خطبة الجمعة (266) 15 ذي الحجة 1427هـ – 5 يناير2007م

مواضيع الخطبة:

الأخوة في ضوء الاسلام: + أولاً: فلتهنأ أمريكا واسرائيل + ثانياً: الأمن المفقود

قد تذهب بك الظنون وكثيراً ما تكون الظنون كاذبة، إلى انّ أخاك عنده تقصير معك أو أراد بك سوءاً، لا تسرع راكضاً وراء الأخذ بهذا الظن وإنما لابدّ من التريث، ولابدّ من الدراسة لأنك لن تخسر بقطيعة أخيك الشيء البسيط. ثم للأخوة الإيمانية حرمة عند الله لا ينبغي التفريط بها بهذه السرعة.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا حركة ولا سكون في الكون الوسيع إلا وهو محيط به علماً، ولا شيئ في الأرض ولا في السماء إلا وهو الخبير به مقداراً ووزناً. ولا إرادة لشيء خارج إرادته، ولا تقدير لشيء دون تقديره.
أشهد ألا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، والانصراف لما خلقنا له من عبادته سبحانه، وهي المخرجة لصاحبها من الظلمات إلى النور، المطهّرة لقلبه، المنقيّة لنفسه، المزكّية لروحه، المكمّلة له، الرافعة لدرجته، المنتهية به إلى سعادته. والعبادة شاملة لكل مساحة الحياة، فكل فعل يصبّ في مصلحة الانسان من أفعال الجوانح والجوارح، وحتى ما كان لذة أو نوماً أو راحة مما يصلح صاحبه، ويعينه على الاستقامة في طريق الله، ويمدّه بالقوّة والنشاط لتحقيق دور الخلافة عنه عزّ وجل في الأرض فهو مورد للعبادة، ومما يجازي به الله عبده خيرا. وإن كل شرّ تركه محل التقرب إلى الله سبحانه وطلب مرضاته. وكل الاسلام القائم على عقيدة التوحيد وما يلازمها فعل لما يُصلح ويُسعد وترك لما يُفسد ويُشقي، وليس في الاسلام غير ذلك.
اللهم اكفنا وإخوانناالمؤمنين والمؤمنات أجمعين خزي الدنيا وخزي الآخرة، وهوان الدنيا وهوان الآخرة، وشقاء الدنيا وشقاء الآخرة واغفر لنا ولهم مغفرة جزماً حتما، واعصم مستقبلنا من الزلل، وأخلص بقية ما كتبت لنا من عمر في طاعتك، والجهاد في سبيلك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك وترحم على محمد وآل محمد أفضل ما صليت وسلمت وباركت وترحمت على ابراهيم وآل ابراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فإلى متعابة أخرى لحديث الأخوة في ضوء الاسلام:
هذا تعليم منهم عليهم السلام” إذا أحب أحدكم صاحبه أو أخاه فليعلمه فإنه أصلح لذات البين”1 عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ليست هي المجاملة الكاذبة، إنما هي الكلمة الطيبة المُطمئِنة، التي تمدّ الجسور وتمتنها بصورة أأكد، من أجل تثبيت الأخوة وتقويتها، والمؤمن عند أخيه المؤمن موثوق وكلمته نافذة في قلبه.
مودتك لأخيك دليل على مودته لك:-
هناك حبّ الشهوة وهناك حبّ الروح، حبّ الشهوة إنما هو لقضاء وطر. ويكون حبّ الشهوة استغلالا، خالياً من الإنسانية والرحمة، لا يحمل هدفا نبيلا، ولا يراعي قيما، ولا ينظر الى مستقبل يسوء أو يحسن. أما مودات الروح فهي مودات صادقة وصادرة من منبع القيم، ومنبع الصفاء والوفاء والنور. محبة الروح كالمحبة في الدين، محبة صادقة وهادفة ولا تستهدف من الطرف الآخر نفعاً دنيوياً عاجلاً، وإنما تستهدف التفاعل القيمي، والتفاعل الروحي البناء والدافع بقوة لكلا الروحين على طريق الله سبحانه وتعالى.
فإذا وجدت من نفسك محبة لأخيك ليست من محبة الشهوة، وليست من محبة المنفعة، إنما هي من محبة الروح، من محبة الجمال المعنوي فيه، فهذه المحبة وهي صادقة لابدّ ان تكون عن تجاوب مع محبة صادقة في قلب أخيك. هذا الحبّ لا يكذبك كما يمكن أن يكذبك حبّ الشهوة، هذا الحب حبّ صادق، وهو نفّاذ، وإذا كنت تحبّ أخاك فاعلم إن أخاك يحبك كما تقول الأحاديث.
” سلوا القلب عن المودات فإنها شواهد لا تقبل الرُشا”2.قلبك في حبّه لأخيك شاهد على حبّ أخيك لك، قلبك وروحك لا تقوم محبته على كذب، ولا يمكن أن تُرتشى الروح، ولا يمكن أن يُرتشى القلب الإيماني لينطوي على الحبّ، إنه لا يحبّ إلا الجمال الصادق. أما الجمال الكاذب، وأما المودات الظاهرية فالروح الصادقة لا تنخدع بها. فحبك لأخيك حبّ الروح، وحبّ الإيمان والدين إنما يكون عن استحقاق وليس عن الوقوع في وهم كما يأتي في حبّ المنفعة والشهوة.
سئل الصادق عليه السلام، الرجل يقول: إني أودّك فكيف أعلم أنه يودّني؟ قال ” امتحن قلبك فإن كنت تودّه فإنه يودّك”3.
محبة الإيمان لا يفرّط بها:-
ثمّ إنّ هناك أمر آخر، وهو أن أخوة بنيت على محبة الله، وعلى الصفاء في الله والتوجه لله، هذه المحبة غالية، وقطيعتها خسارة كبرى. تقول الكلمة عن عليّ عليه السلام” إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما”4 قد تلاحظ على أخيك أسباب جفوة، وقد تسجل عليه خطأ، فتقدر أن هذه الأخوة في حاضرها ليست بالتي تخدم روحك، وتساعد على نموّ دينك في داخلك، إلا أن هذه الملاحظة ينبغي ألا تذهب بك إلى القطيعة الحاسمة لهذه الأخوة، فأخوك الذي أخطأ اليوم قد يراجع نفسه غداً ويعود إلى الاستقامة أحسن مما كان عليه من استقامة، وقد تأتي بعد الملاحظة السلبية مراجعة منك أنت لنفسك فتجد أن تقديرك الأول كان تقديراً قائما على خطأ. والأخوة الصادقة أغلى من تجارة ماديّة رابحة، وكما لا تتسرع في رفع يدك عن تجارتك الرابحة أيضا عليك ألا تتسرع في هدم الأخوة الصادقة.
” لا تصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب، ولن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك”5.
قد تذهب بك الظنون وكثيراً ما تكون الظنون كاذبة، إلى انّ أخاك عنده تقصير معك أو أراد بك سوءاً، لا تسرع راكضاً وراء الأخذ بهذا الظن وإنما لابدّ من التريث، ولابدّ من الدراسة لأنك لن تخسر بقطيعة أخيك الشيء البسيط. ثم للأخوة الإيمانية حرمة عند الله لا ينبغي التفريط بها بهذه السرعة.
” ولا تقطعه دون استعتاب” العتب الكثير ربما يفصل بين الأخوين، وترك الاستعتاب بالمرة ربّما يراكم في النفس من سوء الظن وبذلك تنقطع العلاقة. لابدّ من العتب الجميل، ولابدّ من تفهمٍ لعذر أخيك فيما يكون قد حدث منه. ” ولن لمن غاظك فإنه يوشك أن يلين لك” وهذا التعبير الأخير لا يختص بالأخوات الصادقة والمودّات المتينة، إنما هو تعبير قد يعمّ كل العلاقات بين المؤمنين وحتى بين غير المؤمنين.
حاول أن تعالج غلظة الطرف الآخر بشيء من اللين منك، فربما عالجه ذلك وارتفع أصل المشكلة بينكما، وإذا استمر على غلظته فلكل حادث حديث.
لا تكن ملعونا:-
تقول الكلمة عن الصادق عليه السلام” ملعون ملعون رجل يبدؤه أخوه بالصلح فلم يصالحه”6 وفينا سوء خلق، قد أكون مظلوماً لكلمة نابية صدرت من أخ لي، أو سوء ظنٍ بي. قد أكون مظلوما في شيء من مال، أو أيّ شيئ من هذه الأشياء، فيأتي أخي يطلب مني الصفح. وقد تحصل بيننا مشادة، وقد يصرّ على ذنبه، إلا أنه يعود ويؤوب ليقيم العلاقة من جديد أو يرطّب الأجواء على الأقل ولينهي المشكلة ويطلب الصفح عما حصل منه من ظلم، هنا أتحمّل مسؤولية اسلامية، ولو على نحو الاستحباب بأن ألين لأخي، ولإن أعيد المياه إلى مجاريها في علاقتي معه وأسعى لحط الوزر عن كاهله. حين أتأبّى، وأتجافى، وأستعلي، وأستكبر، وأستغل ضعفه الذي وقع فيه، فأنا لست الانسان المسلم كما ينبغي.
لا تنحدر:-
” لا تتبع أخاك بعد القطيعة وقيعة فيه، فيسدّ طريق الرجوع إليك، فلعلّ التجارب تردّه عليك”7.
كنت تستر على أخيك والعلاقة قائمة بينكما، بل لم تكن عندك ملاحظات تستحق الذكر على أخيك، أما بعد القطيعة فأحدنا يراجع نفسه كثيراً ويحاول أن يفتش ويستقصي من أخيه كل وقفة وكل كلمة ويدخل في محاسبة شديدة لأخيه علّه يستكشف عورة، علّه يقف على سقطة لينشر ذلك في الناس. هدم لحق الأخوة، هدم لحق الاسلام والإيمان أن يفعل أحدنا ذلك.
الكلمة هنا والحديث يهتمّ بالجانب الوضعي لهذا الفعل، ويسكت عن الجانب التكليفي، فيقول الكلمة إن هذه الوقيعة في أخيك بعد قطع الصلة تنهي كل علاقة مستقبلية بينكما، بينما أنك قد تربح أخاك ثانية لأنه قد يتجلى لك أن أخاك من أصلح الصلحاء وأوفى الأوفياء. أما وأنت قد وقعت فيه بعد القطيعة فإن ذلك سيسدّ الطريق نهائياً على العلاقة بينكما.
لولا وقيعتك فيه كان يمكن للتجارب أن تردّه عليك.كان يحسبك شيئاً بتصور خاطئ ومراجعاته النفسية وتجاربه الجديدة قد تؤدي إلى أنك معشوقه الروحي، فيطلب مودتك وأخوَّتك من جديد وبكل ثمن.
اللّهم صلّ على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك انت التواب الرحيم.
اللّهم إن الرابح من ربح رضاك، ونجا من غضبك، وإن الخاسر من خسر رضاك، وأصابه غضبك، فاسلك بنا ربنا إلى رضاك، وتفضّل علينا به، واعدل بنا عن طريق غضبك، ونجّنا منه، واكرمنا في الدّنيا، ويوم الوفود إليك.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إنّا أَعطَينَاكَ الكَوثَر، فَصلِّ لِرَبِكَ وَانحَر، إِنَّ شَانِئكَ هُوَ الأبتَـَر }

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي عمّ برحمانيته المحسنين والمسيئين، وسما من رحيميته قدر المطيعين، ولم يرض لهم جزاء إلا الجنة والرضا، ومن أسكنه الله الجنة ورضي عنه لا نقص يعتريه ولا شقاء. الحمدلله حمداً يرضاه، ويغفر به ذنوبنا، ويستر عيوبنا، ويكشف كروبنا، ويحسن عاقبتنا، ويرفع درجتنا.
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
عباد الله علينا ونحن أبناء التراب من خلقه عزوجل بتقواه، والتواضع لأمره ونهيه، والرضا بما شرع، والأخذ بما نصح، وأن لا نشرك به أحداً في فعل أو ترك، ولا خوف ولا رجاء، وإن الجهاد لبلوغ هذا الأمر لجهاد عظيم، وإن التعثر على طريقه لكثير، ويعترضه التراجع بعد التراجع، والغفلة بعد الغفلة، والسقطة بعد السقطة، ولا يثبت عليه إلا القليل، ولا ينال غايته إلا الأقل، ولجهاد الجوارح أسهل وأيسر من جهاد الجوانح، وإنما القيمة العليا لهذا الجهاد الأخير. ولا بلوغ لخير على الإطلاق إلا بفضل الله، ولا غنى لمجاهد من التوكل والإعتماد عليه.
اللهم اغفر لنا ولأحياء المؤمنين والمؤمنات وأمواتهم يا رحيم يا كريم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد فهذه جملة قضايا:
أولاً: فلتهنأ أمريكا واسرائيل:
ولا هنئتا انشاء الله لأن هناءهما بشرّ هذه الأمة.
العراق تأكله الفتنة، وتطحنه الحرب، وهو مهدد بمزيد من الاحتراق. ولبنان يقوده الخلاف المتأزم إلى المجهول، والفلسطينيون في اغتيال واقتتال، والصوماليون يواصلون حربهم الطويلة المدمّرة، وأفغانستان في صراعها الدموي المنهك، وباكستان فتنتها لا تنقضي، وكشمير في مشكل، والخليج لا يدري ماذا ينتظره من شرّ مبيّت ومن جهالات.
والثروة النامية في بعض بلدانه بدل ما تبني تهدم، وتفسد الأوضاع والانسان، والكثير من المسلمين مشغولون بالتربص ببعضهم البعض، ولا اتحاد بين قطرين من الأقطار الاسلاميةعلى نحو الحقيقة، وحالة التوتر تحكم المنطقة التي تتربص بها اسرائيل وتستنزفها أمريكا.
والمفزع في مشكلات المنطقة في الأكثر أمريكا نفسها، لا فزع لهذه الأمة إلى بعضها البعض ولا إلى الله، إنما فزع هذه الأمة في أكثر أقطارها ودولها إلى أمريكا،ويستعين البلد المسلم على البلد المسلم الآخر والفئة المسلمة على أختها كذلك بأمريكا.
وإذا كان المعلن سابقاً أن اسرائيل هي العدو الأول للأمة العربية فإن هذا الأمر صار اليوم محل المناقشة، بل تأتي تصريحات تهوّن من الخطر الاسرائيلي، وتضخّم من خطر الداخل الاسلامي. وربما اشتدت فئة من أبناء الاسلام على فئة أخرى أكثر من اشتدادها على اسرائيل بل هذا هو الواقع.
فلتنم عين اسرائيل قريرة، فلا حرب عليها ولا تربص بها، وكل الحرب والتربص بين العرب أنفسهم وبين المسلمين كذلك.
ولتهنأ كل من أمريكا واسرائيل بهذا الفزع الذي يعيشه المسلمون من داخلهم وهذا الاقتتال والاستنزاف، واتخاذهم من عدوّهم لجأً من بعضهم البعض.
قطيعة بين المسلمين وتوثيق علاقات مع أمريكا واسرائيل.. شك وعداوات وقتال بين المسلمين وثقة وصداقة وتعاون مع امريكا واسرائيل.
هذا الواقع لابدّ أن يهنئ الدولتين اللتين ما زالتا تفسدان في الأرض كلّ الأرض، وتكيدان بالانسان في كل المعمورة.
ثانياً: الأمن المفقود:
1- الامن المطلوب: الأمن المطلوب هو أمن شعب وحكومة وأمن مجتمع وفرد، والأمن العادل بعضه يؤسس لبعض، وفقد بعضه يفقد البعض. إذا توفر الفرد على الأمن أمكن أن تأمن الجماعة والمجتمع، إذا توفر الشعب على الأمن أمكن أن تأمن الحكومة، وأمن الحكومة لابدّ أن يستتبع في المعقول أمن الشعب، وأمن الجماعة لابدّ ان يعطي أمناً للفرد. وحين تحاصر الفرد، وتقلقه، وتجعله دائما في خوف، فلابدّ أن تخاف في هذا الفرض الجماعة ولابدّ أن تخاف الدولة. وإذا أخفت الشعب فلتخف أنت كذلك، ولا يمكن أن تأمن والشعب خائف. والحكومة التي تخاف لابدّ أن تعطي ردّ فعل ضارّ عادلا أو ظالما بالنسبة للشعب.
2- من أين يبدأ الأمن، هل يبدأ من الفرد، يبدأ من الشعب، يبدأ من الحكومة؟ الحق أن الأمن يبدأ من الحكومة التي تملك كل البرامج، وكل الامكانات، وكل الخبرات، وتسيطر على كل حبة من الأرض وعلى كل فلس من الميزانية، وتمتلك من الإمكانات ما يمكن أن يبني العدل وما يمكن أن يهدمه، وما يمكن أن ينشر الظلم وما يمكن أن يرفعه.
الدولة بإمكاناتها الهائلة وبخبرائها وخططها وتفرغها للحكم قادرة على أن تؤسس لأمن شامل وعدل شامل، وقادرة على أن تدفع الخوف عن كل بيت وعن كل نفس.
3- من قريب حدثت حادثة تعدٍ على سيارة شرطة، كما نقلت الصحافة، وهذا التعدي كلنا يشجبه، وهو مدان دينيا وعقلائيا ومن منطلق المصلحة العامة، من منطلق مصلحة المجتمع ومصلحة الأفراد. حقوق مهضومة،حقوق مسلوبة، وظلم فاحش، وتهميش واضح، وسيئات سياسية عملية كثيرة، لكنّ الطريق ليس القتل ولا الحرق ولا التعدي. نادينا مرات ومرات بأن هذا الاسلوب مرفوض، لكن من مارس هذا الاسلوب. هذا الشيء الذي لا نعلمه. من مارس هذا الاسلوب؟ أفئة من افراد من الشعب أو أناس مدسوسون؟ لا ندري. إنه لا اعتراض لنا على أن يقبض على الجاني وأن يعاقب حسب قانون عادل، لكن لنا الحق كل الحق أن نعترض وأن ننكر بأن يسوقك الوهم أو الظن غير الراجح إلى أن فلاناً هو الذي فعل اعتماداً على لون سمرة أو بياض شاهده الشرطي، أو على طول أو قصر، أو على لون ثوب وما إلى ذلك. لنا كل الاعتراض على أن تقبض على الاثنين والثلاثة والستة وأكثر لتخضعهم لأساليب قهرية، أساليب من التعذيب، أساليب من الإهانة، أساليب من الاستدراج، من الاستغفال، من الإيقاع في الوهم، أن تعمل كل خبراتك، ان تعمل كل قوتك في سبيل استلال اعتراف مزيف تحت ضغط الإكراه. لا العقلاء ولا القوانين الأرضية ولا الشريعة توافقك على أن تدين شخصاً يعترف لك تحت الإكراه، وضرب المطرقة.
هناك أربعة في التوقيف لابدّ أنهم يعانون، أوقفوا لا ليطعموا الطعام الشهي، ولا ليسقوا العسل، أوقفوا لتؤخذ منهم اعترافات بفعل معين، والعاقل لا يعترف على نفسه عادة في هذه الموارد ولو كان فاعلاً فضلاً عن كونه غير فاعل مادام مختاراً إلا في موارد محددة. واستلاب الاعتراف يعني أن الشخص خضع لتعذيب من أي لون، وهناك أساليب من التعذيب تظهر على الجسد، وأساليب من التعذيب لا تظهر، البرد القارس هذه الأيام يكفي للتعذيب ويكفي لإحداث الأمراض بعد زمن من غير أن تظهر له قريباً آثار ظاهرة للعيان عند الناس. تأخذ منه الاعتراف تحت الإكراه، ثم تدينه، وتحكم عليه بقانون جائر بأن عليه عشر سنوات أو أربع سنوات من السجن هذا ظلم. دائما النتيجة تتبع أخس المقدمات كما يقولون، وما بني على باطل فهو باطل، وهذا الاعتراف باطل في نظر العقلاء، في نظر القانون، في نظر الشريعة.
وأنت حين تغتال حرمة الفرد وتغتال أمنه تكون قد قوّضت أمن المجتمع ولا أمن لمجتمع ولا لحكومة من دون أمن الأفراد. وما المجتمع إلا مجموعة أفراد، والحكومة إنما تعمل من خلال قدرات الأفراد ونشاط الأفراد وعطاء الأفراد.
4- هذا خطر:
خطر جديد وشديد على هذا المجتمع أن ترسم الحدود، وتقام السدود، وتنشأ جدر عازلة من قوانين أو قرارات بين كل مدنه وقراه. وإقامة نموذج بعد آخر لهذا العزل السيء تفتح الباب واسعاً لنشوء ظاهرة غريبة على العصر، بعيدة عن الذوق، هدّامة للأخوّة، ذات تأشيرات خطيرة غير اسلامية ولا انسانية، وتعطي الحق في الأخذ بهذه البادرة الممزّقة لكل محافظة في بلدٍ كل محافظاته لا تساوي محافظة واحدة من بلد متسع، وذلك مما يقيم حواجز من النوع النفسي، وعلى مستوى الاهتمام الوطني بين أهل الكبائن المغلقة المسماة بالمدن والقرى.
ما هو الباعث لأن يكون السكن في المحرّق مقصورا على أهلها، حيث لا يدخلها داخل من غيرها من المواطنين، ولا يخرج منها خارج من أهلها، ومن خرج منهم فلابد أن يعاد إليها؟ ومن هم أهلها؟ لا ندري ما سيأتي غداً من تعريف لأهل المحرق، وربما كانوا في نظر ذلك التعريف أنهم من كانت لهم آباء وأجداد فيها منذ ألف سنة.
طرحت في الصحافة مبررات لهذا القرار الذي قيل أنه من فوق، وهي قرارات لا تصمد أمام المناقشة، ولو قُبلت في مورد المحرق وهي متوفرة في كل المحافظات خاصة والفقر في بعض المحافظات أقسى منه في المحرق فلابدّ أن يعمّ القرار كل محافظة في البحرين. ولك أن تتصور البحرين وهي محافظات بحجم الكبائن تقوم بينها جدر عازلة.
نعم هذا يعطي لكل محافظة أن تقيم جدارها العازل وربما فعلت كل مدينة وقرية عازلا عن أخواتها في الوطن ذي المساحة الضيقة. يأتي هذا القرار في حين يفتح لكل الأخوة من الخليج أن يتملكوا في البحرين وهويمنع على البحريني أن يتملك في وطنه وهذا من العجب العجاب .
المحرقيون من أبناء هذا الوطن، وأخوة لبقية أبنائه، وأرضهم من أرضه، وكل أرضه لهم كما هي لبقية أخوتهم فيه. وهم وسائر إخوانهم في هذا الوطن أناس كرام ليس منهم أحد من نوع الملائكة، ولا من نوع الجن وليس فيهم أصحاب دم أزرق وكلهم من عنصر الطين ونفخة الروح.
القرار متخلف جدا وهو في القرن الحادي والعشرين، وشاذ جدا من بين شعارات رنّانة ترفع كل يوم كالديمقراطية والحرية والمساواة والانفتاح والأسرة الواحدة والجسم الواحد ترفع هذه الشعارات كل يوم والمراد اقناع الشعب بجديتها.
إنه قرار بتبضيع المجتمع وتمزيقه وتفتيت بنيته النفسية والوطنية والحقوقية وهدم لتجانسه، واستعداء لبعضه على بعض.
هذا القرار له رائحة كريهة منتنة، فئوية مبغوضة بغض النظر عمن هو الصادر عنه، ومدى نزاهته ووحدويته.
في القرار إيذان لكل أبناء محافظة أن يقيموا جدارهم العازل لمحافظتهم أو مدينتهم أو قريتهم عن بقية إخوانهم في الوطن الواحد الذي لا يقبل التجزئة ولا العداوة.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أهل الأمانة، وأبعدنا عن الخيانة، واغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، وارزقنا سعادة الدارين يا رحيم يا كريم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ص49 ج1
2 – نفس المصدر السابق
3 – نفس المصدر السابق
4 – نفس المصدر السابق
5 – نفس المصدر السابق
6 – نفس المصدر السابق
7 – نفس المصدر السابق

زر الذهاب إلى الأعلى