خطبة الجمعة (329) 9 جمادى الثاني 1429 هـ – 13 يونيو 2008م
المواضيع الخطبة:
*حديث العادة *المدينة الشمالية إلى متى ولم تكون؟ *وقفة مع قضية المعذّبين *أيها المسلم
نسأل لِمَ تتضخم ميزانية الدفاع والأمن على حساب ما تتطلبه ضرورة الإسكان، ولماذا يتواصل العمل على تدفق المجنسين الذين يجدون سكنهم الفسيح في هذا الوطن براحة ويسر وكرامة، بينما يشقى المواطن الأصلي في هذا البلد من شُحّ الحياة وأزمة السكن وهو لا يجد وطناً آخر غير هذا الوطن ولا يجد عشيرة ولا أهلاً في غير هذه الأرض؟!
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي ما أطاعه مطيع إلاّ بتوفيقه، وما عصاه عاص غلبة له، وما جاء خيرٌ على يد أحد إلاّ من فيضه، وما أتى أحدٌ من شرٍّ بظلم منه سبحانه. يجزي خيراً كثيراً، وثواباً عظيماً على الطاعة التي أقدر عليها، ووفّق إليها، ويعفو عن المعصية التي استعان مقترفها باستعمال نعمه الكريمة فيها. الحمد لله دائماً أبداً بلا عدّ ولا حدّ أتمَّ الحمد وأكمل الحمد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المضيِّعةَ للمثوبة الكريمة بتقوى الله، والإذعان للحق في ما عظم وحقر، مع القريب والبعيد، والكبير والصغير، وهو من أشدِّ ما تمتحن به النفس وطاعتها لمولاها، وما عليه صدق تقواها، وهو أصعب على نفوس من صلاة وصوم وحج وخمس وزكاة، وَقَيِّمُهُ إنما هو ما كان عن صدق التواضع لله العظيم.
ولقد كان الاستكبار على الحق في نزاعات الرجال هو النتيجة الفاشلة لتجربة الإيمان عند الكثير ممن مضى من أبناء الأمة المسلمة بعد إقامة طويلة على الصلاة والصوم والجهاد.
أعاذنا الله من طغيان النفس، وغلبة الهوى، والاستكبار على الحق، وطلب العزّ بالباطل، ونسيان ما هو الحق من توحيد الربوبية، ومن ذلِّ العبودية.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أما بعد أيها الأعزاء من إخواني المؤمنين والمؤمنات فإلى حديث موضوعه العادة:
والعادات حسنة أو سيئة مكوّنٌ مهمّ من مكوّنات الشخصية الإنسانية على المستوى الفردِ والمجتمع، وكل مكونات شخصيتنا ومنها العادات تشارك في نمط حياتنا، وتعاملنا مع الأشياء والقضايا والآخرين، وتقف وراء نجاحنا أو فشلنا في مختلف الميادين.
وهناك علاقة بين الإرادة والعادة، ففي مرحلة بناء العادات سيّئة كانت أو حسنة يأتي، يمكن للإرادة أن تتجه لبناء عادة حسنة أو لبناء عادة سيئة، فبإرادة الإنسان أحياناً يُدْخِلُ في تكوين شخصيته ما هو بمنزلة الطبع من العادات، وذلك للتمكين لها من نفسه.
والاستمرار على العادة قد يكون استمراراً إراديّاً، فمع الالتفات إلى العادة، وأثرها في النفس، وما تؤدي إليه من ضغط أو توجيه في اتجاه الباطل أو الحق قد يعطي لها الإنسانُ أن تمكث في داخله، أن تترسب في داخله، أن تغوص في داخله، أن تتحول إلى شيء من شخصيته.
ويأتي حين أن العادة تتسلل ابتداء إلى الإنسان من غير انتباه، ومن غير أن تكون له الرؤية الواضحة عمّا يدخل من جديد على شخصيته. وهذا التسلل إنما يأتي في حالة غياب للإرادة، أو في حالة غياب للرؤية، وقد يستسلم الإنسان للعادة، لانهزام الإرادة، أوسقوطها وخسارتها الإرادة أمام طغيان العادة وسلطانها على النفس.
وموقف آخر للإرادة من العادة وهو موقف التحرر، موقف التمرد، موقف مواجهة العادة بقوّة من أجل التخلص من قهرها وسوئها.
وكثيراً ما تواجه الأمم والشعوب غزواً فكريّاً وثقافيّاً وسلوكيّاً عبر العادات المتسلّلة، فقد تواجه الأمّة غزواً من هذا النوع أومن ذلك النوع لا بواجهته الأصل، وإنما عبر مجموعة من العادات التي تصبّ في صالح الغزو الثقافي أو الغزو السياسي أو أي نوع آخر من الغزو، وتأتي هذه العادات بصورة متسللة، وعبر طرق مختلفة لتدخل في حياة الأشخاص، وفي حياة الأسر، وفي حياة المجتمعات، وكثيراً ما تكون البوابة لهذه العادات هي عادات المساحة الاجتماعية من مثل موضوع الزواج، حفلات الزواج، حفلات الأفراح عموماً، حفلات الأحزان وما إلى ذلك.
والموقف القوي للإرادة يتمثّل في البناء للعادات الصالحة، وأن أتعمد بناء عادات صالحة تعطي لشخصيتي طابعاً جديداً من القوة والمتانة، وتيسّر لي سبل التعامل مع الخير والأخذ به من غير معاناة ومكابدة. فإن العادات الحسنة كثيرا ما تسهل على الشخصية سبل الفضيلة، وتكسبها مرونة التعامل على طريق الخير وبصورة شبه تلقائية من غير أن تواجه صعوبات على هذا الطريق.
ويتمثل الموقف القوي للإرادة في الاستمرار على الصالح من السلوك في القول والعمل، وأن يحرص الإنسان على الإبقاء على ما اكتسبه من عادات قد يكون اكتسابها عبر طريق طويل من المجاهدة والمكابدة.
ثم يأتي دور الإرادة القويّ في التحرر من السيء من العادات، ومواجهتها مواجهة قويّة فولادية تخلّص الشخصية من موانع الصعود، وعوائق الكمال، فإن العادات السيئة تمثل قيودا وأغلالا على الشخصية في طريقها للتكامل.
ونحتاج للتعامل مع العادات ابتداء واستمراراً إلى وضوح الرؤية وصحتها، وأن تكون عندنا رؤية واضحة صحيحة تملك في نفوسنا حضورا قويّا فاعلا. فإن من يغفل يسقط في وَحَلِ العادات السيئة ولا يجد نفسه من بعد حين إلا وقد تغلغلت هذه العادات إلى أعماق شخصيته وأصبحت مكوّناً من مكونِّاتها.
وإذا لم يكن للرؤية الصحيحة حضور كاف في النفس فإن العمل على استحضار هذه الرؤية مسؤولية من مسؤوليات الإنسان الذي يعيش دورا مسؤولا في هذه الحياة، وأول ما يتصل به هذا الدور هو أن يبني شخصية إيمانية قويّة في غمار هذه الحياة وفي ساحات صراعاتها.
والإرادة يمكن أن تكتسب الحيوية والفاعلية القوية مرّة، ويمكن أن تعاني من خمول وذبول أخرى، والإنسان هنا أيضا يقف أمام مسؤوليته الخاصة في الحفاظ على الإرادة القوية وتنشيطها وذلك عن طريق الممارسة العملية المقصودة على الطريق الصحيح الإيجابي.
والموقف الضعيف هو دائما الطريق المفتوح لتسلل العادات السيئة، وللاستسلام للعادات المكتسبة من هذا النوع.
ونقف أمام كمٍّ كبير من الأحاديث والكلمات الشريفة للمعصومين عليهم السلام التي تكسبنا البصيرة في موضوع العادة وتأثيرها، ومسؤولية مواجهتها.
الكلمة عن علي عليه السلام تقول:”العادة طبع ثان”(1).
ونحن نعرف أن الطبع لا يُتخلّص منه. تُطبع الشخصية على أبعاد لا يمكن التخلّص منها، أما العادات فأمر مكتسب، وهو ما يقابل المطبوع ويجد طريقه إلى أعماق الذات ليتحول شيئا منها، ويفرض وجوده في نسيجها.
وحين تتحول العادة إلى شيء من نسيج الذات بطول المكث، وقوة التفاعل معها، واحتضان النفس واستئناسها لها تكون العادة بمنزلة الطبع الذي لا يمكن التخلص منه، وإذا أمكن التخلص منها فهو يحتاج إلى جهود مضاعفة، ومواجهة مستمرة في معركة طويلة ضارية.
كلمتة عليه السلام لا تريد أن تقدّم لنا حقيقة علمية جافّة إنما تريد أن تلفت نظرنا إلى أهمية العادة الحسنة وإلى خطورة العادة السيئة فلا نسمح لأنفسنا بأن تستقبل أي عادة من العادات من غير أن ندرس هذه العادة، ونقيّمها لنعرف أنها تلتقي مع خط شخصيتنا المطلوبة أو لا تلتقي مع هذه الشخصية. إذا كانت العادة تمثل طبعا ثانيا فمعنى ذلك أن لها تأثيرا هائلا على حياتنا، على حاضرنا، على مستقبلنا، فلابد من دراسة العادة، ومن الاحتراس من تسلل العادات السيئة إلى داخلنا.
وتقول الكلمة الأخرى عنه عليه السلام:”للعادة عل كلّ إنسان سلطان”(2).
للعادة هيمنة، لها ضغط، لها تأثير، فكما تدخل الدوافع الفطرية في تكوين الموقف، في تحديد الموقف، في تلوين الموقف، تشارك العادات المتسلطة على النفس في هذا الأمر، وإن مواقفنا كما تدخل في تحديدها الدوافع المادية أو الدوافع المعنوية أيضا تشارك العادات في تحديدها وتلوينهاكذلك.
“آفة الرّياضة غلبة العادة”(3).
الرياضة المعنيَّةُ هي مقاومة لشهوات النفس، وهي رياضة معنوية، وهي على حد الرياضة البدنية، فكما أن قوة العضلات وسلامة الجسم، وتحمْله يحتاج إلى الرياضة البدنية فكذلك قوة النفس، وتخلصها من حالة الوهن، واشتداد عودها، وقدرتها على تحمل المهام والمسؤوليات والتكاليف هو الآخر يحتاج إلى الرياضة المعنويَّة. فالرياضة عموماً هي مقاومة من أجل الارتقاء بحالة البدن، أو بحالة النفس، واكتساب القوة.
وهذه الرياضة هي مجاهدة مضمونها هو المجاهدة، هو المقاومة، هو المواجهة، هو محاولة تحمُّل ما يتراءى للنفس أنه فوق طاقتها. وكثير من الأمور إذا ثبتت النفس أمام تحدّيها استطاعت أن تتحملها وإذا لم تثبت ودخلها الخور والوهن ضعفت حتى عن أبسط الأمور.
النفس إذا وثقت، إذا صممت، إذا قويت إرادتها، إذا دخلت ساحة الجهاد مع الرغبات والشهوات وجدت من نفسها القوة القادرة على هزم كثير من الصعاب، وتجاوز كثير من العقبَات، وتحمل كثير من التكاليف، والعكس بالعكس.
“غير مدرك الدّرجات من أطاع العادات”(4).
يراد الدرجات المراقي المعنوية للنفس، وحالات القوة المتقدمة، وهي درجات ترفع شأن النفس في الدنيا، وترفع شأنها في الآخرة وهو الأهم. الإنسان إذا استسلم للعادات من النوع السيء، وتعامل معها تعامل الغافل، ولان أمامها، ولم يستشرس في مواجهتها فإنه لا يستطيع أن يعبر الطريق الصعب في هذه الحياة الذي هو طريق بناء النفس واكتسابها للقوة والمتانة.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل وسلم على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من أن يكبر في صدورنا خلق من خلقك فيلهينا عن عظمتك، أو يصغر في نفوسنا شيء ممن خلقت وما خلقت فيطمعنا ذلك بالنيل منه بما لا تحب نسياناً لقدرتك علينا، وشديد أخذك لمن ظلم. اللهم لا تمنعنا هداك فنضلَّ، ولا تخذلنا فنكون من الهالكين. اللهم افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}
الخطبة الثانية
الحمد لله الغفّار وهو القادر على الأخذ، الستّار وهو القادر على الفَضْح، المخيِّر للإنسان وهو القادر على القهر، يمهل العاصي وهو القادر على المعاجلة، ويقبل التائبَ المستحقَّ للعقوبة، ويُكرِم الآئب الراغب في المثوبة.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله المملوكين له وجوداً وحياة، وسكوناً وحركة وأثراً، والمتقلّبين في نعمه، ولا مفرَّ لكم من ملكه علينا جميعاً – نحن عبيده واماءه – بتقواه معراجِ الخير، وسُلّمِ الكمال، وطريق السمو؛ لأن التقوى أن تأخذ بنفسك على الصّراط إلى الله، وليس في الصّراط إليه سبحانه إلا الهدى والصلاحُ والخير والسموُّ والكمال والطهر والجلال والجمال. فما على الطالب لصلاح نفسه وخيرها وهداها وسموّها وعزّها وكرامتها إلاَّ أن يسلك الطريقَ إلى الله سبحانه بملازمة الطاعة له وإخلاصها، ومجانبة المعصية لأمره ونهيه وتطليقها؛ فإنّه صائر حتماً إلى ما تنشده فطرته من السعادة والرّفعة، ناجٍ بلا ريب مما تنفر منه من الشقاء والسقوط.
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أعذنا من أن نسلك غير الطريق إليك، وأن ننفق العمر في غير طاعتك، ولغير الغاية التي رضيتها لأوليائك، وأن تزلّ بنا قدمٌ عن الصراط.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين حجج الله على عبادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك وانصرهم نصرا عزيزا كريما مبينا ثابتا دائما.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات فهذه بعض كلمات:
المدينة الشمالية إلى متى ولمن تكون؟
1. مشروع المدينة الشمالية كان من وحي كونه ضرورة لا ضرباً من الترف، وكونه حلاًّ عاجلاً لجزءٍ من مشكلة متفاقمةٍ لا مسألة متراخية، وقد فُهِم شعبيّاً أنه تخفيف من معاناة المواطن المحتاج، وليس بما هو منتزه يضاف إلى المنتزهات الكثيرة التي تعرفها حياة المتسلّطين والمتنفذين، وكان الفهمُ عنه أنه توسعة بعد الضيق الذي يعاني منه المخنوقون في زنزانتهم السكنية لا أنه عودة بهم إلى زنزانات أخرى مع سلبيات وأسواء مضافة.
فإذا كان الشهر الثامن من هذا العام هو موعد توزيع الدفعة الأولى من بيوت الشمالية على عددٍ من المستحقين ولحدِّ الآن لم توضع حجر على حجر فيها فإن هذا يتنافى مع كون المشروع ضرورة لا شيئاً ترفيّاً، وحلاً عاجلاً لمشكلة ملحة لا يصح التعامل معها بالتراخي.
وإذا قيل بأن الغلبة ستكون للشقق لا للبيوت على خلاف الوعد الأول فقد رجعنا بالأسر المحتاجة إلى حياة السجون، مع زيادة سلبيات أخرى منها ما يأتي:
فالشقق ماذا تعني؟ ماذا فيها؟ فيها
أ. الجوار غير الاختياري، الجوار الشديد المفروض على الأسرة تحت ضغط الحاجة.
ب. التعرض لتهديد الحياة بصورة جماعية، ذلك لأن أي حريق أو حدث مفزع يواجه عمارة سكنية من عشرة طوابق مثلا –لا سمح الله– يمثل كارثة كبرى لعدد غفير من الساكنين.
ج. تسبب طبيعة السكن المزدحم، والتجاور الشديد في الشقق، والاشتراك في المصاعد، والاطلاع الكبير شبه المفتوح على أهل الجوار في حدوث سرقات، واعتداءات أمنية، وفساد في العلاقات الخُلقية، ومنازعات، وخيانات خاصة مع عدم التجانس بين أهل الجوار الذين فرض عليهم فرضاً. وإذا صدق ما يقال بأن مساحات واسعة قد حُجزت لقصور المتسلطين والمتنفذين وترفهم فإنه ظلم فاحش. ومن الدناءة والخسة أن يزاحَم المواطن المعسور إلى هذا الحد من أكابر المترفين.
والصحيح أنّ لمدينة الشمالية وأمثالها للذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت بظلم الإنسان لأخيه الإنسان وليست للذين لا يدرون كم هي أراضيهم لكثرتها، وما مساحاتها، وهي أكبر من كونها واسعة، وليست للذين لا يسعهم الوقت للتنقّل بين القصور والبساتين والأراضي والمنتجعات التي يملكونها لما هي عليه من تعدّد وتباعد.
ولا ينبغي الاعتذار عن العدول عن وعد البيوت إلى الشقق بارتفاع أسعار المواد الخام وكلفة البناء فإن مع هذا الارتفاع ارتفاعاً كبيراً كذلك في أسعار النفط، والمتضرِّر الأكبر من ارتفاع أسعار المواد الأخرى إنما هي الشعوب التي لا تصلها حصتها الحقيقية من ارتفاع القيمة لبرميل النفط لا من خلال مستوى الدعم للسلع محل الحاجة، ولا من خلال الزيادة في الرواتب.
واستمرار ربط الدينار بالدولاء الذي يعاني من تراجع في قيمته الشرائية ليس من مسؤولية الطبقة المحرومة من أبناء المجتمع وليس عليهم أن يتحملوا ضريبة أي خطأ في هذا المجال من الغير.
ونسأل لِمَ تتضخم ميزانية الدفاع والأمن على حساب ما تتطلبه ضرورة الإسكان؟! ولماذا يتواصل العمل على تدفق المجنسين الذين يجدون سكنهم الفسيح في هذا الوطن براحة ويسر وكرامة، بينما يشقى المواطن الأصلي في هذا البلد من شُحّ الحياة وأزمة السكن وهو لا يجد وطناً آخر غير هذا الوطن ولا يجد عشيرة ولا أهلاً في غير هذه الأرض؟!
وإنه لا قيمة عملية لتكديس أسلحة بمليارات الدنانير لتتقادم كما تقادم غيرها وهي في مخازنها بينما يكون التضييق على حاجة السكن الضرورية.
وأما الأمن الداخلي فإنما يُشترى بكسب ثقة المواطن لا بإثارة الريبة عنده من جهة، وإشعاره بأنه العدو الملاحق والمستهدف من جهة أخرى.. رضا المواطن إنما يُشترى ببيت يسكنه، ولقمة عيش مريحة، وكرامة محترمة، ودين غير مستهدف، وخيار مذهبي غير معاقب عليه، وبإنصافٍ يشعره بالاعتراف له بحقوق مواطنيته وأنها على حد مواطنية أي مواطن آخر يشاركه وصف المواطنية الأصيلة.
نعم، لابد أن يكون هناك إنصاف يشعر هذا المواطن بالاعتراف بأنه مواطن على حد ما عليه المواطنون الآخرون في مسألة المواطنة، وأن مواطنته من الدرجة الأولى إذا كان حقّها كذلك.
ولا يُشترى الأمن الداخلي بالميزانيات الضخمة واستيفاد أعداء غفيرة من المشتغلين في الداخلية وخبراء التعذيب المرتزقة، وبزيادة السجون، وتشديد العقوبات، وتوتير الحالة الأمنية بالمقالات الصُّحفية الممزِّقة، وبكيل الاتهامات للشرائح الواسعة من المواطنين وعلى لسان رسميين كبار في أكثر من مناسبة، وبممارسات قمعية من النوع المعبِّر عن الانتقام والاستهتار.
وقفة مع قضيّة المعذّبين:
1. تعتمد محاكمة المتهمّين في قضية حرق المزرعة والجيب وقتل الشرطي على ما تدّعيه وزارة الداخلية من اعترافات أدلى بها المتهمون في غياهب السجون.
وهذه الاعترافات التي واجهها إنكارٌ صريح للتُّهم أمام القاضي، وإعلانٌ واضح من المتهمين بتعرّضهم لألوان بشعة من التعذيب النفسي والجسدي والتهديدات المرعبة والمسيئة والتي تعاطى خبرها الإعلام، وتحدث عنها البيان الصحفي الصادر عن هيئة الدفاع عن المتّهمين بتاريخ 22 مايو 2008م لا قيمة لها أصلاً على تقدير حدوثها كما هو معلوم من الشرع والعقلاء والقانون.
2. لذلك فإن أحكام الإدانة للمتّهمين والعقوبةَ المترتبة عليها من قبل أي محكمة غير مقبولة بتاتاً عند أي منصف من أبناء الشعب، ولو حدثت فستمثّل صدمة قاسية للرأي العام، وستُسيء إلى الوضع الأمني المضطرب أصلاً بسبب السياسات الظالمة، وما تستتبعه من ردات فعل لا يكاد يُفرَّقُ في التعامل القاسي والمستفز معها من قبل قوات الأمن بين مستوى وآخر. وحادثة إطلاق قوات الأمن الرصاص المطاطي من مسافة قريبة على المواطن الذي نسب إليه مشاركته في اعتصام البلاد حتى أحدثت تهشّماً في جمجمته وكاد يخسر حياته بسببها شاهد واحد من الشواهد المتكررة لفظاظة وفظاعة رد الفعل المتهور لقوات الأمن في مواجهة الاحتجاجات السلميّة.
إن استمرار الوضع على ما هو عليه من إصرار الحكومة على الكيد بالشعب وتأزيم الأجواء بالعديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والخلقية والدينية، والتمسك بالدستور المفروض برؤوس الحراب، والتجنيس الظالم، والعبث بشريعة الله معناه أن الحكومة قد اختارت لأبناء الشعب السجون، والمحاكمات، والعقوبات الظالمة، والمطاردات، والمداهمات لأن معارضة الأوضاع الضاغطة والسياسات الظالمة أمر طبيعي ومتوقَّع جدّاً من شعب يعيش الشعور بالعزّة والكرامة، ويتمسك بحقِّه في الحياة الإنسانية اللائقة، والمشاركة في صناعة قرار حاضره ومصيره.
وفي الوقت الذي قد حدّدنا فيه خيارنا الرافض لأسلوب العنف، والذي نوصي شبابنا الكرام دائما باجتنابه نسأل الجهة الرّسمية ما هي الأساليب السلمية التي تراها كذلك؟! وهل بقي أسلوب سلمي للمعارضة في نظر الحكومة؟! وهل تسمح السياسة القائمة غير المصغية لنداء العقل بأن تكون للشعب قناعة بجدوى لغة العقل ولو بعض الشيء؟ متى يقتنع الشعب بالأسلوب السلمي، ويلتزم بالأسلوب السلمي ولا يغادره، ذلك أن يجد من الأسلوب السلمي جدوى ولو بعض الشيء على المستوى العملي، تعاملوا مع المستوى السلمي تعاملاً إيجابيّاً، اعطوه بعض القيمة، اقبلوا الحوار المنتج سترتفع كل الحالات التي قد تشتكون منها.
كل الأساليب السلمية تُواجَه بالهزء والسخرية بل ويُرمى أصحابها بالإرهاب، والتآمر، وعدم الولاء للوطن، ولم يبقَ مخلص في هذا الشعب للبحرين وأهلها إلا من النوع البندري الذي أنتنت جو الوطن روائح تآمرهم عليه وأزكمت الآناف، والحكومة تصرُّ على التستر عليهم وحمايتهم من طائلة القانون.
وهل يُراد لنا أن نكون متآمرين على هذا الوطن وأبنائه الكرام مع متآمري تقرير البندر الذين فضحهم لنكون صادقي الولاء والوفاء والإخلاص؟! لم يبقَ إلا هذا، وهذا مستحيل.
وهناك من لو ارتكب هذا الإثم الكبير مجرماً للاحقَ ولاءَه التشكيك، ولم يُفلح في إثبات براءته من محاولة تقويضه للنظام لأن الأصل في حقّه عند الحكومة أنه مذنب.
أيها المسلم:
نداء لكل مسلم ومسلمة بمناسبة موسم الصيف الذي يكثر فيه السفر.
1. سافر سفراً واجباً أو مستحباً أو مباحاً على أقل تقدير. فسفرك قطعة من عمرك، واللحظة الواحدة من العمر ذات قيمة عالية لابد أن نقدّرها، وسفرك ناتج قطعة أخرى من العمر سبقت، فقد كسبت وادّخرت حتى تأتّى لك أن تسافر، إذاً أنت توظّف قطعتين عزيزتين من العمر من أجل السفرة الواحدة.
وإنك تحت رقابة الله أينما ذهبت، ولا تتمّ لأحدنا معصية إلا بإساءة الاستعمال لنعم الربّ العظيم الأعظم الذي نعصيه. إنّك لست واجداً أبداً ماتستعين به على معصيتك خارجَ عن نعم الله تبارك وتعالى، ائت بالعين غير التي أعطاك الله، ائت بيد غير التي رزقك الله إياها، برجل، بسمع، بأيّ حاسّة من الحواس، بأي لحظة من لحظات الفكر، ولا معصية إلا بكل ذلك أو بشيء وآخر من ذلك.
وكلّ ذلك من نعم الله سبحانه وتعالى. وكل لذّات الحرام غُصص مؤلمة لحظة الموت وبعدها، ويوم الحساب، وإنّ لها لآثاراً محطِّمة في الحياة، وهي الكارثة الكبرى في يوم الآخر.
2. إنه لابد للمؤمن والمؤمنة في كل حضر وسفر أن يوفّق بين أوضاعه ونيته وسلوكه وبين خاتمة الأسفار وما يحفه من المخاطر والأهوال ألا وهو السفر الذي لا بد منه، ولا توقيت بيد المرء له، وهو سفر الآخرة، ولن ينفع أحداً أبداً أن ينسى ذلك السفر أو يتناساه، ويغُضّ نظره عنه. وإن غداً لناظره لقريب.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا وتب علينا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا أولياء لمن والاك، وأعداء لمن عاداك، وأنصاراً لدينك، وحرباً على الكفر والضلال، وانصرنا نصراً عزيزاً مبيناً، وادرأ عنّا، واجعل كلمتك في الأرض هي العليا، وكلمة الذين ظلموا وضلّوا وأضلّوا هي السفلى يا من هو على كل شيء قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج7 ص122.
2 – المصدر نفسه.
3 – المصدر نفسه.
4 – المصدر نفسه.