خطبة الجمعة (301) 14 شوال 1428هـ – 26 أكتوبر 2007م

مواضيع الخطبة

حديث تنبيهي عن المعاد * التشريع لمن؟ * التهديد الأمريكي * الأبيض والحلو يجتمعان

الناس هنا وفي كل الشعوب الإسلامية وفي ظل التربية الدينية القويمة ليسوا أبقارا ولا أغناما، ليسوا السائمة التي لا يهمها إلا تقمّمها. الناس يبحثون عن كرامة، عن أمن دين، عن احترام الإنسان، عن دور فاعل في الأرض هو من دور الخلافة عن الله سبحانه وتعالى.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي بيده الخلق والرزق، والنفع والضُّر، والحياة والموت والنشور، ولا خير إلاَّ من عنده، ولا شرّ إلا بإذنه، ولا يجد أحد من دونه عونا ولا غوثاً ولا سنداً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، والاستقامة على الدين الذي ارتضى، والمنهج الذي أراد، فلا خير في دين كما هو في دين الله، ولا هدى لمنهج كالهدى في منهج الله، إذ ليس من أحد كالله علماً وإحاطة، وإخلاصاً وصدقاً، ورأفة ورحمة، وتقديراً وحكمة، وتنزّهاً وتقدّساً وغنى وقدرة. فمن غير الله أولى بأن يؤخذ منه الدين، ويُستقى الهدى، ويتبع التشريع، أليس كل من عداه محدوداً وهو الكامل المطلق؟ وكل من عداه جاهلاً ما لم يرزقه من لدنه علما؟ ضالاً ما لم يهده بهدى منه؟ حائرا ما لم يسدده؟ فاعلا للظلم ما لم يرحمه؟ وما من مخلوق مهما أفاض الله عليه ببالغ من الكمال ما لله سبحانه؛ إذا لا كامل مطلقا سواه في حكم عقل ولا وجدان، والممكنات كلّها تبقى ممكنات تلازمها المحدودية والنقص مهما أُوتيت من كمال، وهي لا تملك الانقلاب عن حقيقتها وحدّها، ولا قابلية الكمال المطلق بلا حدود.
عباد الله التقوى التقوى فإن الله للظالمين بالمرصاد، وكل من تعدّى حدّاً من حدود الله فهو ظالم لنفسه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا لا نعبد سواك، ولا نساوي بدينك دينا، ولا بمنهجك منهجا، ولا نعدل عما شَّرعت لعبادك إلى ما يرضي أعداءك إنك أنت أرحم الراحمين.
أما بعد فهذا حديث تنبيهي إيقاظي يحاول أن يتمشّى في ضوء النصوص من كتاب الله العظيم ومن حديث المعصومين عليهم السلام، وهو يتعلّق بعقيدة المعاد.
والمعاد عقيدة دينية راسخة، وهي عقيدة محورٌ من بين عقائد الإسلام وكل دين له نسبة صحيحة للسماء.
المعاد عقيدة رئيسة من العقائد التي تتمحور حولها حركة الحياة، وهي تُلقي بضوئها وتأثيرها الكبير على مسار الروح، ومسار الفكر، وعلى الهدف والمنهج والسلوك في إطار حياة الفرد، وحياة الأمة والإنسانية كلّها.
عقيدة المعاد تتلون بها الحياة، وتتحدد من خلال الارتباط بها أو عدم الارتباط بها مساراتها، فالاهتمام فيها كما هو اهتمام لازم بالمصير، فهو اهتمام لازم كذلك بالحياة، كيف نحيى؟ فيما ننفق حياتنا؟ كيف نسلك؟ كيف نقيم علاقاتنا؟ ما هي أولوياتنا في هذه الحياة؟ كل ذلك وغيره يجيبك عليه بدقّة مدى الارتباط وعدم الارتباط بعقيدة المعاد.
والحديث عن الآخرة والمعاد لا يعني مطلقاً الهروب عن قضايا هذه الحياة أو التعطيل لها، إنما هو إضاءة لكيفية التعامل مع هذه المساحة من الوجود، والحديث هنا إيقاظي تذكيري كما مر أكثر منه بحثي نظريّ.
وهناك محاولتان تدميريتان فيما يتعلق بعقيدة المعاد والحياة والصلة بينهما، أن يغلق الحديث عن الآخرة تماماً فتتحرك الحياة في جميع مساراتها وأبعادها بعيداً عن عقيدة المعاد، منفصلة عن هدفها، عن قيمها، عن انعكاساتها الكبرى على هذه الفاصلة من وجود الإنسان وهي أهم فاصلة في وجوده من ناحية البعد الإرادي في ذاته، وانعكاسات هذا البعد على قضية المصير.
وتحرك الحياة بعيداً عن عقيدة المعاد يعني الانغماس في الطين؛ تنغمس الروح، الأفكار، المشاعر، الأهداف في الوحل، وأن يكون التنافس والاقتتال على حدّ ما هو عند البهائم وأدنى الحشرات، انفصال الحياة عن قضية المعاد يعني أن يخسر هذا الإنسان كل إضاءات الروح فيه، وإشعاعات نفخة الروح في ذاته، قل إنه بانفصاله عن عقيدة المعاد إنما يخسر ذاته، وغاية حياته.
هذه محاولة، والمحاولة الأخرى أن يكون الحديث عن الآخرة لتعطيل الدور التصحيحي في الحياة، وللاغراء بالقعود عن مجاهدة الظلم والانحراف، وأن تقوم الحياة الآخرة في عقيدة هذا الإنسان على الوعود البعيدة من دون أن ترتبط هذه الوعود بحركة الحياة. وعقيدة المعاد عقيدة وعود غيبية صادقة يحياها الضمير، ينطق بها الوجدان، تتحدث عنها كل ذرة في الكون، يقضي بها كمال الله وعلمه وحكمته وقدرته، على أن هذه العقيدة في وعودها الكبرى الصادقة إنما تريد أن تستقيم بالإنسان على الطريق في هذه الحياة، وأن تصنعه الصنع الإلهي الكريم الذي يؤهّله للآخرة.
قضية الآخرة على مستواها العقيدي في حياة الإنسان هي لتصحيح دور الإنسان فرده ومجتمعه في هذه الحياة.
لماذا تمتلك عقيدة المعاد مساحة عريضة في النصوص القرآنية الكريمة ونصوص الحديث الشريف؟ هل لتبقى مجرد عقيدة بلا أي صلة لها في هذه الحياة؟
لو لا الدور التصحيحي، ولولا الدور التربوي والتوجيهي، ولولا ما تملكه عقيدة الآخرة، وما يُراد لها من تصحيح مسارات الحياة من قدرة هائلة على الاستقامة بمسيرة الانسان لما كان اشتغال القرآن الكريم والسنة المطهرة بها أمراً وارداً، فإنما يَرِدُ كل ذلك لأنها عقيدة ضرورية لتصحيح مسارات هذه الحياة، وتقويم الإنسان، وتركيز قيم الحق والعدل والجديّة والفاعلية الخيّرة والهادفية في هذه الحياة.
وثابتٌ جدّاً على مستوى الواقع، وعلى مستوى العقل أنه كلما زاد التوجه الدنيوي، والوله بالدنيا، والسقوط في شهواتها، والتعلّق برغائبها في حالة من الانفلاق على الإنسان ولذة الجسد كلّما انعكس ذلك بهروب النفس من عقيدة الآخرة، ومجّت النفس الحديث عن الآخرة، وثقل عليها أن تسمع كلمة عن الآخرة، ولاحظوا جملة من يكتب من الدنيويين، وجملة من يتعلّق بالدنيا فستجدون ذلك، في حين أن الانشداد والاستسلام والارتماء في اللذة الجسدية والاشتغال بهم للدنيا فحسب يضر الحياة، ويربك المجتمعات ويحّطم بنيتها.
والحديث عن الآخرة إنما تستقبله أرواح شفّافة، ونفوس طاهرة، وكلما حاول الإنسان أن يتخلّص من ضغوطات الشهوات في هذه الحياة كلما استقبلت نفسه عقيدة الآخرة بالاحتضان.
ويأتي دور التعراض لبعض النصوص ويُترك ذلك لحديث قادم إن شاء الله.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل حياتنا طبيبة، وأخرانا طيبة، واحشرنا مع المتقين، وآمنا يوم الفزع الأكبر والهول العظيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ (5) فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل للحياة الدنيا أمداً وموعداً، وجعل الآخرة غاية لها ومقصدا، الحمد لله الذي {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(1)، وخلق جنة للمتقين لا يرون فيها بؤساً، وناراً للكفّار والفجّار لا يجدون فيها أُنسا، وهو الذي لا يُخلف وعده، ولا يُردّ منه وعيد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله التقوى التقوى، الطاعة الطاعة لله، ولرسوله وأولياء الأمر بالحقّ من بعده صلى الله عليه وآله أجمعين.
فالناس صائرون لا محالة إلى موت ونشور وكتاب وحساب وجزاء، وإن لهم مقدما ًصادقاً على دار مقام لا أمد له، وكلّ ذرة من عمل خيرا كان أو شرا ستكون حاضرة أمام الإنسان، وإن داراً تنتظرنا وهي قادمة لا محالة ليس فيها إلا جنة أو نار، وما كان الله عزّ وجلّ ليعدّ النّار لأهل طاعته وتقواه، والجنة لأهل معصيته وعناده، وما كان الفريقان عنده بمستويين، فمن أراد الجنة فطريقها ميسور، ومن أراد النار فطريقها مفتوح، وهما بّينان فلا طريق إلى الجنة إلا تقوى الله وطاعته، وإن الله لغنيّ عن العباد.
اللهم ارزقنا خير الزاد التقوى، واسلك بنا إلى رضوانك والجنة طريقا جدداً، وعاملنا بعفوك، ولا تحملنا على ميزان عدلك، ولا تتركنا لحظة لأنفسنا أو لأحد من خلقك فإن ذلك الخذلان المبين، ومن خذلته فلا منقذ له من الهلاك وسوء المصير.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وصل وسلم على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المهديين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، واجعلنا من أنصاره في غيبته وحضوره.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً قريباً مبيناً.
أما بعد أيها الملأ الطيب فهذا حديث في بعض أمور من أمور ساحتنا المحلية والإسلامية:
التشريع لمن؟
في نظرٍ هو للنّاس، وفي نظر إنما هو لله. في نظر يقطع الإنسان والحياة عن خالقهما، ويُعطّل حق الله، ويفصل بين إمداده لهذا الكون بالوجود والحياة، وبين حقّه في التشريع له يكون التشريع للناس؛ للنّاس شعباً أو فرداً، رئيس جمهورية أو ملكا أو أميرا أو راهبا أو غير ذلك.
أما في النظر الذي يعترف لله عز وجل بربوبيته، ويذعن بحقه في التشريع كما يؤمن بجميله في الخلق والتدبير، وحاجة الكون كلّه إليه في مسألة الخلق والإمداد فهو يرى أن التشريع لله وحده لا شريك له.
والإسلام واضح في قصر حقّ التشريع على الله وحصره فيه، وأن ليس لأحد حتى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول كلمة في التشريع بغير إذن الله.
والتصرف في سن الزواج تشريع على خلاف تشريع الله سبحانه وتعالى، فأنْ ننقص من سن الزواج أو أن نزيد بعدما جاء تحديده في الشريعة فإنما يعني ذلك تشريعاً في قبال تشريع الله سبحانه.
وقرار السّنّ الجديد الذي يُراد أن يكون قراراً نافذا على كل المأذونين في عقود التزويج، وأن يقوم بدور القانون ينفي الصحة القانونية لزواج رسول الله صلى الله عليه وآله من بعض أزواجه، ويعاقب على ذلك الزواج. نعم هذا القرار يبطل زواجا من زواجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو واضح.
وعلى المسلمين أن يستحوا من أن أن يُخطّئِوا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه التخطئة الفاضحة، وأن يسلبوا عن فعله الشرعية.
وسنّ التاسعة في الإسلام عندما حُدِّد سن زواج للفتاة لو كانت بدون ولي مدعوم بشرط الرشد، ولو كان لها ولي أمكنه أن يزوجها دون هذا السن اعتمادا على خبرته وحرصه على مصلحتها(2)، وليس القاضي بأحرص على فتاة من أبيها.
والمسألة من مسائل الأسرة، وداخلة في قانون الأحوال الشخصية، ولذلك رحّب بها دعاة القانون بلا ضمانات، مع التشديد منهم على المطالبة بقانون شامل يبتعد بالأحوال الشخصية بدرجة وأخرى وباستمرار عن مسلمّات الشريعة.
التهديد الأمريكي:
لا زالت أمريكا تتهدد وتتوعد بحرب قاسية موجهة إلى بلد إسلامي وهو إيران.
وإنما تنتظر أمريكا بقرار الحرب ما تنتهي إليه معادلاتها المصلحية، وتقديراتها الموضوعية، وحساباتها السياسية التي لا تعتمد إلا على نظرية الربح والخسارة من ناحية مادية، وإيران بطبيعة الحال سترد بكل ما تستطيع كما يعطيها الدين والعقل، والعرف العالمي، والقوانين الدولية هذا الحق.
ما هو موقف الأمة حكومات وشعوباً من هذا التهديد الظالم؟
إذا عرضنا المسألة على الإسلام فالأمر واضح كل الوضوح، وأن الاعتداء على شبر واحد من أرض الإسلام هو اعتداء على الإسلام كلّه أرضا وإنساناً، وقيما وحضارة.
عمليّاً هناك صعيدان؛ الصعيد الرسمي، والصعيد الشعبي، على الصعيد الرسمي يأتي صراع التحالفات والمصالح السياسية الحكومية من جهة، والمقياس الشرعي ومصلحة الأمة من جهة أخرى، الأول يدفع في اتجاه أمريكا، والثاني يدفع في اتجاه إيران، أيهما يغلب؟ الواقع سيتحدث بلغة صارخة.
على الصعيد الشعبي تُمثّل المسألة واحداً من الامتحانات الصعبة التي يفرضها واقع المفارقة بين توجّه الشعوب وتوجه الحكومات في العديد من المحطّات والمفترقات الخطيرة. وكذلك واقع الصراع بين ضغط الحكومات، وما عليه الوجوب من ناحية شرعية.
أي حكومة هي جزء من هذه الأمة إنما تحارب نفسها وتحارب الأمة حين تقف مع أمريكا.
نعم أن من تحارب أي حكومة من الحكومات المسلمة ايران، وأن تتخندق مع أمريكا في حربها ضد أرض الإسلام، هذه فإنما تحارب نفسها، تحارب شعبها، تحارب أمتها، تحارب قرآنها، تحارب نبيها صلى الله عليه وآله، تحارب كل مقدساتها، تحرق أرضها.
هو كل ذلك وبحقّ حينما تمد حكومة مسلمه يدها إلى يد أمريكا لتوجّه الضربة القاسية لأي شبر من أرض الإسلام.
الأبيض والحلو يجتمعان:
لو سألتني هل يجتمع وصف الأبيض ووصف الحلو في شيء واحد؟ لقلت لك تبعا للعقل نعم، فالسكّر هو حلو وأبيض، ولو سألتني هل يجتمع الأسود والأبيض في شيء واحد؟ لقلت لك تبعا للعقل لا يجتمعان، فالشيء الواحد في الوقت الواحد من جهة واحدة، ونقطة واحدة لا يكون أسود وأبيض.
وكثيرا ما تُرَدّ المطالب السياسية في هذا البلد، حين يُخاطب بها المجلس النيابي أو الحكومة بحجة الحاجة الملحة للمطالب المعيشية، ولكن كما أن السكر أبيض وحلو ويجتمعان، فكذلك استجابة المطالب السياسية والمطالب المعيشية تجتمعان، ولا تنافر بينهما، وليس هناك انحصارٌ في أن تلبّى المطالب المعيشية من دون المطالب السياسية، أو المطالب السياسية من دون المطالب المعيشية.
الشعب يحتاج النوعين من المطالب، والضرورة تقضي بذلك، والمطالبة منصبّة عليها معاً وتلبية أحدهما لو تمّت لما كانت تكفي، على أن الاستجابة للمطالب السياسية ستحقق حتماً حل المشاكل المعيشية ولا عكس… يمكن أن تشبع الناس لكن تبقيهم مهمّشين، أذلاء، مضطهدين من جهات أخرى، لكنك وأنت تعترف بالحق الإنساني للأخر، وبكرامته، وبدوره الفاعل في الحياة، وبحقه في المشاركة في قضايا وطنه فإنك لايستقيم لك والحال كذلك أن تبقى الآخر جائعاً، وتخطط لفقره.
ومنذ حُلّ مجلس الثالث والسبعين (1973م) والمطالبة منصبّة على التصحيح السياسي الذي يعالج المسائل المعيشية وغيرها، وتكون معالجة المسائل المعيشية من خلال تصحيح الوضع السياسي.
الناس هنا وفي كل الشعوب الإسلامية وفي ظل التربية الدينية القويمة ليسوا أبقارا ولا أغناما، ليسوا السائمة التي لا يهمها إلا تقمُها. هؤلاء الناس يبحثون عن كرامة، عن أمن دين، عن احترام لإنسانيتهم، عن دور فاعل في الأرض هو من دور الخلافة عن الله سبحانه وتعالى.
والميثاق حين جاء وحين أقدمت نسبة كبيرة على إعطاء الكلمة له إنما كان من أجل تصحيح المسار السياسي أولاً وبالذّات، والمشاركة الشعبية الفاعلة، ومن أجل العدل في مسألة الحقوق والواجبات، ونفي التجنيس، وما يماثل أو يشابه ذلك.
ووطن الجميع خيره لابد أن يكون للجميع، ووطن الجميع مسؤوليته لابد أن تكون مسؤولية الجميع.
هذا الشعور لا بد أن يستقر في نفوس الجميع، وكأنه قد أخذ بشيء من التنامي في نفوس أبناء هذا الوطن على صعيد الطائفتين الكريمتين.
وربما هم كثيرون الذين بدأوا بأن يقتنعون بأن هذا الطرح أصبح في حكم الضرورة.
ومما يبحث عنه هذا الوطن وبإلحاح هو الخلاص من طائفية الحقوق والواجبات، وليس من واقع الطوائف، ويُطرح معيار للتخلّص من طائفية الحقوق والواجبات وهو معيار المواطنة، وأن يكون معيار المواطنة هو المأخوذ به في قضية الحقوق والواجبات؛ أنت مواطن والآخر مواطن إذاً أنت مساوٍ له في مسألة الحقوق والواجبات العامة، وللخصوصيات الشخصية من حيث الكفاءة والخبرة والأمانة حسابها الخاص.
هذا المعيار له فاعلية، ولا نرفضه، ولكننا نملك معيارا أدق وأسمى وأكثر فاعلية، وله الاستيلاء على النفوس وهو أن نحكّم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله في مسألة حقّ المسلم على المسلم وواجبه تجاهه.
كذب الذين ينسبون إلى القرآن الكريم، أو السنّة المطهرة مشروعية عدوانية الشيعي على السني، وهضمه لحقوقه، واستئثاره بالثروة العامة، وبالحق القانوني العام دونه، وكذب من يعطي السنة هذا بالنسبة إلى الشيعة، أي مذهب يدّعي ان الكتاب الكريم والسنة المطهّرة يحملان رائحة التشريع لصحة سلب حق الآخر لأنه سنيّ أو شيعي، ونهبه، وتهميشه في الحقوق العامة فهو لا يجد سندا صحيحا من القرآن ولا السنة وعليه أن يراجع نفسه، ومنطلقاته الزائفة للأخذ بهذا الرأى.
الخلاص من واقع الطوائف لمن استهدفه بالإلغاء للآخر أمر مستحيل، ومحاولة سحق طائفة لحساب طائفة، والإلغاء لها أمر مستحيل كما تتحدث لغة الواقع في كل مكان، وما بهذا أُمر المسلمون، وأن يفتكوا، ويظلموا، ويستأصلوا بالسيف بعضهم البعض لمجرد الاختلاف الاجتهادي في الرأى، ولم يأذن الإسلام بأن يظلم مسلم مسلما من أجل إلغائه.
والاعتراف بالآخر؛ بوجوده، بحقوقه، بواجباته هو الطريق إلى أن لا يؤثِّر واقع وجود الطوائف على مصلحة المسلمين التأثير القاتل.
والصورة المثالية أن لا يكون المسلمون طوائف، ولكن هذا ينتظر إما أن يُبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جديد، أو يأتي يوم القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه، إذ من المرتقب قريبا أن تذوب حالة الطائفية على مستوى الوجود الخارجي إلا ما نذر. وفي غير هذا الفرض علينا أن نقبل واقع الطوائف، ويحترم بعضنا البعض، ونتعايش التعايش السلمي المخلص القائم على التعاون الإيجابي وعلى رعاية مصلحة الأخر، وحتى على التضحية في سبيله، وذلك من أجل مصلحة كلّ طائفة، ومن أجل مصلحة كل المسلمين، ومن أجل مصلحة الإسلام نفسه.
نخطئ جدّاً لما يحاول أحدنا إضعاف الطرف الآخر ليبقى هو ضعيفا كذلك أمام الغزاة الأجانب.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، ووحد صفوفهم وكلمتهم على التقوى، ولا تجعل بأسهم بينهم، واجعلهم إلباً على عدوّهم، وسيفا قاطعا على الكافرين المريدين بهم، وادرأ عن ديار الإسلام شرّ الأشرار، وكيد الكفار، وبغي الباغين، وظلم الظالمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 2/ الملك.
2 – هذا بالنسبة للتزويج الذي يَقَّوَم بالعقد أمَّا الدخول فلابد فيه تمام التسع.

زر الذهاب إلى الأعلى