خطبة الجمعة (297) 10 شعبان 1428هـ – 24 أغسطس 2007م
مواضيع الخطبة:
*الغرور والاغترار *شعبان والمناسبات الكريمة *حزب الله والنصر الكبير
من يفرح لنصر الإسلام يفرح لنصر حزب الله، من يفخر بالإسلام يفخر بنصر حزب الله، إنه لكل الأمة، ولكل أرض الإسلام، ولكل المقدسات والقيم النبيلة.
الخطبة الأولى
الحمد لله القريب ممن ناجاه، المجيبِ لمن دعاه، المحسنِ لمن عصاه، التّوّاب على من تاب إليه، الغفور لمن استغفره، الشّكور لمن شكره، الهادي لمن استهداه، الكافي لمن استكفاه، وهو الوليُّ الحميد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله الفقراءَ إليه علينا بتقوى الله والتقرُّبِ إليه، ولا تقرُّبَ له سبحانه إلا بفعل الجميل وترك القبيح، وإضمار الخير دون الشر، والأخذ بما فيه نقع النفس والغير، دون الضَّر. ولا تنفصل التّقوى عن فهم الدّين الفهمَ الحقّ، ومتابعةِ أهل الهدى، ومفارقةِ أهل الضلال؛ فمن أوّل الطريق الصحيح أن نعلمَ الحقَّ وأهله، والضّلالَ وأهله، ومَنْ دلالته على الله ممن دلالته على غيره. ومن اختلط عليه هؤلاء وأولئك وقع في ظلمة الحيرة في كثير من مواطن العمل، ولم ينجُ من التّعثّر والخبط والضياع.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم خذ بيدنا في كلّ الأمور إلى الحق، واجعلنا من فريق الهدى والأخذ به، والثبات عليه، ونجّنا من إغراء الشيطان وجنده وإغوائهم وإضلالهم وما يمكرون به في الليل والنهار.
أما بعد فهذا حديث في موضوع الغرور والاغترار:
هذه ثلاث آيات قرآنية كريمة:{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}(1).
الخطاب هنا للإنسان على إطلاقه وليس للإنسان بقيد الإيمان، وفي القرآن خطابات للإنسان، وخطابات للمؤمن من الناس. والخطاب للإنسان موضوعه الإنسان، وأرضيّته الإنسان، والمناسبة بين الحكم والموضوع فيه قائمة بين الإنسان وذلك الخطاب، والشأن نفسه جارٍ في ما هو خطاب للإنسان المؤمن؛ فالمناسبة فيه بين مضمون الخطاب والإيمان.
الإنسان بمحتواه، بإلهاماته، بفطرته، بعبوديّته، بما أوجد الله عزّ وجلّ فيه من حجج باطنة عليه يكون موضوعا لخطابات إلهية، وهذا خطاب منها {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ} قبل أن تكون نصرانيّاً، قبل أن تكون يهوديا، قبل أن تكون مسلماً {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} أنت تعرف بفطرتك، وضميرك، ووجدانك، وعقلك أنّك عبدٌ، وأنّ ربّك الله، {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ، في التفسير ما غرّك بمعنى ما جرّأك، وفي اللغة: ماغرّك بفلان: كيف اجترأت عليه، واغتررت به؟ .
{مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} هذا التجرّأ والتبجّح هل له من سبب معقول؟ التجرّأ يكون مرّةً له موضوعه، وله خلفيّته الصحيحة، ومرّةً لا يكون واجداً شيئاً من الأسباب أساساً، والمعصية تجرُء على الله، واتّخاذ منهج غير منهج الله جرأة أكبر على الله، ومواجهة الله عزّ وجلّ بمواجهة دينه، وأوليائه المؤمنين، والإضرار بعباده، ونشر الفساد في الأرض جرأة ما أعظمها من جرأة على الله. الفسوق جرأة، العصيان جرأة، محاربة دين الله عز وجلّ جرأة، والإنسان كثير منه من يمارس كلّ ذلك.
سؤال تعجيبي، سؤال استنكاري {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} أتتجرأ على من هو ربّك بيده كان أولُ خلقك، بيده كانت بدايتك، وبيده استمرارك؟! أجرأة على الله الذي خلقك ودبّرك ورزقك، وكل شيء منك مملوك له، ولا تعبر لحظة من لحظات الزمن وجوداً وحياة إلا بمدده؟! أجرأة على من يملك عليك، قلبك، كل خليّة من خلاياك، كل ذرة من ذراتك، كل لحظة من لحظاتك؟! أجرأة في محلّها؟! أم هي جرأة عن جنون، عن غفلة، عن خديعة نفس، عن خديعة شيطان، عن نسيان، عن جهل؟!
وأي رب هو تبارك وتعالى هو الربّ الكريم الذي يعطي بلا حساب، وبلا ترقّب جزاء، وبلا حاجة إلى ثواب.
راجع أيها العبد في علاقتك مع ربّك، عقلك، وجدانك، ضميرك، قلبك، فطرتك الصافية كلّ ذلك يقودك للخضوع، للخشوع، للاستكانة، للتسليم، للاعتراف بالنّعم، بالأفضال، بنعمة الوجود الكبرى، بنعمة الحياة الكبرى، بكل نعمة كبيرة وصغيرة في وجودك؛ ولا صغير من نعم الله عزّ وجل
بعد الخطأ في التعامل مع الله، بعد خطأ الاستكبار على الله لا تصلح الشخصية على الإطلاق… إنه جذري يستأصل الخير في الشخصيّة، ويحوّلها إلى شخصية شرّ، شخصية شيطانية لا يُتوقّع منها الخير، فالخير لا يجامع الكفر ولا المعصية على الإطلاق، وخيرٌ يأتي من كافر شذوذاً لا يأتي من خلفيّة الكفر، وإنما يأتي من خلفيّة إيمان فطريّ ولو خفيف أو تأثر بوضعية إيمانية، أما الكفر فلا يُعقل فيه أساساً أن يشكل أرضيّة لخير.
فأوّل ما ينبغي أن يُعالج في النفس، وأول ما ينبغي أن يعالج في الأسرة، وأول ما ينبغي أن يعالج في المجتمعات هو العلاقة بالله، وأن يُقصد إلى تصحيح علاقة العبد بربّه سبحانه، وكل تربية تتجاوز هذه الأساسية تربية فاشلة، وكل المسائل الأخرى مسائل فوقية لا يمكن أن تنتج ما هو خير في الأرض مع إهمال هذه المسألة الأساس.
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} أيها الجاهل، أيها الغافل، أيها السادر في ضلال راجع نفسك؛ تستكبر على من؟ تتطاول على من؟! تناهض من؟! تنسى نعمة من؟! تجحد من؟! تدير ظهرك إلى من؟ تخضع وتتضعضع أمام العبيد، وتستكبر على الله سبحانه وتعالى؟! تقف أمام إنسان قد أحسن هندامه الخارجي متأدّباً ومتضعضعاً وكذلك أمام إنسان يكون له درهم أو دينار، أو إنسان أقعدته السلطة على كرسي وزارة ثم تشمخ بأنفك أمام الله عز وجلّ؟! أين عقلك؟ أين بصيرتك؟ أين تفكيرك في مصلحتك؟ أين إنسانيتك؟ أين العروق الأخلاقية في وجودك؟!
{ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ } فيك إيمان فطري أعلنتَه أو أخفيتَه، انتميت إلى دين معّين أو لم تنتم، إيمان لابد أن يحول بينك وبين الاغترار بالله والجرأة علي.
في إنسانيتك عدة كريمة، عناصر هادية، مكوّنات مضيئة ماذا فعلت بها حتى عميت فاغتررت وتجرأت على الله؟!ت أ
{الَّذِي خَلَقَكَ} وهل خرجت من سيطرة خلقه، والحاجة إلى خلقه؟ لا، أنت في كل حين خاضع لعملية الخلق والتكوين، لم تأخذ خلقك من الله لتكون من بعد ذلك مستقلاً في خلقك، أنت لا تمسك بخلقك مستقلاً لحظة عين، أنت في كل آنٍ تنتظر تنزّل الخلق عليك من الله، تنزّل الفيض عليك من الله، تعلّقك، تملّقك، تدلّيك برحمة الله، بقدرة الله، بفيض الله ليس للحظة واحدة، وإنما لكل مساحة وجودك، وكل مالك من وجود.
{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} ومن معنى التسوية لغويّاً التعديل، ومن الشيء، إتمامه، والله تبارك وتعالى جاء بك تامّاً، جاء بك سويّاً معتدلاً فجئت الموجود المتناسق، المتوافق في أعضائك، المتوافق بينك وبين وظائفك، بين ما عليه إعدادك وبين ما ينبغي لك من هدف، جئت الوجود المتناسق مع بيئتك، مع وظيفتك، جاءت أعضائك لتتكامل، جاءت طاقاتك ومواهبك واستعداداتك لتتوافى على الهدف الواحد وتقودك إلى الغاية المحددة.
لم تأت الوجود العشوائي المتهافت المتناقض؛ حتى ما فيك من شهوات، ودوافع مادية فهي هادفة وإذا خضعت للمنهج الإلهي وجدتها تتلاقى تماماً مع ما لك من هدف حياتي كبير.
{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} عقلك، مقدار عقلك، دوافعك، كمّ دوافعك، نوع دوافعك، مقدار دوافعك، مشاعرك، قواك، معالم وجهك، قوامك، أسود، أبيض، ذميم، جميل، أي شيء فيك قد جاء باختيار الله وارادته المحضة، هل تملك من أمرك شيئاً؟ وكيف الغرور وأنت تتوقّع مغادرة الحياة في كل لحظة؟! كيف الغرور وأنت لا تملك من وجودك أمراً ما؟ لا تملك من حياتك أي قرار؟ كيف الغرور وأنت العبد القنُّ المملوك الذي لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضرّاً إلا بإذن الله؟ هذا الذي جاء على غير ما قدّر، والذي جاء على غير ما وقّت، وما كان له أن يوقّت، وما كان له أن يقدّر، لا بداية وجود، ولا بداية حياة، ولا مفارقة هذه الحياة، كيف يغتر؟ كيف يستكبر؟ كيف ينسى من بيده كل أمره وقدره؟
“من كلام لأمير المؤمنين عليه السّلام قاله عند تلاوته {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}:
أدحض مسؤُولٍ حجّةً، وأقطع مغترٍّ معذرةً، لقد أبرح جَهالةً بنفسه، يا أيَّها الإنسان ما جرّأك على ذنبك؟!، وما غرّك بربك؟!، وما أنّسك بهلكة نفسك؟!..”(2).
“أدحض مسؤُولٍ حجّةً” هذا الذي اغترّ وتجرأ على الله مالكه، خالقه ورازقه ومدبّره أدحض مسؤول حجّة. إذا كان هذا الإنسان يمكن له أن يجد شيئاً من الحجّة ولو الواهمة في أي علاقة من العلاقات، في أي موقف من المواقف، إلا أنه خسأ أن يجد حجّة في استكباره على الله، وتجرئه عليه. ليس هناك من أدنى سبب يتيح لهذا الإنسان أن يستكبر، أن يتبجح، أن يتجرأ على الله عزّ وجل. إنه في ذلك فاقد للحجّة تماما ولا عذر لهً.
وأمام من؟ إذا أفحمك قاض صغير من قضاة أهل الدنيا تصببك العرق، إذا انقطعت بك الحجة أمام صديق، أمام عدو، أمام زوجتك، أمام طفلتك تصاغرت، وأخرسك الخجل، فكيف بأن تنقطع الحجة أمام الله جبّار السماوات والأرض؟!
“وأقطع مغترٍّ معذرةً، لقد أبرح جَهالةً بنفسه” هذا المغتر بالله، هذا المتجرئ على الله قد أبرح جهالة. فما أوضح جهالته بنفسه؟! لقد كشف عن جهل، سفه، عدم وعي، عدم عقل، كشف عن غفلة، عن سبات، وإلا لما كان على تقدير أقل صحوة أن يستكبر على الله سبحانه وتعالى.
لقد أبرح جَهالةً بنفسه” مراجعة للنفس تريك الرب، من وقف على عبوديته صدّق بربوبية ربّه سبحانه وتعالى؛ حيث أن النظر لن يدلّه إلا على ربوبية واحدة هي ربوبية الله تبارك وتعالى.
“يا أيَّها الإنسان ما جرّأك على ذنبك؟!” قف.. قف.. أمام أي ذنب، أمام أي خطوة قل: أبي أن أقاوم الله؟ أفيّ أن أقاوم الله؟ أبي أن أردّ غضبه؟ أن أدفع عن نفسي عقابه؟ أمن عقل أن أستكبر عليه و أنا مملوك له؟ بدايتي بيد من؟ نهايتي بيد من؟ مصيري إلى من؟ حتى أستكبر على الله، حتى أعصيه؟
ما أجمل أن نكون على فكر دائم في كل المواقف.
والإمام عليه السلام يخاطب الإنسان بما هو إنسان أيضاً ولا يحتاج إلى إدخال عنصر الإيمان في هذه المسألة “يا أيَّها الإنسان – شرقيّاً كنت غربيّا، أمريكيا، روسيا، بحرينيا – ما جرّأك على ذنبك؟!، وما غرّك بربك؟!،” أمن هوان في الله عزّ وجلّ أن تتجرأ عليه؟! أمن محدودية في علم الله، أمن غياب لعلم الله حتى تتجرأ عليه؟! أمن قصور في قدرة الله أن تتجرأ عليه؟ أمن قصور في إنعام وإفضال وكرم عند الله حتى تتجرأ عليه؟!
“وما أنّسك بهلكة نفسك؟!..” حيث الجرأة على الله هلكة النفس، كيف تأنس بهلكة نفسك، كيف ترتاح لهلكة نفسك، كيف تنسجم مع هلكة نفسك، وأنت تفعل بنفسك الهلكة كلما تجرأت على الله سبحانه وتعالى.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح لنا أعمالنا، وكفّر عنا سيئاتنا، ولا تجعل لنا عزماً في الشر، ولا حبّاً له ولا ميلا، ولا تخلّياً عن الخير ولا فتورا فيه، واجعلنا من السابقين في الخيرات، المستزيدين للحسنات، ومن رفيع الدرجات، وعالي الغرفات، ومن أهل أكثر البركات والباقيات الصالحات يا محسن يا عظيم يا كريم يا رحمن يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا غنى لأحد عن فضله، ولا يبلغ أحد حقيقة شكره، ولا يستحقّ عليه الجنّة بعمله، ولا ييأس المذنبون من عفوه، ولا يأمن المحسنون من استحقاق عقوبته لو أخذهم بعدله.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله وترك التشاغل بما لا ينفع عند الله سبحانه وإن عظم به الشأن عند غيره، وكأن فيه رضى المخلوقين، فما يستوي في عقل مضيء ووجدان سليم حكمٌ من الله وحكم ممن خلق، ولا رضى منه سبحانه ورضى ممن سواه، وكيف يستويان؟! وهل الجاهل كالعالم، والمملوك كالمالك، والفاقد كالواجد، والمقهور كالقاهر؟! أبداً أبداً لا يستويان.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. واصرف همَّنا إليك، واجعل توكّلنا عليك، وثقتنا بك، وأخذنا بدينك، وطاعتنا لأمرك ونهيك، وطمعنا في ثوابك، وخوفنا من عقابك، وأن نقدم من قدمت، ونؤخر من أخرت، ونحب من أحببت، ونبغض من أبغضت يا مجيب الدعاء يا كريم يا رحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك، وانصرنا نصراً عزيزاً مبيناً.
أما بعد أيها الإخوة المؤمنين والمؤمنات فإلى هذه الموضوعات:
شعبان والمناسبات الكريمة:
الزمن كلّه مهم في دين الله، وفي وعي الإنسان المسلم. و هناك شهور عظّم الدين شأنها منها هذا الشهر الكريم. وهي مناسبات تتكثّف فيها العبادة، ويتضاعف فيها الثواب، وتتفتّح فيها أجواء القرب إلى الله سبحانه وتعالى.
وهذه شهور غنيّة بالمناسبات المباركة منها شعبان؛ وفيه مولد الإمام الحسين عليه السلام، والعباس بن علي عليه السلام، وزين العابدين عليه السلام، والإمام القائد عجل الله فرجه وعليه السلام، وصالحين آخرين.
هذه المناسبات الدينية المكثّفة في هذا الشهر تجعلنا نقول كلمة عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام. كلمة مختصرة، وتقتصر على اشارات عامّة تقريباً.
الأئمة عليهم السلام ذوات عالية متميّزة خلقاً وتربية، لها من أهليّة الكمال ما هو قِمَّة على المستوى الإنساني، معرفة لألآة بالله تبارك وتعالى، روح صافية، إرادة خيّرة، همّةٌ عالية، نفس طاهرة. ذواتٌ لها من الرصيد الإنساني، ومن عدّة الكمال الأوّليّة ما ليس لغيرهم، والله سبحانه وتعالى قد قسَّم الأرزاق، وجعل من النّاس هداةً، وجعل منهم من يحتاج إلى أولئك الهداة، وذلك لحكمة، وفضل الله لا يخلو من حكمة، وقد ميّز آل إبراهيم في كتابه الكريم.
ينضاف إلى الذوات العالية لأهل البيت عليهم السلام التوفّر على المنهج الإلهي لهذه الحياة بصورته الواقعية لا الظاهرية الاجتهادية؛ فما عند أهل البيت عليهم السلام ليس علماً استظهارياً اجتهاديا يمكن أن يدخله الخطأ، ما عندهم هو علم الوحي، الكلمة الإلهية على نقائها، وصدقها، الرؤية الإلهية التي أوصلها الوحي للإنسان عن الكون، عن الحياة، عن الإنسان، عن كلّ الموضوعات التي يدخل وعيها في التأثير على مسيرة هذه الحياة عند الإنسان.
عندهم الحكم الشرعي الإلهي في صورته الواقعية والمتنزّلة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهذا ما لا يساويهم غيرهم فيه على الإطلاق. حبيب ابن مظاهر نفس كريمة، شخصية رسالية فذّة، ولكنّه يحتاج أن يسأل الإمام عن الحكم الواقعي، وقد يتلقّاه ويشتبه في فهمه، وقد يسمعه من الثّقة فلا يصله على ما هو عليه عند الله عزّ وجلّ، ويكبر المجتهد حتى يكون أكبر المجتهدين، ويبذل ما في طاقته ووسعه في الوصول إلى الحكم الواقعي وقد يصل إليه وقد لا يصل إليه وإن كان المعذور المثاب في جهده وعمله واجتهاده.
فهم حملة علم الوحي وليس هناك من غيرهم من بين الصحابة ومن التابعين ومن سواهم أحدٌ يمكن أن يُدَّعى له أنه كذلك.
لهم العصمة الشاملة على مستوى الفكر والشعور والعمل، وأنت وأخوك والثالث والرابع من بني الإنسان يتوفّرون على درجة وأخرى من العصمة الجزئية المحدودة، كلٌّ منّا يعيش حالة عصمة جزئية محدودة، أما المعصتوم عليه السلام فيتمتّع بعصمة شاملة لا تتخلّف عنه في موقف من المواقف كما نعتقد.
من منكم تسمح له نفسه بأن يُنازع يتيماً مغلوباً على أمره لقمة فيها حياته وهو غني عنها؟! ألا تجد من نفسك عصمة… عن هذا السقوط؟! إن يكن أحد ليس كذلك فأعوذ بالله مما وصل إليه من انحدار بعيد.
وكم هم الذين يقدمون على كبيرة الفحشاء بذات رحم قريب؟
هناك عصمة عند هذا وذاك بصورة جزئية محدودة، أما أهل البيت عليهم السلام فعصمتهم شاملة.
وأهل البيت عليهم السلام لهم أهداف مشتركة يستوي فيها من قام بالسيف، ومن كان له جهاد بغيره. أهل البيت عليهم السلام ليس فيهم قاعد واحد عن كل ألوان الجهاد، وكل من قام بالسيف ومن لم يقم به منهم أهدافهم مشتركة، وخطّتهم العامة الاستراتيجية واحدة، كلهم يخضعون لرؤية رئيسة، ولخطّة استراتيجية واحدة بعيدة المدى.
وأهل البيت عليهم السلام إلى جنب ذلك ظروف متغيرة، ولا يملك المعصوم عليه السلام أن يصنع كل ظروف الدنيا فهو عبد من عبيد الله عز وجل، وكتب عليه الله عز وجل أن يعيش ظروف هذه الحياة المتقلبة.
والناس في إقبال وإدبار عن المعصوم عليه السلام، والناس قد يمتلكون الصدق مع المعصوم عليه السلام وقد لا يمتلكونه، الناس يستعدون مرة للتضحية وأحيانا لا يستعدون، الناس قد ينجح بهم المشروع الإسلامي في ظلّ الدولة الإسلامية ويمكن أن لا ينجح بهم المشروع الإسلامي، فالظروف متغيرة.
وهناك علاقات بين الأدوار، وبين الأهداف، وهي واحدة، وبين الخطّة العامة وهي متحدة، وكذلك بين الأدوار، وبين الظروف المتغيرة، فالأدوار لا تأتي دائماً من وحي الهدف والخطة العامة بصورة مستقلّة ومن غير تأثير للظرف، ثم إن الدور والموقف عند المعصوم عليه السلام لا يأتي من وحي الظروف وعلى أرضيتها فحسب، وبعيداً عن حسابات الهدف، وعن الخطة الاستراتيجية العامة التي يتحرك في ضوئها أهل البيت عليهم السلام.
الإمام علي عليه السلام هادن، صالح، وحارب، النبي صلى الله عليه وآله قبل ذلك حارب وصالح، زين العابدين عليه السلام في ظروفه الخاصة جاهد لون جهاد، وكل إمام من أئمة الهدى عليهم السلام كان لهم دورهم الجهادي وأدوارهم عليهم السلام متلوّنة بحسب ما عليه ضغط الظروف، ودرجة مرونتها.
وهذه خطوط عامة في سيرة أهل البيت عليهم السلام: رسالية تقبل الانفتاح على تعدد الأسلوب، وعلى الحوار مع الآخر، وتمنع من الذوبان في الآخر، وفي الظروف، وتمنع من الحياد في معارك الحق والباطل.
الأئمة عليهم السلام لا يمكن في معركة الحق والباطل أن يكون موقفهم حيادياً، دائما هو موقف رسالي منحاز إلى الحق، متخندق معه، بل هم في مقدمة أهل الحق، وهم أصحاب المبادرة في الموقف المناصر للحق، لكن مع ذلك سيرتهم منفتحة على الحوار، منفتحة على تعدد الأسلوب وانتقائه، ولكن انتقائية الأسلوب ليست اعتباطية إنما هي دائما هادفة ورسالية وفي ضوء الاستراتيجية العامة الموحدة، وفي ظل ثوابت الدين العظيم.
هذا خط، خط آخر صمود وشجاعة بلا طيش ولا عشوائية ولا انفلات.
حكمة عملية غير معطِّلة. إذا قلنا هناك واقعية عند الإمام عليه السلام، هناك حكمة عملية، هناك مطالعةللموضوع الخارجي، دراسة للظروف وتأثيرها فانه لا يدخل في ذلك أبداً أن يكون شيء من ذلك معطِّلا لحركة المعصوتم عليه السلام، متوقفا به عن مسيرة الجهاد، إنما كل ذلك من أجل اختيار الأسلوب الصحيح.
حكمة عملية غير معطّلة، وتعامل عملي مع الأوضاع لا ينفي اللون المناسب شرعاً من الجهاد.
لا نصر عند الأئمة عليهم السلام يعني النهاية. ليس هناك نصر يُعتبر نقطة توقّف عن الجهاد وعن التصحيح، كل نصر يعد في حياتهم عليهم السلام مقدمة للإعداد والجهاد في سبيل نصر آخر أكبر.
ما توصل إليه جهاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من انتصارات ساحقة على مستوى الساحة الخارجية، وساحة الفكر والنفس والإرادة، ما كان يعني عنده النهاية، إنما كانت الحياة في نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن امتدّت ملايين السنوات وأكثر كلّها جهاد، وفي كل يوم يولد جيل، وتولد نفوس تنطوي على الخير، ثم على قابلية الشر.
لا نصر يعني في حياتهم النهاية، ولا هزيمة تقطع عليهم الطريق. لا توجد هزيمة خارجية في حياة الإمام عليه السلام تعني قطع طريق الجهاد. الهزيمة لا تقطع الطريق عليهم ولا تهزم إرادتهم العملاقة عليهم السلام.
حزب الله والنصر الكبير:
كان نصرا على خلاف حسابات أهل الأرض ونظرتهم وقيمهم، كان نصرا لم يتوقعه المهزومون المهزوزون في هذه الأمة وهم كثيرون على مستوى الأنظمة والأحزاب والفئات والشخصيات.
النقطة المهمة أن ذلك النصر من صناعة إسلامية خالصة، من رؤية إسلامية، من منطلق إسلامي، من إرادة صنعها الإسلام، من أخلاقية صاغها الإسلام، من وعي ولّده الإسلام، إنه نصر جاء على خطّ بدر، الخندق، خيبر، كربلاء.
الاعتزاز بهذا النصر ليس لحجمه فقط، وليس لمفاجأته فقط، وأكبر اعتزاز لنا به أنه من صناعة الإسلام الخالصة، ومن صناعة القرآن، والسيرة المطهرة لرسول الله صلى الله عليه و آله وأهل بيته الكرام عليهم السلام أجمعين. وأهل البيت ليس لفئة من المسلمين كما هو القرآن، كما هو رسول الله صلى الله عليه وآله. إنهم لهذه الأمة، ولكل الأمة أن تفتخر بهم، وأن تلجأ إليهم في أخذ الوعي وأخذ الشرع والخلق الكريم.
نعم، كان نصراً من صناعة إسلامية عجزت كل الأطروحات المجرّبة عن تحقيقه، وشهدت الأنظمة على نفسها على عجزها عن الوصول إليه.
فمن يفرح لنصر الإسلام يفرح لنصر حزب الله، من يفخر بالإسلام يفخر بنصر حزب الله، إنه لكل الأمة، ولكل أرض الإسلام، ولكل المقدسات والقيم النبيلة. إنه درس، بأنّ الإسلام هو الخيار الذي يحقق العزّة والنصر والكرامة ويحافظ على المقدّسات ويستردّ كل سليب. وإنّه حجّة على كل الأنظمة، وعلى كل الأحزاب التي تتمسك بغير الإسلام، وإنه شاهد على قدرة الإسلام وكفاءته، على صدق القرآن، على صدق كربلاء، على صدق بدر، على صدق أهل البيت عليهم السلام ونجاح تربيتهم، وأؤكد أن أهل البيت عليهم السلام ليسوا للشيعة فقط. إنهم لكل المسلمين، وكل مسلم من حقه أن يفخر بأهل البيت عليهم السلام.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربّنا يا الله ولا ربّ لنا غيرك، يا رحمن يا رحيم أصلح بلطفك وفي عافية كافية تامّة من فضلك شأننا كلّه للدنيا والآخرة، وأخرجنا من كل سوء، ونجنا من كل ضر، وادرأ عنا كل شر، واجعل علينا واقية من رحمتك لا نشكو معها خوفا ولا ضرّا، ولا سوءا، وافتح علينا أبواب الخير يا مالك الخير كلّه، ولا خير لأحد إلا من عندك يا أكرم الأكرمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 6، 7، 8/ الانفطار.
2 – ميزان الحكمة ج 7 ص 182، 183. ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 11 ص 238).