خطبة الجمعة (298) 17 شعبان 1428هـ – 31 أغسطس 2007م

مواضيع الخطبة:

*تتمة حديث الغرور *المولد الشريف للحجة بن الحسن (عج) *كيف نستقبل الشهر الكريم؟ *ماذا نختار؟

الأمة ستبقى على خطّ الإمام، وستبقى مستعدة لفهم الإمام، وللتسليم للإمام، ولقبول طرحه وفكره ما بقيت على خطّ فقهائها.

الخطبة الأولى

الحمد لله منشئ الخلقِ ومدبّره، ومُعطي الحياةِ ومالكِها، وواهب القدرة والماسك بها، ومانحِ الإرادة والمتصرِّف فيها، لا يخرج شيءٌ من سلطانه، ولا يستقلُّ شيءٌ عن إرادته، ولا يفلت شيءٌ عن قهره وقبضته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله الذي لا ربَّ غيره، ولا نافع ولا ضارَّ سواه، ولا يملك أحدٌ من أمره شيئاً. والتّقوى صيانة النفس عن القبيح، واستعمالٌ للنعم في النافع طاعةٌ للمولى الحق، واستجابة خالصة لأمره ونهيه، وهو الذي لا تنفعه طاعة المطيعين، ولا تضرُّه معصية العاصين، ولا تتمُّ طاعة العبد إلا بفيضه، على أنه يجزي عليها بفضله؛ يضاعف الحسنات، ويرفع الدرجات على ما لم يكن منها لو لا فيضه، ولا سبيل إليه إلا بتوفيقه وتسديده.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أخلَص أهل طاعتك، وأقرب من تقرّب إليك فرحمته وأكرمته وأعليته، ولا تفرِّق بيينا وبين عافيتك وطاعتك وتوفيقك يا أكرم من سئل، وأجود من أعطى.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الأعزاء فإلى تتمّة من حديث الغرور:
تقول الكلمة عن الإمام الصادق عليه السلام:”إنَّ الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، فحلم عنهم عند أعمالهم السيّئة، لعلمه السابق فيهم، فلا يغرَّنّك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت…”(1).
لله إحسان في النّاس لا ينقطع، والله يُمهل، ويعفو عن السيئات، ويُقابل السيّئة بالحسنة، فيسيء كثير من النّاس التعامل مع أفضال الله وإحسانه وإنعامه وإمهاله. فبدل أن يُقابل ذلك بالشكّر والأوبة والتوبة والحياء يُغري أهلَ المعصية بمزيدٍ من المعصية، ويقعون بذلك في الاغترار بالله، والجرأة عليه، وهذا محلّ تحذير شديد من نصوص إسلامية وافرة.
لله عزّ وجلّ في ذمّتي حقوق، وأنا مستحقٌّ عند الله عقوبات، ولكنّه يُحسن الطلب، ولا مقتضي لأن يعجل العالم القادر. وهنا يصيبني الاغترار بالله عزّ وجلّ بتسويل من النفس والشيطان، والغفلة عن علم الله وإحاطته وقدرته تنتاب الإنسان فيُمعن في المعصية، ويتمادى في السيّئة، وكأن الله عز وجلّ عنه غافل أو غير قادر.
فتأتي نصيحة أهل النصيحة “فلا يغرَّنّك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت”.
وفي هذا السياق عن الإمام علي عليه السلام:”الحذر، الحذر، أيّها المغرور فوالله لقد ستر حتّى كأنّه قد غفر”(2).
ولكنّك هل تحرز أنه غفر حتّى تستغني عن التوبة والاستغفار والتذلّل والاستكانة بين يدي الله عزّ وجلّ وهو جبّار السماوات والأرض؟ من منّا يصل إلى حدّ الجزم بأن سيّئته قد غفرت حتى يستغني عن الدوام على الاستغفار وعلى التوبة والأوبة.
“إنّ من العصمة ألاّ تغترّوا بالله”(3).
هذا الاغترار الذي يعني حمل الحِلم الإلهي، والأناةِ من الله، والإمهالِ منه على غير ما هو الحقّ من أنّه لا يجد الحاجة للاستعجال، حملُ ذلك من الله عزّ وجل. حمل إمهاله وأناته على ما يدفع للاستمرار في المعصية وقوعٌ في الغرور، والغرور غفلة، والغرور جهل، والغرور غياب عقل، والغرور وهمٌ يستولي على النفس.
فمن العصمة أن نذكر الله، أن نذكر عظمته، أن نذكر أخذه وهو أخذ عزيز جبّار مقتدر لا يقف في وجه إرادته شيء، فمن كان له هذا الذكر، ومن كان له هذا الالتفات عصمه عن السيئات، فاطلب هذه العصمة؛ عصمة ذكر الله، وعدم الغفلة عن قدرته وعلمه سبحانه وتعالى.
صفحة أخرى تتحدث عن التعامل مع الحالة الاجتماعية المتقلّبة “إذا استولى الفساد على الزّمان وأهله، فأحسن رجل الظّنّ برجل فقد غَرَّر (4)”(5).
المؤمن يحسن الظّنّ في المؤمن، ومن خلق المؤمن حسن الظّنّ، ولكن إذا انقلبت القيم في غالب حياة الناس، وفسدت الضمائر، واستولت القيم المادية على النفس فحُسن الظنّ وخاصة في الأمور الاجتماعية والأهمّ منها بالأخصّ لا ينبغي إلا بعد خبرة وتجربة وامتحان.
“فإنّه والله الجدّ لا اللّعب(6)، والحقّ لا الكذب، وما هو إلاّ الموت أسمع داعيه(7)، وأَعجل حاديه، فلا يغرّنّك سواد النّاس من نفسك…”(8).
عزيزي ارجع إلى فطرتك، ارجع إلى ضميرك، ارجع إلى وعيك، إلى فكرك، تبصّر الحياة، انظر في الأمور، فالأمر أكبر وأكبر من أن تعتمد فيه على حالة اجتماعية سائدة، وعلى رأي عامٍّ قد يستقيم وقد ينحرف. لا تأخذ موقفك من استقامة النّاس وانحرافهم، لك من مكنون ذاتك، ومن مخزون فطرتك، ومن حجج الله فيك هدى، وقد غرس الله عزّ وجلّ فيك بصائر، وخلق في داخلك نوراً فارجع إلى نورك الداخلي، ارجع إلى قلبك الفطري، ارجع إلى وعيك الفكري فلا تختر على طريق الله طريقا، ولا تستوحش وإن ضلّ كل الناس.
“… وربما حسبت أنّك ناصح للخلق، وأنت تريدهم لنفسك أن يميلوا إليك..”(9).
عيسى تبحثَ عن إعجاب مُعجَب، وعن تأييد مؤيّد، تريد أن تستقطب، تريد أن تستجمع حولك القلوب، وإن كنت في مظهر الناصح الشفيق على الناس، وتحاول أن تظهر بأنّك الحكيم، والمتعفِّف. لا بد من رقابة، ولابد من متابعة لحركات النفس، وتوجّهاتها، ولأحاديثها السرّيّة المخفية، النفس تتلوّن، والنفس تتحايل على صاحبها، فلابد من رقابة وحراسة ومحاسبة، وليس شيء أنفع في هذا المجال من تذكّر العبد عبوديّته وربوبيّة ربّه.
تقول الكلمة عن الصادق عليه السلام في هذا المجال وعلاجه:”واعلم أنك لن تخرج من ظلمات الغرور، والتّمني إلاّ بصدق الإنابة إلى الله، والإخبات له، ومعرفة عيوب أحوالك من حيث لا يوافق العقل والعلم..”.
لابد من عرض النّفس مشاعرها، خواطرها، توجّهاتها على العقل والعلم، والعقل والعلم الحقّ دين، والعلم الحقّ في الدين، فلابد من العرض على الدين الذي هو عقل وعلم، الدين الحق خالص عقل وخالص علم بلا شوب.
“… من حيث لا يوافق العقل والعلم، ولا يتحمّله الدّين والشّريعة، وسنن النّبوّة وأئمّة الهدى، وإن كنت راضياً بما أنت فيه، فما أحد أشقى بعمله منك، وأضيع عمراً، فأورثت حسرةً يوم القيامة”(10).
لا تأتي على أحدنا لحظة يرضى فيها عن نفسه إلا عانى من سقطة، فليلتفت أحدنا إلى نفسه، ولا يحكم لها بالزكاة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل لنا عزّاً في النّاس، وتواضعاً في أنفسنا، وارزقنا حلاوة الذل بين يديك، وتمام الانقطاع إليك، وحسن التوكل عليك. يا عالماً بالحاجات تفضّل علينا وعلى المؤمنين والمؤمنات ومن يعنينا أمره ومن أحسن إلينا إحساناً خاصّاً بقضاء كل حاجاتنا للدنيا والآخرة فإنه لا قاضي لحاجات العباد غيرك يا أكرم من كل كريم، ويا أرحم من كل رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّآ أَعْطَيْنَـكَ الكَوْثَرَ(1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ(2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ(3)}

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا تحصى خلائقه، ولا تتناهى آياته، ولا تعد آلاؤه، ولا يطاق شكر نعمه، ولا يأمن العاصون نقمه، ولا مِثْل لثوابه، ولا شدّة كعقابه، ولا رحمة كرحمته، ولا سطوة كسطوته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم إحسانا وبركة وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله وطلب الصّلاح للنفس والأهل والغير، وأن نطلب الهرب من النّار، وأن نسعى بقدم ثابت إلى الجنّة، ولا مهرب من الأولى، ولا نيل للثانية إلاَّ بالصلاح، ولا صلاح إلا بالأخذ بمنهج الله في الحياة، وسلوك طريق طاعته في عمومها، ومتابعة أوليائه، ومفارقة أعدائه.
وما صلح من ترك لجوارحه أن تفعل ما شاء لها الهوى، ولقلبه أن ينطوي على السّوء، ويضمر الشّر ظلماً للنّاس، ومن سعى في خلق الله بالفساد.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم بلطفك ورحمتك نقّ من الشرّ قلوبنا، وطهّر نفوسنا، وكفَّ عن معصيتك جوارحنا، وبيّض يوم نلقاك بالإيمان وجوهنا، وثبّت على الصراط أقدامنا، واجعل جنّة الخلد مأوانا ومسكننا، ومجتمع أهل مودتك وكرامتك في الدنيا والآخرة مجتمعنا، وأنلنا تمام العافية والسعادة ودوامهما يا كريم يا رحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، ووصلّ وسلّم على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجّل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك يا كريم.
أما بعد يا أخوة وأخوات الإيمان فهذه بعض محاور:
المولد الشريف للحجة بن الحسن (عج):
جاء في نصوص الظّهور “يُبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد، يقوم بأمر جديد”. “إنَّ قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله (ص)، وإن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء”.
نقرأ من خلال هذه النصوص أنّ الأمة تنتابها غربة واسعة، أنّ الأمة يصيبها تغريب؛ يغوص إلى أعماق أفئدة أبنائها، يجعل الفكر عندها ضالاً أو غائماً. يحدث شطط فكري، ونفسي، وسلوكي لا يلتقي مع الإسلام، يتحوّل الإسلام في فكره الأصيل، وفي منهجه الحقّ إلى أمر مستغرب أمام الحصيلة الفعلية لثقافة الأمّة، وهذا غزو هو أكبر غزو، ونجاح للغزو أكبر نجاح.
ونقرأ من هذه النصوص أن صفوة تبقى على صلابتها الإسلامية، والفهم الإسلامي الأصيل، إلا أنها تعيش المعاناة والمكابدة، تُرمى بالرجعية والتخلّف والتصلّب والسذاجة.
ما الأسباب؟ والمقام ليس مقام بسط للكلام
غلبة الإسلام الاجتهادي على الإسلام الواقعي، فإسلام نملكه في ظلّ حضور المعصوم عليه السلام هو غير إسلام تتوفّر عليه الأمة في ظل الاجتهاد وإن كان أميناً.
هناك إسلام واقعيّ، وإسلام الاجتهاد إسلام ظاهريّ في الأكثر، نعم نملك أحكاماً واقعيّة، ولكنها ليست الأكثر.
وجود فقهاء دخلاء، وعلماء سلاطين، يصوغون الإسلام على هوى الأمريكي والإنجليزي وهوى السلطان، والفقهاء الدخلاء بدأت لهم طليعة يتحدّث بما تتحدث به أمريكا عن الدول الإسلامية، وعن الجماعات الإسلامية الحقّة، ويطلقون الاتّهامات للمؤمنين بما يلتقي تماما مع الصالح والدعاوى الأمريكية وهم لا يَخفون.
وتعمل أمريكا، ويعمل الكفر كلّه على إيجاد طبقة من الفقهاء غريبة على الإسلام، والإسلام غريب عليها.
السبب الثالث: الغزو الثقافي الهائل.
السبب الرابع: زعامات دينية وسياسية بفكر مستورد أو مشوّش. وما من قيادة إسلامية صادقة في بلد من بلدان الإسلام إلا ومعها قيادات مفتعلة من نمط آخر، راجعوا البلدان الإسلامية كلّها فستجدون هذا حقيقة.
كلّما تأكّدت مرجعية الفقهاء كلّما بقينا على خطّ الإسلام وفكره، وقلّت الفجوة بيننا وبين الإمام (عجل الله فرجه وسهل مخرجه) في فكره وطرحه وسياسته.
الفقهاء وإن كان منتجهم الفكري والفقهي اجتهاديّاً إلا أنه المنتج الأقرب إلى واقع الإسلام، وهم لا يشطّون بك في منهجهم عن الإسلام، ولا يتوقّفون لما هم عليه من عدالة وورع عن أن يشهروا خطأهم عندما يكتشفونه. فالأمة ستبقى على خطّ الإمام، وستبقى مستعدة لفهم الإمام، وللتسليم للإمام، ولقبول طرحه وفكره ما بقيت على خطّ فقهائها.
وتكبر الغربة، وتتسع الفجوة والشّقة بين الأمّة وبين الإمام (عجل الله فرجه وسهل مخرجه) كلّما وَجَدَ الدخيلُ من الفكر، والدخيل من الثقافة، والدخيل من الطرح الاجتماعي والسياسي والحياتي عامّة موقعا له في الأمة، فكلّما تثبتت الثقافة الأجنبية، والرموز التي تحمل الفكر الأجنبي، والقيادات الفكرية والسياسية التي توالي الفكر الأجنبي كلّما بعدنا عن الإمام عليه السلام، وكلما كنّا مهيئين إلى أن نكفر بفكره وطرحه ورسالته.
علينا أن نصر على الفكر الإسلامي، على الخيار الإسلامي، على القيادة الإسلامية الصحيحة الصادقة.
كيف نستقبل الشهر الكريم؟
شهر رمضان -كما في خطبة خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه وآله أجمعين، أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر ضيافة الله عزَّ وجل.
موائد الله تبارك وتعالى تعم الأرض طوال العام، ولكن موائد إضافية، ووجبات ممتازة روحيّة تتنزّل في هذا الشهر الكريم خاصّة، ألطاف إلهية، رحمات إلهية، أجواء إيمانية روحانية، تنزّل ملائكة، حبس للشياطين في هذا الشهر الكريم، فهنا أجواء، وموائد، ووجبات عالية القيمة.
شهر يؤهّل للكرامة، وهو شهر لأهل الكرامة، شهر فيه تكريم للناس، وهو يرفع من مستوى كرامة الإنسان عند الله عز وجل.
والشقي من حرم الغفران فيه، وهو شهر للأعمال الصالحات، والإحسان في كل مساحة الحياة.
ما هو نوع الإعداد له؟
ليس من إعداد لشهر رمضان المبارك أفضل من التوبة، والأوبة إلى الله، من وقفة محاسبيّة للنفس، لما عليه داخل الذّات.
وبهذه المناسبة الكريمة يقيم المجلس الإسلامي العلمائي أسبوعاً تتكثّف فيه نداءات التوبة والفعاليّات المساعدة عليها، وهو موسمٌ لا تشترك فيه فئة خاصة، وإنما ينبغي لكل المؤمنين أن يشتركوا فيه، موسم سيعمّم على كل المناطق والقرى، والمطلوب أن تنشط كل المناطق والقرى في المشاركة فيه، وكلنا محتاج إلى التوبة، ما من منّا إلى وهو على تقصير في حق الله سبحانه وتعالى.
لا يستوحشن أحد منّا لأن يُخاطَب بالتوبة، وهو ليس موسماً لخصوص العاصين الظاهرين من أهل مخدّرات ومسكرات وموبقات أخرى، وإنما هو موسم للجميع، للكبير وللصغير، اعملوا رحمكم الله على إنجاح هذا الموسم لأنه لكم، لأبنائكم، لبناتكم، لأهليكم، للنجاة من النار، للفوز بالجنّة.
ماذا نختار؟
هل نختار الصراع الطائفي أو التقارب والتعاون بين طوائف المسلمين؟
المؤكد أن الصراع والاقتتال بلا سند من دين ولا عقل ولا مصلحة وطنية، وكان هناك حديث متسلسل بهذا الصدد طرحت منه حلقتين وتركت الباقي لأن خطبة الجمعة ليست محلاً للدراسة والتحقيق.
نعم، الصراع والاقتتال بين طوائف المسلمين كاذب من ادّعى أن له سندا من دين أو عقل أو مصلحة، وإذا وُجد مذهب يؤسّس للفتنة والاقتتال فهذا يكشف عن زيفه.
السند مع التقارب والتعاون، فكل التكاليف الاجتماعية الإسلامية التي يتحدث عنها القرآن الكريم والسنة المطهرة هي موجّهة لهذا المجتمع المسلم بسنّيه وشيعيّه، التكاليف الاجتماعية التي يستمر بها الإسلام، يقوى بها الإسلام، يُحافظ بها على الإسلام، تكاليف تشمل كلّ المسلمين الذين يؤدون الشهادتين ولا ينكرون ضرورة من ضروريات الإسلام الواصلة إليهم بكل مذاهبهم من كان ملتزماً كل الالتزام ومن كان غير ذلك.
العقل لا يمكن أن يحكم باقتتال فيه مفسدة الجميع، ومضرة الجميع، وكل المجتمعات العقلائية تعمل على رأب الصدع، وعلى توحيد الصف، ولو من أجل المصالح المشتركة، والمصلحة الوطنية في مهبّ الريح مع الفتنة والاقتتال، المصلحة الوطنية لا يمكن أن تنحفظ إلا بالتقارب والتعاون على الخير.
ما هي الأرضيات للتقارب؟
هناك أرضيات متصوّرة للتقارب، ويطرح على مستوى بعض العناوين:
الحسن الوطني. هل الحسن الوطني هو الأرضية الأصلح لأن يقوم عليها التقارب والتعاون على الخير؟ الأخذ بمبدأ الحسِّ الوطني واعتماده للوحدة أو التقارب يعني إلغاء للمذهبيّة، وأن يكون الولاء للوطن ولو على حساب المذهب، وهذا لا يقبله شيعيّ ولا سنيّ.
حيث تتصادم مصلحة يُتصوّر أنها مصلحة وطن مع أساسية من أساسيات المذهب السني، أو مع أساسية من أساسيات المذهب الشيعي فما بقي السنيّ سنيّا فهو غير مستعد لأن يُضحّي بأساسية من أساسيات مذهبه، وكذلك الشيعي.
والحسّ الوطني يعني أن كل الحسابات منصبّة على هذا الحس، وعلى هذا الانتماء، وعلى هذه المصلحة، ولو كان في ذلك تحطيم السنيّ خارج الوطن، وتحطيم الشيعي خارج الوطن. الوطن قبل كل شيء. فمعناه السنيّ أو الشيعي في السعودية أو في العراق لا شيء أمام مصلحة هذا الوطن أو ذاك الوطن.
الحس القومي: فيه إلغاء للمذهبية، وأمامنا حالة التعدد القومي في الوطن الواحد. فكيف نفعل؟
التوجه العلماني: وهذا ما يطرح في الصحافة أحياناً، وأنه منقذ من الطائفية، والتوجه العلماني معناه، إلغاء الانتمائي الديني والمذهبي أو ضعفه وإسقاطه أمام الحالة العلمانية ومقتضياتها.
والتوجه العلماني تعصب من نوع جديد نراه مدمّراً في تركيا، وباسم العلمانية تُشنّ الحروب الداخلية وباسمها تسقط حكومات وكيانات سياسية ذات توجه ديني، فالعلمانية إذا أخرجتنا من عصبية تدخلنا في عصبية جاهلية أخرى.
الفهم الديني: الفهم الديني هناك فهم سيء للدين وهذا لا يصلح أرضية للتقارب، وإنما هو منبع التباعد والفتنة والاقتتال. أناس لا يفهمون الدين على واقعه، ولا يفهمون مقاصده فيسيئون الفهم له، وباسمه تتحرك العصبية العمياء لتقتل وتسفك وتنشر الفساد والرعب في الأرض. كان هذا الفهم منتسبا إلى التشيّع أو إلى التسنّن لا فرق.
أن يكون هناك مذهب فتّاك في أصوله ومرتكزاته، وبعيد البناء عن قيم الإسلام وفكره الأصيل، فهذا مذهبٌ بليّة، وهو يكشف عن ضلاله وغيّه وبعده عن الإسلام.
ومذهب يمتهن الفتنة والقتل والسفك للدم المسلم لو وُجد لابد لأتباعه أن يراجعوه فإنهم لا بد أن يعثروا على خطئه، وغريب أن يخفى خطؤه في ظل الوضوح الإسلامي في مجال الحرص على الأمن والسلام والتعايش السلمي ما أمكن. نعم غريب أن يخفى خطؤه على أحد.
الفهم الديني الصحيح يتركز على مثل {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى} مما فيه تثبيت لأصل العدل والإحسان، وما فيه دعوة إلى التعاون على الخير، وعدم التعاون على الإثم {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وكم من إطلاقات لتعليمات قرآنية ونبوية، ومعصومية عامة تدعو إلى التوحّد وإلى التقارب والتفاهم، والحوار الجميل، وتنأى بالمسلم عن أخلاقيّة العصبية، والوحشية، وأخلاقية الاستخفاف بالدماء والأعراض والأموال.
فالنتيجة أن إنهاء حالة الطائفية العملية المتنكرة للحقوق والواجبات، والتي تعني العداوة والبغضاء والاقتتال بين المسلمين يتوقف على شيء واحد هو أن نفهم الدين بصورته الصحيحة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا هب لنا من لدنك رحمة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ربنا اجعل أبغض ما نبغض معصيتك، وأحب ما نحب طاعتك يا رحيم يا رحمن.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الأنوار ج 78 ص 193، فس. نُسب هذا القول إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في ميزان الحكمة، ولكن في كتاب بحار الأنوار نُسب للإمام الصادق عليه السلام، وبما أن صاحب ميزان الحكمة رجع في مصدره لبحار الأنوار فيظهر أن الحديث منسوب للإمام الصادق عليه السلام. وكلّ أهل البيت عليهم السلام أصحاب قول ولسان واحد. (اللجنة الفنية).
2 – ميزان الحكمة ج 7 ص 183.
3 – المصدر نفسه.
4 – وربّما يكون ضبط كلمة غرّر (غُرِّر) بضمّ أوّله وكسر وسطه.
5 – المصدر ص 186.
6 – القضية كبرى، ليست قضية من قضية التعامل الاجتماعي على مستوى المصالح الدنيوية، فالتعامل الاجتماعي كذلك وإن كان أمرا خطيرا وخاصة في بعض المواقع إلا أن المسألة الكبرى مسألة المصير.
7 – داعي الموت مُسمِع، موصل صوته إلى كلّ الآفاق. نعم قد يأتي على قلب رين، قد يعمى قلب، قد يُصمّ قلب فلا يسمع صوت الموت، ولا يرى حتى بصيصاً لآية من آيات الله الأخّاذة أنوارها بالأبصار. ما لم يسمع أحدنا داعي الموت فهو أصم.
8 – المصدر نفسه. عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
9 – المصدر ص 187.
10 – المصدر نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى