الحديث القرآني الإسبوعي – 09 فبراير 2007م
حديث ليلة السبت (2) 21 محرم الحرام 1428هـ 9/2/2007م – بجامع مدينة عيسى
” التعاون على البر والتقوى “
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين والطاهرين واللعنة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
قوله تبارك وتعالى في خطاب للذين آمنوا: “وتعانوا على البر والتقوى،ولا تعانوا على الإثم والعدوان”
خطاب إلهي يحمل تكليفا للأمة، هذا التكليف ثابت لا يتغير، وهو سمة من سمات أمة الإسلام والإيمان، وخط عريض من الخطوط التي تؤكد على هويتها الخاصة، فمما تمتاز به الأمة الإسلامية إذا استجابة لمنهج القرآن الكريم، والسنة المطهرة، أنها أمة تتعاون على البر والتقوى، ولا تتعاون على الإثم والعدوان.
تعليم الدين بر وتقوى، تعليم الحياة الصحية بر وتقوى، معالجة الأمراض بر وتقوى، رفع المستوى الاقتصادي في سبيل بناء الإنسان الصالح بر وتقوى، تصحيح وضع الأسرة بر وتقوى، خلق مجتمع قوي متقدم، بناء مؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية تتقدم بمستوى المجتمع في سبيل الله بر وتقوى، التربية الصالحة للجيل بر وتقوى، كل ما يصلح الحياة ويحقق لهذا الإنسان دوره فيها، ويضعه على طريق الله عز وجلّ هو بر وتقوى.
فأي وجه من وجوه الخير، وأي وجه من وجوه الصلاح من شأن هذه الأمة ومن تكليفها أن تتعاون عليه، أن تتكاتف الأيدي، أن تتوافر الجهود، أن تتجمع الطاقات في سبيل التقدم بمستوى الدين والدنيا الصالحة بالنسبة للمجتمع الإنساني.
أي نقص، أي مشكلة، أي تخلف على المستوى الاجتماعي يتطلب تعاونا، ليس من اختياري الديني أن أشترك في الجمعية التي تحتاجها المنطقة أولا أشترك، يعني ديني لا يعطيني الخيار، أنا أمتلك أراده أمتنع أو لا أمتنع، لكن من ناحية تشريعية ليس لي الخيار. أن هناك مؤسسة يتوقف عليها صلاح المجتمع، تصحيح مساره، يتوقف عليه إنقاذ المجتمع من مأساته، وأنا أقول أخذ استخارة دخل أولا أدخل، الموضوع ليس موضوع استخاره، عندي وقت أو لا ليس عندي وقت، يعني فوق كسب للأكل والشرب وقيامك للحاجات المعقولة، عندك وقت لابد أن توظفه للمجتمع.
المجتمع اليوم لو ركض ليله ونهاره يسابق المجتمعات الكافرة لا أردي يصل إلى مستواها في بعض المجالات أو لا يصل إلى مستواها، ينقذ نفسه من ظلمها أو لا ينقذ نفسه من ظلمها، يستطيع أن يقف محتفظا بشخصيته وهويته الإيمانية أو لا يقف، لو جندنا أنفسنا كبارا وصغارا ورجالا ونساء فالمعركة ربما تكون تتطلب أكبر من طاقاتنا، وقد لا أنستطيع أن نحقق لمستوى الذي يهزم طرف الكفر، إلا بعد سنين، فكيف بنا ونحن الذين يشتغلون في المنطقة الواحدة هم نسبة واحد على مائة، أو أقل من نسبة واحد على مائة.
“وتعانوا على البر والتقوى” ليست مسألة كيفي هي؟ مسالة واجب النهوض بمستوى المجتمع الإسلامي، وتخليصه من الانحرافات الخلقية الاجتماعية، والتخلف الاقتصادي، والتخلف الصحي أمر واجب، لأنه لا يستطيع أن يقف هذا المجتمع على قدم ويحتفظ بهويته الإسلامية ويبقى الإسلام في الإسلام في الأرض إلا من خلال أن يبقى قويا، دين بلا أمة قوية لا يبقى، بقاء الإسلام واجب، وبقاء الإسلام لا يمكن أن يتم بأمة قوية.
“وتعاونوا” من هم؟ المخاطبون هم المؤمنون في المحلة الواحدة، وفي القرية، وفي المدينة، وفي القطر، وعلى مستوى لأمة، كل هذه الدوائر الضيقة والواسعة يجب أن يتم فيها التعاون على البر والتقوى، والبر والتقوى في صورته الإجمالية واضح، أن نتعاون على ما وافق التقوى، على ما صدق أنه بر وصلة خير، يرضاه الله تبارك وتعالى،مواضع كثيرة نستطيع أن نشخصها، مواضع لا نستطيع أن نشخصها، يجب أن نرجع فيها لأهل الاختصاص من حملة الفقه، ورب خير في نظر حضارة هو شر في نظر حضارة أخرى.
وعندنا مشكلات، عندنا ظلم اجتماعي، عندنا ظلم اجتماعي، عندنا ظلم أهل المنطقة إلى البعض من أهل المنطقة مثلا، أي مشروع فيه كيد بالمؤمنين، فيه إضرار بالمؤمنين، فيه تخلف المجتمع الإسلامي، فيه إساءة لدين الله، فيه تشويش للحقائق الدينية، فيه ميل عن خط الله تبارك وتعالى. “ولا تعانوا على البر والعدوان” كل ذلك إثم، وكل ذلك عدوان، هذا الخط العريض والسمة الثابتة للمجتمع المؤمن، قضية أنه مجتمع يظهر على سطح حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، التعاون في الخير، التعاون في البر والتقوى، هل هذه السمة مجسدة بشكل كبير وفاعل وحيوي؟
يمكن أن يكون هناك بعض الأفراد القلائل الذين لا يستطيعون أن يعطوا المجتمع بأي وجه من الوجوه، أصحاب أعذار نوادر، هناك أصحاب أعذار نوادر لا يستطيعون أن يقدموا للمجتمع أي شيئا، من تخلف عقلي أو مرض شديد. أما صاحب القوة العضلية يستطيع أن يعطي، صاحب القوة الفكرية يستطيع أن يعطي، صاحب القوة المالية يستطيع أن يعطي، صاحب القوة الاجتماعية عنده وجاهه يستطيع أن يعطي، كل يستطيع أن يعطي على قدره، ومسؤولية المؤمنين من ذوي الفهم الأكثر، من ذوي القدرة العلمية، في مجال اختصاصاتهم وليس المجال الديني فقط، المطلوب من الجميع أن يوجدوا البرامج التي تدخل كل أبناء المنطقة، وكل بنات المنطقة، حتى العجائز لو استطعنا أن نفعل هذا، حتى كهولنا، ندخلهم في عملية أنتاج ثقافي، في عملية إنتاج يدوي، في عملية إصلاح، في عمليات إنتاج كثيرة.
لو أن منطقة من المناطق، قرية من القرى اتخذناها قرية نموذجية، وأردنا أن نجربه فيها، واستطعنا أن نشغل في يوم من الأيام أن نشغل من طاقتها البشرية تسعين بالمائة بما تتوفر عليه هذه النسبة وهي تسعون في المائة من اختصاصات مختلف، لو جربنا وشغلنا هذه التسعين في المائة بطاقاتها واختصاصاتها ومواهبها، تسبق قرى البحرين أو لا تسبقها في غضون خمس سنوات؟ هؤلاء سيشاركون في بناء بيت الفقير، وهؤلاء منهم من يستطيع أن ينتج أشياء نجارة بحيث يؤثث للفقراء، سيرتفع مستواهم الفقهي، سيرتفع مستواهم الثقافي، التعبدي، الروحي، كل ذلك.
لو دخلت قرية من القرى التي نختارها بطاقة تسعين في المائة، لا شك أنها ستتقدم كل قرى البحرين ومدنها، هذا مطلوب منا، يقول لنا الله عز وجلّ “وتعانوا على البر والتقوى”، المجتمع لا يصح له أن يقف مكتوف اليدين أمام أي مشكلة من المشكلات، أمام أي أزمة، أمام أي تخلف، مطلوب من المجتمع المسلم أن يكون يومه أفضل من أمسه، وغده أفضل من يومه، دائما هكذا. الفرد المسلم والمجتمع المسلم. لو التزمنا هذا التعليم فقط، لانتشر الهدى، لانتشر الهدى، تقلصت الرذيلة، الجريمة تختفي، الصلاح يظهر، الهدى يظهر، العلم يظهر، الاستقامة تظهر، العلاقات الاجتماعية تتحسن.
الآن “ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” أخي اعتدى على أخيك، أخي مغلوب، لو أنا لم أنصره، وأبوه لم ينصره، وأخونا الثالث لم ينصره، اختفت الجريمة أو لا؟ تأدب أو لم يتأدب؟ “ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” هذا يقطع يد الجريمة في المجتمع، ينهي ظاهرة العدوان، يخلق هيمنة اجتماعية أخلاقية بحيث تأدب الصغير و الكبير، لا يحصل له نصير، صاحب الإثم، صاحب العدوان، صاحب الجريمة، صاحب الشر، لا يحصل له يدا تناصره، لا لسانا ولا يدا ولا رجلا، يفرد، فيضطر أن يخضع.
نداء الخير يلتف الناس حوله، مشروع الخير يلتف الناس حوله، تقدم المجتمع، عسانا نتقدم، و عسانا نأخذ بقوله تبارك وتعالى “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان”