خطبة الجمعة (288)29 جمادى الأول 1428هـ – 15 يونيو 2007م
مواضيع الخطبة:
التفقه في الدين+ لماذا المعاودة؟+ القوانين وشعوب الأمة + مسألة اقتطاع 1% من رواتب العمال والموظفين المستضعفين
أيها المسلمون أمتكم في خطر.. وهي مهددة بفوضى شاملة وزلزال عام مدمر لا يبقي ولا يذر، لكم أعداء لا يغمض لهم جفن ما دمتم في شيء من دين وخير، وتماسك وقدرة على النهوض، واسترداد للاستقلال والعزة والهيبة والكرامة.
الخطبة الأولى
الحمد لله فوق حمد الحامدين حمداً دائما أبداً، حمدا يتّقى به غضبه، وتُستمطر به رحمته، ويُنال به رضوانه، وتكون به النجاة عنده والنُّجْح لديه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما شهد بذلك كل شيء من خلقه، ونطقت به سماواته وأرضه، وكل عقل ومعقول، وهو من صنعه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله هادياً ومبشّراً ونذيراً، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. صلَّى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، والانقياد إليه في ما أمر ونهى، فإنه العليم بعباده وما يصلحهم أو يفسدهم، ولا أنصح من الله لعباده، ولا أرحم بهم منه، وهو المحيط بكل شيء خبرا، ولا يتّهم اللهَ عزّ وجلّ في حكمه إلا سفيهٌ ساقط، وضالّ مضلّ، قد أصمّه السفه، وأعماه الضلال.
عباد الله وإن لكل من الجنة والنار طريقاً، ولكل طريق سالكوه، وهما فريقان متباينان أهل هدى وأهل ضلال، أهل خير وشر، أهل صلاح وفساد، فلا نكوننّ إلا أهل هدى وخير وصلاح وسداد.
اللّهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا جميعا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا أهل إيمان لا كفر، وهدى لا ضلال، وخير لا شر، وصلاح لا فساد، اللهم لا تجعل لنا ولاء لمن عاداك، ولا ألفة بمن ناواك، ولا رضى بأهل معصيتك.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات في الإيمان فالكلام في موضوع التفقّه في الدين:
قوله تبارك وتعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}(1).
النفر كافة لجهاد أو فقه أو تجارة أو طبٍّ أمر يعطّل الحياة، لا يستقيم مع حياة المجتمعات، وإنما الممكن والواجب في الدين أن تملأ كل ثغرات الحياة الاجتماعية والتي يتطلب صلاح المجتمع واستمراريته وتقدمه ملأها، ومن أهمّ ما يجب أن يملأ في حياة الأمة الإسلامية، وأن يُسدّ هو الفراغ الدّيني وحاجة المجتمع إلى فقه الدّين. فإنه مما يتّصل بهوية الأمة، ويمثّل استجابة لانتمائها، ويحدّد لها مسارها، وترتبط به حياتها في دنياها وآخرتها.
المناسب هو أن تنفر طائفة من المسلمين لطلب العلم، والنفر يحمل روح المسارعة، وروح الاهتمام، فالمسألة ليست مسألة هامشية إنما هي مسألةٌ صلبٌ كما تقدّم، وتستحق من الأمة الاهتمام البالغ.
ونفر طائفة من المؤمنين للتفقه في الدين مسؤولية فرد ومسؤولية أمة، مسؤولية فرد قادر على التفقّه، وقد أعطاه الله عزّ وجلّ من موهبة العقل، ودقّة الفهم ما يؤهّله لمثل هذه المهمة الكبرى، وهي مسؤولية أمة فعليها أن تفتح الطريق، وتسهّل كل المقدّمات لوظيفة النفقة وتصرّ على فتح الحوزات والمدارس العلمية من أجل أن يستمر هذا الدين في الأجيال.
ولماذا من كل فرقة؟ لماذا هذا التنصيص على أن يكون النفر من كل فرقة؟
فيما يستظهر والله العالم أن طالب العلم والعالم إذا جاء من قبيلة معيّنة أو جاء من بلد معيّن فهو أعرف بأحوال تلك البلد، وبين أهل البلد وبينه إذا كان من الثقاة الصالحين أنس وألفة، وهم أعرف به، والاطمئنان لمن يتلقّى منه الدين من أجل صحته مطلوب، ولذلك يأتي النفر من كل فرقة. وحتّى لا يكون الدين في الاهتمام الأكبر به من وظيفة بلد خاص أو قبيلة معيّنة، وحتّى يتجلّى اهتمام الأمة كل الأمة بمسألة الدين يأتي التنصيص على أن يكون النفر من كل فرقة.
فكما يطلب في مورد الجهاد أن تشارك كل الأمة بمجاهديها ولا يكون الخطاب بالجهاد لقبيلة معينة أو قطر خاص حيث إن قضية الإسلام يجب أن تحتل الهمّ الأكبر لكل قبيلة ولكل بلد، فكذلك هو الجهاد الآخر جهاد طلب العلم، فوجب أن تظهر الأمة اهتمامها العملي فيما يتّصل به فيأتي النفر من كل فرقة. وحين يأتي النفر كذلك يسمح بالتغطية الشاملة لحاجة الدعوة والتبليغ والإنذار.
والآية الكريمة تقول { لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ } ولم تقل ليفقهوا الدين، ومن أين لهذا الإنسان المحدود العمر، المحدود الفهم، غير المعصوم أن يحيط بدين الله كلّه خبراً وعلماً؟!
أكثر فقيه تضلّعا في الفقه وفي الدين لا نستطيع أن نقول عنه بأنه قد أكمل فقه الدين، إنما له فقه في الدين، وفقه الدين يتفاوت بين عالم وعالم وفقيه وآخر.
إنّه التفقّه وهو كالتعلّم، يعني السعي لطلب فقه من فقه الدين، والأخذ عن طريق المجاهدة الفكرية بشيء من علم الإسلام، وإنّه التفقّه الذي يعني طلب الفهم الدقيق، والفهمِ المستقرّ، والفهم المعمّق، وإنّه ليس تفقّهاً في جنبة من جنبات الدين، كما في مساحة الأحكام الشرعية الفرعية، فالنفر ليس لهذه الجهة فحسب، إنما النفر من أجل التفقّه في الدين كلّه، وما أكثر الأبعاد المعطّلة في الإسلام والتي لم تفِ الأمة بعدُ بكل جهدها واهتمامها بتغطيتها. أبعاد في الدين لا زالت معطّلة بلا فهم، وكنوز كثر لم يأت بعدُ رفع الغطاء عنها.
تفقّه في الدين، في عقيدته، ومداليل هذه العقيدة، والمقتضيات الفكرية والنفسية والعملية لهذه العقيدة. تفقّه في أهداف الإسلام ومقاصده الكبرى. تفقّه يعطي إلمامة للمتفقّه بالهيكلية العامّة للإسلام، وبالبناء الإسلامي في أرضيّته وفوقياته. تفقّهٌ في رؤى الدين ومفاهيمه، في أخلاقيات الدين وسلوكياته. تفقّه في أحكامه الشرعية الفرعية. تفقّهٌ في الدين في نظريته الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية وغير ذلك من النظريات. تفقّه في الدين للفهم الذي يقدمه للإنسان عن الإنسان، وللنفس البشرية عن النفس البشرية، وللكون وللحياة وللموت، وللرجل وللمرأة، ولكل صغير وكبير مما يتصل بالبناء الصحيح لحياة الإنسان، كلّ ذلك من النفقة الذي من أجله النفر والهجرة إلى مراكز الإشعاع الديني المباركة.
كاد اشتغال الأمة في الكثير ومن خلال عملية التفقّه أن ينصبّ على بُعدٍ أو بعدين وهذا لا يكفي.
{ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ } وهؤلاء الذين يتفقّهون في الدين لا يرجعون إلى أقطارهم وبلدانهم ليقبعوا في الزوايا المظلمة، إنما هم أبناء الحياة، وأبناء الجهاد وحملة الدعوة، والمسؤولون عن التنوير، بمعناه الإسلامي وليس بمعناه الغربي، وعن القيادة الفكرية للأمة على خط إسلامها العظيم. يأتون ليحملوا لواء الدعوة، ولينذروا قومهم وهي وظيفة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين {وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.
وإذا كان طلاب العلم والعلماء يتحمّلون مسؤولية الدعوة ومسؤولية التبليغ، وأخذ المجتمع على طريق الله سبحانه وتعالى فإن واجب المجتمع المسلم التفاعل مع هذه الدعوة والتبليغ، ونشر تعاليم القرآن وفقه الإسلام في المجتمع. فلابد من متعلّمين، ولابد من مقبلين على التفقّه، لابد من محاضرات، لابد من ندوات، لابد من خطب، لابد من حوزات محلية، لابد من دورات تثقيفية، لابد من دورات فقهية تجعل الثقافة الدينية ليست ثقافة مجموعة خاصة في المجتمع، إذ أن الإسلام من مسؤولية الجميع ودين الجميع، وكيف يكفي لأن تدخل الجنة أن يتفقه أخوك في الدين بينما أنت تجهله؟! وقد كان في الأصل أن الأمة كلّها تنفر للتفقّه في الدين لو لم تجد علما في بلدانها لكن ولأن ذلك غير ممكن من ناحية عملية كان لابد من أن تنفر طائفة وليس كل المؤمنين وذلك كما في الحقول الأخرى التي تفرض ضرورتها على المجتمع الإنساني، وهذا هو الجاري في مثل الطب، والعمارة، والهندسة، والطيران وغيرها؛ فإنّه كلّما توقفت حياة المجتمع المسلم، وتقدّم المجتمع المسلم على سائر المجتمعات على حقل من حقول المعرفة والعلم والخبرة كان ذلك من مسؤولية الأمة والأفراد، وكان على الأمة أن تسابق غيرها في هذا المجال وذاك، وأن تدفع بطائفة منها على هذا الطريق وتسندها بكل الإمكانات.
فالغاية الكبرى من التفقّه والعودة إلى الأقطار هو أخذ الأمة بمنهج الله والاستقامة على طريقه سبحانه وتعالى.
وإنّ عدم التفقّه ليمثّل مأساة للأمة: تسقط قيمة الإسلام عند الأمة حيث لا تعرفه، وربّما ضمرت الصورة الإسلامية في نفوس المجتمع الإسلامي وحتى متعلّميه لأن الإسلام في شموليته، وفي عظمته لم نتعلّمه، والمقتصر على تعلّم بعد من أبعاد الإسلام إنما يرى جزء الصورة ولا يرى الصورة كاملة على عظمتها، فحيث ينصب التعلّم على الفروع الفقهية فحسب فإن الصورة للإسلام في نفس متعلّميه فضلا عن غيرهم صورة مجزوءة لا تعبّر بالكامل عن عظمة الإسلام، وإن كنت إذا توفّرت على معرفة أي جنبة من جنبات الإسلام بصورة معمَّقة فإنك ستكتشف عظمة هائلة لهذا الدين.
ستبعد الأمة بعداً عملياً عن دينها حيث لا تفهمه وتنتشر الخرافات، وتتغلغل الانحرافات الخطيرة كما في مسألة التكفير، ومسألة الانعزال عن الحياة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم غيّر ما بنا من سوء، وأخرج هذه الأمة من هذه الغمّة، واجعل كلمتك في الأرض هي العليا، وكلمة الظالمين هي السفلى، واقطع دابر الكافرين، وعجّل فرجنا بفرج وليك يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يرضى لعباده الكفر، ولم يخلقهم للشقاء، وإنما خلقهم للسعادة، ورضي لهم الإيمان وحبّب إليهم الجنّة، وبغّض إليهم النار. خلق ربّنا فسوّى، وقدّر فهدى، ودلّ على السبيل، وأرسل رسلاً مبشّرين ومنذرين، وأقام للناس أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراَ.
عباد الله علينا بتقوى الله، فإن خير الزاد التقوى، وهي خير ما يُزداد منه، وما ازداد الأنبياء والمرسلون والأولياء في هذه الدنيا كما ازدادوا من معرفة الله وتقواه، وما صرفهم شيء عن طاعته، والاشتغال بما يُنال به رضاه، والتقوى صبر واحتمال، وتصبّر وتحمّل، ومِن أكثر أمور الطاعة، وتجنّب المعصية تطلّباً للصبر أداء حقوق العباد خاصّة المستضعفين منهم، ومن لا يملك قدرة المخاصمة حين يضيع حقّه، وعدم الوقوع في ظلمهم، والتحامل على الناس من غير حق.
أعذنا ربنا من أن نظلم أحدا من عبيدك، أو نتجاوز على شيء من خلقك، أو نعين على ظلامة مظلوم، أو نسكت قادرين على عدوان معتدٍ.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى الصادق الأمين محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وصلّ وسلم على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليَّ أمرك القائم المنتظر، وحُفَّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى حديث اليوم في محاور ثلاثة:
لماذا المُعَاوَدَة؟
لماذا المعاودة الآثمة لجريمة التفجير لمرقدي الإمامين الطاهرين العسكريين عليهما السلام؟ أهو عداء لطائفة من المسلمين أو لكل المسلمين؟
والجواب: إنه عداء لكل المسلمين.
ماذا فعلت الجريمة الأولى يا تكفيريون؟ ألم تستفز برغم كل التهدئة من فقهاء الأمة وعلمائها؟ ألم تسفك دم المسلمين من العراقيين عموما حتى سالت أنهارا؟ فماذا يراد هذه المرة غير ذلك؟ إنه يراد مزيد من سفك الدماء، ومزيد من تمزق الأمة وضياعها.
ألم تطل الجريمة الأولى عمر المحتل في العراق، وتفتح على العراقيين أبواب الفتنة التي ينفذ منها غزاته؟ ألم تنهك العراق دينا ودما واقتصادا وأمنا؟ أهو الجهل إلى هذا الحد؟ أم هو الحقد على أبناء العراق جميعا بل على جميع المسلمين؟!
أهو الكيد بالمسلمين جميعاً؟ كأن الجريمة الأولى أطمعت فاعليها في الجريمة الثانية لمزيد من الإفساد والتخريب والتدمير. أين كانت هذه البطولات من كفريات النظام البعثي يا تكفيريون؟!
وأنتم البعثيين تفجّرون منارتي العسكريين عليهما السلام خوفا على نقاء التوحيد من توقير من أمر الله بتوقيرهم؟ لأنكم أصدق النّاس توحيداً، وأغيرهم على التوحيد؟! ثم إن التكفيريين يفعلون ذلك خوفا على التوحيد بزيارة قبور الأئمة عليهم السلام الذين يأبون كل الإباء لأتباعهم أن يشاب توحيدهم بأدنى شوب؟! بأدنى شائب، وهل يمكن لتابع لأهل البيت عليهم السلام آخذ بقولهم أن يؤلّه أحدا غير الله سبحانه، بينما أهل البيت عليهم السلام الذين يأخذ بقولهم هم أنقى الناس توحيدا وأعرفهم بالتوحيد؟!
أليست المعاودة لجريمة أغرقت المسلمين في العراق في مأساة وأراقت من دمائهم ما تفيض به الأودية، ويرقى إلى أعالي الجبال من أجل توسيع المأساة وزيادة سفح الدم؟
تأكدوا أننا حريصون على الإسلام و على الوحدة الإسلامية ولن نفرط بهما أبداً، ولن نستجيب لما تريدونه من إشعال فتنة تحرق بلاد المسلمين وتغرقهم في بحور من الدم الحرام.
وليتأكد كل الذين يريدون كيداً بالإسلام أن في هذه الأمة شيعة وسنة ومن كل المذاهب من يعرف هذه الألاعيب وما يمكر به أعداء الإسلام وجهلة المسلمين ضد الإسلام والوحدة الإسلامية ووجود الأمة، ويحاول بكل مقدوره أن لا يعطي فرصة لتمرير هذه الألاعيب ونجاح هذا المكر.
وكما عادت الجريمة بشعة قذرة مجنونة عادت المرجعية الدينية في النجف الأشرف وفي قم المباركة بكل مواقعها المتقدمة لتؤكد على وعيها للدسائس المغرضة، والممارسات الاستفزازية، وحرصها على مصلحة الإسلام والمسلمين والوحدة بين أبناء الأمة(2).
عادت المرجعية تحذر كل المؤمنين والمسلمين من الانجرار وراء الفتنة العمياء، ومن الوقوع في فخ الاستكبار الأمريكي والبعثيين الحاقدين والتكفيريين المتعصبين ممن أسقط فكرهم المنحرف حرمة دم الموحدين من أهل القبلة والصلاة والصوم والحج والزكاة وسائر الواجبات والمستحبات في الشريعة المقدسة.
أيها المسلمون أمتكم في خطر.. وهي مهددة بفوضى شاملة وزلزال عام مدمر لا يبقي ولا يذر، لكم أعداء لا يغمض لهم جفن ما دمتم في شيء من دين وخير، وتماسك وقدرة على النهوض، واسترداد للاستقلال والعزة والهيبة والكرامة.
وفي الأمة انقسامات وجهلة وحاقدون وعملاء للأعداء وأصحاب مصالح شخصية وفئوية ضيقة، وكل ذلك يفتح الباب واسعا لتمرير مخططات الأعداء الخارجيين لتمزيق الأمة والقضاء عليها، فاقطعوا الطريق على كل هؤلاء عن كل ما يريدون ويكيدون بكم وبإسلامكم وبوحدتكم بالليل والنهار، وإنكم لن تقطعوا الطريق عليهم إلا بوعي إسلامي عميق، وبشعور بالمسؤولية، وبتلاحم أكثر، ورص للصفوف، والالتفاف حول حقيقة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
العراق غارقة بالدم والفوضى، وفلسطين تحترق، ولبنان في احتراب، والفتنة على أبواب الانفجار في كل بلاد الإسلام، وتغذيها سياسات منحرفة مفرّقة، وطوابير عميلة، وجماعات جاهلة، وانفعالات طائفية غير محسوبة، وكل ذلك يصب في صالح أعداء الأمة وعلى حسابها، فليهب عقلاء الأمة والغيارى بحق من كل المذاهب على أصل الإسلام في وجه هذه التحديات والموجات التخريبية العارمة والله معكم وهو خير ناصر ومعين.
ولنسأل أنفسنا جميعا أي إسلام هذا الذي يُسفك باسمه وشعاراته الدم المسلم الحرام؟ وتهدم قباب التوحيد ومساجده وحسينياته؟ وتستباح أرواح الأطفال والعجائز والشيوخ وغيرهم من الأبرياء الذين لا يخوضون معركة مع أحد، ولا يشهرون سلاحا في وجه أحد، وهم ممن تشغلهم هموم حياتهم الضيقة الثقيلة عن مطامع السياسة، وبريق المواقع أو يصرفهم تنسكهم عن المغالبة على الدنيا ومكاسبها الحرام.
أيها المسلمون إسلامكم إسلام الرحمة والمودة واللطف بالناس من أهل أدنى درجات الإيمان والإسلام، وإنه لإسلام الشفقة والرحمة بكل إنسان، وإن كان شديدا على الظلم والطغيان والاستبعاد والقتل بغير حق.
إسلامكم جاء ليبسط الأمن والسلام والمودة والرخاء والعدالة والهناء في كل الأرض، ولكل الأقوام ولكل الناس، فلا تقدموه للآخرين إسلاما مشوّها فظا غليظا نابيا قاسيا جافيا في حق أهله وأتباعه فضلا عن الآخرين.
إن هذا التشويه النظري والعملي للإسلام لأقوى سلاح يمكن أن يقضي عليه، ولأعدى عدو للإسلام من يفعل ذلك.
القوانين وشعوب الأمة:
لا حكومة بلا قانون يُهاب، ولا نظام بلا قانون يهاب، وهيبة القانون تقوم على أمور:
أولاً: العلم بقدسيته: ولذلك لا يمكن أن يكتسب أي قانون الهيبة التي يتوفر عليها القانون من الله سبحانه وتعالى والمنسوب إلى شريعته.
ثانياً: العلم أو الاطمئنان إلى عدالته: فبقدر عدالة القانون يكتسب في صدور الناس الهيبة.
ثالثاً: تطبيقه العادل: لا يكفي أن يكون القانون عادلاً حينما يأتي تطبيقه غير عادل ليكتسب هيبة في نفوس الناس.
رابعاً: تطبيقه على الكبار – كبار الدنيا – قبل الصغار – صغار الدنيا – وتطبيقه على الأقرباء قبل تطبيقه على البعداء.
فلينظر المنادون بهيبة القانون ماذا وفّروا لقانونهم من كل هذه النقاط؟
كيف ترخص اعتصاما أو مسيرة ثم تضرب؟ أقانون هذا؟ تكسير العظام والجماجم قانون؟
ثم أهكذا يكون؟ طريق التفاهم مسدود أو بلا فاعلية، وطريق البطش مفتوح على مصراعيه. الاعتصام المرخص يساوي غير المرخص. والمسيرة المرخصة تساوي المسيرة غير المرخصة.
الإصلاح أولاً أو القوة أولاً يا قانون؟
أسئلة أراها محرجة، وأرى أن الحكومة لا تملك لها أجوبة شافية كافية.
مسألة اقتطاع 1% من رواتب العمال والموظفين المستضعفين:
عمل غير مقبول البتّة، وهو الأمر الذي أُكّد عليه في الجمعة السابقة، وقبل أن تهب الزوبعة. كل المسؤولية مسؤولية حكومية تسبيبا للمشكلة ومعالجة، إذا كان العامل البحريني أو الموظف البحريني ناقص الكفاءة فذلك مسؤولية حكومية، فكان عليها أن تفتح الدورات، عليها أن تقدم الخبرة، عليها أن لا تأتي بالخبراء ليبقوا مدى حياتهم هنا وليتجنسوا من غير ضرورة إنما تأتي بهم ليعطوا خبرتهم للمواطن.
من مسؤولية الدولة على مستوى التسبيب أن فرص العمل مسدودة، وأن العدالة غير مطبّقة، ومن مسؤوليتها في هذا المجال انخفاض الأجور مثلاً.
أما فئات الشعب من جمهور المساجد والحسينيات والصناديق الخيرية وممن يدفعون الخمس والزكاة فهم يقومون بدور كبير هائل في تأمين كثير من حاجات المحتاجين من أبناء الشعب، والأموال من هذه المصادر تساهم في سد حاجات المعيشة والزواج والعلاج والسكن بصورة ملحوظة ودائمة، وإن لم تنهض بكل العبء لأن العبء ثقيل لا يمكن أن تقوم به إلا الدولة بإمكاناتها الكبيرة.
والضمان الاجتماعي المجزي هو أساسا من مسؤولية الدولة التي تضع يدها على فرص العمل، وتمسك بكل مفاصل النشاط الاقتصادي ومصادر الثروة.
وعلى الدولة أن لا تترك مجالاً للبطالة عل الإطلاق، ويمكنها لو جدّت أن تحقق الكثير في هذا الأمر، وتقضي على ظاهرة البطالة، والتقصير من هذه الناحية عند الدولة مكشوف مفضوح.
الضمان الاجتماعي للمتعطّلين حل ثانوي يقوم على وضع اضطراري شاذ، أما المطلوب أصلا وبالدرجة الأولى وما فيه حفظ عزة المواطن وكرامته فهو فتح فرص العمل والتوظيف برواتب مجزية، وتطبيق العدالة والمساواة في هذا المجال وفي كل مجال آخر.
وهذا ما ينال الأولوية في نظرنا، ويجب التركيز عليه وإن كان وضع التعطل الفعلي يفرض علينا أن نطالب بقوة بضمان اجتماعي للأخوة والأبناء المتعطلين تتكفل به ميزانية الدولة بالكامل.
ولو حفظ المال العام عن التلاعب والاختلاس والمغالطات لما عجز عن هذا الضمان في كل الأحوال فضلا عن وضع الطفرة في أسعار النفط.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا ناصر المستضعفين انصرنا، يا عزيز أعزّنا، يا قوي ادرأ عنا، يا حفيظ احفظنا، ربنا أحينا مسلمين، وأمتنا إذا أمتنا مسلمين، وابعثنا في الصالحين، واجعلنا من المكرمين، وارفع درجتنا عندك يا علي يا عظيم يا رحمن يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}