خطبة الجمعة (341) 17 شوال 1429هـ – 17 أكتوبر 2008م
مواضيع الخطبة:
*خلق الحياء: *أولاً: سيبقى الإسلام *ثانياً: الحصانة القضائية للأمريكان
دولنا في العالم الإسلامي لا تتعلم. لا زلنا نواصل رحلة الغباء، ورحلة السقوط، ورحلة الانحدار، لا زلنا نأخذ طريقنا إلى التيه، في هروب دائم عن الله في اتجاه الغرب، وعن شريعة الله عز وجل إلى شريعة الأرض، عن أخلاقيات السماء إلى أخلاقيات الحيوان في حضارة القرد.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا تقف الآمال إلاَّ عليه، ولا منتهى للرجاء دونه، ولا كرم يعدل كرمه، ولا ملك إلاّ من ملكه، ومنتهى الخير كلِّه إليه، ولا عطاء إلاّ بإذنه، ولا منقذ من ضيق سواه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصِّرة بتقوى الله؛ فإنّها سبيل الصالحين، والمرقاة إلى رضوانه، وما صَلَحت نفس ولا مجتمع فاقد للتقوى، فالمتّقون يأخذون عن الله، وغيرهم إنما يأخذ عن الشيطان، ومن كان دليلُه أمرَ الله ونهيه، وطلبه مرضاته لم يُسئ النيَّة، ولم يخطئ الطريق، ومن تابع الشيطان لم يدلّه على هدى، ولم يفارقه قصد السوء والنيَّةُ السوداء.
اللهم أسعدنا بتقواك، ولا تشقنا بمعصيتك، وادحر عنّا الشيطان الرَّجيم، وجنده الغاوين.
اللهم صلّ وسلّم على محمد وآل محمد، وألزمنا طريقتهم، وثبّتنا على ولايتهم، واهدنا بهداهم، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أما بعد يا إخوة الإيمان مؤمنين ومؤمنات فهذا حديث موضوعه خُلق الحياء:
والحياء خلق طبيعي من أخلاق النّفس الإنسانيّة السويَّة التي تفرّق بين الجميل والقبيح وتعشق الأوّل وتفخر به، وتلتذ بممارسته، وتنفر من الثاني، وتستعلي عليه وتتأذى لمقارفته، وعلى هذا فهو خلق كريم من أخلاق القوَّة التي تعين على الاستقامة والرِّفعة، وتنقذ من الانحراف والانحدار، وتحمي النفس من التلوّث بالموبقات، وما يُسيء ويَشين.
وقد يأتي الخجل بهذا المعنى، وقد يقابل بينه وبين الحياء وعندئذ يأخذ معنى آخر مذموماً يرجع إلى استصغار النّفس والتهيّب الاجتماعي الذي يسبّب لها الإحجام عما فيه خيرها وتقدُّمها، ويُعيقها عما يُطلب لها من كمالات، ويليق بها من شأن، والخجل بهذا خلق من أخلاق الضعف، وعيب من عيوب النفس، وأثر من آثار التربية السيئة.
ونعود للحياء لنقول عنه بأنه أصل متجذّر من أصول الفطرة الإنسانية السليمة التي تزينُ بها شخصية هذا المخلوق الكريم، وتتسم بالوقار والعفة والنزاهة، وتتوفر على حالة من الأدب الجمّ، والاحترام الكبير في الأذواق الإنسانية السليمة.
وهذه جملة من الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام في الموضوع:-
1. عن النبي صلّى الله عليه وآله:”لم يبق من أمثال الأنبياء إلا قول النّاس: إذا لم تستح فاصنع ما شئت”(1).
فهمٌ يشترك في التأكيد عليه الأنبياء عليهم السلام وهو أن الحياء عصمة إذا خسرها صاحبها تسيَّب وضعُه الخلقي، ولم يُستكثر عليه التهتّك الشامل، وأي ممارسة قبيحة، فبعد حاجز الحياء لا حاجز عند هذا الإنسان عن أي قبيح. فانظر إلى أهمية الحياء في الحفاظ على الخلق والكرامة، وحماية الأفراد والأسر والمجتمعات من الذوبان، وانظر إلى إصرار مراكز التضليل بمختلف أنواعها وأنشطتها على هدم حاجز الحياء عند أجيال هذه الأمة، وما يفعل عبيدُ المال والشهوات وتجارهما بإنسانية الإنسان في كل مكان بما يحاولونه دائماً بأساليب شيطانية متنوّعة من اغتيال ملكة الحياء عند النّاس.
2. عن الإمام علي عليه السلام:”غاية الحياء أن يستحي المرء من نفسه”(2).
وما أعظمها من منزلة خلقية كريمة، من ورائها نفس مترفِّعة، وذوق إنساني عال، وروح شفّافة، وجمال معنوي كبير، تستوحش به النفس، وتنفر، وتتقبّض وهي في خلواتها أن يصدر منها قبيح، فهي لكمالها وشرفها تفرّ إباءً وسموّاً ورفعة عن فكرة الانحدار.
ومن استحى من غيره ولم يستح من نفسه فقد حقَّرها، وشهِد عليها بالهوان والدونيّة، وأن الغير أكرم منها في نفسه، وأحقّ بالاحترام.
ولا يكون للنفس ما تستحي به من القبيح حتى يَسلم لها نقاء فطرتها، أو تستعيدَه، وحتى تقتبس من الأخلاق التي دعا لها الله سبحانه. وكلما قربت النفس من ربِّها طهراً وزكاة ومعرفة كلّما علت عن فعل القبيح، وشانَ عندها أن تزلّ، ونجا بها ذوقها الكريم عن الانحدار.
3. عن الإمام علي عليه السلام كذلك:”الحياء من الله يمحو كثيراً من الخطايا”(3).
لأن الحياء من الله عزّ وجلّ خلق كريم، وفيه توقير له سبحانه، ومقرّب لرحمته ورضاه فكان من جزائه عنده تبارك وتعالى تطهير العبد من أثر الخطايا والذنوب، وتنقية روحه وقلبه من قذاراتها، وإعفاؤه من عقوباتها.
ولأن الحياء منه عزّ وجل رادع للنفس عن المعصية فإنّه إذا زانت به النفس أنهى تعلّقها بالمعصية، وطهرت حياته وسيرته منها.
4. عن الإمام الباقر عليه السلام:”الحياء والإيمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه”(4).
كيف يؤمن قلب بالله وبعظمته وجلاله وجماله ومنِّه وفضله وإنعامه ثم لا يستحي من ارتكاب القبيح الذي يكرهه وينهى عنه وارتكابُه له على مرأى منه سبحانه إذ لا تغيب عن علمه الشامل الدائم غائبة في السماوات والأرض؟!
وهذا التلازم يفضح من ذهب حياؤه بالإعلان عن ذهاب إيمانه، ومن لا إيمان له لا حياء له مما يقوم على أرضية الإيمان، ويترشح عن جماله.
5. وعنه عليه السلام:”من لم يستح من العيب، ويرعوي عند الشيب، ويخشى الله بظهر الغيب فلا خير فيه”(5).
من لم يستح من العيب لا يُحسّ لنفسه شرفا، ولا يقيم لها وزنا، ولا يبالي بما يقال فيه فهو أهل لأن يصدر منه كلُّ سوء، ويُتوقّع منه كلّ شر، والذي يظهر شيبه، ويتقدّم به السن، ولا يطلب الوقار، ولا يكون له من عطاء العمر ما يميل به إلى الرزانة، ويحمله على العفّة، ويردعُه عن التمادي في الرذيلة كشف بذلك عن معدن خبيث، وموطن سوء، وتفس هابطة لا تتربى ولا تتّعظ، وليس لها من عثرتها قيام وذلك مما يؤيس من خيرها.
ومن لا يخشى الله في سرِّه وحيث تغيب رقابة الناس لا يؤمن كيده، ولا يركن لوعده، ولا يستنام لأمانه وقسمه وعهده.
6. عن الإمام الكاظم عليه السلام:”استحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من النّاس في علانيتكم”(6).
النّاس عامّة وخاصّة من حيث الإيمان ومعرفة الله سبحانه، وهذا خطاب للعامة منهم فيما يظهر، فلا أقل للإنسان المسلم من الشعور في خلواته برقابة لله مثيرة للحياء في النفس منه سبحانه ولو على حدّ ما تثيره رقابة النّاس في العلن من ذلك مما يردع عن ارتكاب القبيح عند النفوس غير الساقطة بصورة نهائية.
أما أهل الإيمان الحقّ والمعرفة الجليلة فلا يعدل حياءهم من الله العظيم حياء، ولا تقاس هيبتهم أمامهم بهيبة، ولا توقيرهم لجلاله وجماله بتوقير.
فهل ترى أن الإمام الكاظم عليه السلام يكون حياؤه من الله في سرّه على حدّ حيائه من الناس في علانيته فحسب؟! إن له حياء من الله في علانيته وسرّه بما لا يعدله حياء من أحد أبداً.
7. عن الإمام العسكري عليه السلام:”من لم يتق وجوه الناس لم يتق الله”(7).
أناسٌ لا يُخرجهم ارتكاب القبيح أمام الله عزّ وجل اغتراراً بإمهاله وستره، أو غفلة عن عظمته وأخذه، ونسياناً لنعمه وواجب شكره، وتجدهم يتحاشون الجهر بالمعصية في النّاس شعوراً بحضورهم وحياءً من هذا الحضور ومقام الناظرين في صدورهم، وكان الأولى بهم أن يستحوا من الله الذي لا تبلغ عظمته عظمة، ولا عزَّته عزّة، ولا جلاله جلال، ولا جماله جمال، ولا يعزب عن علمه شيء.
ومن النّاس من يجاهر بالقبيح وقد يفاخر به أمام الصغير والكبير، والوضيع والشريف من النّاس لمهانة نفسه على نفسه، ولجرأته على القبيح واستساغته له لانطفاء نور الفطرة في داخله وانسلاخه من إنسانيته، وموت ضميره، ومثله لا يستحي من الله عزّ وجلّ، وليس أهلاً لتوقير عظمته، ومن كان “من لم يتق وجوه الناس لم يتق الله”.
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا الحياء من كلّ قبيح، والورع عن كلّ محرَّم، والبعد عما تكره، واجعل حياءنا منك في السرّ والعلن أكبر حياء، وتوقيرنا لعظمتك لا يعدله توقير، وخشيتنا منك لا تساويها خشية، ولواذنا بك، ومفرّنا إليك، ومعوّلنا عليك يا قوي يا عزيز، يا رؤوف يا رحيم يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يَبيد ملكه، ولا ينقطع حكمه، ولا تُناهض قدرته، ولا يهدَّد سلطانه، ولا انقضاء لأمره، ولا شيء يقوم لجبروته، ولا ثبات لموجود أمام قهره، مذلِّ كلّ جبّار، وقاهر كلّ قهّار.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله، وألا يصرفنا عن ذكره صارف، ولا يحول بيننا وبين طاعته حائل، والصوارف عن ذكر الله سبحانه في ازدياد، ومضلاّت الفتن في تضاعف، والثبات يحتاج إلى صبر، ومقاومة وترويض، وتفكّر في العواقب، وتبصّر للأمور، وتدبّر في الحقائق. وخير ما يعين على سداد الرأي، وسلامة الموقف، وتجاوز العقبات، وتحمّل الصعوبات، استذكار أن القدر بيد الله لا بيد غيره، وأن الدّنيا إلى زوال، وأن الآخرة التي لا انقضاء لها لا بد منها، وأن موعدها قريب.
اللهم إنا نسألك الهدى والرشد والسداد، والقوة في الحق، والثبات على الصراط. اللهم واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم الكريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، واكتب لهم العزّ والنصر والغلبة.
أما بعد أيها الكرام المؤمنون والمؤمنات فهنا موضوعان:
الأول: وسيبقى الإسلام.
الثاني: الحصانة القضائية لأمريكا.
الأول: وسيبقى الإسلام:
نحن نعرف أن الشيوعية قد سقطت، وسقوطها لعدم التناسب بين الحكم والموضوع. الشيوعية أُريد لها أن تكون منهجاً لحياة الإنسان ونظاماً، يعني جملة أحكام وتشريعات ورؤى وقضايا تحكم تحرّكه وعلاقاته، وإذا جاء النظام والحكم بعيداً عن طبيعة موضوعه فلا يمكن أن يستقيم. لكل موضوع ما يناسبه من أحكام، وحيث تتفارق طبيعة الموضوع وطبيعة الحكم لا يمكن أن تقبل الناحية الموضوعية استمرار حمل الحكم على الموضوع، وبلغة أخرى لا يمكن أن ينجح نظام للإنسان تضعه على لموضوع النبات، ولا يمكن أن ينجح نظام يتناسب مع الحيوان تضعه للإنسان، وهكذا يكون لكلّ موضوع حكمه الذي يتناسب معه.
ولمخالفة النظام الشيوعي لطبيعة الإنسان كان لابد أن يسقط، وستسقط الرأسمالية في المال والاقتصاد، وستسقط الديموقراطية، وسيسقط كل طرح آخر يُراد له أن يكون نظاماً للإنسان، ومنهجاً لحياته على بعده عن طبيعته.
إنه سبب يقف وراء سقوط كل الأطروحات التي جرّبها تاريخ الإنسان، وكل الأطروحات التي يمكن أن يجرّبها في حاضره ومستقبله وهي بعيدة عن التناسب مع موضوع الإنسان.
وهذا الإنسان قد حقّق نجاحات واسعة هائلة في مجالات كثيرة معروفة: في الصناعة، في الزراعة، في المواصلات، في الطب، في الاستفادة من الطبيعة، في تسخيرها لأهدافه، وقد عانى من التخلف الذريع في علاقاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأمنه واستقراره وهدايته، وأن يكون على طريق الغاية التي تتناسب مع كرامته بما هو إنسان.
واشتغل كثيرا عن هدف السموّ والتكامل الإنساني، والإشعاع الروحي، والنمو في ذاته من حيث الروح رغم كل النجاحات القافزة التي تحققت في حياته المادية، وقد عجز عن أن يحقق علاقات عادلة بين أفراده ومجتمعاته(8).
السبب:
أنه في مساحة التعامل مع الطبيعة، في البعد الطبي، الزراعي، الصناعي، غيرها صار يعترف بقوانين الله، ويخضع لها، ولحدّية هذه القوانين، ولسرعة مفعول معاندتها ومكابرتها، والتي لا تسمح للإنسان بأن ينسى تأثيرها كان لابد للإنسان أن يخضع لها، وأن يستكين، وأن يجري مجراها، وإذا حاول أن يتغلب على قانون إنما يتغلب عليه بقانون آخر مما سمح الله تبارك وتعالى له بأن يتغلب به على ذلك القانون.
أما هو في المساحة الاجتماعية والسياسية وفي العلاقات الإنسانية فكابر، وعاند قوانين الله، وقوانين الله كما هي حاكمة في المجال الطبيعي هي حاكمة في المجال الاجتماعي، وفي المجال الإنساني.
هناك لم يحاول البحث عن البديل، وهنا حاول البحث عن قوانين بديلة، وكابر القوانين الطبيعية التي هي من خلق الله تبارك وتعالى وتكوينه.
تحدث للإنسان على هذا الأساس الهزّة بعد الهزّة، والاضطراب بعد الاضطراب، ويستتبع هروبه عن الله عز وجل دروسا قاسية في حياته فتقوم حروب طاحنة، وتسقط حضارات، ويستوعب حياة المجتمعات فقر متقع، ومع ذلك لا يتعلم هذا الإنسان كثيراً، ولا يدرك أن وراء كثير من أزماته ومشكلاته هذا الإدبار أو هذه المعاندة والمكابرة لقوانين الله وتشريعاته.
الهزّة المالية العالمية الأخيرة وتأثّر النظام المالي وما سينسحب على النظام المالي والاقتصادي بشكل عام من سلبيات هائلة هو إنذار إلهي، وتعرية لقيمة النظام الرأسمالي، وبداية سقوط وتهاوٍ لهذا النظام.
والديموقراطية عرّتها حروب أفغانستان والعراق وأهدافها، والتدخل الغربي في لبنان وغيره، والدعم للدكتاتوريات الموالية، والمواجهة للأنظمة التي لا تحقق المصالح الخاصة لأمريكا والغرب وإن كانت أكثر احتراماً لرأي الشعوب، وحفاظاً على كرامتها.
والجاهلية المادية ستكابر طويلا ما استطاعت دفاعا عن وجودها ولكن المحتوم آت وكل الفقاعات الأرضية ستنتهي وسيبقى الإسلام(9).
{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(10).
الحضارة المادية مؤسَّسة على شفا جرف هار.
انظروا أن الشيوعية سقطت ودولتها قائمة، ووراءها قوة سلاح نووي، وأمبراطورية كبيرة. نعم سقطت الأطروحة برغم القوّة التي تحتضنها وتدعمها، وانظروا للرأسمالية وهي تأخذ طريق نهايتها، ودول كثيرة قوية لا زالت تدعمها. سقوط النظرية من داخلها، وفقدها لقيمتها، وشهادة الواقع على فشلها وعدم كفاءتها لقيادة البشرية، بينما القوّة الباطشة لا زالت تحميها، العمارة المادية لا زالت قائمة شامخة تشير إليها دليل على الخواء. أما الإسلام فصار يعيش القرون بلا دولة، سقطت الدولة، ولكن الدين لم يسقط، والأطروحة صامدة، وعاندت على الزمن، وستبقى ثابتة، والقلوب معها، والناس الآن سيؤون إليها. فارق جوهري علينا أن نتأمله وندرك قيمة الإسلام من خلاله(11).
ودولنا في العالم الإسلامي لا تتعلم. لا زلنا نواصل رحلة الغباء، ورحلة السقوط، ورحلة الانحدار، لا زلنا نأخذ طريقنا إلى التيه، في هروب دائم عن الله في اتجاه الغرب، وعن شريعة الله عز وجل إلى شريعة الأرض، وعن أخلاقيات السماء إلى أخلاقيات الحيوان في حضارة القرد، لا زال المسلمون لم يكتفوا من سموم الحضارة المادية.
هناك إصرار من حكومات كثيرة في البلاد الإسلامية، ومن أحزاب في البلاد الإسلامية على أن يدخل المسلمون كل الأنفاق المظلمة التي دخلها الغرب، وأن نتلوث بكل المستنقعات التي تلوثوا بها.
الأنظمة تدفع دائماً إلى التخريب الثقافي والاجتماعي والديني والمعيشي بما يضعف الأمة، ويفصلها عن هُويَّتها، ونعرِّب أجيالها، وهي جريمة بشعة في حق هذه الأمة المجيدة، وفي الإنسانية جمعاءو
ثانياً: الحضانة القضائية للأمريكان:
يُصرّ الأمريكان على أن تكون حصانة قضائية في العراق بحيث لا تطال الجاني منهم، المخالف للقانون فلا مساءلة أو محاكمة أو عقوبة يقررها القانون العراقي في حق من أجرم من الأمريكان في العراق.
وهذا يعني أن الأمريكي في العراق سيد القانون، سيد الشعب، وأنّه الحرّ وسط العبيد، والمتفوّق من بين الأدنين. فأكبر شريف دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا أو علميا من أبناء العراق وهم محكومون مؤاخذون بالعقوبة عند المقتضى الظاهري في نظر القضاء لا يعدل أخسَّ إنسان إذا كان أمريكيّاً في أرض العراق نفسه وفي اعتراف ساسته ومشرِّعيه وأهل المكانة من أهله كما يريد الأمريكان. وفي هذا اعتراف ظالم مهين غير حقيقي على النفس بالدونية والانسحاق في قبال الآخر الأجنبي الغازي.
ولو ارتكب هذا الأمر لكان من أفدح الخطأ، وأذلّ الذُّل.
الإصرار الأمريكي على الحصانة المذكورة تطبيق من تطبيقات الديموقراطية الكاذبة، والحرية الإنسانية الزائفة التي يتشدّقون بشعارها، وهذه هي عدالتهم، وهذا هو تحريرهم للشعوب، وتكريمُهم لقيمة الإنسان، وهذه هي نظاميتهم، وقانونيتهم، ومساواتهم، وهذا هو انعتاقهم من ربقة العنصرية، وعالميتُهم المنفتحة.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ ونلوذ بك لا بمن سواك، ونلجأ إليك لا إلى غيرك، ونتوكل عليك لا على من عداك؛ فارزقنا توفيق الطاعة، ودوامها، وبعد المعصية والفرار منها، واحفظنا بحفظك، وأيدنا بتأييدك، وانصرنا بنصرك، وأعزّنا بعزك يا أقوى من كل قوي، ويا أعز من كل عزيز، يا فعّالاً لما تريد.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الأنوار ج68 ص333.
2 – ميزان الحكمة ج1 ص719.
3 – المصدر نفسه.
4 – بحار الأنوار ج68 ص331.
5 – ميزان الحكمة ج1 ص719.
6 – المصدر نفسه.
7 – بحار الأنوار ج68 ص336.
8 – ورغم تقدّمه الصناعي والزراعي، وفي فنون عملية نافعة كثيرة كفن الإدارة ظلت مشكلة الفقر والمرض والبؤس العام تفرضها نفسها على الملايين الفقيرة من أبنائه.
9 – هتاف جموع المصلين بـ(لبيك يا إسلام).
10 – 109/ التوبة.
11 – هتاف جموع المصلين والشيخ بـ(لبيك يا إسلام)