خطبة الجمعة (287) 22 جمادى الأول 1428هـ – 8 يونيو 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة موضوع الفتنة + متابعة الإسلام والمسلمون وحدة وتعددية + رجل رحمة + الأحوال الشخصية

إن أي مجلس نيابي يصر على تمرير قانون للأسرة من غير الضمانات الكافية لسلامة أحكام الشريعة فهو لا يستحقّ الإبقاء على المشاركة فيه على الإطلاق.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أشرقت بنوره السماوات والأرض، وأضاءت به قلوب العارفين، ولا ظهور لشيء إلا بنوره، ولا قيام لشيء إلا بقدرته، ولا يأتي فاعل فعلاً إلا بفيضه، ولا هدى لشيء إلا من جهته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، والرغبة في ثوابه أعظم الثواب، والحذر من عقابه آلم العقاب، والطمع في رحمته أوسع الرحمة، والفرار من نقمته أشدّ النقمة.
عباد الله لا تُطلب الدنيا ولا الآخرة بالكسل والإهمال، وإن طلاّب الدنيا المسحورين لها من غير أهل الوهم الذين يستريحون للأماني من غير عمل لأسخياء بالوقت والجهد والشرف والدين من أجل ما يطلبون.
فما لمؤمن يطلب الآخرة وهي الأسمى والأبقى بغير ثمن من وقت وجهد وبذل وتضحية، إن المؤمن الحق ليطلب الدنيا الحلال بما تستحقه من جهد وتعب بلا ثلمة في دين أو شرف، ويطلب الآخرة بكل ما عزّ من هذه الدنيا، وبراحته فيها وحتى عمره، وهو في كل ذلك ينطلق من وحي الدين وتعاليم الشريعة، والحفاظ على الشرف والكرامة.
اللّهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللّهم اجعلنا من أهل الجد في طاعتك، والاجتهاد لنيل رضوانك، واجعلنا لا نقدم ما للدنيا على ما للآخرة، ولا نبتغي عن دينك بدلاً، وعن سبيلك متحوّلا يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها الملأ المؤمن الطيب العزيز فمع موضوع الفتنة في متابعة جديدة:
“سُئل أمير المؤمنين – عليه السلام – عن المتشابه في تفسير الفتنة فقال:{الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}(1) وقوله لموسى عليه السّلام:{وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً}(2).
ومنه فتنة الكفر وهو قوله تعالى:{لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ}(3). (وقوله تعالى:{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}(4)) وقوله سبحانه في اللّذين استأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وآله في غزوة تبوك أن يتخلّفوا عنه من المنافقين فقال الله تعالى فيهم:{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}(5).
ومنه فتنة العذاب وهو قواله تعالى:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي يعذّبون {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} أي ذوقوا عذابكم، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} أي عذّبوا المؤمنين.
ومنه فتنة المحبّة للمال والولد كقوله تعالى:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} أي إنّما حبّكم لها فتنة لكم.
ومنه فتنة المرض وهو قوله سبحانه:{أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ}(6) أي يمرضون ويعتلّون”(7).
فهذه استعمالات قرآنية للفتنة بينها فوارق، فيراد من المتشابه هنا أن الكلمة وهي واحدة تُستعمل استعمالات عديدة فلا تأتي فيها جميعا بمعنى واحد، وإنما يتميز معناها من خلال قرائن السياق، فنجد في قوله تعالى: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} أن الفتنة هنا مفسّرة بالاختبار والامتحان، وأن الإيمان مصحوب دائما بما بفتنة من تحديات خير وشر تبرهن على صدقه أو كذبه.
أما قوله لموسى عليه السلام: {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} فهي أيضا بمعنى الامتحان، وكل نبيٍّ تعرضه الفتنة، وموسى عليه السلام مرّ بامتحانات عديدة، وبشدائد متعددة فوجده الله عز وجل – وهو العالم علمه أزليّ- بأنّه أهل للرسالة.
فالرسالة لا تُعطى منحة بلا موضوعٍ أهل، وإنما الأنبياء والمرسلون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكذلك الأئمة هم معادن إنسانية فاخرة، ومع هذا فهم أدوار جهاديّة صابرة وفاعلة وجدّيّة وثبات في الامتحانات العسيرة والشدائد العظام. وإنَّ النبي والرسول ليتحَمَّلُ مالا يتحمّله أي شخص آخر من آلام هذه الدنيا، ومن شدائدها قبل تحمُّل الرسالة وبعدها، وخوض رسالته الإلهية وإنجاحها والاستقامة على مقتضاها من التكليف والمتطلبات .
والرسالة تأتي في طول نجاح الرسول في امتحانات إلهية موضوعة بحكمة.
أما قوله تعالى: {لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ} فهي فتنة الكفر في وجه الإيمان، فتنة المكر والكيد بالرسالة والرسول، وهذا مما يُمتحن به الرسل، ذلك أن الكفر يقف بكل شدّة وعنفوان في وجه الرسالة والرسول لتناقض مصلحة الرسالة ومصلحة الكفر، لتناقض العدل الذي تدعو إليه الرسالة وما يبتغيه أهل الكفر من الظلم والعدوان.
وفي قوله تبارك وتعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} الفتنة هنا مفسّرة بأنها إصرار على الشر، ونشر لروح العدوانية في الناس، وإثارة الأحقاد، الفتنة هنا الاشتغال بما يمزق المجتمع، و يثير بعض المجتمع على بعض، بتركيز القيم البعيدة عن الدين والتي لا تنتهي بأي مجتمع سرت فيه إلا بحالة من الحراب والاقتتال، وحالة من العدوان والظلم و الإهتراء.
وتأتي الفتنة كما في هذا الحديث عن علي عليه السلام بمعنى العذاب، وهو ظاهر قوله تبارك وتعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}، وقوله سبحانه: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} أي ذوقوا عذابكم.
وفي قوله سبحانه{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} الفتنة مفسّرة بأنها فتنة العذاب، فتنة الإيذاء، المطاردة، السجن، كل ألوان الأذى.
وتأتي الفتنة بمعنى ما يفتن {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} للمأل تأثير على النفس، للولد تأثير على النفس، و هذا التأثير قد يضادّ ما عليه قيم الدين وحكم الشرع، فبأيهما يضحي عند التعارض بين مشتهي الولد، الحفاظ على المال، طلب المال، التشبت به، وبين الدين وأحكامه؟ أيضحّي أهدنا بدين الله تبارك وتعالى فيكون عابدا للمال، عابدا للولد، أم يضحي بالولد والمال لتصدق عبادته لله سبحانه وتوحيُده؟
وأتى في القرآن لفظ الفتنة ليعني المرض والأذى والعذاب {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} وهذا اللون من الفتنة هو فتنة تربوية، ورادع عن الاستمرار والتمادي في طريق الشر، وقد يفيد في خلق، ولا يفيد في خلق آخر سوء بشدّة في سوء النفس وقبحها.
“أيّها النّاس إنّما بدء وقوع الفتن(8) من أهواء تتّبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله يتولّى فيها رجال رجالاً، ألا إنّ الحقّ لو خلص لم يكن اختلاف، ولو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث، ومن هذا ضغث فيمزجان فيجلّلان معاً فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه ونجا الّلذين سبقت لهم من الله الحسنى.
الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام تضع يدنا على جرح عميق، وعلى مصدر كبير من مصادر الشقاء في الأرض يتمثّل في الميل عن دين الله سبحانه وتعالى، فما من ميل عن دين الله عزّ وجل في حياة الإنسان إلا وأعطى آثاره السلبية الواضحة إن لم يكن اليوم فغداً.
أحكام الله عز وجل ودينه سبحانه وتعالى ليس فيه نافلة، ليس فيه ما هو ترف، ليس فيه ما هو نظري محض بمعنى أنه لمجّرد النظرية. النظرية والتطبيق في الإسلام كلّهما لبناء النفس البشرية، لاستقامة الحياة، لتصحيح المسار فيها، للإيصال، للهدف، وأي تعامل سلبي، أي تعامل يقوم على الإهمال وعدم الاكتراث بالشريعة لابد أن يعطي آثاره في نفس الفرد، في الأسرة، في المجتمع الصغير، في المجتمع الإنساني كلّه {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} كسبت من ذنوب، كسبت من مخالفات شرعية لمنهج الله عز وجل الذي يمثل ضرورة لابد منها لاستقامة هذه الحياة.
والقيادات غير الإلهية لابد أن تقود إلى نار في هذه الحياة فضلا عن نار الآخرة. لا يمكن أن تتحول الحياة إلى جنة، لا يمكن أن تأمن، أن تتقدم تقدما صحيحا، لا يمكن أن ينتشر العدل، أن ينتشر الفهم السليم في ظل قيادة غير إلهية.
وتقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام:” يتولّى فيها رجال رجالاً” التولّي لس للمبدأ، ليس للدين، إنما تولي رجال لرجال، والصحيح أن يتولى الناس الله سبحانه وتعالى، ومن دلّ الله سبحانه وتعالى على تولّيه. أن يتولوا الحق، أن يتولوا الدين، والدين يكون مقياسهم للرجال.
“اللهمّ صن وجهي باليسار، ولا تبذل جاهي بالإقتار، فأسترزقَ طالبي رزقك، وأستعطف شرار خلقك وأُبتلى بحمد من أعطاني، وأُفتتن بذمّ من منعني”(9).
هذه فتنة معصية، ظروف الفاقة والفقر تحتاج إلى صمود، وتحتاج إلى وعي وبصيرة، تحتاج إلى نفس منشدّة إلى الله عزّ وجل، مستغنية به، متوكلة عليه، وإلا فهو الانزلاق، والخروج من عبادة الله إلى عبادة العباد.
فحيث يجد الفقير المتقع المال في يد الفاسق، والكافر وهو لا يثق في الله سبحانه وتعالى تبتدأ رحلته في البعد عن الله عز وجل وفي القرب شعوراً وعملاً ممن سواه، وتتجه خطاه إلى عبادة العباد.
وتوقعه الفتنة في محذورين: من أعطاه يفتتن بحمده بلا حساب ولو على حساب دينه، وفي ذلك معصية لله عز وجل، ومن منعه وإن كان بحق في معصية ذمّه، فالكلمة تقول:”.. وأستعطف شرار خلقك وأُبتلى بحمد من أعطاني، وأُفتتن بذمّ من منعني”
ولنتعلم دائما أن نشكو الحاجة إلى الله، وأن نخاطبه في الأسحار بكل ما يهمّنا، وبكل تقصيراتنا، وتفر إليه من قل ما يؤذينا استغناء به سبحانه وتعالى عمن سواه. وليس معنى ذلك أن تنتظر الصباح ليتنزّل عليك رزق الله عز وجل عبر انشقاق سقف بيتك، وإن كان الله عزّ وجل قادراً على ذلك،وكل الأسباب بيده ولكن توقّع أن يسخّر لك الأسباب الكافية التي ترفع حاجتك وتحفظ ماء وجهك، فبدل أن تطرق باب الناس قد يطرق الناس الباب عليك.
بيد الله فتح السبل، فما من سبيل من سبل الرزق والعافية وكل شيء إلا وهو بيد الله سبحانه وتعالى. وهل تتوقّع أن أحدا يستطيع أن يفتح عليك باب رزق أو أمن والله؟! لا يملك فتحه؟!
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً يليق بجماله وجلاله، ويوافق رضاه، ويُردَّ به غضبُه، وتُنال به رحمتُه، وإنعامه وإكرامه. وهو الله المتفضّل على من أطاعه ومن عصاه، المحسن لمن جحد به أوناواه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا بتقوى الله القاضية بفعل الحسن، وترك القبيح، واختيار الطيّب، والتخلّي عن الخبيث، والقصد إلى النافع والميل عن الضّار، والتزام الحق، ومفارقة الباطل؛ فالتقوى داعيةٌ إلى الخير، رادعةٌ عن الشر، منتهيةٌ بصاحبها إلى الجنة، منقذةٌ له من النّار. وهي واقية للعِرض، حافظة للشرف، دافعة للمعالي، موصلة للكمال.
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم زيّنا بالتقوى، وجمّلنا بالعمل الصالح، وثقّل ميزان حسناتنا يوم يقوم الحساب، وادرأ عنّا شرّ الدنيا والآخرة، ولقِّنا خيرهما يا كريم يا رحيم.
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج وليَّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه بعض كلمات:
الإسلام والمسلمون وحدة وتعددية:
من الإسلام ذاتاً إلى الإسلام اجتهاداً:
الإسلام في ذاته على مستوى العقيدة والشريعة:
الإسلام عقيدة هو حقائق ثابتة في الواقع، منها التوحيد الذي يملأ الكون كلّه، حقيقة التوحيد تملأ هذا الكون كلّه، وبها تجلّي الكون وظهوره. وُجد من يؤمن أو لم يوجد فالتوحيد حقيقة تفرض نفسها.
والعقيدة لها جذورها في عقل الإنسان وقلبه بحسب فطرته، هذا هو الإسلام ذاتا على مستوى العقيدة.
وعلى مستوى الشريعة فإن هناك واقعا معلوماً عند الله سبحانه وتعالى من مصالح ومفاسد تقوم عليها أحكامه، فلا حكم من أحكام الله عزّ وجلّ إلا ووراءه مصلحة إذا كان حكما بالأمر، أو مفسدة إذا كان حكما بالنهي.
وهذه أول مرحلة من مراحل الدين؛ أن تكون هناك مصالح تقوم عليها وجوبات، ومفاسد تقوم عليها تحريمات، وهي واقع لا يتغير، ولا يتأثر بمكان ولا زمان ولا أي عامل من العوامل.
نعم، هذه الأحكام في أصلها فيها أحكام أولية وأحكام ثانوية، ولا يسع الشرح.
تأتي مرحلة تنزّل الشريعة على الرسل، وهي مرحلة محفوظة فيها الشريعة بواقعها، وحياً وتلقيّاً، فالوحي لا يخطئ بأي طريق كان، والمتلقّون من الرسل لا يخطِئون.
فالشريعة تتنزل بواقعها، وتُتلقّى من الرسول على واقعها بلا أدنى تغيير.
وتأتي مرحلة ثالثة في مسار الشريعة إلى الإنسان وهي مرحلة التبليغ من المعصوم عليه السلام رسولاً كان أو إماماً، وهذه هي المرحلة الثالثة التي تكون فيها الشريعة وكل الدين محفوظا بواقعه لا تغيير فيه، فالمعصومون عليهم السلام يتلقّون الشريعة كما هي ويُبلّغونها كما هي. الرسول يتلقاها وحياً من عند الله، والوصيّ يتلقاها عن الرسول الذي يخلفه.
هناك مرحلة أخرى من التبليغ تكون من دور غير المعصوم كالناقلين عن المعصومين عليهم السلام مباشرة أو من ينقل عن الطبقة التي تنقل عن المعصوم، وهذه مرحلة من التبليغ تدخلها غفلة الإنسان وسهوه، وتدخلها أمور قد تؤثر على الوصول النقي الخالص للشريعة بواقعها المتنزل على الرسول ورسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وفي هذه المرحلة توجد، أمور ضرورية من حيث العلم بها، وأمور غير ضرورية، أمور ضرورية كوجوب الصلاة، كوجوب الحج، كحرمة الخمر، حرمة السرقة، وجوب الصوم وما إلى ذلك، هذه الضرورات لسعة التبليغ بالنسبة لها، وكون متعلّق التبليغ لا تعقيد فيه، ولأنها محلّ ممارسة جميع المسلمين تقريباً، والعصور المتصلة كلّها تتلقّاها بدرجة بالغة من الوضوح كوضوح الشمس فإنّها وإن قطعت قرونا في مسارها تبقى واضحة كلّ الوضوح متيقنا بثبوتها في الشريعة.
أما تفاصيل مثل الصلاة والصوم وغيرهما فهي أمور قد يتخلل تبليغها عبر القرون شيء من الغفلة والسهو وما إلى ذلك.
وهناك مرحلة أخرى في مسار الشريعة ووصولها للإنسان وهي مرحلة الاجتهاد والتقليد، وهذه قد تتعرض لشيء من الممايلة عن أصل الشريعة، قد يدخلها ما يفرضه قصور العقل البشري، وما يفرضه سهو الإنسان وغفلته وأمور أخرى.
فنحن أمامنا إسلامٌ لا ريب فيه، وهو على نوعين: إسلامٌ واقعي كوجوب الصلاة والصوم، وإسلام اجتهادي كفروع كثيرة في مسائل الصوم والصلاة والحج مما يختلف عليه المجتهدون.
عرفنا أن علينا أن نسلّم بالشريعة في ضروراتها، ولكن كيف نسلّم بالشريعة في اجتهادياتها؟ قام الدليل المتيقّن على الأمر بالتعبّد باجتهاد المجتهد الكفؤ الصالح.
فهذه الاجتهادات التي قد يكون بعضها غير مصيب للواقع قد أذن الله عزّ وجلّ بدليل قطعي يعرفه الفقهاء كلّهم بأن يتعبّد كل أهل شريعة من شرائع السماء وحسب زمن تلك الشريعة على أساس من هذه الاجتهادات.
رجل رحمة:
رجلُ رحمة، وثورةُ رحمة، ودولةُ رحمة، رحمةٍ ليست خاصة بالأمة، وإنما أستطيع القول أن كل ذلك فيه رحمة للناس. الرجل هو الإمام الخميني، والثورة ثورته، والدولة دولته، السر في كون هذا رحمة إسلامُ الرجل، إسلام ثورته، إسلام دولته.
والإسلام ضرورة لإنسانية الإنسان، للحياة الدنيا، للآخرة.
وأقول لو التفّ الإسلاميون كلّهم بكل مذاهبهم، بالرجل، بالثورة، بالدولة، والتفّت بذلك شعوب الأمة لأسرع الإسلام الخطى على طريق النصر الكاسح، ولعمّت النعمة الأمّة والإنسانية بصورة أظهر وأوضح.
ولا نعني بالالتفاف ذوباناً مذهبياً أو قومياً، وإنما نعني به التمحور حول الإسلام العام بلا عصبيات مذهبية وفكر تكفيري، وإثارة أحقاد.
وإنّه لولا أن هيَّأ الله تبارك وتعالى ذلك الرجل والثورة والدولة – وكل ذلك بفضل الله ومنّه الجميل- لذُّلت الأمة والإسلام، وساء واقع المسلمين أكثر مما نرى.
تلك انعطافة كبرى عدّلت من وضع المسلمين كثيراً، وأعطت للكفر درساً، وفرضت هيبة لهذه الأمة ولهذا الدين، ولذلك أقول بأنها رحمة للعالمين، وقد وصلت آثار الرجل والثورة والدولة النورانية إلى كل الأرض.
نعم، لولا ذلك لتعملقت الطاغوتية في الأرض أكبر من تعملقها اليوم، وعمّ الفساد البر والبحر بدرجة أوسع مما هو متفشّ اليوم بدرجات.
الأحوال الشخصية:
لا يصح لأي حكومة وأي مؤسسة من مؤسساتها أن تكره الناس على مخالفة دينهم أو مذهبهم، وكل قانون من هذا النوع لا قانونية له بمقتضى الدين والعقل وحقوق الإنسان المقرة دولياً.
والواضح من واجب الدين أن يكون وجود هذا القانون كعدمه، ولا يصح التعامل معه إلا على هذا الأساس. وإذا ولد هذا القانون فعلى الشعب المؤمن أن يعتبره كأنه لم يولد.
وأي صورة لقانون في مجال الأسرة لا يحمل ضمانة المادة الدستورية غير القابلة للتغيير على حدّ المادة التي تتحدث عن إسلامية الدولة، ولا يحمل ضمانة الإمضاء الشرعي المذهبي له عن طريق المرجعية التي يرتضيها أهل – المذهب وهو أمر غير اعتبار القانونية- فتلك الصورة تمثّل خطرا على سلامة الأحكام الشرعية، ونية سوء في هذا المجال، وإلا لم يكن إصرار على رفض ما تُضْمَنُ به سلامة هذه الأحكام.
ثمّ إن أي مجلس نيابي يصر على تمرير قانون للأسرة من غير الضمانات الكافية لسلامة أحكام الشريعة فهو لا يستحقّ الإبقاء على المشاركة فيه على الإطلاق.
أما كيف سيقف الناس في وجه ولادة هذا القانون الذي يتحدى إرادتهم الدينية، ويصادر حقهم في الأخذ بأحكام الشريعة، أو يُخَّطط لذلك من خلاله والتصرف الكيفي في أحكام الله تعالى فذاك أمر آخر.
ومن جهة أخرى فإن فئة العمّال والموظفين من الرتب الوظيفية غير العالية يكفيها ما فيها، وما تعانيه من شظف العيش وإرهاق الوضع المادي الضيق، ولذلك فعلى الحكومة أن تتحمل مسؤولية الضمان الاجتماعي الكافي للمتعطلين والمتقاعدين من دون أن تزاحم ذوي الدخل المحدود في لقمة عيشهم على شحتها، وأن لا تُلجئ المواطنين إلجاء إلى قبول عقود التوظيف تحت الشروط الثقيلة، وتفرض عليهم واقعاً تعاقديا متعبا لهم لا يملكون رفضه لضيق فرص العمل أمامهم وحاجتهم إلى المعيشة، وهذا كلام غير الكلام في الجهة الشرعية لمثل هذا القانون.
ويتزامن القانون المزعج للعمّال والموظفين والمتعلّق بالضمان الاجتماعي مع تدشين موجة غلاء للأسعار لسلع ضرورية، وامتناع أو تباطؤ عن الزيادة في الرواتب غير المجزية التي كثر الكلام عنها، وارتفاع كبير يكاد يكون ثابتا في أسعار النفط، وتبذخ للثروة الخيالية للكبار بالاستيلاء على مساحات شاسعة من اليابسة والبحر والمتاجرة بها، وتأجيرها، وإقامة المشاريع الضخمة عليها. من خلال فساد مالي لا تكشف أوراقه، ولا يُرضى بفضح أسراره.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجمع كلمة المؤمنين على التقوى، وانصرهم على الأعداء، وادفع عنهم البلاء، اللهم لا تجعل لنا هوى في باطل، ولا ميلا عن حق، ولا حبّا لمحرّم، ولا دنوّا من مأثم، واقض حاجاتنا للدين والدنيا برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

______________
1 – 2/ العنكبوت.
2 – 40/ طه.
3 – 48/ التوبة.
4 – 217/ البقرة.
5 – 39/ التوبة.
6 – 126/ التوبة.
7 – ميزان الحكمة ج 7 ص386.
8 – أنواع الفتن من ضلال واضطرت وتقاتل ونهب وظلم وفقر وبلاءات مرضية فوق العادة إلخ.
9 – المصدر ص 389.

زر الذهاب إلى الأعلى