خطبة الجمعة (351) 12 محرم الحرام 1430هـ – 9 يناير 2009م
مواضيع الخطبة:
*أذى المؤمن *الأمن حاجة ومسؤولية *إلى أين تتجه إرادة الجبهة الإسرائيلية؟
الأمن الذي تُسأل عنه الحكومات من قبل الله تعالى ثم الشعوب هو أمن الدماء والأعراض والكرامات والأموال، والأمن الحضاري والديني والمذهبي للمواطنين، والأمن الثقافي والاجتماعي وأمن الحرية النظيفة، والكلمة الصالحة، وحرية التنقّل، والأمن الغذائي والصحي وغير ذلك.
الخطبة الأولى
الحمد لله ربِّ العالمين، الرَّحمن الرَّحيم، مالك يوم الدين، لا ربَّ غيره، ولا رحمة من أحد ولا إلى أحد إلا برحمته؛ وحقيقةُ الملك له، ولا ملك بالحق لسواه، وإنما الحكومة يوم المعاد حكومته، وهو القاضي بين الخلائق بعدله.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي المقصِّرة بتقوى الله الذي لا إله غيره، ولا معبود بالحقّ سواه، ولا نقع ولا ضر إلا بيده، وإليه اللجأ، ولا ملجأ منه إلى من عداه.
ولنتّعظ بهذه الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:”لكلّ امرئ عاقبة حلوة أو مرّة”(1) فلن تنتهي حياة الناس من غير عواقب تحلو أو تشجو، تخبث أو تطيب، وما العاقبة للناس على اختلافهم بواحدة، فليس محسن كمسيء، ولا يستوي عابدٌ لله تبارك وتعالى وعابدُ شيطان وهوى خسيس، ولا يستوي جادٌّ وهازل، ولا ساعٍ وكسول.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أهل الإحسان لا الإساءة، وممن لا يشرك بعبادتك شيئاً، ولا يتخذ الدين هزوا، ولا الحياة لهوا ولا لعبا، ولا يكون له هوى في معصيتك، ولا يكسل عن طاعتك يا رحمن يا رحيم يا كريم.
أذى المؤمن:
أما بعد فإن المسلم الآخذ بالإسلام وخُلقه لعلى أدبٍ جمّ، وعلى أشد ما يكون من التجافي والنأي عن السوء، والنزاهة عن أذى من لا يرضى الله عزّ وجلّ بأذاه، وصان حرمته، وهو لا يفعل إلا بحقّ، ولا يقول إلا بحق، ولا يقرب مما حرّم الله إلى شيء، ومن راعى أحكام دينه ووصاياه في أمر المؤمن وصون حرمته كان له من ذلك حاجز متين عن خدشه ولو بكلمة يسيرة، أو نظرة مضجرة، ولنسمع من النصوص عن مدى حرمة المؤمن، وخطر التعدي عليه، وقصده بالإهانة، ومسِّه بالأذى من غير حق حتى نحترس ونتريث ونتوقف ونتهيب من اقتحام شرف المؤمن وسمعته ومسّ كرامته، والنيل من شخصيته ما لم نحرز إذن الله في مورد معيّن في التعرض له بما خالف من واجب شرعي، أو أصاب من معصية مصرّاً على خطئه، أو كان له من الخطأ الذي لو سُكت عليه لأضرّ بمصالح لا يرضى الإسلام بتضييعها مثلاً وإن لم يأخذ خطؤه صفة الذنب الذي يعاقب عليه.
وإلى مجموعة من النصوص في هذا المقام:
عن النبي (صلى الله عليه وآله):”من آذى مؤمناً فقد آذاني”(2).
فهل يحتمل ظهر أحدنا من ثقل الوزر أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله؟ أبو جهل آذى رسول الله، أبو سفيان آذى رسول الله، فهل ندخل في زمرة أبي سفيان وأبي جهل بأذى المؤمن؟
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:”من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها أخافه الله تعالى يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظلُّه”(3).
إنه لخوف لا أمن منه ولا دافع له؛ خوف يسلّطه الله عزّ وجلّ على قلب عبد من عبيده نقمة هو خوف لا أمن منه، ولا دافع له، وذلك في أشدّ أيام الهول والفزع، والاكتئاب. خوف ممن لا يملك أحد أن يحدث في قلبٍ خيفة تملك عليه كل أقطاره، وتزلزله… خوف من صنع الله الجبّار القهّار.
“من أحزن مؤمناً ثم أعطاه الدّنيا لم يكن ذلك كفّارته ولم يؤجر عليه”(4).
وهل نملك نصف الدنيا، ربع الدنيا؟! والدنيا كلّها لا تكفي لاسترجاع رضا الله سبحانه وتعالى بعد سخطه لأذى المؤمن. فهو إثم من دخل فيه لم يخرج من مضيقه، ونفق أسود لا مخرج له من حيلة صانعه والداخل فيه. يدخل لكنه لا يستطيع أن يخرج، وإنما المخرج بأن يعفو المؤمن لتُعتق رقبة من أحزنه من العذاب وذلك بخياره، فتكون رقبة من تسبب بأذى المؤمن في يده يأخذ بها إلى الجنَّة أو النَّار
قال الله تبارك وتعالى:”من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي”(5).
فليحارب الله عزّ وجلّ وهو من لا ينهض لقدرته ناهض من شاء من المؤمنين بأذى بعضهم البعض، وهل من أحد يطيق محاربة الله ومضادّته؟! وهل يسمح لمؤمن إيمانه بذلك؟!
“أذلّ الناس من أهان الناس”(6).
الإنسان الذي لا يشعر بكرامة الإيمان والإنسانية في غيره مفتقر لها في نفسه، وبذلك لا يعرفها، ولا يعرف أن هذه الكرامة أكبر ما في الإنسان، وأشدّ ما عليه أن تُخدش، ولو وجدها من نفسه، وعرف لها قدرها كم يهن عليه أن يمسَّها في غيره.
كل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام:”المؤمن نفسه منه في تعب والناس منه في راحة”(7).
نفسه منه في تعب لأنه لا يقف بها لحظة عن الصعود والصمود والترويض والتصبير، وكل ذلك معاناة، ومقاومة، وفيه من الشدّة ما فيه. أن تواجه غيرك دون أن تواجه نفسك، ونفسك هي أعزّ ما عليك، وأقرب شيء بعد الله إليك.
والناس منه في راحة حيث لا أذى منه يأتيهم فإن له حاجزا من خوف الله، وله طمع في ثواب الله، يلوي به دائما عن أن يؤذي أحداً، والمؤمن لا ردّ منه في الكثير على الأذى الكثير من الناس تعفّفاً. إنه قد يعجز ولكنه حتّى في موارد القدرة يتعفف.
“من أسرع إلى الناس بما يكرهون، قالوا فيه ما لا يعلمون”(8).
وكثير منّا يكفي الناس ما يعلمون منه لينالوا منه بحقّ، وليسقطوه، فكيف إذا انطلقت ألسنتهم فيه بما لا يعلمون. إن باب ما لا يعلمون بابٌ مفتوح لمن رضي لنفسه أن يرتاده.
والناس إذا دخلوا في مذمّة رجل، والنيل منه من هذا الباب لم يُبقوا منه ولم يذروا وكان لولا حماية الله عز وجل إذا كان مظلوماً من الهالكين.
وعن الصادق عليه السلام:”من كفّ يده عن النّاس فإنما يكفّ عنهم يداً واحدة ويكفّون عنه أيادي كثيرة”(9).
وكم تقوى يدك الواحدة على أن تقاوم أيدي المئات والألوف والملايين، فلنعقل.
“من أعان على المؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّ وجلّ وبين عينيه مكتوب آيس من الله”(10).
أي من رحمته، من لطفه، يعني لا رحمة لحكم الله له من الله، فليبحث عن رحمة تأتيه من دون الله، ولا شيء. وويل ثم ويل ثم ويل لمن كان هذا يوم القيامة مآله.
أعاذنا الله من الإعانة على دم مؤمن، على شرف مؤمن، على مكانة مؤمن، أعاذنا الله من الاشتراك في إسقاط مؤمن، أذى مؤمن مما يسخط الله ويخرج من رحمته.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا ممن يراعي حرماتك، ولا يتعدّى حدودك، ولا يستحلّ شيئاً مما حرمت، ولا يحرّم شيئاً مما حلّلت، ولا تغلبه نفسه على معصيتك، ولا تخونه في الموارد طاعتك، واختم لنا بخير ختام، ولقّنا خير الدارين، واكفنا شرّهما يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل لنا أبصاراً وأسماعاً نستقبل بها آياته، وأفئدة تستلهم من معرفته، وعقولاً تستنير برؤى دينه وأحكام شريعته، وبعث رسلاً مبشّرين ومرغّبين في جنته، ومنذرين ومحذّرين من نار غضبه وعقوبته، ودلّنا على سُفن النجاة، وطرق الفوز برضوانه ورحمته: رسلٍ كرام، وأئمة عظام لا يدعون إلاّ إليه، ولا يقودون إلا لطاعته، ولا يرضون إلا بإخلاص العبودية له، وتوحيده في ألوهيته وربوبيته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله ألا فلنتّق الله ربّ السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن، وإنما تكون التقوى من قلب فاقِه، وروح مهتديّة، وعقل واع، ونفس منفتحة، أما الجهل والضلال والغباء والانغلاق فليس منه إلا الإنكار والجحود والتردي والسقوط في مستنقع الرذائل، وملازمة القبائح، والانكباب على الأرض، والانجذاب للنزوات، والانغمار في الشهوات، والإنفلات والإنزلاق.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين. اللهم خذ بيدنا إلى هداك،واسلك بنا طريق رضوانك، واجعلنا من أهل الصدق والإخلاص عندك، ومن نزلاء جنتك مع أحبائك وأوليائك والخيرة من أهل طاعتك يا حنّان يا منّان يا أكرم من كل كريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله الصادق الأمين، خاتم الأنبياء المرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهداة النجباء حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر القائم المهدي.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا قريبا كاسحا.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات السعداء فإلى كلمتين:
الأمن حاجة ومسؤولية:
الأمن حاجة كل شعب وحكومة، وأي مواطن كان فرداً من شعب، أو عضوا من حكومة. وفاقد الأمن لا يسعه أن يفكِّر في شيء قبل أمنه، أو أن ينتج بعيداً عن طلب ذلك الأمن وهو فاقد له.
وأمن الحكومة والشعب إما أن يتَّحد أو يتعدد بأن يكون لهذا الطرف أمنه ولذلك الطرف أمنه الآخر. فإذا كان واحداً في عقلية الطرفين ومسعاهما فهو التلاقي والتوافي والتساند لتحقيق الهدف المشترك، أما إذا تعدّد الأمن بينهما فهو التهافت والتعارض وعدم الاجتماع الذي يثير معركة دائمة بين الطرفين حفاظاً على الذّات ولو بما فيه القضاء على الآخر أو إضعافه إلى حدّ أمن المقاومة منه، لأن واقع العلاقة في حالة تعدد الأمن بين الشعب والحكومة أن يكون أمن هذا خوف ذاك، وفي خوفه أمنه، وكل خائف لابد له من طلب أمن نفسه ولو على حساب من يريد سلب الأمن منه.
وليتّحدَ الأمن لابد للحكومة أن ترى نفسها جزءا من الشعب، وتقف من كلّ مكوّناته على بعد واحد في سياساتها التي يجب أن تكون سياسات رحيمة حكيمة عادلة رحيمة، ولا ترى لها مصلحة مفصولة عن مصلحة الشعب، ولا تكون سبعاً يلتهم خيرات الأرض وثمرات جهود الكادحين، وإلا كان التضاد في الوجود، والتعددية الأمنية، والتهافت والتعارض والتصادم والتنافي بين أمن تريده الحكومة لنفسها على حساب الشعب، وأمن يطلبه الشعب ويلغيه أمنها.
والحكومة هي المتكفل الأول بأمن الشعب. وإنَّه وإن كان الأمن مسؤولية مشتركة، وتقع على عاتق كل واحد، لكن مع ذلك تبقى الحكومة هي المتكفل الأول بأمن الشعب، لتأتي مسؤولية الشعب بعد ذلك في طلب الأمن للحكومة من أجل أمنه. أما الأمن الذي يكون فيه خوفك فلا يعقل أن تحافظ عليه.
هذه قواعد فكرية، هذا منطق قبل أن يكون كلاماً عن ساحة معيّنة. ولنا أن نطبقه على كثير من ساحاتنا في البلاد العربية والإسلامية التي تعيش واقع الانقسام بين الشعوب والحكومات.
نعم الأمر أن الحكومة هي المتكفل الأول بالأمن حسبما تفرضه مسؤولية الحكم، وحسبما يفرضه وضع الإمكانات والموارد والقوة من قبل الشعب بيدها إذا كانت تلك الحكومة عن رأي الشعب الذي تدير شؤونه.
والأمن الذي تُسأل عنه الحكومات من قبل الله تعالى ثم الشعوب هو أمن الدماء والأعراض والكرامات والأموال، والأمن الحضاري والديني والمذهبي للمواطنين، والأمن الثقافي والاجتماعي وأمن الحرية النظيفة، والكلمة الصالحة، وحرية التنقّل، والأمن الغذائي والصحي وغير ذلك.
الأمن ليس أن أسلم على نفسي وأكون العبد الذليل، الأمن ليس أن أسلم على لقمتي وتسلب مني ديني وكرامتي. لا ينبغي أن يضيق معنى الأمن في ذهن الناس، والمجتمعات تختلف في أهمية الأمن، فلو أسقيت المؤمنين عسلا مصفّى، وألبستهم الحرير، وأسكنتهم القصور، وأطعمتهم ألذ طعام وأطيبه وخدشت دينهم لثاروا في وجهك.
نعم، هناك شعوب أكبر أمنها اللقمة، ولكن الشعوب الإسلامية الواعية وهذا الشعب منها لا يمكن أن ينام على رخاء دنيا مع مطاردة دينه(11).
والأمنان عندنا مترابطان، وموقفنا من طلب الأمنين بقوة واحدة، أمّا عند التعارض فإننا نبيع دنيانا من أجل ديننا، ولا نشتري دنياً بدين إن شاء الله.
ذلك هو الأمن الذي تتحمل الحكومة مسؤوليته. ومن هذا الأمن الذي توفّره الحكومات لشعوبها يأتي أمن الكرسي، والاطمئنان عليه، لأن هذا الأمن سيكون من أمن الشعب.
ولا يتحقق أمن لشعب ولا لحكومة بالسياسات الجائرة، والأخذ بالأثرة والظلم والفرقة والإساءة إلى المحكومين، ومصادمة عقائدهم والتزاماتهم الدينية وشعائرهم، والتخطيط ضدهم، والاستطالة عليهم، والإخلال بالواجبات الخدمية الثابتة على الحكومات، ولا بانتهاب الثروة وتكميم الأفواه، وزيادة السجون والشرطة المرتزقة، والأجهزة الأمنية المتعددة، والتعذيب والتنكيل، وخلق الأزمات الواحدة تلو الأخرى، وتسليط الألسن البذيئة على الشرفاء وعلى أي متفوّه بكلمة ناقدة مخلصة، وتهويل الأمور الأمنية وربطها بمسرحيات مفضوحة لأكثر من مرة.
ولا يفوت المراقب التزايد المتواصل في مستوى التردي لحالة الثقة بين الحكومة وقطاع واسع متعاظم يوما بعد يوم من الشعب إلى درجة مخيفة حقا. وهذا يحتم على الحكومة المراجعة للأضرار البالغة لسياساتها القمعية بدل سياسة العدل والمساواة، والمراجعة للتخلّف الكثير لمشاريع الإصلاح، ومن أجل كسب ثقة الشعب عن طريق الإصلاح الجدي الملموس، وطلب التوافق على حلول المشكلات المتأزمة حرصا على أمن هذا البلد الذي لا أشد منّا على الحرص عليه.
إلى أين تتجه إرادة الجبهة الإسرائيلية؟
كل التدمير الهائل، والنسف للبنية التحتية في غزَّة، والدكِّ للمواقع المؤثرة بدرجة أساس وحتى المواقع الثانوية، والمذابح الآثمة للمدنيين، والترويع للجميع، وتقطيع شرايين الحياة والحركة، والحصار الخانق، والشح في الإمدادات، والإمعان في التخريب، ثم الإدانات الرسمية العربية والأجنبية للمقاومة، ومشاريع الهدنة المصممة تصميماً خاصاً يتوافق مع رغبة العدو الإسرائيلي؛ كل ذلك يراد له أن ينتهي إلى تجريد المقاومة كل المقاومة من حماس وغير حماس في فلسطين وغيرها وحتى على مستوى الدول من قدرة المقاومة، وسلاح المقاومة، وإرادة المقاومة، وروح المقاومة، والإيمان بالمقاومة فضلاً عن فاعلية المقاومة(12).
وذلك ليستسلم الجميع ويسلم للمشروع الاستكباري المتعلق بالأمة الإسلامية والعربية، وفرض لون سياسي واحد على المنطقة والأمة، وصوت واحد، ومنطق واحد هو منطق المصلحة الأمريكية والإسرائيلية، والأوربيّة، وفرض إرادة هذه الجهات وهيمنتها السياسية والأمنية والحضارية على كل مفاصل وجود هذه الأمة. وهو المنطق الذي لا يقبل كيانا حاكما في هذه الأمة إلا الكيان الذي يحكم فيها نيابة عن الأجنبي، وبإرادته وعقليته ومصلحته.
ولا يقبل رأيا ولا صوتا يخالف هذا التوجه والسياسة ويتمرد على قهرهما.
وإنه ليراد لهذه الأمة أن تنتج لغيرها، وأن تكون التابعة الذليلة لغيرها، وتستسلم وتسلم لإرادة غيرها، وأن تذوب، وتتنازل عن ذاتها له، وأن تنسلخ من جلدها وهويتها وتنفصل عن حضارتها ودينها لاطمئنانه، ويراد لها أن تقبل منه أن يذبح من يذبح من أبنائها راضية ضاحكة مسرورة.
واليوم بعد صلاة العصر تنتظركم مسيرة غزّة مسيرة للإسلام كلّه، ولعزة المسلمين جميعا، لكرامتهم، لهيبتهم، لبقائهم على طريق الله عز وجل، لإعلان الرأي في ما يحاك للأمة، وما يتآمر به على وجودها، ولإطلاق الصرخة في وجه الظلم والظالمين، والتآمر والمتآمرين، وحتى لا يكون هذا الشعب شريك صمت في الجريمة على أمته وذاته(13).
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم وفقنا لصالح العمل، والإخلاص لوجهك الكريم، واكفنا السيئات، وأنزل علينا الخيرات والبركات، وادفع عنّا دواهي المصيبات، وارزقنا أمن الدنيا والآخرة وسعادتها يا كريم يا رحيم.
اللهم انصر عبادك المؤمنين والمسلمين على كل عدوٍّ مبين، وخائن وكائد ومُضلٍّ أثيم. اللهم ادفع وادرأ عن المدافعين عن الإسلام وأرض المسلمين، وانصرنا على بني صهيون واليهود والمعتدين، وكلّ العتاة الظالمين، والمردة المستكبرين الطاغين يا قوي يا عزيز يا جبّار يا قهّار يا من هو على كل شيء قدير. وقى الله أمة الإسلام الوهن والذّل والاستسلام والهزيمة وألبسها ثوب العزّ والفخار والسؤدد والكرامة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(14).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الأنوار ج68 ص367.
2 – بحار الأنوار ج64 ص72.
3 – المصدر ج72 ص150.
4 – المصدر نفسه.
5 – الكافي ج2 ص351.
6 – بحار الأنوار ج72 ص142.
7 – الخصال ص620.
8 – بحار الأنوار ج72 ص151.
9 – الخصال ص17.
10 – كنز العمال ج15 ص22.
11 – هتاف جموع المصلين بـ(لبيك يا إسلام).
12 – هتاف الشيخ وجموع المصلين بـ(لبيك يا مقاومة).
13 – هتاف جموع المصلين بـ(لبيك يا إسلام).
14 – 90/ النحل.