خطبة الجمعة (307) 2 محرم الحرام1429هـ – 11 يناير 2008م
مواضيع الخطبة:
*متابعة حديث النفس والغنى *لماذا محرم؟ *لا مرحبا بك بوش
ما تقوله شعوب الأمّة العربية والإسلامية كلّها للضيف الثقيل لا مرحبا بك بوش، لا لأنه أمريكي، لا لأنه مسيحي، وإنما لأنه مجرم في حقّ هذه الأمة، وفي حق الإنسانية كلها، لأنّه نهّاب للثروة، قتّال للأنفس، مثير للفتنة، مصّاص للدماء، مجاهر بالعداوة لأمتنا، مناصر للكيان الصهيوني الغاصب، ولدولة الاحتلال الغاشم إسرائيل.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا كبير ولا صغير في الكون إلاَّ من خلقه، ولا يجدُّ شيءٌ إلاَّ بأمره، ولا أَجَلَ لشيءٍ إلا بتقديره، ولا حركة ولا تغيير خارج تدبيره، ولا عبث ولا جُزاف في صنعه، ولا ظلم ولا خلل في حكمه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله الصائرين إلى لقائه ونفسي الغافلة بتقواه فهي سُلَّمُ الوصول إلى الكمال الذي فيه رضوانه، وراحة النفس، وسكينة القلب، ونعيم الخلد. وما أشدّ لقاء الله وهو جبّار السماوات والأرض، ذو الأخذ الشديد على من قدّم هوى نفسه على رضاه، وانساق وراء الشيطان معرضاً عنه، واختار طاعة سفلة العبيد على طاعة الربّ العليّ الحميد، وما أسوأ عاقبة من طغى وعاند واستكبر.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم أرنا عبوديتنا الحقيرة الذليلة، وعبودية كل مربوب لك، وأرنا ربوبيتك العظيمة العزيزة التي لا خارج منها يارب العالمين حتى نتقي، ونخشع، ونخشى، ونذلّّ لوجهك الكريم، ولا يعظم في صدورنا أحدٌ أمام عظمتك يا أعظم من كل عظيم.
أما بعد فهذه متابعة لحديث (النفس والغنى) وهي تَتتبَّعُ لبعض النصوص الشريفة في هذا المجال:
“نعم العون على تقوى الله الغنى”(1).
لمـّا كان للفقر من الضغط على النفس ما يستفزّها ويزلّها، ويهزّ في داخلها الثقة بالله عزّ وجلّ على مستوى خلقٍ كثير كان الغنى عوناً للعبد على التقوى. والغنى هو كذلك من حيثية، وعلى مستوى نفوس، وهو سبب طغيان وتفلّت للنفس عن المسار كما سبق على مستوى نفوس أخرى.
“خمس من لم تكن فيه لم يتهنّ بالعيش: الصّحّة، والأمن، والغنى، والقناعة، والأنيس الموافق”(2).
الغنى مطلوب في الشريعة، والفقر محارب فيها. وإن كان هناك خوف على النفس من فقر وغنى لأن الإنسان خُلق من ضعف، ولأنّه كثيراً ما يستبدّ به الظرف فيُنسيه الحقائق الكبرى التي ينبغي أن يتّخذ مساره في هذه الحياة بوحي منها، وعلى ضوئها.
“الغنى والفقر يكشفان جواهر الرّجال وأوصافها”(3).
ظروف كثيرة هي التي تمتحن النّاس؛ الخوف والأمن، الصحة والمرض، ومن ذلك الغنى والفقر. يظلّ الرجل مخبوءاً لا يعرف الآخرون جوهرَه، وقد تخفى حقيقته على نفسه، لا يعرف من وزنه ولا يعرف الآخرون منه أنه الرجل الصامد أو الرجل المنهار، أنه القوي أو الضعيف، أنه الذي تثبت به قدم على الطريق حين العواصف، أو تزلّ قدمه حتى يأتي الامتحان لتتجلّى حقيقته، وأنّه من أهل القوّة أو الضعف، من أهل الطاعة أو العصيان، من أهل التقوى أو الفجور، من أهل الجنّة أو النار.
فلكلٍّ من الغنى والفقر تحدّيهما للنفس، وضغطهما الهائل، والنفس قد تنجح في امتحان وتسقط في امتحان آخر. وهناك من يقوى على مواجهة الفقر ولكنه ينهار أمام ظرف الغنى، ومن النفوس ما هو على العكس.
وتقول الكلمة عن علي أمير المؤمنين عليه السلام:”وقدّر(4) الأرزاق فكثّرها وقلّلها(5)، وقسّمها على الضّيق والسّعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها(6)، وليختبر بذلك الشّكر والصّبر من غنيّها وفقيرها”(7).
والصبر مسألة تكبر على الفقير، والشكر مسألة تتعاظم على نفس الغني.
“لا تفرح بالغِناء(8) والرّخاء، ولا تغتمّ بالفقر والبلاء، فإنّ الذّهب يجرّب بالنّار، والمؤمن يجرّب بالبلاء”(9).
حاول أن تستثير في نفسك في ظرف غنىً أو رخاء كل عوامل المقاومة وعوامل الصمود من أجل النجاح في التجربة، وتجاوز الامتحان بظفر بدل أن تستسلم في صورة فرح مله عن الله عند الغنى، أو صورة غمٍّ صارف عند الفقر.
“اَلغنى قلّة تمنّيك والرّضا بما يكفيك، والفقر شره النّفس وشدّة القنوط”(10).
لا يفقد الغنى من غنت نفسه، ولا يخلص من الفقر من وقعت نفسه في الشره، الطمع لا ينفتح معه باب غنى، والرضا والقناعة والتسليم لقدر الله، والثقة بقسمة الله عزّ وجلّ لا ينفتح معها باب فقر. يبقى الإنسان يشعر بالكفاية، ويشعر بالراحة حين تكون نفسه رضيّة بما قسم الله سبحانه وتعالى، وليس لها من شره الدنيا ما يجعل العين تمتدّ إلى كلّ نعمة عند أحد، والنّعم تغزر، وتتوافر حتى تتبذّخ، وإذا كانت النفس شرهة فإنّ ذلك لا يغنيها، وتشحّ النعمة في اليد، وقد يجوع البطن، ويعرى الظّهر، والنفس كبيرة، وتمتلك حظّاً من القناعة بنعمة الله، فلا تضيق بها الحياة، ولا تعيش مأساة، ولا تبحث عن مهرب من هذه الحياة قنوطاً وانهزاماً. نعم، تطلب الغنى وعلى الطريقة الشرعية، ولا تألو جهداً في محاولة الخروج من ظرف الفقر إلى ظرف الغنى ولكن من غير أن تغيم الحياة في ناظريها، لما لها من قلب موصول بالله، واثق بعدله ورحمته ورأفته.
“أوحى الله تعالى إلى داود عليه السّلام:… وضعت الغنى في القناعة وهم(11) يطلبونه في رضا النّفس فلا يجدونه”(12).
النفس المتعلّقة بالدنيا ليس في الدنيا ما يكفيها، ولا الدنيا بكاملها تكفيها، ولو ضُوعفت الدنيا أضعافاً كثيرة، وبقيت النفس تبحث عن غنىً تستقلّ به عن الله عزّ وجلّ، ويقوم اعتمادها عليه دون الله ما وجدت، فتبقى متعبة قلقة مهمومة، تعيش السخط، وتتمزق في داخلها.
أين يجد امرؤ غناه؟ يقول الحديث هنا أنه يجده في القناعة، ونفس تقنع برغيف من خبز، ونفس تكون عندها النعم أكداساً، وأرصدتها تملأ المصارف إلا أنها وهي لا تثق بالمستقبل، ولا ترى قدرة الله على الرزق ورحمته وعلمه تضطرب، وإن لم تضطّرب بما يتصل بعمرها فهي تضطّرب وتقلق كل القلق من أجل الولد وولد الولد.
هذا الحديث مهم، نصغي إليه إن شاء الله: “إنّ رجلاً جاء إلى سيّدنا الصّادق عليه السّلام فشكى إليه الفقر، فقال: ليس الأمر كما ذكرت(13)، وما أعرفك فقيراً، قال: والله يا سيّدي ما استبنت(14)، وذكر من الفقر قطعة(15)، والصّادق عليه السّلام يكذّبه(16) – إلى أن قال – خبِّرني لو أعطيت بالبراءة منّا مائة دينار، كنت تأخذ(17)؟ قال: لا، إلى أن ذكر أُلوف دنانير(18)، والرّجل يحلف أنّه لا يفعل، فقال له: من معه سلعة يُعطى هذا المال لا يبيعها، هو فقير؟!”(19).
أنت تملك سلعة تُقدّم لك في قبالها ألوف الدنانير ومئات الألوف من الدنانير وأنت لا تبيع وتقول بأنك فقير؟! لئن كنت فقيرا على مستوى ما هو أدنى فأنت غنيٌّ على مستوى ما هو أكبر وأعلى.
فلا يبيعنّ أحدنا نفسه لجهة من الجهات بأي ثمن يخرجه هذا البيع عن دين الله وعن طاعته. وكفى أن يخرج المرء من أجل ثمن كبير من أثمان الدنيا عن طاعة الله لحظة ليسقط في عين الله.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم ثبّتنا ما أحييتنا على دينك القويم، وصراطك المستقيم، ولا تمتنا إلا على رضاك، قد حططت عنا الذنوب، وسترت العيوب، ورضّيت أصحاب الحقوق، اللهم واكشف كروبنا وهمومنا وغمومنا، وأذهب عنا الأمراض والأسقام ما ظهر منها وما بطن، وكل سوء يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين. وصل على محمد وآله الطاهرين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) }
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا فضل إلا فضله، ولا يبلغ عدلٌ عدله، ولا يشبه علم علمه، ولا نجاة لمستمسك بغير حبله، وآخذ بغير دينه، ولا هدى لمعرض عن هداه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله المحتاجين إليه علينا بتقواه، وقد حقَّ لله على عباده أن يتّقوه وهو ربّهم الذي لا ربّ لهم سواه، ومصدرُ خيرِهم الذي لا خير لهم من غيره، ولا يملكون لأنفسهم دفع ضرٍّ أراده بهم، ولا منقذ لهم منه من دونه. والتّقوى في الأخذ بالخير وفعله والحثّ عليه، والزهد في الشرّ وتركه والتحذير منه، وإنّها في طاعة الله والتقرّب إليه، ولا تقرب لله إلا بالجميل، وفي النأي عن معصيته وكل ما هو معصيةٌ لله فهو قبيح. فمن طلب التخلّي عن القبيح، والتحلّي بالجميل فليتق الله إذ كل ذلك في التقوى، وما من شيء منه في غيرها.
اللهم لا عصمة إلا من عندك، ولا توفيق إلا منك، ولا حول ولا قوّة إلا بك، ولا معوَّل إلا عليك، ولا خير إلا من عندك فصلِّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واعصمنا بعصمتك، ووفقنا بتوفيقك، واكفنا بكفايتك، وضاعف الخير لنا من عندك، وأمطر علينا نعمك، وارزقنا كرامة التقرب إليك والفوز برضوانك يا أكرم من سُئل، وأجود من أعطى.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، اللهم صلّ على محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وعجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبينا قريبا.
أما بعد أيها الملأ الكريم من مؤمنين ومؤمنات أعزاء فهذه بعض وقفات:-
أولاً: لماذا محرم؟
الإسلام وكربلاء ثورةً، وكربلاء ذكرى، وفريضةُ الشهادة إنّما كلّ ذلك للحياة؛ حياة البدن، وحياة العقل، والقلب والروح، لحياة أوضاع الخارج وأوضاع النفس، وما حياة أوضاع الخارج إلاَّ من حياة صلاة تلك الأوضاع أو فسادها هو صلاح أو فساد الداخل. والأوّل من العقل والقلب والروح والنفس، والمنطلق في صلاحها وفسادها.
فقيمة الحياة السياسية والاجتماعية وكلّ شيء آخر من أوضاع الخارج إنما هي من قيمة العقل والقلب والروح، طهر الداخل طهر الخارج، خبث الداخل لابدّ أن يخبث به الخارج، نفوس عادلة تستتبع أوضاعا عادلة، نفوس ظالمة نتيجتها الحتمية أوضاع خارجية ظالمة، فطلب الإصلاح من الخارج على نأيٍ من الداخل محاولة عابثة.
ومحرّم لإحياء أمرهم عليهم السلام كما جاء في أكثر من حديث، ونقف مع إحياء أمرهم وقفة ولو قصيرة:
هل لهم أمر منفصل عن أمر الإسلام؟ أهل البيت عليهم السلام جاؤوا الدنيا وعاشوها واستُشهدوا وكلّ ذلك من أجل الإسلام، وهم حملة الإسلام وتراجمته ورموزه العليا بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنهم الإسلام الذي يتحرك على الأرض ولا شيء آخر، فأمرهم لا ينفصل البتّة عن أمر الإسلام، لكن لماذا التعبير بأمرهم ولم يُعبَّر بأمر أمر الإسلام؟ لماذا لا يكون تعبير الإمام عليه السلام فيما يتعلق بما يطلبه من الشيعة من اجتماعات، – ومن هذه الاجتماعات ما يرتبط بمصيبة كربلاء – ولماذا لا يكون التوجيه منه عليه السلام بإحياء أمر الإسلام مباشرة؟! ذلك لسرّ فيما أرى.
عصى بعض المسلمين ربّهم في الصلاة، وعصى بعض المسلمين ربّهم في الصيام، ويكون هذا في الحج وفي الزكاة وغير ذلك، ولكل ذلك أثر سيء على الإسلام وواقع المسلمين. لكن لم يُنظّر للتقصير في مسألة من هذه المسائل كما جاء الخطأ في التصوّر أو في الموقف من مسألة الإمامة والتنظير لذلك، مما جعل أمر الإمامة في غير أهلها قضية مفلسفة منظَّراً لها، وعقيدة في قلوب كثير من المسلمين؛ على أن موقع الإمامة في الإسلام لا يوازيه موقع صلاة ولا صوم ولا حجّ ولا غير ذلك.
حين تدخل الشبهة في مسألة الإمامة، حين يأتي الاختلاف في مسألة الإمامة، حين ينقسم المسلمون معذورين لعدم معرفة، لغفلة، أو غير معذورين في مسألة الإمامة نكون أمام أمتين. ولو ذهب إيمان الأمَّةُ إلى إمامة الجاهل الفاسق مثلاً لكنّا أمام إسلام مضيّعٍ في صلاته وصومه وحجّه، إسلامٍ بيد حكّامٍ لا يأبهون لقيمة صلاة ولا صوم ولا حجّ، وينحرف الحج، وتنحرف الصلاة، وتنحرف كل تعاليم الإسلام على أيديهم.
وبذلك يكون التركيز على إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام بعنوانه لما يمثّله من ضرورة لإحياء أمر الإسلام، وعدم إمكان إحياء الإسلام على الحقيقة إلا به وارداً جدّاً ومطلوباً جدّاً.
وما هو أمرهم بالتحديد الذي هو أمر الإسلام؟
هو أمر مرجعيتهم العلمية والعملية، أمر إمامتهم الشاملة، أمر قيادتهم في الحضور والغيبة.
ولماذا مرجعيتهم وإمامتهم وقيادتهم؟
لما رزقهم الله عزّ وجلّ من علم بالكتاب وبالسنة ليس لغيرهم، ولحاجة الأمة كلّ الأمة لهم في ذلك العلم، وعدم حاجتهم للأمة في شيء منه، ولعصمتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في علم وشعور وعمل، في موقف فردي وفي موقف اجتماعي، فيما سهل من مواقف وفيما كان أشدّ المواقف صعوبة، ولأنهم ورثة الأنبياء، وسفينة النجاة، وشاهد ذلك أنّ أمور الأمة وأمور الدين لما انفصلت عنهم اضطربت اضطراباً شديداً حتى صرنا تملي علينا أمريكا شروطها ورغائبها، ونتلقّى قرارات الحرب والسلم من بوش عدوّ الأمة.
ثمّ من جهة أخرى أمر الإسلام وأمرهم أمر حيّ، والإحياء إنما يكون للميت، فكيف يأتي منهم الأمر بإحياء أمرهم عليهم السلام؟!
أمرهم في نفسه قويّ، وبرهانه لا يُردّ، والقلب معه، والعقل معه، والقرآن معه، والسنّة معه، والتجربة معه. هو في نفسه حيّ، ولا يقبل أن يموت، لكنّ أمرهم ليس أشدّ حياة من أمر الله؛ أمر ظهوره، أمر وجوده، أمر علمه، فاعليته، ولولا حملة، ولولا مذكرون، ولولا أنبياء ورسل ولولا ملائكة تتنزل من السماء، ولولا دعاة لاختفى ذكر الله عزّ وجل في حياة الناس، ولكاد الناس يجمعون على عبادة الفراعنة والطواغيت والأصنام، فإذا كان أمر الله عزّ وجلّ لكي يحيى في الناس، لكي يقود حياة الناس، لكي يضع الناس على المسار، لكي يحرّك الحياة، لكي يحكمها، يحتاج إلى كل ذلك، فكيف لأهل البيت عليهم السلام أن يستغنوا عن إحياء أمرهم ليكون الحاضر في حياة الناس، وفي مشاعرهم، وفي قلوبهم، وفي أوضاعهم السياسية وغيرها؟! فهو حيٌّ في نفسه، أما حضوره في النّاس فيحتاج إلى الحمَلة، يحتاج إلى الدعاة، يحتاج إلى المبلّغين، يحتاج إلى العلماء، إلى الفقهاء، إلى المنظّرين.
وحياة أمرهم عليهم السلام يكون على مستوى الحاضر وعلى مستوى المستقبل، ونحن مسؤولون عن إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام على مستوى الحاضر وعلى مستوى المستقبل. على المستوى المعاش إحياء أمرهم بالأخذ بفكرهم، باطروحتهم، بأخلاقياتهم، بتثبيت خطّ الولاية لهم، بالأخذ بمنهجهم الحياتي، وبمنهجهم السياسي، وبما أوصوا الأمّة به في زمن الغيبة من متابعة الفقهاء العدول، والتحرّك عن رأيهم، وإذا أمتّ هذا البعد فقد أمتّ أمر الإمامة، وإذا أحييت هذا البعد فقد أحييت أمر الإمامة، إذا كان نائب الإمام عليه السلام لا قيمة له فسيكون الإمام أيضا لا قيمة له، والأمة التي تبتعد عن الارتباط بنائب الإمام لا تجد طريق الالتقاء بالإمام نفسه، بل تستعد نفسيا دائما على هذا المسار المتباعد عن نائب الإمام لرفض الإمام عليه السلام وقيادته.
نعم، نحتاج في زمن الغيبة وعلى مستوى الإعداد للمستقبل أن نجذّر الإيمان بقيادة الإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأن نعدّ النفوس ومن خلال الارتباط بالنوّاب للتسليم بالإمام الأصل، والالتفاف به وإعطاء يد الطاعة لأمره ونهيه.
ثانياً: لا مرحبا بك بوش:
ما تقوله شعوب الأمّة العربية والإسلامية كلّها للضيف الثقيل لا مرحبا بك بوش، لا لأنه أمريكي، لا لأنه مسيحي، وإنما لأنه مجرم في حقّ هذه الأمة، وفي حق الإنسانية كلها، لأنّه نهّاب للثروة، قتّال للأنفس، مثير للفتنة، مصّاص للدماء، مجاهر بالعداوة لأمتنا، مناصر للكيان الصهيوني الغاصب، ولدولة الاحتلال الغاشم إسرائيل.
ولِمَ جاء بوش؟
جاء ليعلن دعمه الكامل لإسرائيل، ووقفته الثابتة معها، وليؤكد على الهوية الدينية للدولة اليهودية على أرض فلسطين حتى لا تتسع فلسطين لمسلم واحد، وحتّى تصرّ الدولة الإسرائيلية على التوسّع أخذاً بالوعد الديني المكذوب عندهم.
وفي تأكيد الرئيس الأمريكي للصفة الدينية لدولة إسرائيل مفارقة كبيرة، فأمريكا فكرها المعلن يرفض الدولة الدينية، وديموقراطيتها ترفض الدولة الدينية، وهي لا ترضى للمسلمين أبداً أن ينشئوا دولة دينية، بينما ينادي رئيس هذه الدولة بأعلى صوته بأن إسرائيل يجب أن تكون دولة يهودية، ذات طابع ديني يهودي.
إنه جاء ليثير الفتنة بين الفلسطينيين إلى حدّ الحرب، ويمدّ طرفا بكل ما يحتاجه في هذه الحرب ضدّ الطرف الآخر هو الأقرب إلى التمسك بفكر الأمة وأهدافها النبيلة، ومصالحها الضرورية.
جاء ليحرق البلاد الإسلامية بالحروب البينية، ويضع يده على مقدرات ومقدّرات الأمة، ويفرض الهيمنة الأمريكية الكاملة على أرض أمتنا وإنسانها وحضارتها.
جاء يبحث عن حكومات مناصرة لإسرائيل وأمريكا ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وضد سوريا، ضد دولة إسلامية وأخرى عربيّة.
جاء ليثير فتنة عمياء بين الشعوب العربية وحكوماتها التي يريد لها أن تخرج عن إرادات الشعوب فتتخذ العدوّة إسرائيل صديقة لها، وتقرّها على قضية الاحتلال ليكون أبديّاً وذا صفة شرعية ثابتة الشرعية الدولية..
جاء ليثير شعوب الأمة على حكوماتها من خلال طلبه أن تكون إسرائيل العدوة صديقة، وأن تكون إيران البلد المسلم الجار هي العدو(20).
جاء يوقد حربا بعد حرب، وفتنة تلو فتنة، ويحدث كارثة بعد كارثة لأمتنا، إنه عدو الأمة، والأمة هي عدوّ له.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اكتب النصر والظفر والعزّ والسؤدد والكرامة لأهل دينك وأتباع ملتك، والهزيمة والاندحار والخزي والعار لأعدائك وأعداء المؤمنين يا غالباً لا يُغلب، وقاهراً لا يُقهر، يا من هو على كل شيء قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج7 ص 290. المرجع الأصلي (مستدرك الوسائل ج2 ص415).
2 – المصدر نفسه. المرجع الأصلي (بحار الأنوار ج72 ص64).
3 – المصدر ص 291. المرجع الأصلي (غرر الحكم).
4 – أي الله عزّ وجلّ.
5 – كثّرها لفريق، وقلّلها في حق فريق. وليس من عجز ولا ضيق ولا عبث.
6 – الميسور ممتحن، والمعسور ممتحن، وإنما الحياة لتجربة هذا الإنسان وامتحانه. أو قل إنما هي لتربية الإنسان من خلال تجاربه وامتحاناته وتحدياته. ولولا التحديات والامتحانات لبقى المستوى الإنساني على ما كان عليه أيام طفولة، بل يوم ولد.
7 – المصدر نفسه. المرجع الأصلي (نهج البلاغة، خطبة 91).
8 – إذا جاءت بالألف الممدودة تأتي بمعنى الاكتفاء.
9 – المصدر نفسه. المرجع الأصلي (غرر الحكم).
10 – المصدر نفسه. المرجع الأصلي (بحار الأنوار ج 75 ص 109).
11 – أي الناس أو كثير من الناس.
12 – المصدر ص292. المرجع الأصلي (بحار الأنوار ج78 ص 453).
13 – يعني الإمام الصادق عليه السلام يقول له أنت لست فقيراً. هو يقول للإمام أنه فقير، والإمام يقول له أنك لست الفقير.
14 – لا أعرف معنى كلامك أنا أعيش الفقر، حسّاً، وجداناً، يقيناً، فكيف تقول لي بأني لست بفقير؟! ما استبنت لكلامك معنى يشهد به الواقع.
15 – قدّم شيئا من الوصف عن شيء من فقره.
16 – يرد عليه يقول له بأنك لست بفقير.
17 – تقبل هذا الثمن؟ تعطي ما عندك وتأخذ مائة الدينار؟
18 – يعني الإمام عليه السلام وصل بالرقم إلى حدّ ألوف الدنانير لو قدّمت ثمنا لما عليه المخاطَب من إيمان بالإسلام وولاية أهل البيت عليهم السلام، والرجل يحلف أنه لا يفعل، لا يبيع ولا يشتري.
19 – المصدر نفسه. المرجع الأصلي (بحار الأنوار ج 67 ص147).
20 – هتاف جموع المصلين بـ(الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل).