خطبة الجمعة (269) 6 محرم الحرام 1428هـ – 26 يناير 2007م
مواضيع الخطبة:
التوحيد + الوحدة الوطنية والإسلامية الجامعة
هناك ألسنة تجحد الله، ولكن وراء هذه الألسن الجاحدة قلوبٌ مقرّة بالله عزّ وجل، ليس هناك من قلب لا يقر بحسب فطرته بالله عزّ وجلّ، نعم، تكون غشاوة، تكون ضبابية، يطرأ عمى على القلوب بسوء ما فعلت، ولكن تأتي لحظات لا تملك تلك القلوب إلا أن تثور الفطرة في داخلها لتقول من خلال صرخة الاستغاثة بالله لا إله إلا الله.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووفّقنا للإيمان، وأولانا عنايته، ودعانا إلى طاعته، وشرّفنا لعبادته، وأذن لنا في دعائه، وأكرمنا بمناجاته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيرا.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، وأن لا نتخذ من دون إلها أبدا، ولا نشرك به أحداً، وأن نرضى بما رضي لنا من دينه، ونلتزم بما دعانا إليه من ملته، فإنه العليم بالموت والحياة، والإنسان وكل ما درأ، وما يضل ويهدي، وما يصلح ويفسد، وما مضى ويأتي وهو الغني الحميد.
اللهم صل محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أرنا الحقّ وثبّتنا عليه، واجعلنا قائمين بأمره، متحمّلين له، وأرنا الباطل وتباعَدْ بِنَا عنه، وأدم الفرقة بيننا وبينه يا أرحم الراحمين.
أما بعد فالحديث في التوحيد:
والسؤال عن وجود الله تبارك وتعالى وعن وحدانيته هو أول سؤال يتقدم التفكير في منهجية الحياة. وفيما يصحّ أن يُمضى فيه العمر، ففرق هائل بين اطروحة حياة تقوم على التوحيد، وأخرى لا ترتبط به.
والحديث هنا ليس على مستوى البحث العلمي المفصّل والمبوّب، والملتزم بشرط الاستقصاء، والتوغّل في النظر في النصوص ومقارنتها، أو في الأفكار وموازنتها، وفي قضية الأخذ والرد، وليس طابع هذا الحديث طابعاً فلسفيّاً، وإنّما هو حديثٌ يعتمد الاستضاءة بنصوص الكتاب الكريم، والسنة المطهرة ليساعد على شفافية أكبر داخل القلوب، وفيه تأكيد على ملامسة الفطرة، وتنبيهٌ على آيات الله وحُججه في الأنفس والآفاق.
فهو حديث تذكيريٌّ، وحديث يحاول الإثارة لمكنون النفس، ومكنون الضمير، وما في داخل فطرة الإنسان من حجج لله عز وجل على خلقه.
قبل كل شيء مسألة الدين من لم تكن في نفسه قطعية فلا أقل من أن تكون على مستوى الاحتمال، قضية الآخرة من لم يرها بقلبه رأيَ عين فلا أقلّ من أنّ نفسه تُحدِّثه دائماً بها، وتثير أمامه السؤال بشأنها، وأنه يحتمل بدرجة وأخرى أن تكون الآخرة، وليس أمام الإنسان أيُّ طريق لنفي الآخرة وهو لم يصل مرحلتها بمغادرة هذه الحياة.
في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) يتناول المسألة من ناحية كونها محتملة على الأقل، في خطاب لمن كان يحاول أن يُنكِر الآخرة على مستوى اللسان:”إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء(1) وهو على ما يقولون فقد سلموا وعطبتم(2)، وإن يكن الأمر كما تقولون(3) – وليس كما تقولون(4) – فقد استويتم وهم”(5).
أكلتم وأكلوا، شربتم وشربوا، نكحتم ونكحوا، زادوا عليكم بصلاة وصوم وحج وزكاة وخمس، ولكن كل ذلك ذاهب مع نهاية الحياة. إذا لم تكن آخرة، فلا صاحب التعب يتذكّر تعبه، ولا صاحب اللذة تبقى معه لذته، إذاً المصير مستوٍ بين الإثنين، ولا تسجّل عقيدة الآخرة على أصحابها أي خسارة.
أمّا وأنّ الآخرة حق وصدق كما هو الواقع فالخسران مع الذين ينكرون الآخرة، لأنهم لم يستعدوا لها، ولم يصنعوا أنفسهم لتتأهّل إلى نعيمها.
وفي هذا السياق تأتي رواية أخرى عن الرضا عليه السلام:”دخل رجل من الزَّنادقة على الرّضا عليه السّلام وعنده جماعة فقال له أبو الحسن عليه السّلام: أرأيت إن كان القول قولكم – وليس هو كما تقولون – ألسنا وإيّاكم شرَعاً سواء، ولا يضرّنا ما صلّينا وصمنا وزكّينا وأقررنا؟(6) فسكت، فقال أبو الحسن عليه السّلام،: إن يكن القول قولنا وهو كما نقول(7) – ألستم قد هلكتم ونجونا؟…”(8).
وهذا المحتمل ليس من المحتملات العادية، محتمل أن تكون الآخرة، وأن يكون عذاب مقيم، أو نعيم أبدي، هذا المحتمل أكبر المحتملات، له خطورة بالغة جداً، وهذا المحتمل يكفي للعاقل فيه أيُّ احتمال ولأن يأخذ بحزمٍ بالاستعداد والجد والاجتهاد لأمر الآخرة لينجوَ من عذاب مقيم، ويفوز بنعيم خالد.
إنك لست أمام قتلٍ دنيوي، لست أمام خسارة مليون دينار، أنت أمام احتمال خسارة الأبد، أمام احتمال أن يُخلَّد هذا الإنسان في النار، أمام احتمال أن يفوز بجنة لا هناء يتصوره كما هو فيها، وإلى الأبد.
تؤكد النصوص المتواترة قرآنا وسنة، ويؤكد واقع حياة شعور الإنسان، وواقع تفكيره على أن قضية الإيمان لا تَفِدُ على العقول من الخارج، الخطاب بقضية الإيمان خطاب داخلي تعيشه النفس، وتحتضنه الفطرة، وتثيره دائماً أمام الإنسان وتُلحّ عليه، لا أنه من تعليم معلِّم، وتدريس مدرّس. قضية الإيمان قضيةٌ عُجِنت بفطرة الإنسان، وهي داخلة ضِلعاً مهما في مركّبه المعنوي بأصل الخلقة.
والقضية كما هي فطرية يشهد بها الكون كله كذلك، وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد.
ليس من حبة رمل، ولا ذرة، ولا شجرة، ولا من شيء كبر أو صغر في هذا الكون إلا وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. فالقضية قضية داخلٍ بالنسبة للإنسان، وقضية خارج.
النفس في داخلها تلحُّ على الإنسان بقضية الإيمان، والكون كله بكل أشيائه، بكل كبيره وصغيره يحاصر الإنسان بالأدلة القاطعة على قضية التوحيد.
تقول الكلمة عن علي عليه السلام:”الحمد لله الّذي بطن خفيّات الأمور(9) ودلّت عليه أعلام الظّهور(10)، وامتنع على عين البصير(11)، فلا عين من لم يره تنكره(12)، ولا قلب من أثبته يبصره(13)… فهو الّذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود(14)”(15).
كل آيات الكون تدل بما تنطق به من شهادة التوحيد، وبما تشتغل به من تسبيح لله عز وجل من خلال دقّة الصنع، وإحكام التدبير، وتدفّق الوجود على الموجودات، وإعطاء الحياة لما هو حيّ منها، وللهندسة التي تنتظمها، ولا تحدُّها العقول، والموقع التي اقتضته هندسة الكون لكل جزئية، لكل مجرة، لكل ذرة، لكل خلية فيه، حيث موقع كل شيء موقع متناسب متناسق مع ما أُعطِيه من دور في مركبه، وفي هذا الكون الكبير، كل هذه الآيات تدل على أن الإنسان الجاحد ليس وراء لسانه قلب يجحد في أعماقه، وحيث يأتيه ما يعود به إلى فطرته.
مع هذه المقدمة القصيرة ينتهي وقت هذه الخطبة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح أحوالنا كلها، وادرأ عنا كل سوء، ولقنا كل خير، واختم لنا بخير ختام، ربنا أتمم لنا نورنا، وثبتنا على الإيمان.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) }
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو الملك الحق المبين، الذي لا يقوم شيء إلا بقدرته. لا يغيب نوره، ولا تخفى آياته، ولا مدرك لكُنهه، ولا محيط لصفته، جلّ عن أن يكون له عديل أو شبيه أو ند أو ضد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، والاجتهاد في طلب صلاح النفس والأمة، وليس من صلاح النفس أن تُترك لشهواتها ولَعِبها، وأن يخلّى بينها وبين الشيطان الرجيم، وإنما بأن تُجاهد مجاهدة، ويُكابر الشيطان مكابرة مستعيناً العبدُ في ذلك كلِّه بربِّه الكريم، متوكلاً عليه حتى تستقيم النفس، وتفلح بتقواها، وليس مما يسوغ أن يُهمل شأن الأمة لتكون فريسة أعدائها، وإنما يُطلب من أبنائها الدرأ عنها، وحماية مصالحها، وبناء قوتها حتى يعِزَّ بها الإسلام وتعِزَّ به.
أعذنا ربنا من شر النفس الأمارة بالسوء، ومن كيد الشيطان الرَّجيم، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين مغفرة جزما حتما، إنك أنت التواب الرحيم، ربنا هب لنا من لدنك رحمة وقنا عذاب النار.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبدك الموالي له، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات فهذه تتمة لموضوع الوحدة الوطنية والإسلامية الجامعة:
وقد أنهى الحديث الكلام في المحور الثالث من محاور الموضوع ويأتي المحور الرابع:
رابعاً: في حلقة حوارية في إذاعة لندن العربية، كان الموضوع هو احتمال المواجهة الساخنة بين أمريكا والحكومات الإسلامية والعربية، وفي كلام لأحد متحاورين من أبناء الخليج، والمتحاورون في مثل هذه المواضيع متخصصون ذوي شأنٍ في الكلمة في العادة، والمتحاور الخليجي ليس من المعارضة.
وكان السؤال إذا قامت حرب بين أمريكا وإيران فالخليج مع من؟ قال: يمكن من ناحية قلبية، من ناحية الأخلاق والعاطفة أن يكون موقف الخليج مع إيران، لكن من ناحية فعلية فالموقف مع أمريكا معلِّلاً ذلك بأن إيران تحتل طمب الكبرى وطمب الصغرى، وكأن أمريكا لا تحتل شبراً واحداً من الخليج، هذا مع عدم تدخلنا في مسألة البت في قضية الحدود بين دولة إسلامية وأخرى، وما أكثر الاختلافات الحدودية الجغرافية بين كل دولنا.
وأمر آخر احتجّ به المحاور الخليجي هو أن إيران تعمل على التوسّع الفكري والسياسي في الامتداد العربي. وهنا أيضا نقول أمريكا ليس لها أي هيمنة فكرية، وأن أمريكا لا تفرض ثقافتها على البلاد العربية والإسلامية، وليست لها مؤسسات ضخمة في أكثر البلدان الإسلامية تعمل لصالح الفكر الغربي المادي، وللأيديولوجية الأمريكية، وأمريكا لا تتدخل سياسيا في البلاد العربية وسياستها مطلقا، وإنما هي دولة ملأ قلبها الرحمة والشفقة على أمة الإسلام وعلى أمة العرب، وهي حامية ديارنا والمحافظة على مصالحنا. ما أعدى إيران للعرب، وما أكبر إخلاص أمريكا!!.
كذَّب الله ظنّ هذا المحاور العربي، وجعل حكام بلداننا العربية والخليجية تعرف واجبها الديني لو نشبت حرب بين أمريكا وبين أي بلد من بلدان الإسلام. إنه قد رمى حكّام المنطقة بما لا يليق من وقوفها الوقوف المكشوف مع أمريكا ضد بلد إسلامي.
لست هنا محلِّلاً سياسيا، ولا ناقدا، وإنما أنا أضع أمامك صورة من صور التدهور في الوضع العام الإسلامي، وما آل إليه تمزق الأمة، وأن المسلم يقاتل أخاه المسلم تحت راية أمريكا.
فنحن نحتاج إلى الوحدة، نحتاج إلى نداء الوحدة، نحتاج إلى شعار الوحدة الصادق، نحتاج إلى عمل جاد دؤوب على طريق الوحدة.
ما هو متعلّق الوحدة كما تظن؟ أن نتحول شيعة كلنا، أن نتحول سنة كلنا؟! مطلب ليس دونه خرط القتاد كما يعبّر الفقهاء، وإنما دونه حصد الرقاب.
لا يمكن بأي حال من الأحوال، وتحت أي ضغط أن يتحول العالم الإسلامي كله إلى شيعة، أو أن يتحول إلى سنة. وإذا أردنا الوحدة على مستوى تفصايل العقيدة فإن الصحابة كما سبق لم يكونوا على رأيٍ واحد في هذا الأمر، وإذا أردنا وحدة إسلامية على مستوى الفروع الفقهية فالصحابة إذاً لا يشكلون أمة واحدة، والمذاهب السنية الأربعة لا تشكل أمة واحدة، والمذهب الشيعي نفسه في اجتهاداته المختلفة لا يشكّل أمة واحدة.
إما أن نقبل بأننا كنا ونحن في أحضان الإسلام بعد حياة الرسول صلى الله عليه وآله أمماً، وبقينا أمماً، وسنبقى أمماً، وذلك للاختلاف الفقهي، وفي بعض تفاصيل العقيدة، وفي دقة الرؤية التوحيدية وعدم دقتها، وأن علينا أن يحصد أحدنا الطرف الآخر إلى آخر واحد، وأمَّا بأن نقول بأن كل هذه الاختلافات لم تعدد الأمة في ماضيها، ولا تعدِّدها في حاضرها ومستقبلها، والأمر كذلك.
إننا أمة واحدة عقيدة وفقهاً، والاختلاف في بعض دقائق العقيدة، والفروع الفقهية لا يقسمنا إلى أمتين أو أمم.
الموحدون الشيعة ليسوا على فهم واحد للتوحيد، والموحدون السنة ليسوا على فهم واحد للتوحيد، فإذا كان التفاوت في دقة الفهم لقضية التوحيد مقسّماً إلى أمم فنحن لسنا أمتين فقط، وإنما أمم متكثرة.
وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وآله مسلم وهو على توحيده أكملِ توحيد، وأن الأعرابي الذي آمن بالأمس أو اليوم مسلم وهو على ما هو عليه من توحيد ضبابي غائم، وذلك من ناحية الحقوق العامة الدنيوية للمسلم على أخيه المسلم.
وإذا كانت العقيدة لا يمكن أن نتوحد عليها بمالها من دقة بالغة، فهناك قضايا كثيرة جداً يمكن أن نتوحد عليها، ويجب أن نتوحد عليها.
الحفاظ على الأمن الوطني لكل بلد من بلدان الإسلام، قضية تهم الجميع، وفقدها يضر بالجميع، ولا أمر يقتضي الاختلاف في الحفاظ على هذه القضية.
إقامة العدل في أرض الإسلام، والأخذ بالمساواة في الحقوق والواجبات، المساواة بمعناها الدقيق، وليس بمعناها السطحي الساذج، إقامة العدل في أرض الإسلام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مواجهة الظلم والفوضى من أي مصدر كان من حاكم أو محكوم، من سني أو شيعي. هذا كله يمكن أن نتوحد عليه.
حماية الدين والأمة من الأجنبي، أمر يهم الجميع، وغيابه يضر بالجميع، ولا عائق إذا أنصفنا يعيق عن الأخذ بالوحدة في هذا المجال.
التقدم بمستوى الأمة وأوطانها، وحلُّ مشكلات الجهل والفقر والمرض إلى آخر المشكلات، وهي مشكلات تضايق الجميع، وتضرُّ بالجميع، من مسؤولية الجميع، والتوحد عليها لا يقف أمامه عائق.
تبليغ الإسلام في خطوطه العامة، وكذلك أن تبلّغ الإسلام كما تفهم، وأُبلِّغ الإسلام كما أفهم، تبليغي وتبليغك يخدمان الإسلام العام، ويُقلِّلان من موجات الكفر وامتداداتها في البلاد الإسلامية على الأقل.
نقطة أخرى ومحور آخر الوحدة الوطنية ووحدة الأمة.
هل العلاقة بين الوحدة الوطنية ووحدة الأمة علاقة انسجام، أو علاقة تهافت وتعارض؟
هل حفاظي على أمن البحرين فيه تهافت مع حفاظي على أمن الأمة، اعتزازي بالبحرين فيه تهافت مع اعتزازي بالأمة؟ ولائي للبحرين بالمعنى الذي يرضاه الله يتهافت مع ولائي للأمة؟ أم أن العلاقة بين كل ذلك هي علاقة توافق وانسجام؟
حين نأخذ الولاء، والمصلحة، والنصرة إلى آخر هذه الأمور بالمعنى الإسلامي فلا تهافت، وحين نأخذها بالمعنى الجاهلي فالمسألة تؤول إلى التهافت. ونحن مسلمون، وعلينا أن نأخذ الأمور بمالها من معنى في الإسلام.
قوة الأمة في وطنها الكبير من قوة الأمة في أوطانها الصغيرة كما أن مصر ملك الإسلام فالبحرين ملك الإسلام، وكما أن تركيا ملك الإسلام فعمان مثلاً ملك الإسلام، وعزة الأمة مترابطة، وانتصارها مترابط، والعكس مترابط، فكلما عزّ وطن من هذه الأوطان، وكلما نهض وطن من هذه الأوطان، كلما حقق نصراً كلما كان ذلك يصب في صالح الوطن الكبير، والعكس بالعكس.
نقطة أخرى في هذا المجال وهي التعددية على مستوى الإسلاميين والآخر في الوطن الواحد من بلاد الإسلام، وعلى مستوى الأمة، وعلاقة ذلك بالوحدة والفرقة.
في البحرين توجد قوى إسلامية، وتوجد قوى غير إسلامية، يوجد مسلمون ويوجد نصارى ويهود، فكيف تكون الوحدة الوطنية في ظل الإسلام؟
صدر الإسلام لا يضيق بخير على الإطلاق، إذا كانت الوحدة على شر فالمسلم لا يدخل فيها طرفا سواء كان الطرف الآخر مسلما أو غير مسلم، وإذا كانت الوحدة على هدى وخير وفيها صلاح الإنسان، وكل صلاح للإنسان فيه رضا الله عز وجل، فهذه الوحدة يبادر إليها المسلم سواء كان الطرف الآخر مسلما أو غير مسلم.
إقامة الحق والعدل في الأرض، العدل في الحقوق والواجبات، مناهضة الانحراف الخلقي، والانحطاط الإنساني يدخل فيه المسلم أيّاً كان الطرف الآخر. فنحن من منطلق الإسلام مستعدون دائما للوحدة حتى مع غير المسلم فيما هو خير، فيما هو صلاح لأن في ذلك مرضاة الله تبارك وتعالى.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين مغفرة حتماً جزماً برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل نطقنا بالحق، وأخذنا بالصدق، وسعينا بالصلاح والإصلاح، وارزقنا توفيقك، وبلغنا رضاك.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ويعني بذلك أهل الطواف، أهل الحج، أهل الدين، وهؤلاء يقولون بالآخرة.
2 – أي هلتكم، أولئك البعيدون الذين ينكرون الآخرة يعطبون لو صدق أمر الآخرة.
3 – يعني المنكرين للآخرة.
4 – والحق أن ليس كما تقولون.
5 – ميزان الحكمة ج3 ص96.
6 – ماذا أكون قد خسرت في نهاية الحياة أن أكون قد صمت، قد صلّيت، قد حجيت؟ كل ذلك أتعابٌ قد ذهبت.
7 – أي هو الحق، هو الصدق.
8 – المصدر نفسه.
9 – كل ما دقّ من أمر، وكل ما غمض من أمرٍ لعلّوه وسموّه ودقّته، وكلّما كان من سرٍّ وراء هذا الكون، وكلّما كانت من قوة أكبر من أن ندركها فإن الله عزّ وجل لتعاليه وجلاله وجماله وكماله هو أخفى من كلّ تلك القوى الكبرى والأسرار العظمى، لأنه يقف وراءها كلّها، وهو المدبّر لكل شيء في هذا الكون ما ظهر منه وما بطن.
إذا كان العقل مؤهّلاً إلى أن يصل إلى حقائق لقربها نسبيّاً، وغير مؤهّل للوصول إلى حقائق لبعدها عن أفقه المحدود فإن الله عزّ وجلّ أبعد حقيقة، وأكبر حقيقة تأبّياً على إدراك العقل، فإن العقل إذا كان يقصر عن إدراك حقائق كبرى بعيدة، فإنه أقصر من أن يدرك أكبر الحقائق، وأبعد الحقائق، وأول الحقائق، والحقيقة الأصل وهو الله تبارك وتعالى. وخفاء الله سبحانه خفاء عظمة لجلاله، لجماله واللذين لا يمكن لعقل أن يدرك لهما حداً وهما غير محدودين.
10 – آيات الظهور، دلائل الظهور.
11 – أي قلب كبير ذاك، أي عقل متفتّح ذاك، أي بصيرة نافذة تلك تقتصرها فكل ذلك ليس في وسعه كنه الله، أن يدرك كنه صفة من صفاته.
12 – الأبصار الحسية، والبصائر المعنوية كلها لا تستطيع إدراك الله تبارك وتعالى، وفي الوقت نفسه لا تستطيع البصائر أن تنكره وهو ظاهر فيها، وهو ظاهر في كل شيء تقع عليه. الله عز وجل ظاهر في كل شيء لأن ظهور كل شيء بالله. ما أظهرت الأشياء الله عز وجل إلا بإظهاره لها. الله عز وجل هو المظهر لنفسه تبارك وتعالى من خلال ما خلق، من خلال ما برأ، من خلال ما دبّر، ما أحكم. دلالة الأشياء على الله منه سبحانه وتعالى لا منها، دلالة الأشياء على الله عز وجل معطاة لها من الله سبحانه وتعالى، فهي ظاهرة به، قبل أن يكون ظاهراً بها.
13 – قلب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وهو لا يعيش ذرة ولا أقل من ذرة من الشك في الله عز وجل، قلب كله يقين، قلب كله نور من نور الله، قلب كله معرفة بالله، لكن ذلك شيء وأن يدرك النبي صلى الله عليه وآله اسماً من أسماء الله الحسنى، صفة من صفات الله العليا بحقيقتها، ذاك شيء آخر، فإن الله غير محدود، والنبي صلى الله عليه وآله محدود، ولا يمكن للمحدود أن يدرك غير المحدود. كنه الله لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرّب، فوق كل العقول، فوق كل البصائر، فوق كل الرؤى سبحانه وتعالى.
14 – هناك ألسنة تجحد الله، ولكن وراء هذه الألسن الجاحدة قلوبٌ مقرّة بالله عزّ وجل، ليس هناك من قلب لا يقر بحسب فطرته بالله عزّ وجلّ، نعم، تكون غشاوة، تكون ضبابية، يطرأ عمى على القلوب بسوء ما فعلت، ولكن تأتي لحظات لا تملك تلك القلوب إلا أن تثور فطرتها لتقول من خلال صرخة الاستغاثة بالله لا إله إلا الله.
15 – ميزان الحكمة ج 3 ص98.