خطبة الجمعة (282) 16 ربيع الثاني 1428هـ – 4 مايو 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة موضوع العمل + حُمّى الأحوال الشخصية تتصاعد + هذه التشكيلة لماذا؟ + الشفافية الإيرانية أو العدوانية الأمريكية

عالجوا وضع المرأة، عالجوا الوضع الإنساني، الوضع الاجتماعي، الوضع الاقتصادي، الوضع الديني للمرأة، الوضع الروحي للمرأة، الوضع الخلقي للمرأة، للرجل، للشاب، للكهل، لكل أبناء المجتمع على طريقة الله تبارك وتعالى.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا ملك كملكه، ولا حقَّ كحقِّه، ولا عظمة كعظمته. الحمد لله أتم الحمد، وأكمله، وأدومه. نحمده حمداً ينال منه الرِّضى، ويستوجب رحمتَه في الآخرة والأولى.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطَّاءَةَ بتقوى الله تقوىً تستلزم الطاعة، ومفارقة المعصية، وكيف لا يُتَّقى من يملك الوجودَ والحياة، وبيده خيرُ العباد وشرُّهم، وسعادتُهم وشقاؤهم، ولا يشاركه في قدرته أحد، وليس لأحدٍ من قدرة إلا من عنده، ولا قَدَرَ إلا قَدَره، ولا حكم إلاّ حكمه؟! ومن يُتّقى بعد الله إذا لم يتق، وهو الذي لا ملك إلاَّ ملكه، ولاقدرة إلاقدرته؟!
عباد الله ليس لأحدٍ من نعمة إلا من الله، ونِعَمه على عباده لا تُعدُّ ولا تُحصى، وما غابت عند عبدٍ من عباده نعمةٌ وإن صغُرت إلا وافتقر إليها العبد وأقلقه فقدُها، فلنعرف قيمة النعم في وجودها، ولنضعها في موضعها حيث تَنْفَعُ وتُصلِح، وتُقوِّم، وتكون عوناً على طاعة الخالق والتقرّب إليه.
وما أسفَهَ من حوّل نعم الله عنده من وظيفة البناء إلى وظيفة الهدم، ومن طريقٍ إلى السعادة إلى طريقٍ إلى الشقاء.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل نعمكَ عندنا سبيلاً إلى الجنّة، ومراقيَ إلى رضوانك، ومدارجَ كمالٍ يُقرّبنا من رحمتك وكرامتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الأطايب فلا زال الحديث متتابعاً في موضوع العمل بمعناه الأعمِّ من عمل الجوارح والجوانح:
عن الصادق عليه السلام:”من قبل الله منه صلاة واحدة لم يعذّبه، ومن قبل منه حسنة لم يعذّبه”(1).
وفي حديث آخر عنه عليه السلام:”من قبل الله منه حسنة واحدة لم يعذّبه أبداً ودخل الجنّة”(2).
في الحديثين ثلاث قضايا:
قضية صعوبة العروج إلى الله سبحانه وتعالى، والعروج آلته قلبٌ طاهر، وروح نقيّة، ونيّة خالصة، وعدم مزايلة أو ميل وإن كان خفيفاً عن جادّة شرع الله، وبذلك يكون العروج إلى الله، وهو الأبعد كمالاً، وكمالُه لا منتهى له، أصعب قضية في حياة الإنسان. وإن ما يتطلّب من مجاهدة هو خطوة فيها صعود في اتجاه الله سبحانه وتعالى، هذه قضية.
القضية الأخرى أن يفرغ أحدنا من صلاة أو صوم أو حج أو أي عبادة فيحصل له اليقين بأن هذه العبادة قد قُبلت، والحقُّ أحدنا لو فتّش سجلَّ أعماله من الطاعات كل الحياة لما وصل إلى يقين بأن عملا واحدا من أعماله قد قُبل بما توفّر عليه من كل شروط القبول والعروج.
القضية الثالثة في هذين الحديثين الشريفين هي قضية الكرم الإلهي اللامتناهي، والتساهل والتسامح من الرب تجاه العبد. فيكفي أن يأتي العبد بصلاة واحدة مقبولة في كل حياته لينجو من العذاب، أن يأتي بحسنة واحدة ليجنّب نفسه شقاء الآخرة، ويكون مقرّه الجنّة، فهل من أحد تتعامل معه يربحك هذا الربح؟! يتسامح معك هذا التسامح؟! يفيض عليك هذا الفيض؟! وما أشقى نفساً تُمضي سبعين عاما في هذه الدنيا وأكثر من ذلك لتخرج من بعد طول العمر بلا عمل صالح واحد قد وافى قبول الله.
هذه طائفة أخرى من الأحاديث تضع بيدنا ميزاناً دقيقاً للسلوك، وتنير لنا الطريق إنارة تامّة في هذا المجال:
الحديث الأول عن علي عليه السلام:”احذر كلّ عمل يرضاه صاحبه لنفسه، ويكرهه لعامّة المسلمين”(3).
هذا العمل الذي يوافي رضى النفس، يشبع ميلاً لها، يسدّ رغبة، يشفي غليلاً، يهدئ ثورة فيها لكنّه عملٌ يكره صاحبه أن يصدر من أحد من المسلمين لخسته وقبحه ما أحرى بالعبد أن يجتنبه. نعم هكذا تسقط النفس، وهكذا تغالط صاحبها، وتموّه عليه، وتخدعه، وتخونه؛ ذلك بأن تزيّن له عملاً، ولا ترضى منه إلا به في حين أن هذا العمل لو جاء على يد أحد من المسلمين لاستخبثه هذا الشخص، واستقذره، وكره أن يصدر لسوئه وقبحه من ذلك المسلم. فأيُّ عمل تراه لا يليق بغيرك لانحطاطه تجنّبه وإن كان فيه شفاء غليل النفس ورضاها.
الحديث الآخر عنه عليه السلام كذلك:”احذر كلّ عمل يُعمل به في السّرّ، ويُستَحَى منه في العلانية”(4).
الاشتغال بمطالعة العورة بغير داعٍ عقلائي وأنت وحدك مثلاً، أتستحي منه لو اطّلع الناس عليه أو لا؟ ما كان محلّ حياء وأنت في الملأ اربأ بنفسك عن ممارسته وأنت في الخلأ. ما استحيت منه في الخارج إلا لقبح وإن كان خفيّاً فيه، إلا لشيء من نقص يُسجّل على صاحب هذا العمل، ولماذا ترضى لنفسك القبح، والقبيح؟!
كلمة سيّئة، نيّة سوداء، تصرّف لا يرضي الله عزّ وجل، يسقطك عند الله والناس، فليستحِ الإنسان عن ممارسته مع نفسه لأنه حينئذٍ قد أكرم الناس بتجنّبه فعل القبيح أمامهم، وقبل الإهانة لنفسه، هذا بالقياس إلى الناس، ثمّ إنه كيف يستحيي من الناس ولا يستحيي من الخالق العظيم؟!
هناك أعمال للواحد من الناس لو انكشف الغطاء عنها لكانت مفخرة، وهناك أعمال حين ينكشف الغطاء عنها إنما ينكشف عن جيفة، وإنما ينكشف عن سقوط روح، وعن خبث قلب، وضعف إرادة، وشذوذ، وانحراف، فمثل هذا العمل ينكره الناس، فأي عمل تريد النفس أن تقدم عليه، حاسبها، سائلها، أهو مما ينكره الناس لو انكشف؟ أو مما يرضونه بما هم عبيد لله، ولهم ضميرُ حقٌّ وبما هم على حياء، وبما هم على إنسانية، وبما لهم من بقيّة من دين؟
فلئن كان هذا العمل مما يخجل، وأضطر للتنكّر له، للتبرّأ منه عند الفضيحة، أو عند التُّهمة به فلأنزّه النفس عنه، فإنه خبيث، وكيف يرضى أحدنا لنفسه العزيزة مائدة من أخبث الموائد، وزاداً من أسقط الزاد، مما يُسمّم، ويلوّث، ويُذهب بهاء النفس، ويقتل الكرامة، وُبعّد عن الله سبحانه وتعالى؟!
“احذر كلّ عمل إذا سُئل عنه صاحبه، أنكره، واعتذر منه”(5).
في سياق تقديم هذا الميزان للمكلّف تقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام كذلك:”إيّاك(6) وكلّ عمل ينفر عنك حرّاً(7)، أو يذلّ لك قدراً(8)، أو يجلب عليك شرّاً(9)، أو تحمل به إلى القيامة وزراً”(10).
الإسلام يريد لك الوزن الثقيل، والكرامة العالية، والموقع العزيز في الدنيا وفي الآخرة، ومن الأعمال ما يسقط بظلم من النفس للنفس دنيا، ومن الأعمال ما يسقط من ظلم النفس للنفس القدر والمنزلة في الآخرة.
هذه طائفة أخرى هي من أجل الإنتاج الصحيح، من أجل الدّقة في العمل، من أجل تجنّب الانتكاسات السلبية، من أجل الدرأ عن الوقوع في الخسائر، من أجل عدم السقوط في الآثار السلبية للانفعال، من أجل عدم الانسياق وراء النظرة البدوية ونحن نقدم على أي عمل. نقرأ في هذا الشأن:
“(من وصايا رسول الله لابن مسعود) يا ابن مسعود إذا عملت عملاً فاعمل بعلم وعقل(11)، وإيّاك وأن تعمل عملاً بغير تدبير وعلم فإنّه جلّ جلاله يقول:{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً…}”(12).
الجهد الكبير، وما قد يترتّب عليه من نتائج إذا لم يتقن العمل تتهلهل نتائجه، وتتبعثر، والخطوات تأتي متناثرة متعارضة متهافتة، وقد تُوقع في الكوارث.
طائفة أخيرة أقرأها هنا:
طائفة تدفع الغرور عن العبد، ولا تسمح لليأس أن تقوم له قائمة في نفسه، تقول الكلمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله:”اعلموا أنّه لن ينجو أحدٌ منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟، قال: ولا أنا، إلاّ أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل”(13).
“اعلموا أنّه لن ينجو أحدٌ منكم بعمله” كلمة تقتل الغرور، التطاول على الآخرين بالطاعة، تستأصل الشعور من النفس بأي حقّ أمام الله تبارك وتعالى.
هذا وإن صلح العمل، فالحديث لا يتكلم عن الأعمال الفاسدة فحسب وإنما يشمل حتى العمل الصحيح المستكمل لكل شرائط الصحة والقبول.
” قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟، قال: ولا أنا” قمة الإخلاص والصفاء والطاعة الصادقة، والجهاد المستميت في الله.
“إلاّ أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل” أي عمل للعبد وهو مملوك بكامله لله سبحانه وتعالى، بكل أبعاده، بكل حيثياته، بكل خلاياه، بكل ذرّاته، بكل آثاره، يملك أن يحتج به على الله عزّ وجلّ، ويطالبه بإدخاله الجنّة بأن عمل صالحاً؟! إنها رحمة الله. ورحمة الله تفتح باب الأمل، وتستأصل داء اليأس في النفس.
“(في صفة المتّقين): فَهُم لأَنفسهم متَّهِمون، ومن أَعمالهم مشفقون”(14).
اللهم طهّر قلوبنا من الرجس، ونفوسنا من الدنس، ونيّاتنا من الشرك، وأعمالنا من شوب الباطل، واجعلها أعمال خير تامّة محكمة متقنة سويّة، وجنّبنا ما يحبط العمل، ويردّ الطاعة، وكلّ ما يسوء ويفضح، واجعلنا من أصدق الصادقين، وأخلص المخلصين، يا رحمن يا رحيم يا رب العالمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}

الخطبة الثانية

الحمد لله مالك الملك والملكوت، ذي العزِّ والمجد، والكبرياء والجبروت. أزليٌّ أبديٌّ لا يموت، لا يعتريه نقص، ولا يعرضه كمال، وكيف يعرض الكمال الكامل المطلق الذي لا مثيل لكماله، ولا مزيد عليه، ولا كمال إلا من جهته، ولا عطاء إلا منه؟! جلّ ربُّنا عن تصوّر المتصوّرين، وتوهّم المتوهّمين، وإدراك المحدودين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله لا نجاة لمن لم يتق الله، فلنتق الله كما يجب، ولنخشاه في السّرّ والعلن، وفي موارد الطاعة والمعصية، وعند كل فتنة، وفي كل نعمة. ومن يُنقذ الطاغين والعاصين من غضب الله، وأيُّ أحد يخلِّص أحداً من عذابه؟! ولنطمع في مثوبته سبحانه والتي لا تبلُغها مثوبة، وفي التجارة معه بطاعته وتقواه والتي لا ترقى إليها تجارة، ولا يُداني ربحَ العبد منها كل أرباح التجارات مجتمعة.
أستغفر الله لي ولكم، ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم اغفر لنا ولهم، وتب علينا جيمعاً إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم يسّر لنا سبل الوصول إليك، واسلك بنا أقرب الطرق إلى رضوانك، وافتح علينا أبواب رحمتك، واغلق عنا بلطفك في عافيةٍ تامة أبواب سخطك، واجعل حياتنا سعياً في سبيلك، وإعزاز دينك في أرضك وعبادك، ورفع لواء كلمتك، وكلِّل سعينا بالنُّجْح، وجهدنا بالظفر يا معزّ المؤمنين يا رحمن يا رحيم.
اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً.
أما بعد أيها الملأ الكريم فهذه بعض كلمات في شأنٍ من الشأن:
حُمّى الأحوال الشخصية تتصاعد:
إنّها حمى لا تفتر بما وراءها من أهداف مرسومة، ونوايا مبيّنة، ولكن يحدث لها أن تتصاعد وتزداد في ظروف خاصّة، وبعد تحضيرات مكثّفة.
وأقول للمشفقين حقّاً وصدقاً على المرأة من العنف الأسريّ وغيره، وعلى حرمة الإنسان وكرامته وراحته وسعادته: عليكم بالإسلام والدعوة إليه، وتركيزه وتطبيقه، فإنّه الوصفة الكافية الشافية من الخالق إلى المخلوقين، والربّ إلى المربوبين.
الإسلام المتكامل غير المجزّأ والمبضّع، الاسلام بعقيدته وتصوّراته ومفاهيمه وأهدافه وأخلاقياته وشريعته وكامل نسيج نظامه هو الحل الصادق الشامل الناجع، والذي لا حلّ غيره، أقول هذا للمشفقين على المرأة من العنف الأسري وغيره من الظلم الذي لا يُبرّأ منه مجتمع يجري العمل للتباعد به عن الإسلام وقيمه وأخلاقياته مسافات ومسافات.
وأقول لهم كذلك: أشفقوا على المرأة وأبيها وابنها وأخيها وولدها من عنف الفقر وذلّه، ومن عنف القوانين الأمنية المصادرة لحرّيّة الرأي السياسي، ومن عنف الاستهتار الخلقي والفوضى الجنسية المجنونة المحرّمة، ومن غول العنف الذي يتلقّاه الجيل الجديد من وسائل التربية والتوصيل الجاهلي، ومن عنف لا مسؤول يقوم على أنقاض قيم الدين والضمير الخلقي في فطرة الإنسان المحاربة من التربية المادية وقيمها الأنانية والبهيمية والهستيرية الزاحفة بقوّة مع التيّار الظالم الهادر الذي يريد أن يستولي على أقطارنا الإسلامية بالكامل وهو تيّار الاستعمار الجديد الخبيث.
أقول لهم كلّهم: أشفقوا عليها، أشفقوا على هؤلاء جميعاً من كل ذلك، واعملوا على إنقاذ الجميع من كل ذلك قبل أن تفكّروا في إنقاذ المرأة من ظلم قد تلقاه من بعض الأزواج هنا كما تلقاه المرأة من أزواج في أمريكا وأوروبا، وكل البلاد التي تريدون استيراد قوانينها لنا لتحلّ محل شريعة الله تبارك وتعالى.
عالجوا الوضع الإنساني، الوضع الاجتماعي، الوضع الاقتصادي، الوضع الديني، الوضع الروحي، ، الوضع الخلقي للمرأة، للرجل، للشاب، للكهل، لكل أبناء المجتمع على طريقة الله تبارك وتعالى.
ثمّ إننا نؤمن بأن أي تعدٍّ على المرأة زوجة كانت أو أمّاً أو أختاً أو أجنبية يعني معصية لله عزّ وجلّ، وخروجاً سافرا على الشريعة الإلهية المقدّسة، وإن للشريعة في مورد هذه المعصية حدّاً معيّناً أو تعزيراً أو تعويضاً يلاحق الجاني، ولو طُبّق شرع الله لما ضجّ كل المستضعفين رجالا ونساء من المظالم الخانقة، ولما دخل الأسرة شيء من الانشطار، وشيء من الفوضى، وشيء من الظلم والمواجهة العدائية التي تسلب راحة الأسر.
وإنه لا مزايدة من أحد على شريعة الله شريعة العدل والرحمة في أي مجال من مجالات الحقوق الصادقة للإنسان إلا من باب الدجل والاستغفال والافتراء.
ثم إن للشعب ملفّاته المهمّة المعطّلة، وملفات مهملة مغيّبة ومحاربة: الملف الدستوري، التمييز، التجنيس، البطالة، الفساد الإداري، مسألة تقرير البندر، فإذا كان يهم الحكومة وفريقا يشاركها الرأي التسريع بملف الأحوال الشخصية فإن غالبية الشعب لتهمّها ملفات كثيرة بالغة الأهمية وهي مطروحة، على لسان الشعب دائماً، وفي الساحة كلّها، ولن يشغله عنها دفاعه عن شريعة الله في مجال الأحوال الشخصية لو هبّت ريح عاصف من الجانب الآخر.
الشعب سيصرّ على أن يطرح كلّ ملفاته وليس ملفّ الأحوال الشخصية وحده، الشعب سيصرّ على طرح كل ملفاته بقوّة وإصرار، ومنها ملف الأحوال الشخصية، ولكنه ليس الوحيد من بينها، وستكون المطالبة بقوّة على مستوى كل الملفات، وإذا كان قد نفذ صبر أي جهة في انتظار قانون غربي للأحوال الشخصية فإن الشعب أولى بأن يكون قد نفذ صبره بالنسبة لحزمة الملفات التي تؤرّقه.
والرأي في الأحوال الشخصية لا يتغيّر عند العلماء والشعب كل يوم وذلك لشيء واحد وهو أنهم في كل مرة ليست لهم إلا مرجعية واحدة هي مرجعية الشريعة في هذا الأمر وغيره. والشريعة ثابتة، وأحكام الأسرة في الزواج والطلاق والميراث ليست محلاً للتلاعب والتحايل، والأحكام الكلية الشرعية في هذه المجالات واضحة، ولا انتقائية تبرعية للفتاوى يصحّ لأحد أن يطبّقها على الجميع.
هذه التشكيلة لماذا؟
حديث عن حرب يرفضها الشعب، ويكفر بها، ويدينها، واستعدادات عملية لها، وإعلان عن محاكمة للأستاذ حسن المشيمع وهي محاكمة مثيرة موتّرة للأوضاع ولا شك، ولا ندري عواقبها، وتحضير متسارع لطرح مشروع الأحوال الشخصية على النيابي بعد أن أعلن الرأي العام كلمته القاطعة في هذا المشروع، وأنه يرفض أي محاولة لتغريب الأسرة المسلمة والتمهيد لربطها بقوانين تتصادم مع شرع الله.
ألا تعني هذه التشكيلة استفزازاً للحالة الشعبية، واستهدافاً للخروج بالوضع من مستواه الراهن الذي لا يُحسد عليه إلى مستوى أكثر توتّراً وتشدداً وغليانا واقترابا من حافّة المحذور؟! أهذا كلّه هو العوض عن كشف حقيقة تقرير البندر، وعن حلّ الأزمات الحقيقية والأخذ العملي بخيار الإصلاح الذي لا صلاح للبلد إلا به؟!
جنّبوا البحرين من خسائر الحروب، وخذوا على الأقل بقول من يقول ما لنا والدخول بين السلاطين، وحلّوا أزمات الساحة بالمصالحة الوطنية الشاملة بدل المحاكمات، ووقروا شريعة الله عزّ وجل، واحترموا خيار الشعب المسلم، وأبقوا مسألة الأحوال الشخصية في إطار الشريعة، ولا تفتحوا باباً التحايل على شريعة الله اليوم أو غداً.
الشفافية الإيرانية أو العدوانية الأمريكية؟
المسؤول عن الحرب المتوقعة في المنطقة لو انفجرت لا سمح الله هو النقص في الشفافية الإيرانية المتعلّقة بالملف النووي في إيران أم العدوانية والغطرسة الأمريكية الطاغية، والغرور الاستكباري الجنوني الذي يسيطر على البيت الأبيض؟
قرأنا كلمات تحمّل المسؤولية النقص في الشفافية الإيرانية، فهل هذا حق؟
إيران لم تقطع علاقاتها مع الوكالة النووية، وهي تعلن استعدادها لقبول التفتيش المباغت لمفاعلاتها النووية ونشاطها النووي، وأمريكا تصر على وقف التخصيب وتعطيل المشروع قبل أي حوار. وبأي وجه تمتلك أمريكا أكبر ترسانة نووية مدمّرة للعالم، وتملك إسرائيل من السلاح النووي ما يرعب العالم، ويسكت كل سلاح في المنطقة، ثم يصدر البيت الأبيض أوامره ونواهيه للعالم الإسلامي بأن لا يقدم على أي محاولة ولو أولية لامتلاك السلاح النووي ولو على مستوى المستقبل البعيد؟! بأي حق هذا؟!
أي محاولة لامتلاك سلاح نووي لا يعد هجوميّاً بعد التقدم الهائل في هذا المجال عند دول أخرى غير إسلامية كثيرة. إذا جاءت محاولة من أي بلد إسلامي في هذا المجال على تقدير ذلك فلن تنتج إلا سلاحا دفاعيا، وبأي حق يمنع الطغاة أحدا من الناس عن أن يمتلك الأداة التي يدافع بها عن نفسه؟!
ثم إن الكلمات التي تربط بين انطلاق شرارة الحرب وبين عدم كفاية الشفافية من الجانب الإيراني لتعطي أمريكا الحقَّ في شن حربها الظالمة، وتبرر لها هذا العدوان المتجاوز للغة الحق والعدل والمنطق والدين في هذه المسألة إلى حدّ بعيد. وعلى أصحاب هذه الكلمات أن يراجعوا كل هذه المقاييس، ويلتفتوا إليها.
أعاذ لله كل مسلم ومسلمة من أن يسمّوا الباطل الفاضح حقّاً، والحق الصراح باطلاً، وأن يقولوا للظالم أنت مظلوم، وللمظلوم أنت ظالم.
أأمريكا مظلومة معذورة، وإيران ظالمة ملومة؟! إذاً علينا جميعاً أيها الإخوة المؤمنون في ضوء ما يقرره الاسلام من الوقوف مع المظلوم ضد الظالم وإن كان الظالم مسلما، والمظلوم غيره، وأن نمنع يد الظلم أيّاً كانت تلك اليد، أن نقف مع أمريكا ونموت في سبيلها، وأبواب الجنّة ستكون مفتّحة لشهدائنا العظام في هذا السبيل.
نعم هذا هو الموقف الصحيح إذا أردنا أن نتابع الصحافة، وأن نأخذ دروسنا وفتاوانا الدينية منها، ومن كلماتها المجانبة للحق. لكننا ندري أن شعوبنا الإسلامية ترمي بما تفتي به الصحافة وآرائها الموالية لأعداء الأمة مع القمامة في المزبلة ولو نادى بذلك مليون مسؤول في هذه الأمة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم ارزقنا معرفتك وحبّك وتقواك وخشيتك، والرجاء في رحمتك ودوام طاعتك، والجدّ في العمل الصالح الذي يقرب إليك، ويُنال به رضوانك وجنّتك، اللهم لا تطمع فينا الشيطان الرجيم، ولا أحدا من ضلّال خلقك، والمضلين لصالح عبادك يا من لا يجد اللاجئون من غيره لجأ، ولا الفارّون من دونه مفرّا، ولا الخائفون عند من سواه مأمنا، يا الله يا قوي يا عزيز، يا رحيم يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج7 ص24.
2 – المصدر نفسه.
3 – المصدر ص25.
4 – المصدر نفسه.
5 – المصدر نفسه.
6 – تحذير من مشفق، من حكيم، من عالم بحقّ.
7 – الحرّ حرّ النفس، الحرّ من لا تملكه الشهوات، من لا يسقط في حمأة المعاصي، وليس الحرّ هو طليق اليدين والرجلين، ومأسور القلب، وعبد النفس.
8 – حتى لو كان مباحاً وهو يذلّ لك قدراً فاجتنبه.
9 – فكّر قبل أن تعمل، فإن من عقوبات بعض ما يرتكبه الإنسان تساهلاً في توفير المقدمات المناسبة أن يحصل على عقوبة دنيوية، من لحوق عار، أو عقوبة بدنية، أو أي شيء من انتكاسة أخرى.
10 – المصدر ص 26.
11 – للعاطفة دور فعّال في تحريك النفس، وللدوافع التي تسكن النفس قوّة دافعة على طريق السلوك الصحيح والسقيم. المرجع ليست الدوافع المادية إنما المرجع الدوافع المعنوية الكريمة، ومعها العقل المخطط الدارس للحالة الموضوعية، القادر على الخروج من المقدّمات إلى النتائج الصحيحة. هكذا أُمر المسلم، وهكذا هي المنهجية الإسلامية، وهكذا هي وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ما أعظم دين الله، وما أكبر قدر الإسلام!!!
12 – 92/ النحل.
13 – المصدر ص 27.
14 – المصدر نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى