خطبة الجمعة (308) 9 محرم الحرام 1429هـ – 18 يناير 2008م

مواضيع الخطبة:

*متابعة الغنى والفقر *مع عاشوراء *لا اعتراف مع الإكراه *نواب يدعون إلى التمييز

عجيب كل العجب أن ممارسة التمييز والطائفية في نظر هؤلاء النوّاب ليس من الطائفية، أما طلب التحقيق في التمييز والطائفية فهو الطائفية! أي فهم هذا؟! أي عقلية هذه؟! أترون أن هذا الشعب مجموعة أغنام، مجموعة أبقار؟!!

الخطبة الأولى

الحمدلله ذي القدرة المحيطة الذي لا يُعجزه شيء، والعلم النّافذ الذي لا يخفى عليه خافٍ، ومن علمه أنّه يعلم الكون الذي خلق، ولا قيامَ له إلا بمدده وتدبيره كم هو من مثقال ذرة، وما تصير إليه الأشياء، وتنتهي إليه الخواتم، وما عليه النيّات، وما تؤول إليه، و ما عليه تبدُّل العزائم، وما ستتعرض له، ثمَّ تكون عليه، وكلُّ شيء سابق أو لاحق في علمه سواء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغارقة في غفلتها بتقوى الله والاعتماد عليه، والاستغناء به عمن سواه، وعدم الاحتماء منه بمن عداه؛ فالكل مخلوق له، وليس من خلقه من يمتنع في نفسه عن قَدَرِه، أو يملك فراراً من أخذه؛ فكيف له أن يدفع عن غيره عقابه، ويمنع عنه عذابه؟!
عباد الله إنَّ لأهل السلطة الاعتبارية من عبيد الله المملوكين له، المقهورين لقدره أوامر ونواهي لمن يحكمون، يعتمد نفاذها على مالٍ وجندٍ وسلاحٍ وكلُّ ذلك مملوك لله، خاضع لإرادته، غير خارج عن قدرته، ولهم حدود يضعونها على الأشياء والتصرفات لا يكاد يتعداها المحكومون رهبةً ورغبةً، وفي تعدّيها وتحدّيها توطين للنفس على معاناة الأذى والعقوبة. فكيف لعاقل يتوقف في الكثير عن تعدّي حدود من وَضْعِ العبيد ويلتزم أوامرَ ونواهيَ من اعتبارهم بينما يسهل إقدامه على التعدي لحدود الله، ويستخف بأوامر المولى الحق ونواهيه؟! وإذا كانت عقوبات العبيد لا تُطاق فكيف تُطاق عقوبة نار سجَّرها جبّار السماوات والأرض لأهل غضبه؟!
وإذا كبُر هدف كريم على وزن عقوبة من عقوبات الدنيا والعبيد فأيُّ هدف كريم في مواجهة الله سبحانه؟ وأي عقوبة من عقوبات الله عزّ وجلّ يمكن أن يستهان بها؟! وماذا تساوي عقوبة دنيا من عقوبة آخرة؟! عقوبة عبد مملوك من عقوبة ربٍّ مالك؟!
اللهم إنَّا نعوذ بك أن تكون لنا مهابة من أحد كالمهابة من عظمتك، وخوف كالخوف من بطشك، وتوقف عن حدٍّ كالتوقف عن حدودك، وتقديس لأمر أو نهي كالتقديس لأمرك ونهيك.
اللهم اجعل خوفنا منك، وطاعتنا لك، وتوقيرنا لشريعتك، اللهم صلّ على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أما بعد فلنرجع لموضوع “الغنى والنفس” بشيء من الحديث:
هناك غنى مال، غنى مادّة، وهناك غنىً من نوع آخر وهو غنى أكبر وأأصل وأثبت.
مرّ من هذا الغنى في حديث الجمعة السابق غنى الدّين والمذهب، غنى الهداية للطريق الحق، وفي هذا السياق تأتي الكلمة عن الإمام علي عليه السلام:”لا غنى كالعقل”(1) غنى المال لا يساوي شيئاً من غنى العقل، المال بلا عقل يدمّر صاحبه، ويهلك الحياة، ويقود إلى السوءات في الدنيا، وقد يكون السبب لسقوط صاحبه من شاهق على مستوى المعنى والشرف، بينما الإنسان بعقله يكون مستوراً محفوظاً مهاباً عزيزاً كريماً، يهتدي الطريق، ومن عقله يستمدّ صبراً على الدنيا.
“(كان من دعاء عليّ بن الحسين عليهما السّلام في الرّضا إذا نظر إلى أصحاب الدّنيا)… واعصمني من أن أظنّ بذي عَدَمٍ خساسةً، أو أظنّ بصاحب ثروةٍ فضلاً، فإن الشّريف من شرّفته طاعتك، والعزيز من أعزّته عبادتك”(2).
يحسّ بطعم الغنى ويستذوقه، من كانت صلته بالله عزّ وجلّ قويّة، ولا تقوى الصلة بالله عزّ وجلّ إلا من خلال طاعة مخلَصة، وعبادة واعية. فطاعة الله عزّ وجلّ وعبادته تغني النفس، وتثريها بالشعور بالكرامة، والشعور بالثّقة، والشعور بالعلوّ حتّى تقف نفس الفقير الغنيّة بصلتها بالله عزّ وجل أشمخ من شامخ أمام غنى الأغنياء، وثراء الأثرياء، وإنّك لتجد غنيّاً يذلُّ أمام حفنة من مال، وفقيراً يكبر على المواقف الصعبة وعلى كل المغريات والتحديات. شخصٌ يملك الملايين فلا يثبت أمام فرصة مليون جديد، وفقير ذاكر لله عزّ وجلّ، غنيٌّ بصلته بالله سبحانه وتعالى لا يأبه بالملايين فضلاً عن أنه لا ينهزم أمانها، فتراه لا يلين، ولا يأسَى لفوات كل الملايين التي تتحدّى دينه، وتريد أن تشتري منه دينه، ويبقى على دين قويم.
وفي نفس السياق:”من أراد أن يكون أغنى النّاس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره”(3).
لأن ما في يد غير الله نافد، والغير يموت، ويتبدّل كرم الغير بخلاً، وتتبدّل شفقته قسوة، الآخر قلب متقلّب وأحوال متقلّبة، أما الذي لا يتغيّر وجوده، ولا يمسّ غناه فقر، وهو دائم الرأفة والرحمة بعباده فهو الله سبحانه وتعالى.
“من استغنى بالله افتقر النّاس إليه”(4).
فِيمَ يفتقرون إليه وهو الفقير بلا مال؟ في مستوى نفسيّته، في صفاء روحه، رجاحة عقله، الهدى الذي هو عليه، الراحة القلبية التي يتمتع بها، السموّ الروحي الذي يعيشه، العزّة والشموخ الذي يوفّره له استغناؤه بالله سبحانه وتعالى.
وكلِّ ذلك زادٌ لا يُشترى بمال، وكلّ ذلك شيء ضئيل منه أكبر فيما يعطيه النفسَ من راحة من كلّ المال. فالنّاس محتاجون إلى ذلك النوع من الإنسان.
“من رُزِق ثلاثاً نال ثلاثاً وهو الغنى الأكبر: القناعة بما أُعطي، واليأس ممّا في أيدي النّاس، وترك الفضول”(5).
القناعة بما أُعطي لاتتم إلا بالثقة بالله عزّ وجلّ، وطلب رضا الله تبارك وتعالى، وتقديمه على كل شيء، وبرقيّ النفس حتّى لا تأنس بشيء كما تأنس بذكر الله.
واليأس مما في أيدي الناس يقوم على نظرة ثاقبة دقيقة صافية تحدد لصاحبها أن الناس – كما مضى – يموتون ولا يبقون، تتغير قلوبهم وتتغير أحوالهم، وسوامق وشواهق من النّاس تندكّ اندكاكاً حتى تتحول ودياناً، وأرقام كبيرة في الناس تصغر بعد جاهٍ عريض أو مال وفير أو سلطان ضخم.
في كثير من الأحوال أن ما يشقي الناس أنهم يتبذّخون في مأكل ومشرب وملبس ومسكن وغير ذلك، ويطلبون ما لا يخدم حياتهم، ولا يوفر لهم الصحة بل قد يوقعهم في الأمراض.
وطلب الزائد من اللذائذ ومن المتاع ومن أشياء الدنيا وزينتها يُتعب النفس، فإن شره الدنيا لا يقف عند حد، والتعلّق بالرغبات يمتد ويمتد مع الأيام حتّى لتعجز الدنيا كلّها عن تلبية شره نفس تعلّقت بها، فكيف لا يتعب صاحب شره كذلك، ومتى يشعر بالغنى وكل ما في الدّنيا لا يملأ عينيه؟! ولو ترك الفضول لشعر بالراحة، ولوجد أن القليل من المال يكفيه.
اطلب الكثير من المال لصلاح حياتك وحياة مجتمعك، ولكن لا تكن في يوم من الأيام أسير شهوة. فحتّى الشهوات الحلال لا تكن أسيراً لها فتندك وتهلك. يأتي الشاب يشتكي من أنّ من وقعت في ذهنه تمتنع عن قبول الزواج به وإنه في محنة من ذلك. إنك توقع نفسك في شبك، توقع نفسك في مصيدة، في زنزانة، لماذا تأسر نفسك هذا الأسر؟! ولماذا تملّك قلبك لفتاة لها حريتها؟! ولماذا تملّكين قلبك فتى له حريته؟! ولماذا لا تكون إلا هذه الوظيفة؟! ولماذا لا تكون إلا تلك السيارة؟! ولماذا لا يكون إلا ذلك البيت؟ أنت هنا تبيع نفساً، تبيع حياة، تبيع حاضرا ومستقبلا لبيت من نوع معيّن، لفتاة معيّنة، تلك تبيع نفسها لحب فتى معيّن، كن الحرّ؛ وأقسى عبوديّة أن يكون أحدنا عبدا في داخله لشعور من المشاعر الرخيصة، ولرغبة من الرغبات الفانية، وشهوة من الشهوات المذلة.
“(من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام لأبي ذرّ لمّا أُخرج إلى الرّبذة): ما أحوجهم إلى ما مَنَعْتَهُم، وما أغناك عمّا منعوك! وستعلم من الرّابح غداً”(6).
منعوك دنيا، وشحّوا عليك بمال، طردوك من أرض، وما كان أبو ذر من طلاّب المال ولا الدّنيا، وما كان يجد أحد النّاس أنه قادر على تهديد تماسك أبي ذر، وصلابة أبي ذر، وشموخ أبي ذر بحرمان من فرصة مال، وبحرمان من فرصة دنيا، لكن الإنسان يحتاج إلى موطن، إلى بعض أشبار من الأرض تحمله في مجتمع من الناس، وقد منعوه، هذا، وما منعوه فيما يرى علي عليه السلام إلا رخيصاً، ودونيّاً رخيصاً، منعوه دونيّة، وماذا كانوا يطلبون منه في قبال أن يبقى على أرض؟ كان المطلوب منه أن يُعطي عقلاً وديناً ومروءة ومستوىً إنسانياً محلّقاً لا يستطيع ملايين من الناس اللحاق به.
والإنسان محتاج إلى ما عليه نفس أبي ذر وروحه من كنوز أكثر من حاجته إلى مال أو متاع.
منعوه أمنه الخارجي، وبقاءه في أرض، وبخلوا عليه بوطن وسكنى، وما أرخص كل ذلك أمام ما عليه أبو ذر من مستوىً عالٍ رفيع، كان الذين منعوه من دنياهم في أشد الحاجة إليه كما هو كلّ إنسان.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تفقرنا من دينك، ولا تحرمنا هدايتك، ولا تسلبنا ولايتك، وثبّتنا على دينك، وأغننا بمعرفتك، والثقة بك والتوكل عليك، والرضا بما قسمت، وارزقنا خير الدنيا والآخرة، واكفنا شرّهما، فأنت الكافي من كل سوء، وإليك منتهى الخير كلّه يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي وفّق أهل السعادة لطاعته، وحذّر أهل الشقاء من معصيته، وأكرم أهل الدرجات الرفيعة بالشهادة في سبيله، وهدى النّاس إلى النجدين، وأراهم الخير خيراً، والشرّ شرّاً، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، ونصّب الأئمة الهادين فأقام الحجّة وأتمها، فلا يضلّ أحدٌ إلا بتفريطه، ولا يشقى إلا بسوء اختياره، ولا ينتهي إلى النّار إلا بتمرّده.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله الذين لا تقومون ولا تقعدون إلا بقوته، ولا تحيون لحظة إلا بمدده، علينا بتقوى الله ومجاهدة النفس في رقابة دائمة، ومحاسبة مستمرة، وتذكير متواصل، وترغيب في الثواب، وتحذير من العقاب فقد لا تكون إلا لحظة وينغلق باب العمل وينفتح باب الحساب، وتقوم قيامة أحدنا وحينئذ لا تدارُك، ولا استرجاع عمر، ولا ينفع الندم.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أنقذنا من الغفلة وارزقنا الذكر، واجعل حياتنا في سبيلك، ووفّقنا لرضاك، واجعل مقدَمنا بعد الموت على سعادة الأبد يا أرحم الراحمين.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيين والمرسلين، الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، وفّقهم لمراضيك، وسدّد خطاهم على طريقك، وقرّب يوم نصر المؤمنين.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات الأعزاء فهذه بعض موضوعات:
مع عاشوراء:
الإسلام ليس حاجة طارئة، إنما هو حاجة الخلق إلى الله، والإمامة هي كذلك حاجة الخلق إلى الله، وحاجة الخلق للإسلام، إذ لا إسلام كما هو هو بالحقّ إلا بالإمامة.
الإسلام والإمامة من أجل الإنسان، صناعة فكره، رقيّ مشاعره، استقامة حياته، راحته في هذه الحياة، صحة علاقاته، تقدّمه، أمنه واستقراره، الإسلام والإمامة من أجل الإنسان الكامل، من أجل الإنسان الصاعد، ولا مجال، ولا طريق لسعادة حياة هذا الإنسان في الدنيا، ولا لسعادته في الآخرة من دون الإسلام العظيم بما فيه من قضية الإمامة.
وإحياء عاشوراء هو كيومها الأول من أجل الإسلام، من أجل الإمامة التي بها الإسلام، ومن أجل الإنسان الذي هو بالإسلام والإمامة.
وظيفة إحياء عاشوراء هي من وظيفة ثورة عاشوراء، ووظيفتها إحياء الإسلام، إحياء الإنسان.
فلا شيء يصدق عليه أنّه إحياء لعاشوراء بعيداً عن الهدف الكبير الرسالي الإلهي الذي تحرّكت على طريقه ثورة عاشوراء، فلنقس كل نشاطاتنا التي نريد أن نطلق عليها أنها إحياء لمحرّم بمقياس الموافقة مع الحكم الشرعي، وتحقيق الهدف الإلهي. فما كان منها موافقا للحكم الشرعي، منسجما مع الهدف الإلهي فهو إحياء وإلا كان إماتة.
ما عظمة كربلاء إلا من التزامها خط الإسلام، وتقيّدها الكامل الدقيق بكلّ قيمة من قيمه، وبكلّ حكم من أحكامه.
ولا عظمة لإحياء الذكرى إلا بذلك، إحياء ذكرى كربلاء ليس أكبر من كربلاء، وكل ما لكربلاء من قيمة عالية إنما هو من سموّ هدفها، من صدق إمامها، من تقيّدها بالحكم الشرعي في الموقف الكبير وفي الموقف الصغير، في الموقف الفردي، وفي الموقف الجماعي.
يأتي في إحياء عاشوراء ذكر المسألة البيئية والصحية، ونحن نعرف أن الإسلام من أجل الإنسان، من أجل البيئة، من أجل الصحة؛ صحة الروح، صحة البدن، صحة كل الأوضاع.
والمجتمع من أجل أن يقوى لابد أن يحافظ على سلامة البيئة، وعلى سلامة الصحة، ونحن مسؤولون ديناً عن إصلاح البيئة، وعن توفير الصحة، ومن الفساد الذي يظهر في الأرض بما كسبت أيدي الناس هو فساد البيئة، وفساد الصحة، والذي يسببه الانحراف عن خط الله سبحانه وتعالى، نحن نعرف كل ذلك ونريد وعياً بيئياً، ونريد وعياً صحياً، ونؤكد على ذلك.
وهناك لونان من الاهتمام بالبيئة والصحة في محرّم؛ هناك الأنشطة العملية التي تحافظ على سلامة البيئة وسلامة الصحة، وتكثيف هذه الأنشطة نظراً للاجتماعات الحاشدة التي قد تتسبب مخلّفاتها في تلويث البيئة وفي الإضرار بالصحة، هذه الأنشطة يجب أن تتكثّف وتتركّز في عشرة عاشوراء، ويجب أن تنال اهتمام الجميع.
أما مشاريع التثقيف والتوعية والشرح اللفظي أو استعمال الإيضاحات الأخرى لأهمية المسألة فيجب أن يسبق عاشوراء، ولا ينتزع من جماهير عاشوراء كما هو غيره من الأنشطة اللاحقة عدداً يضعف حالة الموكب وحالة المأتم.
الهدف الذي يجب أن يكون حاضرا بقوة جداً ولا يضايقه أي هدف هو إحضار الإسلام في واعية الإنسان المسلم المؤمن وشعوره وعمله.
عاشوراء هو أولاً وبالذات من أجل شدّ الأمة إلى إسلامها، شد الأمة إلى الوعي الإسلامي، إلى الهمّ الإسلامي، إلى التفكير الإسلامي، إلى تطبيق الإسلام.
عاشوراء وعلى مستوى هدفه الأول كان من أجل الإسلام، وكل شيء سينصلح إذا انشدّت الأمة إلى إسلامها. المسلم بوعيه الإسلامي، وبهمه الإسلامي، وبرشده الإسلامي لا يفرّط بالصحة، ولا يفرّط بالبيئة، ولا يفرّط بالاقتصاد، ولا يفرّط بأي شيء آخر مما ينفع النَّاس.
موسم يجب أن يُركّز على العودة بالأمة إلى إسلامها، إلى صلابتها الإسلامية، إلى نقائها الإسلامي، إلى اعتزازها بهويتها الإسلامية، إلى رشدها في مسألة الإمامة، وأنّ الفاسق لا يكون إماما، وأن الجاهل لا يكون إماما، وأن الإمام في الإسلام له مواصفاته الخاصة.
كانت ثورة كربلاء ثورة إسلام وإيمان، ثورة لتركيز الوعي الإسلامي العام، ولتركيز الوعي بأهمية وضرورة الإمامة الرشيدة.
إنه ليست لنا حياة بحق، وعزّة بحق، وتقدم بحق، وشموخ بحق إلا بالإسلام. والإحياء مستويات، وكلها قيمة من مستوى المحيين.
كلما تقدم وعي الإنسان المسلم، التزامه، تقواه، اتّزانه، رشده، وكان الذي يحيي الشعيرة من شعائر الإسلام كلما كان الإحياء أقرب إلى الحقيقة، وأقرب إلى المستوى المطلوب، وكلما هبط مستوانا، وضلّت رؤانا، وانتكست نفسيتنا، وبعدنا عن قيم كربلاء، كلّما كان إحياؤنا أقرب إلى الشكل، والشكل الذي قد يضرّ أكثر مما قد ينفع.
لابدّ من موقف قوي يشارك فيه الجميع من أجل حماية أخلاقيات المواكب، ويجب أن لا نقبل منذ اليوم أن تشوّه صورة هذه الشعيرة المباركة؛ شعيرة إحياء يوم الحسين عليه السلام.
لا اعتراف مع الإكراه:
الاعترافات المأخوذة في السجون لا تُعطى اختياراً، بعيد إلى حد الاستحالة العادية أن يتقدّم شابٌّ من الشباب الموقوفين مختاراً ليعترف على نفسه بما يدينه بسجن أو أقسى من سجن، فمن أين تأتي الاعترافات؟
الاعترافات قائمة على الإكراه والضغط الشديد، ويؤلمني جدّاً أن زوجة وأخاً لسجين نقلاً أنّ زوج المرأة مورس معه ما لا يحسن ذكره. هكذا نقلت المرأة ونقل من معها(7)، وكلما قام على الإكراه، والإكراهُ باطل، فهو باطل، فأيُّ قرار من أي محكمة يقوم على هذه الاعترافات فهو قرار وحكم باطل.
ونسأل: لماذا نوع تحقيق ينتج ونوع تحقيق لا ينتج؟
في مسائل اغتيال الشباب المؤمن، هناك تحقيق مدَّعى، ثم لا ينتهي إلى شيء ولا يوقف على أثره أحد. وأي حادثة من الحوادث التي تجري لسيّارة أو شرطيٍّ فإنك تجد عدداً هائلا ممن يُحقّق معه ويُعذّبون، وينتهون إلى محاكمة وحكم.
نسأل: ما السر وراء ذلك؟
هل السرّ أن تحقيقاً يسري يُفعّل وتحقيقا لا يفعّل؟ هل السر أن التحقيقين مفعّلان لكنّ تحقيقاً يمثل الدلال، والآخر يمثّل الشقاء والعذاب؟!
نحن هنا نطالب بكل شدة وبكل تأكيد بإطلاق الموقوفين لما سبق لأن أي حكم سيصدر في حق أي موقوف هو حكم منطلقه اعتراف مأخوذ بالقوّة. ونطالب مع ذلك بحل جذري لكل مشكلات الوطن، وذلك بمعالجة ملفاته الساخنة المختلف عليها.
نوّاب يدعون إلى التمييز:
كتل لا أفراد تدعو إلى التمييز الوظيفي. وماذا وراء التمييز الوظيفي؟
أولاً: كيف تدعو للتميز الوظيفي؟ لأنها تعارض التحقيق في هذا التمييز، ومعارضة التحقيق في هذا التمييز تعني الإمضاء والمباركة والدعوة.
رفض التحقيق في التمييز ماذا يعني بالضبط؟ يعني الإمضاء والتصحيح والرضا والمباركة والدعوة للاستمرار. وإذا أمضيت التمييز الوظيفي فأنت تمضي خلفيته قبله، وما هي خلفية التمييز الوظيفي؟ التمييز الطائفي، التمييز المناطقي، التمييز الطبقي، التمييز الفئوي، التمييز القبلي، التمييز العنصري. فأنت من خلال المجلس النيابي توجّه دعوة للتمييز الطائفي، المناطقي، الطبقي، الفئوي، القبلي العنصري، فأنعم بك من نائب!
يريدونه مجلسا لا يتحدث عن التمييز، ولا يحاسب على غلاء، ولا يحقق في مؤامرة فيها مصير الوطن كلّه، وإذا أرادوا مجلسا من هذا النوع فعليهم أن يغلقوا أبوابه.
عجيب كل العجب أن ممارسة التمييز والطائفية في نظر هؤلاء النوّاب ليس من الطائفية، أما طلب التحقيق في التمييز والطائفية فهو الطائفية! أي فهم هذا؟! أي عقلية هذه؟! أترون أن هذا الشعب مجموعة أغنام، مجموعة أبقار؟!
إن يبقَ المجلس على هذا الوضع فإنّه سيمثّل كارثة ومأساة. وسيغلق أبوابه على مشكلة وطنية كبيرة.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم كما أريتنا الحق فثبّتنا عليه حتى نلقاك، واجعل ولاءنا لك ولأوليائك، ومحيانا محياهم، ومماتنا مماتهم، ومبعثنا مبعثهم، ولا تفرق بيننا وبينهم في دنيا ولا آخرة، وهب لنا رحمتك ورأفتك ونصرك يا قوي يا عزيز يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج7 ص292. المرجع الأصلي (نهج البلاغة، حكم 54).
2 – المصدر ص293. (المرجع الأصلي الصحيفة السجادية، دعاء 35).
3 – المصدر نفسه. (المرجع الأصلي بحار الأنوار ج73 ص178).
4 – المصدر ص294. (المرجع الأصلي بحار الأنوار ج78 ص79).
5 – المصدر نفسه.
6 – المصدر ص 295. (المصدر الأصلي نهج البلاغة خطبة 130).
7 – هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).

زر الذهاب إلى الأعلى