر الشعب لفقد التوافق على قضية التشريع، ولكون القوانين المشدّدة المضيّقة واصلة إلى حد خنق الأنفاس والمصالح.
ويأتي دور السؤال الثاني: ماذا تريد الشعوب من الحكومات؟
تريدها وكيلا أمينا عادلا على الثروة في كل مراحل الحفظ والتوزيع الأولي والاستثمار، وتوزيع الإنتاج، والتوظيف للمال العام في الصالح العام، وتنمية الشعوب التنمية الشاملة.
يريد الشعب من الحكومة أن تكون راعية لمصالح دينه ودنياه وإنسانيته وحضارته وانتمائه وقناعاته.
ويريدها قبل ذلك حكومة موافقاً عليها، وموافقا على الدستور والقانون اللّذين يمثلان المصدر الذي يصار إليه في الاحتكام عند مرجع حيادي يحكّم الدستور والقانون اللذين رضي بهما الطرفان.
وحين يُفتقد المرجع التشريعي المتّفق عليه تكون الحالة السائدة هي الخلاف والنزاع والصراع.
وحين يتم خروج السياسات العملية أو القوانين وما يقوم مقامها أو اللوائح الداخلية والتعليمات على صورة ما اتّفق عليه من دستور ونظام فهذا يعني التأسيس لحالة الخلاف والنزاع والصراع.
وحين لا تكون مرجعية حيادية يُحتكم إليها في الخلاف على مؤدّى الدستور والقانون، ويكون الحكم للقوّة لا يكون إلا خلاف ونزاع وصراع.
وحين تسدّ عند الاختلاف أبواب الحوار ويكون التفعيل لمنطق القوة والبطش فالمؤدّى هو استمرار النزاع والصراع وتفاقمه وتصاعده واتساع رقعته.
وكل هذا يفيد أن الحكومة بيدها الحل ومفتاح الأمن والاستقرار وتوحيد الجهود للإنتاج النافع والتقدم الإيجابي، وبيدها أن تلهب الساحة، وترهق الوطن، وتدفع به إلى خسائر عظام.
خذوا مثالاً: إلى أين تصير شركة تجارية تأسست على يد أشقاء من أب وأم ولكن بلا نظام صحيح، وبلا توزيع عادل متفق عليه، إلى أين تصير هذه الشركة في نفسها وبالأشقاء؟ وكيف لو ألغى القوي من الإخوة نظام الشركة واستأثر ونهب وألغى مصلحة أشقائه من الحساب؟ وكيف لو استخدم أرباح الشركة في تهميش البقية وسحق كرامتهم؟ هل ستبقى الشركة قائمة؟ وهل سيبقى الأشقاء من ناحية التعامل الخارجي، ومن ناحية ما في القلوب أشقاء؟ لن يكون ذلك.
وليست العلاقة بين الشعوب والحكومات السائدة علاقة متدينين برسول من رسل الله. هي علاقة دنيوية مصلحية في الأكثر، وما العلاقة بين الشعوب والحكومات السائدة بأوثق وأمتن ولا أشد حرمة وأقوى سببا من العلاقة في الشركة التي ضُربت مثالاً، وهي علاقة بين أشقاء، وواحدة من أمتن العلاقات وأشدها رباطاً وسبباً.
وهذه الرابطة الأكيدة المتينة القوية لا تصمد قوتها ومتانتها ومقاومتها أمام هزّات الظلم والاستئثار والإهانة التي يمارسها عضو الشركة وهو واحد من أشقاء في حقّ أشقائه وأحبته.
فلا بد لمنطق الظلم والاستئثار والإلغاء والإهانة برغم كل شيء أن يخلق العداوة والبغضاء، ويهدم الشركة، ويؤدي إلى الاحتراب.
ألا فاعتبروا يا أولي الألباب.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واكشف كروبنا وهمومنا وغمومنا، وأخرجنا من أمراضنا وأسقامنا، وادرأ عنا، وفك قيد أسرانا وسجنائنا في كل مكان، وانصر دينك وأهل ولايتك، واهزم أهل مناوئتك وعداوتك إنك فعّال لما تشاء يا عليّ يا قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الرجل أطرى إخوانه وأصحابه للإمام عليه السلام، والإطراء التجاوز في الثناء كما في الكافي.
2 – هل يعودون عليهم بعطاء مجزٍ كافٍ، بصلة؟
3 – زيارة، غشيان بيت، إلخ.
4 – شرح أصول الكافي ج9 ص47.
5 – المصدر ص48.
6 – هذا خلق بعيد عن مسلكنا.
7 – ما عندكم من التشيع شيء. بنيتكم ليست بنية قرآنية، الخلق ليس خلق أهل البيت عليهم السلام.
8 – إذا لم يكن خلق إسلامي متين، ورؤية إسلامية، ومشاعر إسلامية إيمانية تبني أخوّة متينة فالهلاك إذاً في دنياكم قبل أخراكم.
9 – المصدر ص48.
10 – 29 الفتح.
11 -المصدر ص49.
12 – المصدر ص51.
13 – في اللحظة السابقة كانا معاً قائمين على ظهر الأرض، فما استويا على الدابة حتَّى صار الإمام عليه السلام يعامل صاحبه معاملة من لم يره من بعيد.
14 – إذا حدث هذا عندنا مرّة اعتبرناه شيئاً كثيراً عظيماً لكونه غير معهود في تعاملنا.
15 – أي تتساقط.
16 – المصدر ص57.
17 – برحمته، بلطفه، بإكرامه، بعنايته.
18 – النفس هنا اسم جنس، ليس فردا واحدا، بل كل حركة تدخل تحت هذا العنوان.
19 – أي مهالكها.